تحقيق: إيهاب أدونيا
مازال تأسيس وتدشين مركز تكوين للفكر في مصر يثير جدلاً وانتقادات وسط مطالبات بإغلاقه، وحملات واتهامات للقائمين عليه. فيما قرر النائب العام المصري إحالة البلاغ المقدم من المحامي عمرو عبد السلام ضد المركز لنيابة أمن الدولة العليا للتحقيق، حيث اتهم المحامي بالنقض مجلس أمناء المركز، ببث أفكار متطرفة تحت ستار الدين. من جانبه قال الدكتور عباس شومان أمين عام هيئة كبار العلماء، والمشرف على الفتوى بالأزهر، إن الأزهر يراقب موقف المركز ويتابع كل ما يصدر عنه، مضيفًا أنه سيتم اتخاذ ما يلزم بعد الوقوف على الحقيقة.
كما أجلت محكمة القضاء الإداري الدعوى المقامة من مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك السابق ضد وزيرة التضامن الاجتماعي والتي يطلب فيها إلغاء ترخيص وإغلاق مركز «تكوين الفكر العربي» إلى 9 يونيو القادم للاطلاع والرد من قبل الحكومة.
منذ تسع سنوات، أطلق رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي دعوته لتجديد الخطاب الديني، مطالبًا بثورة دينية، بعد فترة وجيزة من توليه الحكم. وتزامنت دعوته وقتها مع انتشار العمليات الإرهابية التي شهدتها مصر عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي وإنهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين، ولاقت اهتمامًا دوليًا ومحليًا، خاصةً في ظل الحاجة لرؤية جديدة يمكن البناء عليها في مكافحة التطرف الديني الذي كانت تعاني منه دول المنطقة، وانتقل إلى استهداف المدنيين في بعض الدول الغربية.
واكتسبت دعوة الرئيس زخمًا مع الإلحاح الرسمي عليها، والتنديد ببطء إجراءات وضعها حيز التنفيذ، لدرجة انتقاده لشيخ الأزهر، وضعف أداء المؤسسة الدينية الأولى. وتم التسويق لذلك باعتباره عملًا إيجابيًا يُحسب للنظام.
هل نجحت مؤسسات الدولة في تجديد الخطاب الديني؟ وهل قدمت رؤية جديدة تجاه المرأة والأقليات الدينية؟ وهل تعالج خطابات الكراهية والتمييز والتحريض على العنف الراسخ في عقول قطاعات معتبرة من المصريين؟ ولماذا خفت الحديث عنه مؤخرًا؟ لا، لم تنجح، وكما فرحت قطاعات تنويرية بمصر بعد الإعلان عن انطلاق مؤسسة “تكوين الفكر العربي”، انتقدتها قطاعات سلفية أخرى متهمة إياها بنشر الإلحاد.
أثارت “تكوين” جدلًا واسعًا خلال الأيام الماضية، حيث طالبت دعواتٌ واسعة بإغلاقها، ورفع دعوى قضائية ضد بعض أعضاء مجلس إدارتها بتهمة “نشر الإلحاد وإحداث فتنة”.
وجُوبهت المؤسسة التي تدفع باتجاه تجديد الخطاب الديني بسيل من الانتقادات من مؤسسة الأزهر في مصر، لكن ما زاد من حجم الجدل تبني أصوات كنسية لموقف الأزهر رغم أن المسيحيين كانوا أكثر المتضررين من التشدد الديني.
ومع كل ما أثير حول مؤسسة “تكوين” وأنها ترغب في “نشر الإلحاد والتحرر الأعمى”، فإن أهدافها المعلنة وخططها المنشورة تشير إلى أنها تبحث عن فكر مستنير وإصلاح فكري وإرساء احترام الآخر، وهي مبادئ يجاهد السلفيون لمحاربتها.
ويرى مراقبون أن مغازلة بعض قادة الكنيسة لمؤسسة الأزهر التي لديها مواقف متصلبة ضد كل ما يمس تجديد الخطاب الديني أو يدعو لتنقيح التراث أو الاجتهاد وإعمال العقل انتكاسة للدولة المدنية في مصر، كمدخل لتثبيت الأمن والاستقرار والخلاص من الاحتقان الطائفي وإقصاء قوى الإسلام السياسي من المشهد كليًا.
أهداف ورسالة مؤسسة “تكوين” … تعزيز قيم الحوار البنَّاء ودعم الفكر المستنير والإصلاح الفكري
مؤسسة “تكوين” هي مؤسسة عربية نادى بتأسيسها مجموعة من المفكرين والباحثين العرب بهدف تعزيز قيم الحوار البنّاء، ودعم الفكر المستنير والإصلاح الفكري، وخلق فضاءات تقنية مناسبة تسمح بوصول منتجها الفكري المرئي والمسموع والمقروء إلى أوسع قاعدة ممكنة من الجمهور.
تعمل المؤّسسة على تطوير خطاب التسامح وفتح آفاق الحوار والتحفيز على المراجعة النقدية وطرح الأسئلة حول المسلَّمات الفكرية، وإعادة النظر في الثغرات التي حالت دون تحقيق المشروع النهضوي الذي انطلق منذ قرنين.
كما تهدف المؤسسة إلى إرساء قيم العقل والاستنارة والإصلاح والحوار وقبول الآخر والإيمان بمبادئ السلام العالمي بين المجتمعات والثقافات والأديان، وكذلك تمهيد السبيل نحو مستقبل مشرق للمجتمعات العربية والإسلامية من خلال الثقافة والفكر الديني المستنير وما بينهما من اتصال، وبث روح التجديد والإصلاح الذي يعيد للفكر الديني مكانته اللائقة وتواصله وتكامله مع مستجدات العصر ومواكبة التقدم في كافة المجالات العلمية والفكرية والقيمية. وهذا ما يمكن أن نطلق عليه عملية توطين الثقافة والفكر ليكونا عنصرًا أساسيًا مشاركًا في معادلة الإصلاح والتقدم والتنوير للفرد والمجتمع في بلادنا العربية.
تهدف المؤسسة إلي وضع الثقافة والفكر العربي في أطر جديدة أكثر حيويةً وتواصلًا وشموليةً مع المجتمع العربي، ومد جسور التعاون مع الثقافات المختلفة في عالمنا المعاصر بهدف تمهيد السبيل نحو فكر عربي مستنير يقوم على قاعدة فكرية رصينة ومتزنة من التواصل بين الثقافة والفكر الديني.
كما تؤسس جسورًا للوصول إلى صيغة جديدة في النظر والتعامل مع الموروث الديني باعتبار أن بعض تأويلاته القديمة أدت بالمجتمعات العربية والإسلامية اليوم إلى مآزق اجتماعية ودينية وفكرية، حيث شكلت تلك التأويلات كثيرًا من أشكال وأنماط حياتنا المعاصرة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهو ما أدى إلى ظهور واحتضان مجتمعاتنا الأفكار المتطرفة وتأويلات رجعية أساءت للدين الإسلامي ولمجتمعاتنا على حد سواء، وسعت تلك التأويلات إلى تمزيق مجتمعاتنا على أسس طائفية ومذهبية متشددة.
تحذير من علماء الأزهر.. يدعو للإلحاد ويشكك في ثوابت الدين
حذر الدكتور علي محمد الأزهري، عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والفلسفة في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف، من مركز “تكوين” وأشار العالم الأزهري في تدوينة على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إلى أن هذا المركز يضم أشخاصًا يشككون في السنة والعقيدة، داعيًا مؤسسة الأزهر الشريف إلى الانتباه لهذا الأمر بالغ الجلل، وخاصة بوجود طلاب يميلون لآرائهم.
وأكد الأزهري على وجوب إعادة النظر في المناهج الدراسية، خاصة مناهج العقيدة، لحماية الطلاب وتوعيتهم وصونهم من الانحرافات المحتملة.
من جانبه، علق الدكتور أحمد مصطفى محرم، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، على صفحته على فيس بوك، مشيرًا إلى أن مركز “تكوين” يدعو بوضوح إلى الإلحاد ويسعى للتشكيك في القيم الدينية الإسلامية، معبرًا عن استيائه من التمويل الضخم الذي يتلقاه المركز والإعلانات الممولة التي تروج لبرامجه.
وهاجم الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف على رواق الأزهر، أعضاء مؤسسة “تكوين”، مشددًا على أن الأزهر الشريف سيقف لهم بالمرصاد، مشيرًا إلى أن التنوير مذهب غربي، وجد، ومنهجه الأساسي أنه لا سلطان على العقل إلا العقل وأن العقل هو الرئيس لأي منطقة يحكمها، وبالتالي كل شيء يخضع للعقل، من وجهة نظرهم، ولكن عند الدين نقول لهم: قفوا، فالعقل تلميذ لدى الشرع.
بلاغ للنائب العام ضد “تكوين”
تقدم المستشار وائل أبو شوشة ببلاغ للنائب العام ضد القائمين على مركز “تكوين” الذي أسسه “إبراهيم عيسى – إسلام البحيري – يوسف زيدان”، وذلك لاتهامه بخروجه عن السياق الفكري العام للمجتمع، ودعوته إلى ما يخالف الأعراف السائدة بالمجتمع المصري، ونشر الأفكار المتطرفة وازدراء الدين، بغرض التشكيك في الثوابت الدينية، بقصد الإضرار بالأمن القومي والسلم الاجتماعي، ونشر الأفكار المتطرفة وازدراء الدين – من وجهة نظر القائم بالبلاغ.
والجدير بالذكر أنه سبق وتقدم أحد المحامين ببلاغ للنائب العام ضد مجلس أمناء مركز “تكوين”، مطالبًا بالتحفظ على أموال المؤسسة، بسبب تلقيها أموالًا من دول أجنبية وجهات خارجية بقصد نشر الأفكار المتطرفة وازدراء الدين، بغرض التشكيك في الثوابت الدينية بقصد الإضرار بالأمن القومي والسلم الاجتماعي – من وجهة نظر القائم بالبلاغ.
تم التقدم ببلاغ للنائب العام وقُيِّد برقم 766270 لسنة 2024 عرائض المكتب الفني للنائب العام ضد رئيس مجلس الأمناء وأعضاء مركز “تكوين الفكر العربي” وهم كل من: “إبراهيم عيسي، وإسلام البحيري، يوسف زيدان”، وذلك بتهمة تلقي أموال خارجية لترويج ونشر الأفكار المتطرفة، للتشكيك في الثوابت الدينية، والطعن في السنة النبوية المطهرة، بقصد إحداث فتنة عامة بين جموع طوائف الشعب المصري، وطالب البلاغ بالتحفظ على أموال المركز، لحين الانتهاء من التحقيقات.
المؤسسون: هدفنا ترسيخ العقلانية والتفكير المنطقي لرفع المستوى الثقافي في مصر
من جانبه، أوضح الدكتور يوسف زيدان، المفكر والمؤرخ المصري وأحد مؤسسي مؤسسة “تكوين”، أنه ليس من مهام مؤسسة “تكوين” عقد المناظرات بين المتخاصمين، ولا المواجهات بين المتخالفين، فقد ثبت بالتجربة أنه لا جدوى من الجدال الديني، لافتًا إلى الهدف الأساسي لمؤسسة “تكوين”، وهو الارتقاء بالمستوي الثقافي العام في مصر والبلاد العربية، وبذل الجهد من أجل ترسيخ العقلانية والتفكير المنطقي، سعيًا إلى التثقيف العام.
وأشار إلى أن “تكوين” ليست مبنى يمكن إغلاقه، بل هي مبادرة للتثقيف العام في البلاد العربية، ودعوة مفتوحة لإعمال العقل وإعادة بناء المفاهيم العامة وتحكيم المنطق والعقلانية. وهي تنطلق برعاية الدولة المصرية، لإطفاء حرائق الكراهية المقيتة، وهي لا تستهدف إطلاقًا معاداة الدين الإسلامي أو الأزهر أو الكنيسة أو المعابد الهندوسية، ولا تنوي الدخول في مهاترات المجادلة مع الذين يتكسَّبون بالعقائد الخرافية، ويخدعون بخبث أولئك البسطاء من الناس في بلادنا.
وأضاف أن الإعلان عن انطلاق النشاط الثقافي والفكري والفني للمؤسسة كشف عن كثير من الأمراض الاجتماعية والعِلل العقلية التي يعاني منها الوجدان المصري والعربي، المعاصر، وأخطرها فيما يرى هو الكراهية المتأصلة في النفوس، والميل إلى الهَرَج وإلى الانقياد خلف كل زاعق وناعق، مهما افتقر زعيقه ونعيقه لأبسط بديهيات المنطق. وعمومًا، لا بأس، فالتشخيصُ هو أولُ العلاج.
وأوضح أن “تكوين” ليست حزبًا سياسيًا متطرفًا يلزم أفراده بقوالب تفكير معينة، وإنما فضاء معرفي حر للتفكير والإبداع. فقد يختلف أصحاب المدارس المختلفة في الرأي ولكنهم يتفقون في الهدف وفي أشياء أخرى كثيرة.
والمؤسسة تضم في هيكلها شخصيات يسمونها “مثيرة للجدل”، ونسميها نحن “مثيرة للفكر”، وتضم أيضًا شخصيات ذات توجهات مختلفة لكنهم يجتمعون معًا تحت فكرة واحدة هي الدعوة للتفكير.
فـــ “تكوين” مؤسسة غير إقصائية وغير متطرفة لا تكمم أفواه أعضائها لكنها تسمح بمساحات الحرية اللازمة للإبداع والتفكير والاختلاف، وهنا الجميع مدعوون للمشاركة والحوار، مؤمنين بأن الاختلاف هو مصدر الإبداع، وأن التفكير الدائم هو طريق التطور أمام البشرية. أو ليس من الجميل أن يجتمع المفكرون والكُتَّاب العرب في مكان واحد؟
واختتم حديثه بقوله بأن “تكوين” ستكون موجودة في أكثر من دولة عربية ويجب أن تنجح مثلما نجح نجيب محفوظ والطهطاوي.
“إرميا” يورط الكنيسة في الصراع مع “تكوين”… منحازًا للشيخ الأزهري
تضامن الأنبا إرميا، رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، مع دعوة الشيخ أسامة الأزهري، المستشار الديني لرئيس الجمهورية، لعقد مناظرة مع مجلس أمناء مؤسسة “تكوين”.
وقال الأنبا إرميا في بيان: “بعد أن تواصل هاتفيًا معي الدكتور أسامة الأزهري بخصوص مركز تكوين، نعلن أننا نسعى جميعًا للحفاظ على الثوابت الدينية كما تسلمناها، دون أي تغيير، ونرفض بشدة ولا نقبل إنكار السنة المشرفة والتقليد الكنسي السابق للكتاب بعهديه القديم والجديد الذي نقل لنا كل ما يحدث في المسيحية من شعائر وصلوات.”
وأضاف: “نرفض أيضًا أي تيارات غريبة أو أفكار هدامة تهدد السلام المجتمعي، أو تضر الشعب مسلميه ومسيحييه، ونتعهد بمواجهتها بكل قوة.”
كما أعلن تعاونه مع “الأزهري” على نشر الوعي والحفاظ على الثوابت الدينية، وإعداد جيل واعٍ قادر على فهم التحديات الحالية.
وبذلك يكون أشرك الكنيسة في ذلك الصراع بين التنويريين الإسلاميين والأصوليين، رغم أن الكنيسة ليست لها ناقة ولا جمل في تلك المناقشات، حيث لم تعلن “تكوين” أي إصلاح تجاه الخطاب الديني المسيحي، كما أن البيان يشوبه الغموض، فهل الأنبا إرميا متضامن بشخصه أم بصفته كأسقف ومدير للمركز الثقافي الأرثوذكسي؟ وهل رجع إلى البابا تواضرس والذي يمثل القيادة الدينية لطائفته قبل إعلان ذلك البيان أم أنه تخطى الكنيسة في ذلك؟
كمال زاخر: إرميا يورط الكنيسة في غير معركتها … وعلى الكنيسة تحديد آليات إبداء الرأي الكنسي بشكل مؤسسي
من جانبه، عبر المفكر القبطي كمال زاخر عن قلقه من إصدار الأنبا إرميا بيانًا يعلن فيه تضامنه مع الشيخ الدكتور أسامة الأزهري في صدامه مع مؤسسة “تكوين”، ويكمل: “لقد توقفتُ أمام فقرة فيه تقول “نعلن أننا نسعى جميعًا للحفاظ على الثوابت الدينية كما تسلمناها، دون أي تغيير، ونرفض بشدة ولا نقبل إنكار السنة المشرفة والتقليد الكنسي السابق للكتاب بعهديه القديم والجديد الذي نقل لنا كل ما يحدث في المسيحية من شعائر وصلوات…الخ”
وأوضح زاخر أن تلك الفقرة من البيان هي فقرة ملغومة تربط قصرًا بين أمرين لا علاقة بينهما، وتلوي عنق التقليد ليخدم رؤيته، ومن السياق نفهم أن هذا المنشور نُشر دون عرضه على الكنيسة والبابا، ومن ثَمَّ لا يُعد ما جاء به موقفًا للكنيسة، فهو اختار أن يكون اقرب إلى بيت العائلة وفي حضنه عسى أن ينال ما يحقق طموحاته.
وأشار إلى أن البيان لا يأتي على هوى البابا تواضروس الثاني، والغالبية العظمى من المسيحيين يدركون أن الإصلاح الحقيقي يبدأ بالفكر، ثم أن مواجهة أي فكر أو رؤية بالقوة تتناقض كليًا مع مبادئ الأقباط، لحسابات دينية وأخرى سياسية.
وأضاف أن كل انتقاد لتوجهات مؤسسة “تكوين” يخدم جماعة الإخوان والسلفيين، حيث يعنيهما استمرار الانغلاق، ويتعاملون مع أي بيان يصدر عن قيادة كنسية موجه ضدها كانتصار لهما، بمبدأ “عدوّ عدوي صديقي”، ومن الخطأ خلق رابط غير موجود بين الكنيسة وبين “تكوين” بنقد أهدافها.
ويرى المفكر القبطي أن الأمر يوجب على الكنيسة والبابا إعمال القانون الكنسي الذي يمنع الكنيسة من التورط في الشئون السياسية، فهي وُجِدَت لتعمل فيما هو لله، وتترك ما لقيصر لأبنائها المدنيين باختلاف توجهاتهم وقدراتهم، كمواطنين يتوجب عليهم المشاركة ودعم حرية التعبير والحق في الحياة الطبيعية بعيدًا عن التمايزات الدينية.
وطالب زاخر بسرعة إعادة صياغة لائحة المجمع المقدس لتعيد للكنيسة توازنها ووحدتها وتراتبيتها، وخضوع الأسقف لرئاسته الدينية، ولتحديد آليات إبداء الرأي الكنسي بشكل مؤسسي بما لا يورط الكنيسة ويعرض الوطن لمشاكل لا نعرف إلى أين تذهب به.
عماد جاد حول بيان “إرميا”: مطلوب حركة تصحيح تعيد رجال الدين لدورهم الروحي وليتوقفوا عن اللعب على الحبال السياسية
من جانه، عبَّر المحلل السياسي عماد جاد عن رفضه خلط الدين بالسياسة، مؤكدًا تمسكه بمدية الدولة التي تنهض على أساس المواطنة والمساواة وحكم القانون، وتفصل الدين المقدس والمطلق عن السياسة النسبية المتغيرة، وأشار إلى ضرورة اقتصار دور رجال الدين على المجال الروحي فقط، مضيفًا: “فليذهب هو وأمثاله إلى الأديرة، ألم يختر الخلاص الشخصي وأجريت له مراسم وطقوس الموت عن العالم؟”
وطالب جاد بحركة تصحيح تعيد رجال الدين المسيحي إلى أدوارهم الروحية ليتوقفوا عن اللعب على الحبال السياسية، فالفلاسفة قالوا إن “السياسة ليست مجال عمل الرجل الفاضل”.
وبعيدًا عن موقف الأزهر والكنيسة كجهتين دينيتين من “تكوين”، سوف تبقى الأزمة في العناصر القيادية التي تتصدر المشهد وتقدم نفسها كناطقة رسمية باسم المسلمين أو الأقباط بلا اكتراث لحقيقة أن المجتمع ليس في حاجة إلى مَنْ يفرض عليه وصايته الدينية أو السياسية، فالشعب المصري الذي انتفض ضد الإخوان قبل سنوات وأبعد الجماعة عن السلطة لن يتخلى عن مدنية الدولة، مهما بلغت سطوة الأزهر أو الكنيسة. ويبقى الرهان على «الثورة العقلية» للقضاء على التطرف وتجفيف منابع الإرهاب، وهذا يحتاج إلى «فرسان» يتقدمون المسيرة.
أماني الوشاحي: تكوين كشفت حقيقة تجار الدين المتحكمين في عقول الناس بموروث دنيوي
قالت أماني الوشاحي مستشارة رئيس منظمة الكونجرس العالمى الأمازيغى: مركز “تكوين” هو مجموعة من الناس الذين أفاقوا من غيبوبتهم وقرروا تشغيل عقولهم ورفض الموروث في الدين الذي لم يذكره الله، يعني كل الذي فعلوه أنهم لم يتبعوا الموروث البعيد كل البعد عن كتاب الله.
هؤلاء الناس قرروا الظهور إلى النور في خطوة إيجابية رائعة كنا نتمناها جميعًا… خطوة إلى الإمام في دين الله… خطوة لإظهار الشرك الذي يتبعه معظم المسلمين.
فانتفض الأزهر وباقي الجهات الكهنوتية ومعهم مريدوهم وعبيدهم لأن كل ذنب “تكوين” أنها كشفت حقيقة تجار الدين والشيوخ الذين تحكموا في عقول الناس بموروث لم يأمر به الله.
معظم الموجودين في هذا الكيان نعرفهم منذ زمن مثل إبراهيم عيسى وإسلام البحيري وفاطمة ناعوت… ولم نسمع منهم أبدًا أنهم يهاجمون دين الله بل كانوا يهاجمون الدين الموازي الذي اتبعه الناس من دون دين الله.
أدعم “تكوين” وأتمنى أن نرى ألف “تكوين” في مصر حتى يفيق الناس من الضلال والشرك بالله.
منال الطيبي: “تكوين” خاسرة مسبقًا بسبب العقل الجمعي… ومدنية الدولة هي الحل
من جهتها، رأت منال الطيبي، الناشطة الحقوقية، أن معركة “تكوين” خاسرة مسبقًا وقبل ان تبدأ لأن الاشتباك مع التراث الديني هو معركة خاسرة مسبقًا ومستنزفة لجهود التقدميين.
وفسرت رأيها بأن الاشتباك مع التراث الديني لتجديده حتى يواكب الحداثة يحتاج لمجهودات مضنية وإمكانيات ضخمة ليس في الإمكان توافرها، فهو يحتاج أن يقوم التقدميون بدراسة التراث الديني جميعه ونقده بالكتابة والأبحاث والدراسات، وهذا الأمر يحتاج لجيش من الباحثين وموارد كبيرة للغاية. ومهما توافرت أعداد باحثين أو إمكانيات مادية لهم، فإن هذه الإمكانيات لن تكون سوى قطرة في بحر مما هو متوافر لدى جيش المدافعين عن التراث وكذا إمكانياتهم المادية.
وأضافت أنه مهما ساق التقدميون من أفكار حتى ولو منطقية في نقد التراث الديني، فإن الغلبة ستكون للمدافعين عن التراث، وذلك لأن العامة يتبنون هذا التراث ويتمسكون به.
وأشارت إلى أن المدافعين عن التراث الديني يسوقون حججًا دينية يضفون عليها هالة القداسة ويعتبرونها مقدسة غير قابلة للنقاش. فهم عندما يتحدثون ينسبون حديثهم لله أو/ وللرسول، كما أن تجديد الخطاب الديني أو بمعنى أدق تجديد الفكر الديني سلاح ذو حدين. فمن الممكن أن يؤدي لردة أكبر للمجتمع كوسيلة للدفاع عن هذا التراث، وكمثال على ذلك ما حدث في إيران، فقد سبقت الثورة الإيرانية 1979 حركة كبيرة وواسعة لتجديد الفكر الديني، كان على أثرها أن ارتد المجتمع للخلف وأصبحت إيران دولة دينية بامتياز.
وعليه، فإن مواجهة التراث الديني لا تكون بالاشتباك معه، ولكن مواجهته تكون بالحداثة والإصرار عليها وعدم الانجرار لمثل هذه المواجهات الخاسرة مسبقًا. وهذا لن يتأتى إلا بمدنية الدولة، وهو المنهج الذي اتبعته في مواجهة الأخوان المسلمين والسلفيين في الجمعية التأسيسية للدستور، والذي أدى لخسارتهم في أي مواجهة فكرية معي، لدرجة أنهم أصبحوا يعتذرون عن أي مواجهة إعلامية معي لأنهم يعلمون أنني لن أنجر على أرضيتهم، وأنهم هم الخاسرون مسبقًا. حتى عندما واجهتُ ياسر برهامي، كانت النتيجة فضيحة مدوية له.
وانتهت إلى أن الخلاصة تكمن في أن المدرسة الوسطية والتي تهدف لإعادة ترجمة النصوص الدينية بما يلائم العصر هي مدرسة فاشلة بامتياز وخاسرة مسبقًا.