مركز الكلمة للأبحاث والدراسات يناقش .. “المناهج التعليمية بين المساواة والتمييز”
رفعت فكري: لا مخرج لنا من هذه الأزمة الفكرية والحضارية إلا بالتربية على ثقافة التسامح العقل
فاطمة ناعوت: نحتاج إلى وأد الطائفية في المناهج ووأد الحفظ الذي لا يُفضي إلى إعمال عقل
كمال مغيث: قانون التعليم طائفي ينحاز للمسلمين والحل ليس في تدريس آيات من الإنجيل بل في حذف الآيات القرآنية من مناهج التعليم
تغطية: د. ماريانا يوسف
في حالة ثقافية تنويرية نادرة، افتتح الدكتور ثروت صموئيل، مدير المركز ومدير تحرير جريدة «الطريق والحقّ»، في جو احتفالي وثقافي الصالون الثقافي الأول لمركز الكلمة للأبحاث والدراسات تحت عنوان “المناهج التعليمية بين المساواة والتمييز”.
وأوضح صموئيل أن المنتدى الثقافي سوف يناقش القضايا المجتمعية المختلفة وسيتم التركيز على القضايا الخلافية لتقديم حلول ومقترحات عبر المناقشات للسعي نحو تحقيق المواطنة الكاملة دون نقصان لكل مصري.
وأشار إلى أنه من المزمع إقامة اللقاء الثقافي كل شهرين، كما سيتم طرح تلك الرؤى عبر منصة إلكترونية متخصصة، وسوف يقوم مركز الكلمة بنشر كتيبات دورية ومجلة ربع سنوية لنشر أخبار المركز وملخصات للكتيبات التي سيصدرها المركز كل شهر.
د.رفعت فكري: لا مخرج لنا من هذه الأزمة الفكرية والحضارية إلا بالتربية على ثقافة التسامح
بدأ القس رفعت فكري، رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بالكنيسة الإنجيلية بمصر، والأمين العام المشارك بمجلس كنائس الشرق الأوسط، ورئيس سنودس النيل الإنجيلي سابقًا، كلمته بالاستشهاد بمؤتمر يحمل اسم “صورة الآخر في المناهج التعليمية” استضافه مركز القدس للدراسات السياسية في بيروت في عام 2016 بمباركة ست دول منها مصر وبحضور عدد من خبراء التعليم. وأشار فكري إلى توقف المشاركين أمام إشكالية “غياب” أو”تشويه” صورة “الآخر” في المناهج والمقررات المدرسية والعمليات التربوية في الدول الست، وعرضهم لنماذج من الكتب المدرسية المقررة التي تُلحِق أفدح الضرر بصورة الآخر والشريك في الوطن، لمجرد الاختلاف في الدين والمذهب والقومية والعرق والجندر. وقد رأى المشاركون أن الإصلاحات التي أدخلتها حكومات بلدانهم على المناهج ما زالت تتسم بطابع سطحي وتجميلي، ولا ترقى إلى مستوى تطلعات مجتمعاتهم في إشاعة ثقافة العيش المشترك والاعتراف بالآخر واحترامه، وقبول التعددية والتنوع المثريين للحياة الاجتماعية والثقافية والروحية لمواطني بلدانهم، كما لاحظوا إخفاق المناهج في الدول المذكورة في التربية على مفهوم “المواطنة المتساوية والفاعلة” وقيم ومبادئ حقوق الإنسان، واحترام الخصوصيات والانتماءات المختلفة دينيًا ومذهبيًا وقوميًا وإيديولوجيًا.
ورأى المشاركون والمشاركات أن “المدرسة العمومية” في بلدانهم أخفقت في أداء رسالتها في خلق أجيال من الشباب والشابات “المحصنين” في مواجهة ثقافة الغلو والتطرف والإقصاء والإلغاء، وبناء هويات وطنية جمعية وجامعة، والتصدي لتفاقم ظاهرة “الصراع الهوياتي” في المنطقة، ما سمح بانتشار الانقسامات الدينية والمذهبية والقومية والعرقية.
يُعتبر التعليم وسيلة أي دولة لمواكبة المتغيرات الحادثة في العالم، وتلعب العملية التعليمية دورًا كبيرًا في حياة الإنسان، فمن خلالها يتشكل عقله ووجدانه وبنيانه الفكري والثقافي والعلمي والاجتماعي. ومن هنا، عندما ترسخ المناهج العلمية لثقافة أحادية الحقيقة التي لا بديل عنها، فمن المحتم أن تُخرِج المؤسسات التعليمية لنا جيلًا من المتعصبين الذين يتوهمون أن الحقيقة سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو دينية هي حقيقة واحدة مطلقة ومن ثَمَّ يرفضون مناقشة أي وجهة نظر أخرى مغايرة أو بديلة.
ونظرًا لخطورة هذا الموقف، وحتى نقلل من عدد المتعصبين والأصوليين في مجتمعاتنا، من المحتم أن تركز المناهج التعليمية على أن الحقيقة في غير الله ليست مطلقة، وأنه من الطبيعي أن تختلف آراء الناس حسب اختلاف مداركهم ومصالحهم، وكذلك فإنه من الضروري أن يتسامح الناس عند اختلافهم وأن يتوسطوا في مواقفهم حتى يتمكن المجتمع من الاستمرار والتقدم عن طريق الحوار وليس الصراع الدموي، لأنه إذا توهم إنسان ما أنه يمتلك الحقيقة المطلقة فمن المحتم أن يعادي كل مَنْ يعادي هذه الحقيقة، وبعد أن يعاديه عليه أن ينفيه ويتخلص منه. ومن هذا المنطلق، يُعتبر الإرهاب الدموي والمعنوي نتيجة حتمية للتكفير، والتكفير هو نتيجة حتمية لتوهم امتلاك الحقيقة المطلقة.
لقد تفشت في التعليم افتراضات تقوم على نفي الآخر، كما ظهرت مقولات لأشخاص أموات أضفت الكتب المدرسية ووسائل الإعلام على أقوالهم تقديسًا لا مبرر له. ومثل هذه المفاهيم المغلوطة لن تتغير في ظل اتباع منهج الحفظ والتلقين، ومن هنا لا بد من إقامة الندوات والمناظرات التي تُعرض فيها وجهات النظر المختلفة حول القضايا الاجتماعية والمسائل العلمية، وذلك حتى يستقر في الأذهان نمط التفكير الحر، وينشأ جيل جديد يختلف عن الجيل الحالي الذي أفسدت المناهج التعليمية طريقته في التفكير وحرمته من أن يرى أن الرأي المعارض يحتمل الصواب، وأن في اختلاف الآراء حكمة ورحمة!!
إن الأسئلة عندما تُقدم للطالب يجب أن تنصب على التذكر بنسبة ضئيلة، وتنصب في الأغلب على الإبداع والابتكار والتفكير العقلاني الحر، ومن هنا لن يكون لدينا نموذج واحد للإجابة كما هو حادث اليوم، فعندما تأتي الأسئلة في إطار الحفظ والتذكر فإن هذا يعني أن ثمة جواب واحد صحيح، وأي إجابة أخرى خاطئة، الأمر الذي يؤدي، شئنا أم أبينا، إلى إفراز التعصب، فالتعصب معناه تصور الإنسان أنه بمفرده يملك حقيقة مطلقة لا بديل عنها، ولكن في إطار الإبداع يمكن أن تتعدد الأجوبة ومن ثَمَّ تتعدد الحقائق، وبالتالي ينشأ الطفل في جو من التسامح العقلي الذي يقبل عدة إجابات.
إن الإبداع هو ابتداء الشيء أو صنعه أو استنباطه لا عن مثال سابق، والإبداع هو إنتاج شيء ما على أن يكون جديدًا في صياغته، وإن كانت عناصره موجودة من قبل. والعقل المبدع عقل ناقد لا يُسلِّم بصحة الأشياء والأفكار إلا بعد أن يفحصها عقليًا وماديًا بحثًا عن الأدلة العقلية والحسية للتحقق من صحتها، والمبدع يقر باختلاف الآراء وتنوعها وتعددها ويتعامل معها بمنطق الحوار الذي يشترط الندية الفكرية والنقد الذاتي وقبول الرأي المغاير والاستعداد للتغيير، بدايةً من تغيير الرأي إلى تغيير الموقف، ومن ثَمَّ فالإبداع يتنافى تمامًا مع الدوجماطيقية –وهم امتلاك الحقيقة الوحيدة المطلقة– ولذلك وجب أن يتعلم التلميذ أن لكل سؤال أكثر من جواب، وذلك لأن منهج إعطاء جواب واحد لكل سؤال معناه أننا نربي الطالب على الحقيقة الوحيدة المطلقة، ومن هنا يكون متعصبًا ورافضًا لأي حقيقة أخرى .
إن نظام التعليم الحالي يتعهد الطالب من الإبتدائي وحتى المرحلة الجامعية بإفراز الحقيقة المطلقة، لذلك إذا أردنا خلق مواطن صالح فعلينا أن نستبعد ثقافة الذاكرة المبنية على الحفظ والتلقين والاستظهار ونضع بدلًا منها ثقافة الإبداع والابتكار، حيث إن ثقافة الإبداع والابتكار هي ضد توهم امتلاك الحقيقة الوحيدة المطلقة.
لقد بات التسامح العقلي مطلبًا مُلحًا اليوم، ولا سيما بعد أن كثرت أبواق التعصب الرافضة للآخر وخاصةً الآخر الديني المغاير، فلا يمكن لمنصف أن ينكر أن أصوات النعيق والنهيق يرتفع صخبها وضجيجها في كل يوم داخل مجتمعاتنا العربية، ولا مخرج لنا من هذه الأزمة الفكرية والحضارية إلا بالتربية على ثقافة التسامح العقلي، فهل يمكن للمؤسسات التعليمية في بلادنا أن تساهم في نشر هذه الثقافة؟!!
فاطمة ناعوت: نحتاج إلى وأد الطائفية في المناهج ووأد الحفظ الذي لا يُفضي إلى إعمال عقل
بدأت الكاتبة الصحفية فاطمة ناعوت كلمتها واصفة ذاتها بأنها من الباكيات على نظام التعليم المصري الحالي وبأنها مشغولة بقضية التعليم في مصر، لإيمانها بمقولة ڤيكتور هوجو بأن “مَن يفتح باب مدرسة بيد، يُغلق باب سجن باليد الأخرى”، فلا نهضة بلا تعليم. وأوروبا لم تشعل نهضتها الكبرى (الرينيسانس) إلا بالفلسفات التنويرية والعلوم والآداب والفنون الراقية. وفي عهد مبارك، كتبتُ كثيرًا عن أحلامي في ملف التعليم، ولكن الأمور سارت من سيء إلى أسوا.
“الشكلانية”. للأسف نحن نؤدي “كل” مفردات الحياة على نحو قشري لا عمق وراءه، ومنها “كأنه التعليم”، والمعلِّم “كأنه يُعلِّم”، ووطالب “كأنه يتعلّم”، وأولياء الأمور “كأن أولادهم متعلمون”، والدولة “كأنها توظّف خريجين متعلمين”.
هذه التمثيلية الكبرى التي نعيشها تحت لواء “كأننا” هي السبب الرئيس في تخلفنا، وإن لم نكافحها فستنعدم تقريبًا كل فرص التنمية الحقيقية في المجتمع.
الأهل يُبرئون ذمتهم فيدفعون بأولادهم للمدارس، والتلاميذ يدخلون الفصول كأنهم يتعلمون، والمعلمون كأنهم يُعلّمون، والحكومة توظّف الخريجين الأميين الذين كأنهم تعلّموا.
ثمة عُرف سائد في مدارس مصر الحكومية، وربما قرار سيادي لستُ أدري، وهو أن جميع التلاميذ يجب أن ينجحوا ويصعدوا للصف الدراسي التالي، دون النظر إلى مستواهم التعليمي وما حصَّلوه خلال العام، لأن رسوب تلميذ وبقاءه في الفصل معناه أن الطفل الصاعد من الصف الدراسي الأدنى لن يجد له مقعدًا بين الثمانين مقعدًا في الفصل الواحد! ولهذا تجد تلميذًا في الثانوي لا يعرف الأبجدية ويخطئ في كتابة اسمه فليس هناك مجال لـــ “رفاهية الرسوب”.
وأشارت إلى أن “الآخر” دومًا مغيب عن أذهان واضعي المناهج، فإن كانوا رجالًا قللوا من قيمة المرأة، وإن كانوا على دين ما كفَّروا أصحاب الدين الآخر، فمثلًا يضعون الحقبة الفرعوني على استحياء “لأنهم كفرة وعبدة أوثان ” من وجهة نظرهم.
كذلك لا نجد أي منهج أو ذكر لابن رشد في المناهج التعليمية، فمن المؤسف أن يرتقي ابن رشد تلك المكانة الرفيعة لدى الغرب، بينما لا يكاد الشاب العربي الراهن يعرف عنه شيئًا! فضلًا عن سَيْرنا، بدأب وإصرارٍ وعمى، على خط نقيض لكل ما وصل إليه ابن رشد بالتأمل وإعمال العقل!
التعليم للأسف يخرج لنا جهلاء وليس متطرفين فقط، فنختلف على المفردات الأساسية، فكيف لنا أن نبني حوارًا؟
وأشارت إلى حادثة المفكر التنويري أحمد لطفي السيد حين قرر الترشح للبرلمان المصري وكان ينادي بقيم العدل والمساواة والديمقراطية، فأشاع خصومه أن الديمقراطية دين جديد ينادي بالكفر، وأن الأستاذ ترك الإسلام واعتنق الديمقراطية. فلما أقام لطفي السيد مؤتمرًا جماهيريًّا لعرض برنامجه الانتخابي سأله أحد الحضور: “هل أنت ديمقراطي؟” فقال: “نعم.” فانصرف الناس عنه، وخسر البرلمانَ، وأصبح خصمه نائبًا عن الشعب. وهنا وهناك اختلاف على المفردات الأساسية.
كذلك فإن الجُهال يرون أن كلمة “قبطي” تشير إلى المسيحيين بينما هي تشير إلى المصريين جميعًا، فكلمة “قبطي” تعني مصري، فنحن جميعًا أقباط بحكم الميلاد والهوية والعِرق والجنسية، وأيضًا بحكم التاريخ.
ونحن نعرف كيف اندثر المعنى الحقيقي لكلمة “قبطي” ليستقر في المفهوم الشعبي أنها تعني “مسيحي”، وهناك أيضًا مَنْ أشاعوا أخطاء في معاني بعض المصطلحات كالعلمانية، فالعلمانية تعني أن تقف الدولة دون تحيز على مسافة متساوية من الأديان كافة، فلا تميز طائفة على طائفة في الحقوق أو الواجبات، فالكل أمام القانون سواء. العلمانية تحترم كافة الأديان وتنادي بحرية المرء في اختيار دينه دون أن تُنتقَص حقوقه كإنسان كريم في وطنه. العلمانية هي فصل الدين عن السياسة لأن الدين ثابت والسياسة متحولة.
لكن هناك أفاقون شوهوا تعريفها وروَّجوا أكاذيبهم المعرفية لكي يخدعوا الناس فيشتروا ولاءهم ويثروا من فقرهم وجهلهم. قال أحدهم، واسمه حازم شومان: “الليبرالية والعلمانية يعني إن أمك تمشي من غير حجاب!” يالسخافة التعريف وضحالته وبجاحته. وبدلًا من أن نضحك معه، ونضحك عليه، صدقه قطاع عظيم من الناس، فكرهوا ما يجب أن ينادوا به ويكرِّسوه في دولتهم. وهنا هم يلعبون على المصطلحات والمفردات الأساسية.
إذًا فالإصلاح يبدأ من محو المعارف المغلوطة، وقد سبق وطالبتُ في أحد مقالاتي بسن قانون حازم حاسم ناجز لا ثغرات به لتجريم تشويه المعارف، يُعتقل بموجبه كل مَن يُروِّج مغالطات علمية مُضلّلة أو يُطلق معلومة معرفية مغلوطة، فيصدقها الناس، وتتداولها الألسن، وتصير حقيقة بين العامة، وما هي إلا هُراء وبلاهة وجهالة! فحتى الآن لا يوجد في مصر قانون يجرم تشويه المعارف.
وقالت إن السبب وراء التسامح في دولة الإمارات هو كلمتان سحريتان: التعليم وتطبيق القانون، وإن المصلحين في التعليم أغلبهم مصريون. إذًا فالمصريون قادرون على الإصلاح، فلماذا يصلحون في الخارج ويفسدون في الداخل بوساوس كراهية الآخر والجهل والتطرف؟!
وأشارت إلى ضرورة إدخال قانون “ماعت” الأخلاقي في المناهج لأنه شيء عظيم تركه لنا آباؤنا الفراعنة، موضحة إلى أن ماعت هي «ربّة العدل» في الميثولوجيا المصرية القديمة والتي تعلو رأسها ريشة، وهي رمز للضمير والحق والعدل والأخلاق. ماعت ترونها محفورة على جداريات المحاكم في جميع أنحاء العالم، وهي معصوبة العينين (دلالة العدل المطلق)، وتحمل في يدها ميزانًا ذهبيًا. وفي لحظة المحاكمة، تنزع ماعت ريشةَ العدل من فوق هامتها وتضعها في إحدى كفتي الميزان، وفي الكفة الأخرى تضع قلب الشخص الذي يُراد محاكمته بعد موته. وهنا يُعرف وزن خطايا المُحاسَب وحسناته بكل دقة، ليُحدَّد إن كان سيدخل الفردوس لأنه خيّر نيِّر صالح وطيب، أو يُلقى به في غياهب العدم لأنه شرير أشِر ظالم مظلم طالح وفاسد.
يتكون دستور ماعت من اثنين وأربعين مبدأً تحفظ النظام والتحضر والسمو والرقي والرغد والأخلاق في وطننا القديم الأبدي. اثنان وأربعون مبدأً، بعدد محافظات مصر آنذاك في عهودها السحيقة المشرقة، كانت هي النبراس والطريق للعيش الكريم في مجتمع كريم يسكنه كرماء. وكانت تلك المبادئ سارية على الفرعون الملك، مثلما هي ساريةٌ على رجال البلاط ورجال الكهنوت، مثلما هي سارية على عامة الشعب. وكانت تُسمى في الأدبيات المصرية القديمة «الاعترافات السلبية»، لأن المرء ينفي فيها عن نفسه كل الخطايا البشرية المعروفة.
وفي نهاية كلمتها، أشارت إلى أن مناهجنا تحتاج إلى إصلاح قوي وسريع، خاصةً وأن هناك مؤسسات تعمل على إجهاض إعمال العقل متخذة مقولة ابن تيمية “مَنْ تمنطق تزندق” عنوانًا لمنهجيتها، فلا مناص لنا إلا الإصلاح والبعد عن السلفنة والرجعية ولنبدأ في بناء عقلية نقدية تناقش وتنتقد الأفكار والمسلمات، ولتتضافر جهود المثقفين ليكونوا يدًا واحدة قوية.
وأشارت إلى أنه دائمًا وأبدًا: «الدين لله، والوطن لجميع أبناء الوطن، من محبي هذا الوطن»، وأنه قد بدأت بوادر طفرة طيبة في مجال التعليم منذ خمس سنوات، في عهد وزير التعليم المحترم د. «طارق شوقي»، ويحمل المشعل اليوم د. «رضا حجازي»، حيث إن محاولات حقيقية لوأد الطائفية في المناهج، ووأد الحفظ الذي لا يُفضي إلى إعمال عقل، ونطمح في المزيد. وتحيا مصر.
د. كمال مغيث: قانون التعليم هو طائفي ينحاز للمسلمين والحل ليس في تدريس آيات من الإنجيل بل في حذف الآيات القرآنية من مناهج التعليم
من جهته، بدأ د. كمال مغيث، الباحث التربوي المصري في المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية والحاصل على دكتوراه عن التعليم في مصر في العصر العثماني، حديثه بأن التعليم جزء من المشروع الوطني، ففي عهد محمد علي قام بإرسال بعثات إلى دول أوروبا، وعلى رأس هذه البعثات كان رفاعة الطهطاوي الذي قام بنقل ثقافات الحضارة الأوروبية إلى مصر مما أدى إلى تطوير الصناعة والزراعة والتجارة.
وعلى نفس النهج سار جمال عبد الناصر، حيث ارتبط التعليم بالمشروع الوطني وتطورت الأمور وحدث تخطيط مركزي وكانت هناك حماسة للتعليم من جهة الطالب كنا نراها في وجهه وهو ذاهب إلى مدرسته وفي طابور الصباح بسبب الأناشيد الوطنية التي كانت تعطيهم هذه الحماسة على عكس ما نراه في وقتنا الحالي.
وفي عهده، لم نجد المدارس الخاصة وكان نظام التعليم مختلفًا عن النظام الآن، فلم يكن هناك نظام تعليم خاص كما أن عدد المدارس الخاصة لم يكن يتعدى الـ 5 أو 6 مدارس.
ومع بداية السبعينيات، اختلفت الظروف لعدم إيمان نظام السادات بمشروع ناصر القومي، فسجن وأقال مَنْ أيَّد هذا الفكر وأهمل التعليم وبدأت الكثافات الطلابية في الظهور لتعتمد المدارس الحكومية على نظام فترتين وثلاث فترات، ومن هنا ظهر التعليم الخاص وانتشرت المدارس الخاصة ذات الانتماءات المؤدلجة وتفشت على أساسها الطبقية.
وفي عهد مبارك، تدهور التعليم عن عمد حتى تصبح الدولة بثقافتها مناسبة لعملية التوريث، وتدهور أيضًا وضع المدرس مقارنةً بعام 1970 حيث كان المدرس حينها يحصل على أي 18 جنيه، أي ما يعادل 6000 جنيه اليوم. أما في عهد مبارك، فقد أصبح وضع المدرسين سيئًا للغاية حيث كانوا يحصلون على أقل الأجور فاتجهوا إلى الدروس الخصوصية ونظام السناتر وأهمل الآخرون تربية النشء.
وقد كان التعليم أهم الأسباب الرئيسية للقيام بثورة 25 يناير نتيجة الجهل والأمية اللذين سيطرا على المصريين، إلا أن الوضع ما زال كما هو وليست هناك نية ملموسة لوضع إستراتيجية بناءة وفعالة لنهضة تعليمية ملموسة وربط التعليم المشروع الوطني، كما أن التعليم أصبح بلا هوية وبلا فلسفة وبلا هدف، حيث يذهب الطالب إلى المدرسة ولا أحد يعلم مصيره، فقد يصبح “متطرفًا أو متسولًا أو مدمنًا”، وأيًا كان فهو بلا هدف. فالتعليم يجب أن تكون له أهداف كبرى مثل المواطنة، حيث ذكر أنه يجب على الطلاب أن يجتمعوا على مبدأ الوطنية دون النظر إلى الفروق في الديانة والطبقة وأيًا كان وجه الاختلاف. ويجب أن تكون للانتماء للوطن وللمنهج العلمي الأولوية، حيث أكد أن الطالب يجب أن يكون جاهزًا للدخول في أي حوار أو نقاش، وأشار أيضًا إلى أهمية المهنية، فبعد اجتياز الطالب للمرحلة الإبتدائية يجب أن يكون قادرًا على الأقل على القراءة والكتابة.
ولفت إلى أن الأزهر تأثر كثيرًا بالإسلام المتشدد والوهابية والتمويل الذي كان الأزهر يحصل عليه وما زال، إلا أنه لم يكن له أثر ملموس على المجتمع في فترة الخمسينيات والستينيات لأن عدد المعاهد الأزهرية لم يكن يتعدى 6 معاهد على مستوى الجمهورية، أما في السبعينيات، ومع ظهور الجامعات الإسلامية وانخراط الإسلام السياسي في المجتمع أصبح لدينا 16000معهد و2.5 مليون طالب يحصلون على تعليم متدني يعتمد على كتب التراث القديمة التي لا تضيف جديدًا لمتغيرات اليوم .
ويرى كمال مغيث ضرورة إعادة النظر في محو مثل هذه المناهج وإزالتها نهائيًا ودخول المعاهد الأزهرية ضمن الهيكل الكلي للتعليم في مصر، موضحًا أن قانون التعليم هو قانون طائفي ينحاز للمسلمين، والحل ليس في تدريس آيات من الإنجيل باللغة العربية بل يجب حذف الآيات القرآنية من مناهج التعليم والاكتفاء بها في مادة الدين. وأشار إلى أن التعليم في أزمة ويحتاج إلى وقفة لتعديل قانون التعليم ليقوم على دعم التماسك الوطني بعيدًا عن الدعاية السياسية والدينية. وأضاف مغيث أنه لا يمكن عزل قضية العيش المشترك عن المشروع الوطني مثلما فعل محمد علي لأن غياب هذا المشروع سيزيد من صعوبة العيش المشترك الذي ينهار بسبب ثقافة تميل إلى تغييب الوعي، ونجد الميل إلى المدارس الإسلامية التي لا تقبل سوى المسلمين، وأيضًا الثقافة الإسلامية التي لا تعترف بالآخر، فضلًا عن غياب القانون واتجاه الدولة إلى تعزيز العرف الذي يُستخدم لتهجير الأقباط وهو ما يصعِّب من خلق مناخ للتعايش المشترك.
وما يحدث الآن هو أن هناك محاولات لجعل التعليم بنفقات، سواء كانت هذه المحاولات رسمية أو غير رسمية مثل الدروس الخصوصية. والأخطر والمثير للألم أن تتم خصخصة التعليم، وكما قال الوزير «اللي ممعهوش ميلزمهوش»، حيث إن الدولة أدارت ظهرها للتعليم وهناك أدلة كثيرة على ذلك.
وأشار إلى العلاقة الوطيدة بين التعليم والتطرف، وهذه العلاقة بدأت بعد انهيار المشروع الوطني للتعليم في عهد الرئيس جمال عبد الناصر والذي كان يقوم على المواطنة، وكانت المدرسة جزءًا من التعليم الوطني حتى وفاته. وفي عهد الرئيس محمد أنور السادات، ظهرت المدارس الخاصة والدولية، وظهرت المدارس الأزهرية التي تقوم على تدريس الأيديولوجية الدينية العتيقة التي عفا عليها الزمن، وفي عهده أيضًا ظهرت الأيديولوجية الهجين التي أطلق فيها يد الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين. ومنذ ذلك التاريخ، ومع زيادة هجرة المعلمين المصريين إلى دول الخليج وعودتهم وهم يحملون المذهب الوهابي الحنبلي والقيم الدينية المتطرفة، بدأت الأيديولوجية الدينية المتطرفة تسيطر على التعليم، وانتشر الحجاب في المدارس، وبدأ يتم صبغ المدارس بصبغة دينية.
بعض المداخلات من الحضور:
سمير فاضل: الآلية العنصرية التي تعيق عملية تعليم البنات في القرى المصرية
تحدث الدكتور «سمير فاضل»، الأمين العام لمؤسسة المصريين للبحوث والدراسات الثقافية، حول الآلية العنصرية التي تعيق عملية تعليم البنات في القرى المصرية، حيث يتم إرسالهن إلى مدارس بعيدة عن بيوتهن في مناطق نائية بعيدة عن العمران بالقرى والنجوع، ويحددون للذكور فترات دراسة صباحية، وللبنات فترات دراسة مسائية، وهو ما يصعِّب على الفتيات الوصول إلى مدارسهن بسبب العودة المتأخرة إلى بيوتهن، وهو أمر مستهجن لدى الأسر المصرية، خصوصًا في الريف المصري، فلا يكون أمام الأهل في النهاية إلا إبقاؤهن في البيوت ومنعهن عن التعليم، وهذا خطير للغاية.
فكأنما تُبتَر ساق من جسد المجتمع، ثم يُطلب منه أن يسير ويثب ويحلّق في فضاء النهوض والحضارة! فالمرأة التي تشكّل نصف المجتمع حين تغدو غير متعلّمة فإن هذا لا يعني فقط أن تنخفض القوى المعرفية للمجتمع إلى النصف، بل الأخطر هو أنه يخلق جيلًا من الأمهات الجاهلات، والأم هي المدرسة الأولى لأطفالها، وهنا تكمن الكارثة.
هدى زكريا: نتمنى أن تعود مصر إلى عهدها السابق.. حيث لا فرقة بين الأديان
وتحدثت الدكتورة هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع السياسي والعسكري، وأول أستاذة مصرية تُدرِّس بجامعة ألفريد بولاية نيويورك، وأول سيدة تُختار للتدريس في الكلية الحربية المصرية، عن خصوصية مصر في دحض الطائفية الدينية، وكيف أنها وهي ابنة لعائلة مسلمة متصوفة كانت تشارك في الاحتفال بالأعياد الدينية المسيحية. كما تحدثت عن التاريخ المشرِّف للمستشار «ويصا باشا ناصف» محطِّم السلاسل، رئيس مجلس النواب في حكومة «مصطفى النحاس»، وكيف كانت مصر في ذلك العهد لا تعرف التمييز العقيدي بين المواطنين، وكيف كان المصريون، مسلمين ومسيحيين ويهودًا، يذوبون في جسد الوطن الواحد، ولا يعرفون الشقاق ولا التنمر الطائفي الذي يشق صف الوطن ويمزق مفاصله الآن.
التعليم يخرج لنا جهلاء وليس متطرفين فقط، فنختلف على المفردات الأساسية، فكيف لنا أن نبني حوارًا؟
التعليم أصبح بلا هوية وبلا فلسفة وبلا هدف، حيث يذهب الطالب إلى المدرسة ولا أحد يعلم مصيره، فقد يصبح “متطرفًا أو متسولًا أو مدمنًا”،