د. فيولا موريس
تُعتبر متلازمة Othello Syndrome من الاضطرابات النفسية المنتشرة بنسبة عالية في المجتمعات المختلفة وخاصةً المجتمع الشرقي، وتُعرف باسم ضلالات الشك المرضي. وقد سُميت بمتلازمة عطيل نسبةً إلى المسرحية الشهيرة التي كتبها الروائي الإنجليزي شكسبير، وفيها يحدثنا شكسبير عن الفتاة الجميلة (ديدمونة) وهي ابنة السيناتور الإيطالي (بريانيتو)، والتي أحبت عطيل قائد جيش فينسيا المغربي الأصل والأسود اللون. وانتهت قصة الحب بالزواج منه، وتمر الأيام ويبدأ عطيل يشك في علاقة زوجته بصديقه الفرنسي (كاسيو)، وقد بنى هذا الشك على ما اختلقه أحد جنود جيشه ويدعى (إياجو) من ظنون عن العلاقة بين ديدمونة وكاسيو، وكان الدافع وراء ذلك هو غيرته الشديدة من كاسيو.
لقد اجتهد في زرع بذور الشك في قلب عطيل تجاه زوجته مستغلًا الفارق الطبقي والعرقي بين عطيل أسود اللون وزوجته الشقراء ديدمونة، وفي النهاية نجح (إياجو) في إقناع عطيل بخيانة زوجته، وانتهت الرواية بقتل عطيل لزوجته الجميلة ديدمونة. إلا أنه حينما اكتشف براءتها، قرر أن يتخلص من حياته ويقتل نفسه بالسيف.
تبنى علماء النفس هذا المصطلح لإطلاقه على ما يُعرف بضلالات الشك المرضي، وهو وصف للشخص الذي تسيطر عليه فكرة لا يقبل النقاش أو الاقتناع بغيرها. وهذه الفكرة مبنية على شك مطلق دون وجود أي دليل عملي على إثباتها، وهذا الشك يكون موجهًا نحو شريكة الحياة أو الخطيبة أو الصديقة فقط.
إن هذه الضلالات تشمل كلا الجنسين، ولكنها أكثر شيوعًا بين الرجال، وذلك بنسبة تتراوح بين 3: 9% مقابل 1% من النساء، وإن كانت النساء أشد قوةً. على أن الأشخاص المصابين بهذه الضلالات لا تظهر عليهم أي أعراض أخرى بل قد يتمتعون بالذكاء الشديد والنجاح في العمل والعلاقات الجيدة مع الآخرين.
ويبدأ ظهور هذه الضلالات قرب تكوين علاقة ارتباط مثل الزواج أو الخطوبة، ولذلك يُعرف بالضلال الأحادي، فهو لا يشك في أحد آخر خلاف الشخص المرتبط به.
ومن أهم أعراضه ما يلي:
مراقبة الزوجة، والتفتيش في متعلقاتها، وملاحقتها في جميع خروجاتها، والتحقيق المستمر معها، والقيام بزيارتها في مقر عملها أو لدى أهلها بشكل مفاجئ، ومطاردتها تليفونيًا، وسؤال المقربين لها عن تحركاتها، والتلصص على مكالماتها، والغيرة القاتلة إذا ما قامت بتصرف بعيدًا عنه. وفي أحيان كثيرة، لا يقبل أن تتعامل مع السوشيال ميديا، وقد يستنتج استنتاجات خاطئة كأن يتوهم وجود صديق محبب لها، كما قد يستخدم الأذى الجسدي كالضرب المبرح أو التهديد بالقتل. وفي بعض الحالات، قد يحتفظ ببعض الأسلحة مثل السكين أو المسدس. وقد ينتهي به الحال إلى قتل شريك الحياة ثم قتل نفسه.
على أن ضلالات الشك المرضي (متلازمة عطيل) تختلف تمامًا عن (طيف الشك)، فأغلب الأشخاص يعانون من طيف الشك وقد يكون نوعًا من التعبير عن الحب، وإن كان تعبيرًا خاطئًا يحمل في طياته جزءًا من الأنانية. وتُعتبر ضلالات الشك المرضي مرحلة تسبق الاضطراب الذهاني الذي يفقد الشخص فيه التفكير المنطقي السليم.
على أنه لا بد من التفرقة بين متلازمة عطيل وبين أنواع أخرى من الاضطرابات، وإن كانت جميعها تشترك في خاصية واحدة وهي الشك، ومن هذه الأنواع هي كالتالي:
اضطراب الشخصية الشكية O.C.P.D
وهي الشخصية التي دائمًا ما تبحث عن الكمال وتتصف بالترتيب والتنظيم والدقة الزائدة والالتزام الدقيق بالمواعيد ولا تقبل إلا الكمال في جميع مجالات الحياة، فهي لا تتنازل عن الحصول على أعلى الدرجات في الامتحانات أو التفوق في العمل أو الظهور بالمظهر الأنيق. لذلك فهي تصاب بالشك المستمر إذا ما لم تصل إلى حد الكمال في أداء ما تقوم به إذ لا تقبل التنازل عن أخطائها أو أخطاء الغير.
الوسواس القهري O.C.D
وهو اضطراب يصيب الشخص بأفكار شك تسيطر عليه ولا يستطيع أن يستبعدها من دائرة تفكيره رغم يقينه بعدم صحتها، فهو لديه بصيرة كاملة بخطأ هذه الأفكار ورغم ذلك فهي تعطله عن أداء دورة في الحياة.
الاضطراب البارانوي
وهي الشخصية التي تشعر بالاضطهاد، فهو دائم الشك في الآخرين وفي نواياهم وعلى يقين بأن كل مَنْ حوله يضمرون له السوء ويقفون عائقًا في طريقه، وذلك فهو دائمًا ما يخلق مشاكل متعددة ويتصيد أخطاء الآخرين ويسبب الإزعاج لكل مَنْ حوله، وفي أحيان كثيرة يصيبهم بالاحتراق. إن الشخص البارانويد يتصف بالشك في جميع مَنْ حوله، بينما الشخص المصاب بمتلازمة عطيل يشك فقط في شريك حياته دون غيره.
الاضطراب الفصامي (الشيزوفرنيا)
وهو يصيب الشخص بالتدهور الذهني، ويُعرف بسرطان العقل. ويظهر الشك عند هؤلاء الأشخاص في نوبات من الضلالات والهلاوس الحسية والبصرية والسمعية، وذلك مثل سماع أصوات أو رؤية أشخاص ليس لها وجود في الواقع.
أسباب ضلالات الشك المرضي (متلازمة عطيل):
لا يوجد سبب محدد يمكن أن يؤدي إلى إصابة الشخص بضلالات الشك، إلا أن هناك عوامل مساعدة تعمل على ظهور هذا الاضطراب من أهمها ما يلي:
الاستعداد الوراثي:
حيث أثبتت الأبحاث العلمية أن الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب لديهم تاريخ عائلي يشير إلى إصابة أحد أفراد العائلة مثل الأب أو الجد أو الأم بنفس المرض، إلا أن ما يورث هو الاستعداد فقط، أي إذا وجد المناخ البيئي المهيئ لظهور هذا الاضطراب.
الاستعدادات الذهنية:
وهي إصابة المخ باضطرابات كيميائية وخاصةً في مادتي الدوبامين والسيرتونين.
سوء التربية:
ثبت أن سوء التربية من العوامل المهيئة لظهور هذه الضلالات، وذلك مثل عدم الاستقرار العائلي والخلافات الأسرية والحرمان العاطفي والمادي والعنف والإهانات في الطفولة والتعرض للانتهاك الجسدي والجنسي.
العجز الجنسي:
وذلك إذا ما أصيب به أحد الزوجين، حيث يؤدي إلى الشعور بالعجز والدونية وعدم الثقة بالنفس وكلها عوامل تساعد على تسرب الشك المرضي للمصاب.
ارتباطه باضطرابات أخرى:
ثبت أن الأشخاص المصابين باضطرابات أخرى مثل الشخصية الحدية أو اضطراب ثنائي القطب والأشخاص الذين يتعاطون المخدرات والكحوليات هم أكثر عرضةً لظهور متلازمة عطيل.
العلاج:
– من العلاجات الفعالة لمثل حالات الإصابة بمتلازمة عطيل العلاج الدوائي الذي يحتوي على مضادات الذهان، على أن يخضع المريض لفترات طويلة من العلاج الدوائي، وذلك تحت إشراف أطباء نفسيين متخصصين.
– بالإضافة للعلاج الدوائي، هناك العلاج المعرفي والسلوكي وهو محاولة تبصير المريض بحقيقة الأمور وتغيير أفكاره السوداوية إلى أفكار بناءة تساهم في إعادة تصحيح مفاهيمه المغلوطة. إلا أنه في حالات كثيرة يُعتبر هذا العلاج غير مُجدي، وذلك لأن حوالي 96% من المرضى يرفضون هذا النوع من العلاج نظرًا لأنهم لا يشعرون باحتياجهم للمساعدة.
– على شريك الحياة أن يتعامل مع الطرف المصاب بقدر كبير من الشفافية والمصداقية والوضوح حتى لا يدع أي مجال للشك في تصرفاته وسلوكه.
– إذا تعرض شريك الحياة للأذى الجسدي أو النفسي من المريض، فعليه الانفصال أو الابتعاد المؤقت عنه حتى يتم علاجه والتأكد من شفائه الكامل.
– على القادة والمرشدين الروحيين والنفسيين تبصير المقبلين على الارتباط، وذلك بتوضيح بعض المفاهيم الصحيحة للعلاقة الزوجية السليمة وتعديل المفاهيم المغلوطة المكتسبة من الثقافة المجتمعية لديهم، بالإضافة لتعريفهم بالمفهوم الحقيقي للكتاب المقدس وهدف الله من الارتباط، إذ هي علاقة على مثال علاقة المسيح بالكنيسة، فهي علاقة عهد أبدي مبنية على البذل والعطاء والتضحية Agapy. فالكنيسة جسد المسيح التي اقتناها بدمه وقدّم ذاته لأجلها لتكون عروس كاملة لشخصه، وهكذا فإن الارتباط الزوجي علاقة ثلاثية الأبعاد تتمثل في الزوجين والمسيح. لذلك فهي علاقة عهد يحكمها الحب والاحتواء والثقة والاحترام، وذلك لإسعاد الطرف الآخر.
– وأخيرًا لا بد من الصلاة اليومية المشتركة بين الزوجين من أجل نمو علاقة ناجحة ومقدسة وبحسب فكر الله تعمل على حمايتهم من كل روح شك وضلال وظلمة.