القس.عزت شاكر
سألني عدد كبير من الناس قائلين: كلما قرأنا معجزة لعن شجرة التين في (مر 11: 11-14) تواجهنا العديد من الأسئلة المحيرة مثل:
– تعودنا أن نرى المسيح يشفي المرضى، ويشبع الجوعى، ويقيم الموتى، ويعمل الخير مع كل الناس، ويعطي بركة لكل مَنْ يطلب، وحتى مع الذين لا يؤمنون به، لدرجة أنه شفى أذن مَلخس عبد رئيس الكهنة الذي كان في مقدمة مَنْ أتوا ليقبضوا عليه، أما في هذه المعجزة فهو يلعن فكيف ولماذا؟
– لماذا يستخدم سلطانه هنا ليلعن الشجرة التي لم تقدم له ثمرًا ليأكل، وهو الذي رفض أن يستخدم سلطانه من قبل في تحويل الحجارة إلى خبز ليأكل؟ وكيف يعاقب شجرة مع أن العقاب لا يوقع إلا على الكائنات العاقلة التي لها عقل وإرادة وإدراك للخير والشر وتمييز بين الخطأ والصواب؟
– علَّمنا المسيح أن نمشي الميل الثاني، ونعطي الفرصة الثانية، فلماذا لم يعطها فرصة ثانية للإثمار؟
– ما هي الفائدة الروحية التي تعود علينا من لعن شجرة تين؟
وللإجابة على هذه الأسئلة أذكر عدة حقائق وهي:
متى لعن المسيح شجرة التين؟
لقد أجرى الرب يسوع هذه المعجزة في الأسبوع الأخير من حياته، أي قبيل الصليب بأيام معدودة، ففي يوم الأحد ذهب المسيح إلى أورشليم، وهتف له كل الشعب: “أوصنا لابن داود! مبارك الآتي باسم الرب! أوصنا في الأعالي!” ثم دخل الهيكل الذي بُني في 46 سنة وكان على أعلى مستوى من الجمال والجاذبية، لكنه تحول إلى مغارة لصوص، فطرد جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام، وقال لهم: “مكتوب: بيتي بيت الصلاة يُدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص!” وفي نهاية اليوم ذهب إلى بيت عنيا وقضى ليلة هناك. وفي صباح اليوم التالي يوم الإثنين قام ليزور أورشليم، فخرج من بيت عنيا، وهو في الطريق إلى أورشليم جاع، فنظر شجرة التين من بعيد فجاء لعله يجد فيها شيئًا. فلم يجد شيئًا إلا ورقًا فقط، فقال لها: “لا يأكل أحد منك ثمرًا بعد إلى الأبد.” ولقد كان هذا وقت عيد الفصح، وكان بأورشليم ما لا يقل عن 2 مليون شخص، فقد كان يجب على جميع الذكور البالغين أن يظهروا أمام الرب (خر 23: 14، 17؛ 34: 23؛ تث 16: 16). لقد صنع هذه المعجزة أمام شعب لم يدرك دوره ورسالته، شعب رفض محبته ونعمته.
إلى ماذا ترمز شجرة التين؟
كانت شجرة التين من أهم الأشجار في بلاد فلسطين، فعندما يصور كاتب سفر التثنية روعة أرض الميعاد يقول عنها: “أرض حنطة وشعير وكرم وتين ورمان. أرض زيتون زيت، وعسل” (تث8: 8) ولكي يبرهن الجواسيس الذين تجسسوا الأرض على عظمة هذه الأرض أحضروا معهم “عنب ورمان وتين” (عد13: 23). والصورة الشائعة للرخاء والسلام في العهد القديم هي عندما يجلس كل واحد تحت كرمته وتحت تينته (1مل4: 25؛ ميخا 4: 4؛ زك3: 10). وصورة غضب الله في العهد القديم تتمثل في أنه يضرب الكروم والتين (مز105: 37؛ إر8: 13؛ هو2: 12). وقد كانت شجرة التين رمز الخصوبة والسلام والرخاء، وكانت تنمو لارتفاع كبير، ولذلك كثيرًا ما كانوا يبنون أكواخهم بجوارها ويجلسون تحتها كما فعل نثنائيل (يو 1: 48).
وكانت إحدي ثلاثة أشجار “الزيتونة، التينة، الكرمة” استخدمها كُتَّاب العهد القديم لترمز لإسرائيل، فنقرأ:
(هو 9: 10): “وجدت إسرائيل كعنب في البرية. رأيت آباءكم كباكورة على تينة في أولها.”
(يؤ 1: 7): “جعلت كرمتي خربة وتينتي متهمشة. قد قشرتها وطرحتها فابيضت قضبانها.”
(مي 7: 1) “ويل لي! لأني صرت كجنى الصيف، كخصاصة القطاف، لا عنقود للأكل ولا باكورة تينة اشتهتها نفسي.”
ماذا وراء لعن الشجرة؟
1- ما عمله المسيح كان عملًا رمزيًا تمثيليًا لتوضيح حق معين
يرى عدد كبير من العلماء والمفسرين مثل: F. F. Brouce، وR. T. France، وR. Alan Cole، ومتى هنري، ووليم باركلي، والأب متى المسكين، ود. القس منيس عبد النور أن ما قام به يسوع كان عملًا رمزيًا تمثيليًا لإعلان حق إلهي معين للشعب مثلما كان يفعل الأنبياء في العهد القديم، فعندما كان الشعب يصم آذانه ولا يتحرك قلبه لما يقوله الرب، كان الأنبياء يتخذون الأسلوب العملي التمثيلي لتقديم الحق الإلهي، وإليك عدد من الأمثلة:
– مثلًا نجد أن أخيا الشيلوني يمسك بردائه الجديد ويمزقه اثنتي عشرة قطعة ويقول ليربعام بن ناباط: “خذ لنفسك عشر قطع، لأنه هكذا قال الرب إله إسرائيل: هأنذا أُمزق المملكة من يد سليمان وأعطيك عشرة أسباط… لأنهم تركوني وسجدوا لعشتورث إلهة الصيدونيين، ولكموش إله الموآبيين، ولملكوم إله بني عمون، ولم يسلكوا في طرقي ليعملوا المستقيم في عيني وفرائضي وأحكامي كداود أبيه… فإذا سمعت لكل ما أوصيك به، وسلكت في طرقي، وفعلت ما هو مستقيم في عيني، وحفظت فرائضي ووصاياي كما فعل داود عبدي، أكون معك وأبني لك بيتًا آمنًا كما بنيت لداود، وأعطيك إسرائيل.” (1 مل 11: 30-38).
– ونجد الرب يطلب من إشعياء النبي أن يمشي حافيًا وعاريًا أمام الشعب ويعلن لهم أنهم إن لم يسمعوا كلام الرب فإن ملك أشور سيسوقهم هكذا عراة وحفاة إلى السبي، فنقرأ:
“في ذلك الوقت تكلم الرب عن يد إشعياء بن آموص قائلاً: اذهب وحل المسح عن حقويك واخلع حذاءك عن رجليك. ففعل هكذا ومشى معرى وحافيًا. فقال الرب: كما مشى عبدي إشعياء معرى وحافيًا ثلاث سنين، آية وأعجوبة على مصر وعلى كوش، هكذا يسوق ملك أشور سبي مصر وجلاء كوش، الفتيان والشيوخ، عراة وحفاة ومكشوفي الأستاه (القفا) خزيا لمصر. فيرتاعون ويخجلون من أجل كوش رجائهم، ومن أجل مصر فخرهم.” (إش 20: 2-5).
– وطلب الرب من إرميا أن يشتري إبريقًا من خزف ويخرج به إلى وادي ابن هنوم وينادي قائلًا: “اسمعوا كلمة الرب يا ملوك يهوذا وسكان أورشليم. هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل: هأنذا جالب على هذا الموضع شرًا، كل من سمع به تطن أذناه. من أجل أنهم تركوني، وأنكروا هذا الموضع وبخروا فيه لآلهة أخرى لم يعرفوها هم ولا آباؤهم ولا ملوك يهوذا، وملأوا هذا الموضع من دم الأزكياء، وبنوا مرتفعات للبعل ليحرقوا أولادهم بالنار محرقات للبعل، الذي لم أوص ولا تكلمت به ولا صعد على قلبي. لذلك ها أيام تأتي، يقول الرب، ولا يدعى بعد هذا الموضع توفة ولا وادي ابن هنوم، بل وادي القتل. وأنقض مشورة يهوذا وأورشليم في هذا الموضع، وأجعلهم يسقطون بالسيف أمام أعدائهم وبيد طالبي نفوسهم، وأجعل جثثهم أكلا لطيور السماء ولوحوش الأرض. وأجعل هذه المدينة للدهش والصفير. كل عابر بها يدهش ويصفر من أجل كل ضرباتها. وأطعمهم لحم بنيهم ولحم بناتهم، فيأكلون كل واحد لحم صاحبه في الحصار والضيق الذي يضايقهم به أعداؤهم وطالبو نفوسهم. ثم تكسر الإبريق أمام أعين القوم الذين يسيرون معك وتقول لهم: هكذا قال رب الجنود: هكذا أكسر هذا الشعب وهذه المدينة كما يكسر وعاء الفخاري بحيث لا يمكن جبره بعد..” (إر 19: 1-13).
وطلب منه في مرة أخرى أن يحمل نيرًا خشبيًا على عنقه، ويذهب وينادي وسط الشعب ويحذِّرهم من أنه سيجعل نيرًا ثقيلًا على عنقهم إن لم يسمعوا كلمة الرب، ثم طلب من حننيا النبي بعد ذلك أن يكسر النير الخشبي ويضع بدلًا منه نيرًا من حديد” (إر 28).
2- إعلان نهاية الأمة اليهودية
إن هذه التينة العقيمة ترمز إلى فشل إسرائيل من الناحية السلوكية والروحية، وفشلها في الدور الذي أوجدها الرب من أجله، لذلك كان لا بد للمسيح من أن يعلن غضبه عليها، وبلعنه شجرة التين كان يعلن نهاية الهيكل، ونهاية أورشليم، ونهاية الأمة اليهودية كشعب استأمنه الله على الرسالة.
يقول تيلفورد W. R. Telford في كتاب له بعنوان “الهيكل العقيم والشجرة الذابلة”: “لقد ربط مرقس بذكاء شديد بين الهيكل والشجرة.” والسؤال: ما هي العلاقة بين لعن شجرة التين وتطهير الهيكل؟ ويجيب: “إن حادثة تطهير الهيكل هي التفسير العملي للعنه شجرة التين. فهو يريد أن يقول: لا تتعجبوا من لعني شجرة التين، فالهيكل كالشجرة: مباني جميلة، طقوس كثرة، زحمة متعبدين ولكن لا روح ولا حياة ولا حق، ولا إيمان ولا ممارسة صادقة. لقد أعلن المسيح بما فعله بصورة رمزية عملية دينونة الهيكل: ʼأما تنظرون جميع هذه؟ الحق أقول لكم: إنه لا يترك ههنا حجر على حجر لا ينقض!‘” (مت 24: 2)
ويشير متى إلى أنه في اليوم التالي للعنه شجرة التين. قال: “يا أورشليم، يا أورشليم! يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا! هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا” (مت 23: 37-38).
وأشار لوقا إلى أن يسوع كان يبكي بالدموع على أورشليم بسبب الخراب القادم عليها فنقرأ:
“فيما هو يقترب نظر إلى المدينة وبكى عليها قائلًا: إنك لو علمت أنت أيضًا، حتى في يومك هذا، ما هو لسلامك! ولكن الآن قد أخفي عن عينيك. فإنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة، ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة، ويهدمونك وبنيك فيك، ولا يتركون فيك حجرًا على حجر، لأنك لم تعرفي زمان افتقادك” (لو 19: 41-44).
ومنذ أن لعنها المسيح ونجد التحقيق واضحًا وحرفيًا، وقلوبنا تمتلئ بالحزن على ذلك فقد هجم تيطس الروماني على أورشليم في عام 70م وهدمها، وخرَّب الهيكل، وهدم أسوار المدينة. ويذكر المؤرخ اليهودي يوسيفوس Josephus أن الرومان نقلوا نحو مليون يهودي كعبيد إلى روما وهرب عدد كبير من اليهود إلى الإسكندرية ومعظم دول الشرق الأوسط.
وحاول اليهود القيام بالعديد من الثورات ضد الرومان بعد ذلك إلا أنها فشلت جميعًا. وفي عام 135م، أيام الإمبراطور هادريان، كانت النهاية المأساوية للهيكل بل ولأورشليم بالكامل، فقد حاصر الرومان أورشليم وحطموها بالكامل وطردوا اليهود منها وهددوا كل مَنْ يعود إليها بالموت، وانتهى الوجود اليهودي من إسرائيل. وفي عام 138م، أعاد هادريان بناء المدينة وأطلق عليها اسم إيلياء كابيتولينا، وأقام مذبح لجوبيتر مكان الهيكل، ووضع لنفسه تمثالًا وهو على صهوة جواد مكان قدس الأقداس، ومنع اليهود من دخول أورشليم، وأصبحت مدينة رومانية قلبًا وقالبًا. وقد ورد في التلمود اليهودي أن الرومان قاموا بحرث أساس الهيكل.
لماذا لم يعطها فرصة أخرى؟
يسأل عدد كبير من الكتَّاب :لماذا لم يعطها فرصة أخرى؟ والحقيقة هي أنه لم يكن القصد هنا إظهار مراحم الله، والتي هي بلا حدود، فهذا أعلنه المسيح من قبل في مثل التينة غير المثمرة حيث نقرأ: “كانت لواحد شجرة تين مغروسة في كرمه، فأتى يطلب فيها ثمرًا ولم يجد. فقال للكرام: ’هوذا ثلاث سنين آتي أطلب ثمرًا في هذه التينة ولم أجد. اقطعها! لماذا تبطل الأرض أيضًا؟‘ فأجاب وقال له: ’يا سيد، اتركها هذه السنة أيضًا، حتى أنقب حولها وأضع زبلًا. فإن صنعت ثمرًا، وإلا ففيما بعد تقطعها‘” (لو 13: 6-9). بينما كان الهدف هنا أن يعلن الدينونة على التينة العقيمة، ليعلن في الأسبوع الأخير لخدمته على الأرض بصورة رمزية -كما ذكرتُ سابقًا- دينونة الأمة الرافضة، التي كانت تهتف: “اصلبه! اصلبه! دمه علينا وعلى أولادنا.”
ونرى متى يربط بذكاء بين لعن شجرة التين ومَثَل الكرم الكرامين، والذي فيه روى المسيح لليهود قصة إنسان غرس كرمًا وأحاطه بسياج وسلمه إلى الكرامين وسافر، ولما قرب وقت الإثمار أرسل عبيده ليأخذ جزءًا من أثماره، فما كان من الكرامين إلا أن جلدوا بعضًا وقتلوا بعضًا ورجموا بعضًا، فأرسل عبيدًا آخرين ففعلوا بهم كذلك، وأخيرًا أرسل ابنه قائلًا يهابون ابني، فقالوا: ’هذا هو الوارث الوحيد هلموا نقتله ونأخذ ميراثه، فأخذوه خارج الكرم وقتلوه.‘ ثم طرح المسيح عليهم هذا السؤال: “فمتى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرامين؟”
فكانت إجابتهم التي حكموا فيها على أنفسهم هي: “أولئك الأردياء يهلكهم هلاكًا رديًا ويسلم الكرم إلى كرامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها”، وهنا قال المسيح: “لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره” (مت 21: 33-45).
هل لعن شجرة تين يُعتبر معجزة؟
يقول ألان كول Alan Cole: “إن التلاميذ لم يجدوا في هذه الواقعة أي مشكلة أخلاقية، كما يظن البعض في أيامنا الحاضرة. فإذا ما أدركنا أن ما عمله المسيح كان مثلًا عمليًا فيه إشارة إلى إسرائيل، فلا نجد مشكلة في ذلك. ولم يندهش التلاميذ إلا من أن اللعنة تمت بصورة فورية وفعالة، وأن التينة يبست في الحال.” ولنا فيما يذكره الرسول يعقوب عن إيليا توضيحًا جميلًا لذلك حيث نقرأ: “كان إيليا إنسانًا تحت الآلام مثلنا، وصلّى صلاة أن لا تمطر، فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر..” (يع 5: 17-18). ولم يتحدث شخص واحد على أن هناك مشكلة أخلاقية فيما فعله إيليا، فالكل يتغنى بفاعلية الصلاة، ولم يتساءل أحد: لماذا يصلي طالبًا الجفاف والمجاعة؟ وذلك لأن ما فعله إيليا كان ضربة قاضية للبعل والسارية الآلهة التي كان يعبدها أخآب وإيزابل في ذلك الوقت، آلهة الخصب والنماء، وكان الهدف أن يبرهن على عجزها وضعفها.
الدروس الروحية المستفادة من هذه المعجزة:
1- المسيح هو السيد الرحيم ولكنه العادل الديان أيضًا:
إن معجزة لعن شجرة التين تقول لنا: إن إلهنا رحيم وحنَّان، لكنه في نفس الوقت نار آكلة. في كل يوم من أيام حياتنا نرى رحمته وحنانه وحبه ونعمته، ولكن مَنْ لا يتجاوب مع نعمته ومحبته يذخر لنفسه غضبًا في يوم الغضب، كما يقول الرسول بولس: “أم تستهين يغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة؟ ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب، تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة، الذي سيجازي كل واحد حسب أعماله” (رو 2: 4-6). ولعن شجرة التين يؤكد لنا ما قاله بفمه الطاهر: “كل غصن فيَّ لا يأتي بثمر ينزعه، وكل ما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر” (يو 15: 2).
2- عدم الإثمار هو الطريق إلى الخراب:
لقد اختار الله هذه الأمة لتشهد عنه، وتعلن اسمه، وتحمل رسالته لكل العالم. لذلك نجد العبارة التي كررها الله كثيرًا لإبراهيم وإسحق ويعقوب هي “وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض” (تك 12: 3؛ 18: 18؛ 28: 3؛ 35: 11؛ 49: 10).
ولكن مَنْ يدرس العهد القديم يجد أن الشعب الإسرائيلي لم يؤدِ الرسالة المطلوبة منه، بل وانحرف عن دعوته الفريدة، وخان العلاقة التي ائتمنه عليها الله. إذ بعد خروجهم من أرض مصر صنعوا العجل الذهبي وقالوا: “هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر!” (خر 32: 4). لقد نسوا أنهم الشعب المقدس للرب والمختلف عن كل العالم، وتشبهوا بالشعوب المحيطة بهم، وخانوا الرب وابتعدوا عنه واستهوتهم قبائح العبادات الأخرى فبنوا مذابح على المرتفعات ونصبوا عليها آلهة وعبدوها. ومن يقرأ الشواهد الآتية: (إش 1؛ إر 2: 4-6 و13 و20؛ إر 3: 6 و20) يستطيع أن يرى مدى خيانة الشعب الإسرائيلي وابتعاده عن الله، وعدم قيامهم بالمسئولية التي كانت ملقاة على عاتقهم. لقد قالوا له: “ابعد عنا وبمعرفة طرقك لا نسر.”
لقد كان لا بد للمسيح أن يعلن الدينونة على التينة التي كانت رمزًا لذلك الشعب الذي أعطاه الرب آلاف الفرص لكنه لم يتب. والخراب هو النتيجة الطبيعية لكل عديم النفع والفائدة، فهذا هو قانون الحياة أن كل عديم النفع يذبل ويذوى، وكل إنسان لا يجد مبررًا لوجوده سيكون في طريقه الموت، وكل إنسان لا يؤدي الهدف من وجوده سيكون في طريقه للهلاك.
3- الرياء يجلب الكارثة:
إن لعن المسيح لشجرة التين يعلن أن المسيح يدين الرياء والنفاق والخداع. لقد كانت الشجرة مظهرًا بدون جوهر، لها المظهر الجميل ولكن دون ثمر. وما أكثر الشخصيات التي تجدها مثل هذه الشجرة، لها شكل جذاب فقط دون جوهر. ربما تجد الشخص يصلي، يرنم، يرفع يديه أثناء الصلاة أو الترنيم… الخ. ولكن عندما تقترب منه وتحتك به فإذا بك تصدم وتشمئز منه. إن الرياء لا يقود إلا إلى الخراب.
4- كيف نهزم الصعوبات التي تعترضنا؟
عندما رأى التلاميذ أن التينة قد يبست من الأصول، قالوا للمسيح: “يا سيدي، انظر! التينة التي لعنتها قد يبست!” فأجاب يسوع وقال لهم: “الحق أقول لكم: إن كان لكم إيمان ولا تشكون، فلا تفعلون أمر التينة فقط، بل إن قلتم أيضًا لهذا الجبل: انتقل وانطرح في البحر فيكون” (مت 21: 18-22).
هل هناك جبل يعترض طريقك؟ هل في حياتك جبل يُشعِرك بالعجز، ويحجب عنك رؤية الشمس، ويملأ حياتك بالغيوم؟ إن المسيح يقول لك الآن: تستطيع أن تهزم هذا الجبل، بل وتستطيع أن ترتفع فوقه فترى الشمس بصورة أفضل، وتمتلئ حياتك بنور الأمل والرجاء، فقط عليك بأن تُمسك بهذه الأسلحة الثلاثة وهي:
أ- الإيمان: عندما تعجب بطرس من ذبول التينة من أصولها قال له المسيح: “ليكن لكم إيمان بالله. لأني الحق أقول لكم: إن من قال لهذا الجبل: انتقل وانطرح في البحر! ولا يشك في قلبه، بل يؤمن أن ما يقوله يكون، فمهما قاله يكون له” (مر 11: 22-23).
ب- الصلاة: بعد أن حدثهم المسيح عن الإيمان كلمهم عن الصلاة، وقال لهم: “لذلك أقول لكم: كل ما تطلبونه حينما تصلون، فآمنوا أن تنالوه، فيكون لكم” (مر 11: 24). نحن نعبّر عن إيماننا بصلواتنا، والصلاة تعطينا القوة للعمل. إنها ليست وسيلة للهروب من الواقع، وليست ملاذًا للكسالى. إنها تعطينا القدرة على تقبُّل المواقف وتغييرها.
ج- الغفران: السلاح الثالث هو الغفران، فقد قال لهم المسيح: “ومتى وقفتم تصلون، فاغفروا إن كان لكم على أحد شيء، لكي يغفر لكم أيضًا أبوكم الذي في السموات زلاتكم. وإن لم تغفروا أنتم لا يغفر أبوكم الذي في السموات أيضًا زلاتكم” (مر 11: 25-26).