الدكتور القس عزت شاكر
يقول الرسول بولس: “لأن جهالة الله أحكم من الناس! وضعف الله أقوى من الناس!” (1كو1: 25).
كلمات مُربكة ومحيرة، فما المقصود بجهالة الله؟ وبضعف الله؟
كيف ينسب الرسول بولس الجهالة والضعف إلى الله؟
إن المشكلة في هذه الآية هي أن ترجمتنا (سميث – فاندايك) قامت بترجمة النص اليوناني ترجمة حرفية، والترجمة الحرفية كثيرًا ما تضيِّع المعنى، وتُريك أيها القارئ أن النقل من لغة إلى أخرى لا يكون بترجمة النص ترجمة حرفية لا تأخذ بعين الاعتبار أساليب الكلام في اللغة المنقولة إليها، لكن هذا المبدأ تمت التضحية به في ترجمتنا بهدف أن تكون أكثر اقترابًا من حرفية النص المترجم عنه.
لكن هنا يجب على المترجم أن يصيغ هذه الآية بما يتناسب مع بيئتنا الشرقية، فهو يتكلم عن الله؛ لا أقول يغيِّر المعنى لكن يقوم بتوصيل ما كان يقصده الكاتب بلغة تناسب بيئتنا، وهذا ما فعلته بعض التراجم العربية والإنجليزية.
فالمترجم دون أن يقصد نسب الجهالة والضعف إلى الله بكل وضوح، وهو أمر يتنافى مع تعاليم كل الكتاب المقدس. ألم يقل يعقوب: “وإنما إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله” (يع 1: 5)؟
لقد كان الرسول بولس يتحدث عن الصليب، والنص اليوناني لا يقول إن الصليب جهالة وضعف من الله. إن هذه الترجمة الحرفية تتعارض ليس فقط مع الفكر الكتابي، بل أيضًاً مع فكر الرسول بولس بشكل خاص، ويكفي أن تقرأ في نفس الرسالة ونفس الإصحاح ما يلي: “المسيح قوة الله وحكمة الله” (1كو1: 24).
ويقول أيضًا عن المسيح: “المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم” (كو2: 3).
“يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء!” (رو11: 33).
إن المعنى المقصود هو أن الناس بغباء تحسب أن الصليب جهالة وضعف. وهذا ما ذكره بولس في ذات الإصحاح ع 18: “فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله.”
لذلك يقول وليم ماكدونالد: “لا جهالة في الله ولا ضعف. حاشا! إنما الرسول يقول: إن ما يبدو جهالة عند الله، في نظر الإنسان، هو قي الواقع أقوى من أي شيء يقدر الإنسان على تحقيقه.” وهذا ما نراه بوضوح في بعض التراجم.
فقد وردت آيتنا في التراجم العربية كالآتي:
(ت ع م) فما يبدو أنه حماقة من الله هو أحكم من حكمة الناس. وما يبدو أنه ضعف من الله هو أقوى من قوة الناس.
(ك ش) فما يبدو أنه غباء من الله هو أحكم من حكمة الناس. وما يبدو أنه ضعف من الله، هو أقوى من قوة الناس.
(ت أ س) فما يبدو أنه حماقة من الله هو أحكم من حكمة الناس، وما يبدو أنه ضعف من الله هو أقوى من قوة الناس.
وقد وردت بعض التراجم الإنجليزية كالآتي:
(GNT) For what seems to be God’s foolishness is wiser than human wisdom, and what seems to be God’s weakness is stronger than human strength.
فما يبدو أنه حماقة من الله هو أحكم من الحكمة البشرية، وما يبدو أنه ضعف من الله هو أقوى من القوة البشرية.
(NLV) God’s plan looked foolish to men, but it is wiser than the best plans of men. God’s plan which may look weak is stronger than the strongest plans of men.
إن خطة الله التي تبدو للناس أنها غبية هي أحكم من أفضل خطط الناس، وخطة الله التي تبدو أنها ضعف هي أقوى من أقوى خطط الناس.
(BBE) Because what seems foolish in God is wiser than men; and what seems feeble in God is stronger than men.
فما يبدو أنه حماقة من الله هو أحكم من حكمة الناس، وما يبدو أنه ضعف من الله أقوى من قوة الناس.
Because that which the world deems foolish in God is wiser than men’s wisdom, and that which it deems feeble in God is mightier than men’s might.
(New Testament in modern speech Weymouth)
لأن ما يعتبره العالم أنه حماقة من الله هو أحكم من حكمة الناس، وما يعتبره العالم أنه ضعف من الله هو أقوى من قوة الناس.
ولكن للأسف أقول: كان وسيظل الصليب عند كل مَنْ لم يختبر عمل المسيح على الصليب جهالة وعثرة، ومعضلة، ولغزًا محيرًا ومربكًا.