يحتوي الكتاب المقدس على مقدار وافر من الأدب القصصي أكثر من أي نوع أخر من النصوص الأدبية الأخرى، فعلى سبيل المثال أكثر من 40% من نصوص العهد القديم قصصية. ولأن العهد القديم نفسه يشكل ثلاثة أرباع الكتاب المقدس، فليس غريبًا أن يكون النوع الأدبي الأكثر شيوعًا في كل الكتاب المقدس هو الأدب القصصي. فأسفار العهد القديم التالية تتألف في معظمها أو مجملها من المادة القصصية: التكوين، يشوع، قضاة، راعوث، صموئيل الأول والثاني، ملوك الأول والثاني، أخبار الأيام الأول والثاني، عزرا، نحمیا، دانیال، يونان، حجي. وعلاوة على ذلك، تحتوي أسفار الخروج، العدد، إرميا، حزقيال، إشعياء، أيوب أيضًا على أجزاء قصصية غير قليلة. وفي العهد الجديد، هناك مقاطع قصصية كبيرة في الأناجيل الأربعة ومعظم سفر أعمال الرسل.
والسؤال: ما السبب في أن بعض الناس قد يكتشفون في القصص الكتابية أمورًا غير موجودة في واقع الأمر؟ ولماذا يزجون بنظرياتهم الخاصة في الكتاب المقدس بدلًا من أن يستخلصوا منه ما يريدهم الله أن يعرفوه؟ وها هي الإجابة:
هناك أسباب ثلاثة:
أولًا: هناك بعض الناس ممن يشعرون بأنهم بحاجة ماسة للحصول على معلومات تساعدهم في أمورهم الخاصة وتكون نافعة لهم بشكل شخصي بحيث يمكن تطبيقها على حالتهم.
ثانيًا: منهم مَن هو عديم الصبر فهم يريدون أجوبة فورية من هذا السفر أو من ذاك الإصحاح الذي يقرأونه.
ثالثًا: نراهم أحيانًا يظنون خطأ بأن كل ما في الكتاب المقدس ينطبق مباشرة على حياتهم كأفراد وكأنه تعليمات خاصة لهم. الكتاب المقدس کنز عظیم، وهو يحتوي على كل ما يحتاجه المؤمن من الإرشاد الإلهي للحياة، لكنه لا يحتوي دائمًا على إجابات شخصية ومحددة كما قد يتمنى البعض، وهو لا يحصر كل معلوماته في كل إصحاح من كل سفر. فعندما لا يصبر الناس حتى يجدوا مشيئة الله في الكتاب المقدس ككل، نراهم يرتكبون الأخطاء إذ يسمحون لأنفسهم بفهم أجزاء مستقلة من الكتاب المقدس بأسلوب خاطئ.
ولكي تتفادى، عزيزنا القارئ، هذا الاتجاه الخاطئ، نقدم فيما يلي قائمة بالأخطاء الخمسة الأكثر شيوعًا لدى الناس عند قيامهم بفهم أو استخراج الأجوبة من بعض الأجزاء من الكتاب المقدس. ففي الوقت الذي قد تنطبق فيه هذه الأخطاء كلها على نص ما، فإنها تنطبق أيضًا على العديد من النصوص الأخرى.
1- إهمال القرينة: قد يقوم البعض بإهمال القرائن التاريخية والأدبية الكاملة، أو قد يهمل بعض الناس في كثير من الأحيان القصة الفردية، الأمر الذي يقودهم إلى التركيز على وحدات صغيرة فقط، وبالتالي تفوتهم الدلائل التفسيرية الكبيرة. وأنت، صديقي القارئ، إن أهملت القرينة إهمالًا كبيرًا فستتمكن من جعل أي جزء من الكتاب المقدس تقريبًا يقول ما تريد أنت قوله.
2- الانتقائية: وهي تشبه إلى حد ما إهمال القرينة، فهي تعني انتقاء واختيار الكلمات والعبارات المعينة والتركيز عليها، مع إهمال سواها، وإهمال النظرة الإجمالية للجزء الخاضع للدراسة؛ فبدلًا من عمل موازنة بين الأجزاء والكل، تهمل الانتقائية بعض الأجزاء فلا يكون هناك ما يربطها بالكل.
3- التفسير الرمزي: يتم التفسير من خلاله على النحو التالي: بدلًا من التركيز على المعنى الجلي للنص، يذهب بعض الناس إلى إحالة النص إلى مجرد انعكاس لمعنى آخر لا وجود له ويتجاوز النص. نعم، من المؤكد أن هناك الكثير من المقاطع الرمزية في الكتاب المقدس مثل حزقيال 23 أو بعض الأجزاء من سفر الرؤيا، ولكن لن يأتي أي مقطع كتابي رمزي في هيئة قصة بسيطة.
4- الربط المغلوط: هذه الطريقة تربط بعض العناصر المتفرقة وتضعها معًا في مقطع ما من أجل استخلاص نقطة ما نتيجة هذا الربط، في حين أن هذه العناصر قد لا تكون مرتبطة مباشرةً ببعضها البعض.
5- تحوير المعاني: قد لا ينجح المعنى الجلي في إرضاء ذوق الناس، أو قد لا يولد فيهم بهجة روحية فورية، أو ربما يوحي المعنى الواضح للنص بأمور لا يريد الناس سماعها، فنراهم ينساقون كثيرًا إلى إعادة تعريف معنى النص بمعنى آخر. نراهم مثلًا يأخذون كلمات يسوع التالية: “ولكن ويل لكم أيها الأغنياء” و”ويل لكم إذا قال فيكم جميع الناس حسنًا” (لو 6: 24، 26) ويحورونها من معناها الواضح والجلي لتصبح: “الويل لكم يا مَن تحبون المال كثيرًا لدرجة التخلي عن إيمانكم بالله” و”الويل لكم يا من صرتم ملحدين لكي تنالوا مجدًا سهلًا من الناس الكفرة”. وهكذا يتم تحوير هذه الأقوال بطريقة لا تعود فيها هذه الأقوال نفسها تشكل خطرًا أو تهديدًا على مَن يقوم بالتحوير.
وهنا التحذير الأهم والأنفع الذي يمكن أن نعطيك إياه حول قراءة القصص الكتابية والتعلم منها، ألا وهو: لا تقلد كل ما جاء في الكتاب المقدس وكأنك أنت المعني شخصيًا بالأمر. ما من قصة في الكتاب المقدس قد كُتبت بشكل خاص عنك أنت، فقصة يوسف المكتوبة عن يوسف وخاصةً عن كيفية تعامل الله معه وبواسطته ليست هي قصة تتناولك مباشرة. وقصة راعوث أيضًا كُتبت لتمجيد الله على حمايته وعمله لخير راعوث وأهل بيت لحم وليس حمايته وعمله لخيرك أنت. نعم، يمكنك تعلُّم الكثير من هاتين القصتين، ومن قصص الكتاب المقدس كلها، لكن عليك ألا تفترض أن الله يتوقع منك أن تقوم بالأعمال نفسها التي قامت بها شخصيات هذه القصص، أو تتوقع أن تحدث لك ذات الأحداث التي حدثت لهم.
كما أن شخصيات الكتاب المقدس تتسم بالخير حينًا، وبالشر حينًا آخر؛ أحيانًا بالحكمة، وبالحماقة في مرات أخرى. نراهم تارةً يتعرضون للعقوبة، وطورًا للرحمة؛ تارة للسعادة وأخرى للبؤس.
وما هو مطلوب منك فعله حقًا هو طاعة ما يدعوك الله إليه في كتابه المقدس لعمله وتتميمه. وقيمة القصص بالنسبة لنا تأتي من كونها تعرض وبصورة حية للغاية تدخل الله في العالم وتوضح لنا مبادئه ودعوته. وهي بذلك تعلِّمنا الكثير لكن ما تعلِّمنا إياه بشكل مباشر لا يتضمن الإشارة إلى الأخلاق الشخصية مباشرةً. فإن أردنا تعلُّم الأخلاق، علينا العودة إلى مقاطع أخرى في كلمة الله يتم فيها تعليم الأخلاق الشخصية بصراحة تامة وبشكل مباشر، لأن وفرة وتنوع كنوز الكتاب المقدس يجب أن تعمل لصالحنا ولخيرنا لا أن تصبح عبئًا معقدًا ملزمًا دائمًا.