25.4 C
Cairo
السبت, نوفمبر 16, 2024
الرئيسيةفكر مسيحيقصص العهد القديم طبيعتها وغايتها ومستوياتها ومبادئ تفسيرها

قصص العهد القديم طبيعتها وغايتها ومستوياتها ومبادئ تفسيرها

القصص هي حكايات أو روايات، وعلى الرغم من أننا من وقت لآخر نستخدم كلمة “حكاية” لوصف نوع الأدب هذا، إلا أننا نفضل استخدام كلمة “قصة” لما قد تحمله الحكاية من خيال كما في حكايات الأطفال. والمقصود بكلمة “حكاية” هو الإشارة إلى حكاية واحدة ذات مجموعة واحدة من الشخصيات وذات حبكة واحدة. أما الكتاب المقدس فيحتوي على ما نسميه كثيرًا “قصة الله” – قصة حقيقية بكل ما في الكلمة من معنى، وهي قصة في غاية الأهمية وكثيرًا ما تكون مُركبة. إنها قصة باهرة وهي أعظم من أعظم القصص الملحمية، وأغنى في حبكتها وشخصياتها ووصفها من أية قصة ألَّفها إنسان في هذا الوجود. لذا فإن كلمة “قصص” هي الكلمة الأفضل في الاستخدام الفني لوصف تلك المقاطع من هذه القصة الإلهية العظيمة ذات الطابع القصصي، وذلك لأن هذا التعبير هو التعبير الأكثر موضوعية ودقة.

إن قصص الكتاب المقدس تخبرنا عن أمور حدثت بالفعل وليس مجرد أية أمور، والغرض من هذه القصص هو إظهار الله عاملًا في خليقته وبين شعبه.

أما غاية هذه القصص فهي تمجيد الله ومساعدتنا على فهمه وتبجيله وإعطاؤنا صورة عن عنايته وحمايته، كما أنها في الوقت نفسه بمثابة أمثلة تحمل الكثير من الإيضاحات لدروس عظيمة وهامة لحياتنا.

لكل القصص حبكة وشخصيات (سواء كانت إلهية أم بشرية أم حيوانية ونباتية أو غيرها)، لكن لقصص العهد القديم عدة حبكات تُعَدُّ جزءًا من الحبكة الإجمالية، كما أن لها أسلوب توزيع خاص للشخصيات. أما أكثر الشخصيات أهميةً وخصوصيةً فهي شخصية الله نفسه.

المستويات الثلاثة لقصص العهد القديم

من المفيد أثناء قراءتك ودراستك للقصص العهد القديم أن تدرك أن القصة فيه تُروى في الواقع على مستويات ثلاثة:

المستوى الأعلى: وهو قصة خطة الله الشاملة المنفَّذة من خلال خليقته، والأوجه الرئيسية لحبكة هذا المستوى الأعلى للقصة هي الخليقة نفسها، سقوط البشرية، قوة الخطية وكلية وجودها، الحاجة إلى الفداء، تجسد المسيح وذبيحته وقيامته.

المستوى الأوسط: والذي يتحدث عن المواضيع الرئيسية التالية: أمة إسرائيل، دعوة إبراهيم، تتابع نسل إبراهيم من خلال الآباء، عبودية بني إسرائيل في مصر، إنقاذ الله لبني إسرائيل من العبودية ودخول أرض الموعد ، خطايا بني إسرائيل العديدة وازدياد خيانتهم لله، حماية الله لهم ومناشدته لهم، الدمار النهائي الذي حل بالمملكة الشمالية ثم بيهوذا، عودة الشعب من السبي.

المستوى السفلي: وهنا نجد المئات من القصص الفردية التي تشكل منها المستويان الآخران: قصة بيع إخوة يوسف له لرجال قوافل من العرب كانوا متجهين إلى مصر، قصة شكوك جدعون واختباره لله بواسطة جزة الصوف، قصة زنا داود مع بثشبع… الخ.

ملاحظة هامة: كل قصة فردية في العهد القديم (المستوى السفلي) هي على الأقل جزء من القصة التي تكبرها من تاريخ شعب إسرائيل في العالم (المستوى الأوسط) والتي تُعَدُّ بدورها جزءًا من القصة الأعظم لخليقة الله وفدائه (المستوى الأعلى). وتمتد هذه القصة العظيمة والرائعة متجاوزة العهد القديم إلى نهاية العهد الجديد. ولذلك لن يكون بوسعك إيفاء أية قصة فردية حقها من الفهم دون إدراك كونها جزءًا من القصتين الأخريين. تتألف القصة أحيانًا من مجموعة من القصص الفردية الأقل طولًا، والتي تُسمى بالقصة المُركبة، وما قلناه عن المستويات الثلاثة للقصص عمليًا لا يتأثر بمعرفتنا بأن الكتاب المقدس بأكمله يزخر بالقصص المركبة.

قصص العهد القديم لیست:

1- مجرد قصص عن أناس عاشوا زمن العهد القديم. هي أولًا وقبل كل شيء قصص عما قام به الله من خلال أولئك الناس، فأية قصة في الكتاب المقدس بطلها هو الله. نعم، ستكون في هذه القصص شخصيات وأحداث وتطورات وحبكة وذروة، لكن من وراء كل هذا يظل الله هو بطل الرواية الأسمى أو الشخصية الحاسمة لكل الأمور في كل القصص.

2- قصصًا رمزية أو قصصًا ذات معانٍ مستترة، حتى وإن كانت فيها بعض الأوجه التي يصعب فهمها. فليس من السهل دائمًا استيعاب الطرق التي يعمل الله بها في التاريخ، ولا الطرق التي يؤثر بها في البشر وينفذ مشيئته من خلالهم وأحيانًا بعكس رغبتهم (انظر تك 50: 20).

هناك مرات كثيرة لا يخبرنا فيها الكتاب المقدس ما الذي فعله الله بالضبط في حالة معينة استدعت حدوث أمر معين بالطريقة التي أبلغنا بها عنه العهد القديم. وحتى عندما يتم إخبارنا بما فعله الله، قد لا يتم إخبارنا دائمًا بالكيفية التي قام الله على أساسها بذلك الفعل ولا بالسبب الذي من أجله قام الله بهذا مثلًا.

بعبارة أخرى، لا تقوم القصص بالإجابة عن كل أسئلتنا حول موضوع ما، فهي محدودة من حيث تركيزها، وتقدم لنا جزءًا واحدًا فقط من الصورة الإجمالية لما يفعله الله في التاريخ. وما علينا سوى تعلُّم الاكتفاء بذلك الفهم المحدود وكبح فضولنا في مواضع كثيرة وإلا ستنتهي دراستنا هذه بمحاولة قراءة ما بين السطور مما يجعلنا نحمِّل القصص المقروءة ما ليس موجودًا فيها من معنی جاعلين للسرد التاريخي مضامين رمزية. نعم، لا يخبرنا الكتاب المقدس عن كيفية قيام الله بالأمور المعجزية التي سمح بحدوثها، لكن الفضول الزائد من جهة فهم أمور لم يشرحها الكتاب المقدس يمكن أن يؤدي ببعض الناس إلى قبول تفسيرات منافية للعقل وبعيدة الاحتمال.

3- لم تُوجد قصص العهد القديم لتقدم دائمًا تعليمًا مباشرًا، فهي عادةً ما تركز على طبيعة الله وإعلانه بطرق خاصة لا تستطيعها مقاطع أخرى في الكتاب المقدس، كتلك المختصة بالشريعة أو العقيدة. وللحصول على هذا الإعلان وفهم تلك الطبيعة، علينا أن نسمح بأن نضع أنفسنا في موقع الأحداث والتجارب وليس مجرد التعلم عن الأمور المتضمنة في تلك الأحداث والتجارب.

ويمكننا القول بأنه رغم عدم تقديم قصص العهد القديم بالضرورة للتعليم المباشر، إلا أنها كثيرًا ما تقدم إيضاحات لما تريد تعليمه مباشرةً بصراحة في مواضع أخرى. وهذا يمثل نوعًا من التعليم الضمني الذي سيكون – بمساعدة التعاليم الكتابية الواضحة والصريحة في الكتاب المقدس – ذا أثر فعال في تولید خبرة التعلم التي يستطيع الروح القدس استخدامها بشكل إيجابي. فعلى سبيل المثال، في قصة زنا داود مع بثشبع (2 صم 11) لن نجد تصريحًا مثل هذا “لقد أخطأ داود بارتكابه الزنا والقتل” لأنه من المفترض بدیهیًا أن نعرف بأن القتل والزنا خطيتان، فهذا الأمر منصوص عليه بصراحة في الكتاب المقدس (خر 20: 13-14). وهذه القصة توضح مدى الضرر الذي حل بحياة الملك داود الشخصية وبمقدرته على الحكم. نعم، قدمت قصة داود التعليم المباشر عن موضوع الزنا، وبالتالي لا يمكن عدها الأساس الوحيد لهذا التعليم، لكن – باعتبارها واحدة من أهم الإيضاحات لعواقب الزنا في حالة معينة – فإن هذه القصة تحمل رسالة قوية قادرة على أن ترسخ في ذهن القارئ بطريقة قد يعجز التعليم المباشر والصريح عن تحقيقها.

4- لكل قصة فردية أو جزء من القصة مغزى قائم بذاته. فلا يصح تفسير أجزاء القصص بشكل منفصل وكأن كل بيان، أو كل حدث، أو كل وصف يمكن أن تكون به، بمعزل عن غيره من العناصر، رسالة خاصة للقارئ. في الواقع إن كل الأجزاء المكوِّنة للقصص والتي تميل للطول تعمل معًا لغرس فكرة رئيسية واحدة في ذهن القارئ، كما أن لكل قصة اتجاهًا عامًا أو فكرة إجمالية أو بناءً فوقيًا يقود إلى النقطة الجوهرية، والتي هي عادةً عبارة عن نقطة واحدة.

وفي هذه الناحية، نرى تشابهًا واضحًا بين القصص والأمثال، فالوحدة الكاملة هي التي تقوم بإعطاء الرسالة وليس الأجزاء منفصلة الأثر والوقع والفاعلية والقدرة على الإقناع الآتي من مجمل تتابع الأحداث المروية، فعناصر منفردة كثيرة تقوم بالتضافر معًا لتكوين القصة ولنقل إعلان الله من خلالها إلى البشر. ولا معنى للقيام بالبحث عن مغزى معين لكل معلومة صغيرة أو كل جزء فيها أو حدث على حدة لأن هذا لن يفيد شيئًا. علينا فقط اعتبار القصة كوحدة واحدة متكاملة وليس كأجزاء منفصلة.

مبادئ تفسير قصص العهد القديم

1- قصص العهد القديم لا تقوم عادةً بتعليم عقيدة ما بشكل مباشر.

2- عادةً ما تقوم القصة في العهد القديم على إيضاح عقيدة ما أو عقائد تم تعليمها في مكان آخر في الكتاب المقدس.

3- تسجل القصص في العهد القديم ما دار من أحداث وليس بالضرورة ما كان يجب أن يحدث أو ما ينبغي حدوثه في كل مرة.

4- ما قام الناس بعمله في القصص لا يشكل بالضرورة مثالًا جيدًا لنا، بل للأسف كثيرًا ما يكون الأمر على عكس ذلك.

5- إن معظم شخصيات قصص العهد القديم بعيدة عن الكمال هم وأعمالهم.

6- لا يقال لنا دائمًا عند نهاية القصة ما إذا كان ما حدث هو أمر جيد أو سيئ لأنه يُفترض بنا أن نحكم نحن على ذلك بناءً على ما سبق وعلَّمنا الله إياه في الكتاب المقدس بشكل مباشر وصريح.

7- كل القصص انتقائية وغير تامة، ولا ترد فيها كل التفاصيل المتعلقة بها (انظر يو 21: 20).

8- لم تُكتب القصص لتجيب على جميع أسئلتنا اللاهوتية، فلهذه القصص أغراض معينة وخاصة ومحدودة، وهي تتعامل مع قضايا معينة تاركة علاج الأمور الأخرى في أمكنة أخرى وبطرق أخرى.

9- قد تقوم القصص بتقديم التعليم إما صراحةً (بالاعتماد على نصوص أو أمور معينة بوضوح) أو ضمنيًا (بالإيحاء دون التصريح به فعليًا).

10- في التحليل النهائي، الله هو بطل كل القصص الكتابية.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا