قانون اللجوء إلى مصر بين الترحيب والقلق والرفض
مخاوف من تحول “اللجوء” إلى “توطين” و”تجنيس”
الحريات الدينية للاجئين في مصر ضربة موجعة للسلفيين
تحقيق: إيهاب أدونيا
ملف اللاجئين في مصر واحد من الأمور التي تثير الجدل بين قطاعات كبيرة من المواطنين وبقايا التيارات السياسية التي لدينا، وتنقسم المواقف من اللاجئين إلى اتجاهين: إما الرفض القاطع لوجودهم والمطالبة بترحيلهم، أو الترحيب الزائد عن اللازم، وكلاهما خطأ، إضافةً إلى موقف الدولة المتسبب في هذا الجدال بسبب عدم تحديد قواعد قانونية واضحة لاستقبال اللاجئين من الدول المختلفة التي تعاني من مشاكل وحروب حولنا، والإصرار على عدم المهنية من قِبل الحكومة المصرية بوصفهم بـ”ضيوف مصر”، فلفظة “ضيوف” ليس لها محل من الإعراب في القانون الدولي والاتفاقيات والعهود الدولية، ولكن لفظة “لاجئين” هي اللفظة الرسمية.
بعد مناقشة برلمانية امتلأت بمبررات الدفاع عن بنوده، وافق مجلس النواب المصري -بشكل مبدئي- على مشروع قانون ينظم وجود اللاجئين بمصر، بينما يتوقع مراقبون أن تتم الموافقة التامة على التشريع الجديد بمجرد طرحه مرة أخرى للإقرار النهائي من قبل أعضاء البرلمان، خلال الفترة المقبلة.
ومن اللافت أن التشريع الجديد الذي سبق وقدمته الحكومة المصرية للبرلمان، والذي يتضمن بنودًا عديدة تخص تنظيم حياة اللاجئين بمصر وكيفية توفيق أوضاعهم، واجه اعتراضًا ليس فقط من قِبَل الرافضين لتحويل بلدهم إلى وجهة لجوء، بل لقي تحفظًا أيضًا من أولئك المرحبين باللاجئين.
يأتي مشروع قانون اللاجئين على أرض مصر في سياق تمرير مجموعة من التشريعات الحساسة، والتي تعيد تشكيل جزء مهم من البنية التشريعية القانونية المكملة للدستور بشكل متسارع، مما يثر المخاوف من ضياع بعض حقوق أهل البلد أو الجور على اللاجئين في بعض المواد أو إعطائهم مزيدًا من الحقوق دون وجه حق.
ولا يمكن فصل مشروع القانون عن الاتفاقيات والشراكات المستمرة بين مصر والاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء منذ عام 2014، فهو ليس نابعًا من إرادة مصرية حقيقية لحل قضايا اللاجئين، أو لوضع إطار قانوني شامل يتيح دمج اللاجئين في المجتمع.
فمنذ اتفاقية الخرطوم ومرورًا بمشاريع التعاون في “حوكمة الهجرة والسيطرة على الحدود”، وصولًا إلى اتفاقية الشراكة الإستراتيجية التي بلغت قيمتها 7.4 مليار يورو، منها أكثر من 200 مليون يورو مخصصة لضبط الهجرة، بدا واضحًا أن هذه التشريعات تستجيب لضغوط خارجية. هذه الشراكات، التي سبق لمنصة اللاجئين في مصر أن وصفتها بأنها “مضاعفات لشراكة فاشلة وقاتلة”، تفتقر إلى الشفافية، إذ لم يُعلن عن تفاصيلها ولم تتضمن بنود واضحة تلتزم باحترام حقوق الإنسان.
أعداد اللاجئين بمصر
تقدِّر بيانات حكومية رسمية أعداد الأجانب الموجودين في مصر بأكثر من 9 ملايين من 133 دولة، ما بين لاجئ وطالب لجوء ومهاجر ومقيم، يمثلون 8.7% من تعداد السكان الذي تجاوز 107 ملايين نسمة.
وفيما تشير بيانات «مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» إلى تسجيل 818 ألف لاجئ فقط من 60 دولة في مصر، يحتل السودانيون المرتبة الأولى بينهم بواقع 537 ألف و882 لاجئًا، يليهم السوريون بواقع 148 ألف و938 لاجئًا، بينما تشير البيانات الأخيرة الصادرة عن حكومة مصر إلى أن أكثر من 1.2 مليون سوداني فروا إلى مصر منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023.
وتحتل مصر المرتبة الثالثة على مستوى العالم بين الدول الأكثر استقبالًا لطلبات لجوء جديدة عام 2023.
ما هي أهم بنود مشروع قانون اللاجئين؟
– الحق في الحصول على وثيقة سفر تصدرها وزارة الداخلية بعد موافقة اللجنة الدائمة لشئون اللاجئين.
– حظر تسليمه إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو دولة إقامته المعتادة.
– حريته في الاعتقاد الديني، ويكون لأصحاب الأديان السماوية منهم الحق في ممارسة الشعائر الدينية بدور العبادة المخصصة لذلك.
– خضوعه في مسائل الأحوال الشخصية، بما في ذلك الزواج وآثاره، والميراث، والوقف، لقانون بلد موطنه أو إقامته إذا لم يكن له موطن، وذلك بما لا يتعارض مع النظام العام.
– تمتعه بذات الحقوق المقررة للأجانب المتعلقة بالحقوق العينية الأصلية والتبعية على الأموال الثابتة والمنقولة والحقوق المرتبطة بها، وله الحقوق ذاتها فيما يتعلق بالملكية الفكرية.
– حقه في التقاضي، والإعفاء من الرسوم القضائية إن كان لذلك مقتضى، وذلك على النحو الذي تنظمه القوانين ذات الصلة.
– حقه في العمل والحصول على الأجر المناسب لقاء عمله، وحقه في ممارسة المهن الحرة، وذلك كله وفقًا للقوانين ذات الصلة.
– حقه في العمل لحسابه وتأسيس شركات أو الانضمام إلى شركات قائمة، وذلك على النحو الذي تنظمه القوانين المرتبطة بذلك.
– حق الطفل اللاجئ في التعليم الأساسي، والحق في الاعتراف بالشهادات الدراسية الممنوحة في الخارج للاجئين، وفقًا للقواعد المقررة قانونًا للأجانب.
– حقه في الحصول على رعاية صحية مناسبة وفقًا للقرارات الصادرة عن وزير الصحة.
– حقه في الاشتراك في عضوية الجمعيات الأهلية أو مجالس إدارتها وفقًا لقانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي.
– حظر تحميله أي ضرائب أو رسوم أو أي أعباء مالية أخرى، أيًا كانت تسميتها، تغاير أو تختلف عن تلك المقررة على المواطنين.
– حقه في العودة طواعية في أي وقت إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو دولة إقامته المعتادة.
محظورات في قانون لجوء الأجانب
– الالتزام باحترام الدستور والقوانين واللوائح المعمول بها في مصر، وبمراعاة قيم المجتمع المصري واحترام تقاليده.
– حظر القيام بأي نشاط من شأنه المساس بالأمن القومي أو النظام العام أو يتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي أو جامعة الدول العربية، أو أي منظمة تكون مصر طرفًا فيها، أو ارتكاب أي عمل عدائي ضد دولته الأصلية أو أي دولة أخرى.
– حظر مباشرة أي عمل سياسي أو حزبي أو أي عمل داخل النقابات، أو التأسيس أو الانضمام أو المشاركة بأي صورة في أي من الأحزاب.
– حظر تسليمه إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو دولة إقامته المُعتادة.
– يهدف المشروع إلى تعزيز التعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين والمنظمات الدولية المعنية، لضمان تقديم الدعم والخدمات الضرورية للاجئين.
هل يُسمح فقط بــ “اللجوء” أم سيتطور الأمر إلى “توطين” و”تجنيس”؟
انتقد بعض رواد منصات التواصل الاجتماعي مشروع القانون، معربين عن مخاوفهم من أن يكون مقدمة لـ«توطين» الأجانب في مصر، أو أن يفتح الباب نحو زيادة أعداد اللاجئين بما يشكِّل عبئًا إضافيًا على الخدمات في البلاد، في وقت دافع فيه آخرون عن مشروع القانون.
وخشي البعض من «تحويل اللاجئ من ضيف لمستوطن»، واصفين مشروع القانون بأنه «يساوي بين اللاجئ وبين المواطن في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية».
غير أن عضو مجلس النواب المصري محمود بدر قال عبر حسابه على «إكس»، إن «القانون لا علاقة له بتوطين اللاجئين ومعظم مواده تأتي متوافقة تمامًا مع اتفاقية اللاجئين التي وقّعت عليها مصر عام 1951». وأضاف أن القانون «يتيح حصر اللاجئين وينهي حالة الفوضى والعشوائية بشأن وجودهم».
وردَّ بدر على ما يتردد بشأن منح الجنسية المصرية للاجئين، وقال: «القانون ليست له علاقة بذلك، والجنسية ينظمها تشريع آخر، واللاجئ كأي أجنبي يمكنه التقدم بطلب للحصول على الجنسية إذا انطبق عليه القانون الخاص بها».
قراءة تاريخية وجغرافية عن اللجوء
في النصف الأول من القرن العشرين، ومع اندلاع الحربين الأولى والثانية، كانت مصر قبلة لعديد من الجنسيات، مثل الأرمن واليونانيين والإيطاليين، ومن بلاد الشام، وغيرهم من دول أوروبا المختلفة. وواحدة من اللقطات الرائعة في السينما المصرية التي أبرزت هذا التنوع في فيلم “رسائل البحر” لشاعر السينما المصرية المخرج داود عبد السيد، حينما أراد “يحيى”، بطل الفيلم، أن يعرف ما في الرسالة التي وجدها وبأي لغة كتبت، فمر على جنسيات من شرق أوروبا مثل المجر والتشيك وروسيا، ثم اليونان وإيطاليا وغيرهم. واختفى هذا التنوع مع الوقت بعد حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952م، وصرنا نتحسر على التنوع الذي كان في المجتمع المصري.
وبعد الحرب الأهلية في سوريا عام 2011م، بدأ السوريون في النزوح بالملايين إلى مختلف البلدان وبينها تركيا ومنها إلى بقية دول أوروبا والأردن ومصر ولبنان. وفيما يخص مصر، لم يتم استقبالهم في مخيمات مثلما حدث في بعض البلدان الأخرى، ولكن دخلوا وسط المصريين وعاشوا على مدار أكثر من 12 عامًا، وصارت لهم تجارتهم الخاصة، وسكنوا كثير من المدن الجديدة والأحياء المختلفة في القاهرة، وكان المصريون منفتحين على وجود السوريين في البداية، ومن بعدهم تواجد مجموعات من اليمنيين، إضافةً لجنسيات أخرى من مختلف البلدان في إفريقيا.
وأخيرًا، كان العدد الأكبر من الوافدين على مصر من السودان بعد اندلاع الحرب هناك في أبريل 2023، وقت تحوّل المزاج الشعبي العام، والذي يرفض في غالبيته وجود اللاجئين في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، وارتفاع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة، ووصول سعر صرف الدولار الأمريكي إلى نحو 50 جنيها مصريًا الآن.
كانت أزمة اللاجئين السوريين مثار جدل بين قادة الاتحاد الأوروبي على مدار السنوات الماضية، ورفضت بعض الدول مثل المجر استقبال لاجئين، في حين حاولت ألمانيا استقبالهم وتوزيعهم على بعض الدول الأوروبية الأخرى، لكنها وضعت شروط كأي دولة تستقبل لاجئين لتحصل على نصيب ممن يفيدون في سوق العمل. ومع ذلك، حدثت مشاكل وتحولات مجتمعية هناك بسبب اختلاف الثقافة بين اللاجئين والمواطنين الألمان، وفي الحقيقة فهذا تعبير مهذب للإشارة لانتشار حوادث التحرش من قِبل اللاجئين، وارتفاع ظاهرة العنف ضد المرأة في ألمانيا. وقررت بعض دول الشمال الأوروبي دفع معونات لدول أخرى حتى يظل اللاجئون بها، أو ليظلوا في بلدهم دون النزوح إليهم.
مشروع القانون بين الرفض والقبول
فريق الرافضين يرى أن مصر تعاني من وضع اقتصادي صعب منذ عام 2011، وقد تفاقمت الأزمة الاقتصادية في عام 2022، وبدأ الجنيه في التهاوي أمام العملات الأخرى خاصةً الدولار الأمريكي. وبالتالي، فإن جزءًا من سخط القطاع الرافض لوجود اللاجئين يكمن في الأزمة الاقتصادية أساسًا، بالإضافة إلى ممارسات بعض اللاجئين المستفزة تجاه مصر ومناصبتها العداء بالرغم من معيشتهم على أراضيها.
أما فريق المرحبين فغالبيتهم من تيارات سياسية قومية ويسارية، ويتعاملون مع الموقف على طريقة المزارع الكريم في الريف المصري الذي يدعو كل مَنْ يمر عليه لتناول الطعام والشاي معه. هذا الكرم الريفي المصري الأصيل قد ينفع في الحالات الفردية، لكنه لا يصلح عندما تدعو الملايين للدخول إلى بلدك التي تعاني اقتصاديًا، وتفتقر إلى الموارد وتواجه أزمة مياه خاصة.
إن كل هؤلاء المرحبين ينتقدون الحكومة بسبب الأزمة الاقتصادية والأداء غير المرضي في حلها، كما أن ما ينفع في إدارة المنزل أو الحقل لا ينفع في إدارة الدولة، وهذه إحدى أزمات السياسيين والمثقفين في مصر.
فراغ قانوني أم ثغرات في الحماية؟
أول تشريع يتعلق باللاجئين تم إقراره عندما وافق مجلس الشعب “النواب حاليًا” على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين والبروتوكول الملحق بها، إضافةً إلى اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1969 – ولهما قوة القانون بعد التصديق – مع استمرار غياب تشريع خاص ينظم حقوق اللاجئين بالتفصيل، وقد أعاد دستور 2014 التأكيد على هذا الوضع التشريعي نفسه.
وفي أغسطس 2023، صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3326 بشأن تقنين أوضاع الأجانب المقيمين على الأراضي المصرية، مقابل ألف دولار، ليتم تعديله لاحقًا واستثناء اللاجئين.
وتضمنت المواد إنشاء اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين والتي تتبع مجلس الوزراء، وذلك لمتابعة كافة شؤون اللاجئين، بما في ذلك المعلومات والبيانات الإحصائية الخاصة بأعدادهم.
وبالتالي تم سحب صلاحيات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في منح صفة لاجئ، على أن تتولاها الحكومة المصرية – ممثلةً في اللجنة – بعد أن كانت الحكومة قد تنازلت عنها طواعية عام 1954.
ويشمل اختصاص اللجنة الرئيسي فحص ودراسة واتخاذ القرارات في طلبات اللجوء، وهي عملية محورية، إلا أن مهام اللجنة جاءت قاصرة وغير واضحة.
منظمات حقوقية تعلن رفضها للقانون
قبل يومين فقط من الموافقة البرلمانية المبدئية على قانون اللجوء، أصدرت 22 منظمة حقوقية بيانًا أعربت فيه عن رفضها للبنود التي يتضمنها التشريع الجديد، باعتباره لا يقدم حلولًا حقيقية للتحديات الأساسية التي يواجهها اللاجئون، حيث يتركز الرفض الحقوقي بإقصاء الشركاء الدوليين ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال حماية اللاجئين من المشاركة في إعداد القانون
ويؤكد البيان الصادر عن تلك المنظمات أن هذا المشروع المعني بتنظيم حقوق اللاجئين هو امتداد لسياسات الإقصاء التي تتجاهل أصحاب المصلحة من اللاجئين وممثليهم والمنظمات الحقوقية والأممية، إذ تم تقديمه دون إشراك الشركاء الدوليين أو منظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال حماية اللاجئين، والتي تتولى عبء إدارة آلية تحديد موقف اللجوء، وتقديم المساعدات لمجتمعات اللاجئين منذ عقود، بالتعاون مع – أو نيابةً عن الدولة في بعض الأحيان.
وأضاف البيان أن مشروع القانون يعكس غياب معايير واضحة لاختيار وتدريب الموظفين في اللجنة المزمع تشكيلها للإشراف على عملية اللجوء، وكذلك المعايير التي ستستند إليها اللجنة في إصدار قراراتها. ويثير هذا الأمر قلقًا بشأن مدى توافق هذه المعايير مع الاتفاقيات الدولية لحماية اللاجئين، والتي تستند إليها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في إدارتها لآلية تحديد موقف اللجوء وتقديم المساعدات للاجئين، وهي المعايير الدولية القائمة على اتفاقية عام 1951 وبروتوكول عام 1967، إضافةً إلى اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1969. ويعكس غياب تلك المعايير عن مشروع القانون المطروح مخاوف تتصل بتقليص مستوى الحماية المطبق في مصر، حال إقراره بمعزل عن الاتفاقيات والمعايير الدولية التي التزمت بها مصر بموجب توقيعها على هذه الاتفاقيات.
وأشار البيان إلى تجاهل متعمد لوضع النص على فترة انتقالية تتناسب مع حجم المهمة، بل إنه تجاهل بالكامل وجود منظومة قانونية قائمة، ولم يتضمن أي إشارة إلى إجراءات لتنظيم الانتقال السلس إلى المنظومة الجديدة، مفترضًا فيما يبدو أنها عملية لحظية تتم بشكل تلقائي فور صدور القانون، إلا أن الواقع العملي يُظهِر أن تشكيل بنية قانونية لتسجيل ملتمسي اللجوء وتحديد صفة اللجوء وإدارة البيانات وحمايتها عملية بالغة التعقيد قانونيًا ولوجيستيًا، وتحتاج إلى فترة إعداد وتأهيل طويلة، وإلى تعاون وثيق مع الجهات التي اضطلعت بهذه المهمة لفترة تقترب من خمس عقود.
وأوضح البيان أن مشروع القانون يُثير القلق بشأن استقلالية اللجنة، والتي تُشكَّل من رئيس مجلس الوزراء وممثلين عن وزارات حكومية، فضلًا عن تمويلها من الميزانية العامة للدولة، مما يجعل أعضاءها موظفين عموميين غير مستقلين، بعكس الوضع القائم الذي تتولى فيه المنظومة الأممية المستقلة إلى حد ما تنفيذ القوانين واللوائح المعنية بتحديد وضع اللاجئ، بغض النظر عن التوجه السياسي للحكومات المتعاقبة، مما يثير مخاوف مجتمع اللاجئين الذي يعاني من ممارسات السلطات المصرية المتكررة، سواء الترحيل القسري، أو الحملات على مجتمعات تحمل جنسية محددة، أو غير ذلك من التجاوزات القانونية المتكررة من قبل الشرطة المصرية.
ويُلاحَظ من نصوص مشروع القانون أنه يَقصُر حقوقًا أساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية والسكن، على مَنْ يحملون صفة اللاجئ، وهذا يستثني طالبي اللجوء الحاصلين على حماية مؤقتة من هذه الحقوق إلى حين البت في مواقفهم، وبالتالي ترتفع عنهم مظلة الحماية الاجتماعية، مما يجعلهم عرضة للاستغلال أو الابتزاز من مقدمي هذه الخدمات، فضلًا عن انعدام الأمان.
كما يغفل مشروع القانون حماية بيانات اللاجئين، ما يُعرِّض معلوماتهم الشخصية لخطر الكشف وسوء الاستخدام. ويُعد الحفاظ على سرية البيانات من الحقوق الأساسية التي يجب حمايتها، خاصةً بالنسبة للأفراد الذين قد يكونون في وضع هش بسبب تعرضهم لانتهاكات أو تهديدات أمنية في بلدانهم الأصلية. وإفشاء هذه المعلومات الحساسة قد يعرِّض اللاجئين لمخاطر متعددة.
ويتخوف البيان من أن مشروع القانون لم يأخذ بعين الاعتبار المشكلات الحقيقية التي يعاني منها اللاجئون في مصر. فبدلًا من أن يتضمن مواد تشجع على دمج اللاجئين في المجتمع والاستفادة من إمكانياتهم، اتجه المشروع نحو تقليص فرص الاندماج، وفرض عقوبات قاسية على أفعال غير واضحة، مثل ما يُسمى بمخالفة الأمن العام والنظام العام، أو ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي، متجاهلًا بذلك الحقوق السياسية التي يكفلها القانون الدولي للاجئين.
الحريات الدينية للاجئين في مصر ضربة موجعة للسلفيين
تضمن المشروع مادة تؤكد على أنه للاجئ الحرية الكاملة في الاعتقاد الديني، ليصبح لأصحاب الديانات المختلفة الحق في ممارسة الشعائر الدينية بدور العبادة المخصصة لذلك، من دون أي تدخل في شؤونهم أو معتقداتهم.
وحمل النص الخاص بالحريات الدينية ضربة قاصمة للسلفيين خصوصًا، وهم مَنْ ينظرون بريبة وتشكك إلى حرية الاعتقاد الديني في المجتمع ويرون أنها تمثل خطورة على الإسلام وتهدد عقيدة الأغلبية السكانية، وبينهم مَنْ يبرر الترهيب ضد أيّ من أصحاب الديانات الأخرى بحجة أن مصر دولة إسلامية فقط.
عكس تكريس مجلس النواب المصري حرية اللاجئين في الاعتقاد الديني تمسك الحكومة بالتعامل مع الحريات الدينية كأولوية ترمي إلى ضرب قواعد السلفيين والإخوان، باعتبار أن الفصيلين يتعاملان مع العقيدة كهدف سياسي لمحاصرة السلطة بأزمات طائفية.
ويشير تمسك الحكومة بوضع نص تشريعي خاص بعقيدة اللاجئين إلى أنها ستتعامل مع كل استهداف طائفي بقوة القانون، بعيدًا عن الترضيات والجلسات العرفية التي اعتادت بعض المؤسسات الدينية اللجوء إليها في حل الخلافات التي تقع بين مسلمين وأقباط على أساس ديني، لأن اللاجئين لن تصلح معهم مثل تلك الجلسات.
وتدرك دوائر سياسية في مصر أن الاحتقان الطائفي الذي يكون بعض اللاجئين غير المسلمين طرفًا فيه مع تيارات متشددة قد يجلب على الحكومة منغصات تختلف عن تلك التي يكون طرفاها من المسلمين والأقباط، لذلك فضَّلت غلق الثغرة مبكرًا بتكريس الحريات الدينية لجميع اللاجئين.
وهناك قناعة لدى الحكومة المصرية بأن ثأر الإخوان والسلفيين بإقصائهم من المشهد لن ينتهي، ولن يتورعوا عن افتعال أزمات عقائدية مع بعض طالبي اللجوء في توقيتات حساسة، خاصةً عندما تصبح إقامتهم في مصر شرعية ومقننة بقوة القانون ولهم نفس حقوق المواطنين، ومن ثَمَّ كان من الضروري حسم مسألة الانتماء العقائدي.
وأظهرت ردود فعل السلفيين على قانون اللاجئين إلى أي درجة لديهم عداء مطلق ضد مسمى المواطنة والحريات الدينية، حيث تعرَّضوا للحكومة والبرلمان على الفضاء الإلكتروني بانتقادات لاذعة، وبينهم مَنْ ادعى وجود خطر على الديانة الأم للدولة وطالبوا بتدخل الأزهر، لكن البرلمان مرر القانون.
ويرى مراقبون أن وضع نص خاص بحرية الانتماء العقائدي في القانون المنظم لشؤون اللاجئين محاولة من القاهرة للتأكيد على أنها ماضية في تحسين سجل الحريات الدينية في البلاد، لنفي أية ادعاءات خارجية بحدوث انتهاكات، لذلك تتعامل مع الملف كأحد أوجه تحسين ملفها الحقوقي بوجه عام، بالانفتاح على الأديان المختلفة.
وأدركت الحكومة أن الحريات الدينية، وإن أثارت استنكار المتشددين، لا تشكل تهديدًا على الأمن القومي بقدر ما تساهم في إعلاء المواطنة التي تخدم الاستقرار الداخلي وتقرِّب المسافات بين أصحاب العقائد المختلفة، في ظل النفور المجتمعي من أي استهداف يضرب علاقة المسلمين والأقباط من الإخوان والسلفيين.
وقال الباحث في شؤون العقائد محمد أبو حامد إن تكريس الحريات الدينية للاجئين خطوة إيجابية لمنع الاستقطاب على أساس عقائدي، وهناك شواهد تبرهن أن الدولة تتمسك بتكريس ثقافة التسامح والاختلاف، لكنها تحتاج إلى خطاب ديني عصري يدعمها.
وأضاف أن الخطاب الرامي لتعزيز المواطنة يحتاج إلى مقومات كثيرة كي ينجح في المهمة، ووجود تشريعات ضامنة لحرية العقيدة أمر لا غنى عنه، المهم أن تدعمها المؤسسات الدينية بشكل واقعي، ومعاقبة التمييز الديني، وكبح جماح الفتاوى المتشددة ومواجهة الخطاب التحريضي بحسم.
وتظل الإشكالية التي تعيق تطبيق الحريات الدينية بمفهومها الشامل في مصر أن المتطرفين يجيدون استغلال قوانين تجريم ازدراء الأديان لترويع البعض واستهدافهم، وتمثل هذه التشريعات أداة لبعض المتشددين لإرهاب خصومهم من دون عقاب، وهو ما فرض على الحكومة النظر في تشريعات تحمي العقائد من هوس المختلفين معها.