21.4 C
Cairo
الأربعاء, ديسمبر 4, 2024
الرئيسيةتحقيقاتفي عيد تجليسه الــ "12"... البابا: احذروا ممن يحولون حراسة العقيدة إلى...

في عيد تجليسه الــ “12”… البابا: احذروا ممن يحولون حراسة العقيدة إلى معركة ودعوة لكراهية الآخرين والدخول في صراعات

تحقيق: د. ماريانا يوسف

12 عامًا قضاها البابا تواضروس جالسًا على كرسي القديس مرقس المُبشر بالمسيحية في مصر، ممسكًا بزمام الأمور، محاولًا إعادة ترتيب المقر البابوي، الذي شهد صراعات عدة بنهاية عصر البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث، ولحظات تحوُّل كبرى في الشارع المصري، بإزاحة جماعة الإخوان عن الحكم، وما تلا ذلك من توترات عنيفة.

تمتع البابا تواضروس بمواقف وطنية لا تُنسى حُفرت في ذاكرة التاريخ الوطني والسياسي، وكذلك مواقف لا تُنسى نحو الوحدة بين الكنائس والطوائف المختلفة، وفي عهده تم إصدار قانون بناء الكنائس لأول مرة في تاريخ مصر.

تحمل ما لا يحتمله أي بطريرك من حملات للتشويه ومطالبات بالعزل وقصر العمر، وأخيرًا اتهامات بالهرطقة بعد إعلانه عن السمينار. كذلك لم تشهد الكنيسة القبطية محاولات تستهدف عدول بطريرك عن قراره أو رأيه مثلما حدث مع قرار قبول استقالة الأنبا أبانوب، بينما أكد البابا أن على الأسقف ضعفات، وهو ما اتضح فيما بعد من لقاء الأسقف المذكور مع البابا، وصدر بيان رسمي للكنيسة يذكر اعتذاره على ما بدر منه.

قصص وحوارات كثر طالت وما زالت تطول هذا لأن البطريرك فقط يحاول أن يقارب وجهات النظر مع الكنائس الأخرى.

وآخر تلك الحوارات هو خروج برنامج لشرح الإيمان للعلامة جورج فلتس على إحدى قنوات الكنيسة كرد اعتبار بعد إلغاء السمينار الذي كان هو أحد محاضريه، وما زال الهجوم مستمرًا ضد هذا البابا.

أكد البابا في كلمته التي ألقاها في عيد تجلسه الثاني عشر أن حراسة الإيمان والعقيدة أمر لا غنى عنه، ولكن أيضًا لا غنى عن غرس حياة التقوى في النفوس، مؤكدًا أن “التقوى هي مخافة الله والأمانة في القول والفعل، والعقيدة السامية هي التي تثمر «تقوى» لأن التقوى هي التي سنقف بها أمام الله في اليوم الأخير، لذا احذروا ممن يحولون حراسة العقيدة إلى معركة ودعوة لكراهية الآخرين والدخول في صراعات.”

وأضاف: “يجب أن نعلم أن كنيستنا راسخة وإيمانها مستقيم، ربت أجيالًا عديدة في هذا الإيمان، ويجب أن نعلِّم أولادنا الإيمان ولكن مع التقوى.”

وأشار البابا إلى أن استخدام التكنولوجيا مهم، ولكن يجب أن تكون القدوة الشخصية والنموذج العنصرين المؤثرين في كلامنا على وسائل التواصل الاجتماعي قائلًا: “يجب أن نختار كلماتنا وألفاظنا في التعليم، في الخدمة، في الافتقاد ولا سيما في عصر التكنولوجيا التي توفر إمكانيات أكبر للتعليم والخدمة، ولننتبه إلى أن السيد المسيح لم يؤلف كتبًا ولكنه قدّم نفسه كنموذج وقدوة وبهذا غَيَّرَ حياة ملايين من الناس.”

وأوضح البابا أن “خدمة كل واحد منا في مكانه (الإيبارشية أو الأديرة) مهمة، ولكن تجمعنا ووجودنا معًا له أهمية خاصة”، قائلًا: “فوجودنا معًا اليوم غنى، وهو أقوى من مائة عظة، وحينما يرانا الناس معًا (كآباء) يفرحون ويشعرون بالطمأنينة، وحينما نلتقي ونتحاور ونتقارب ونتشاور ونتبادل الخبرات.. الخ، نزداد وننمو وتنمو الكنيسة.”

وأكد البابا أن الهدف الأساسي من إنشاء مركز لوجوس هو أن يكون لآباء المجمع المقدس مكان للخلوة وإقامة حلقات دراسية ونقاشية لهم، وهو أمر يحتاجه كل واحد منا بشدة.

أزمة الأنبا أبانوب… وتصرف البابا الحكيم

قال البابا تواضروس إن “خدمة المقطم بها آباء كهنة مباركون، ونتذكر بالخير أبونا سمعان الذي بدأ الخدمة في المنطقة منذ أكثر من 50 عامًا، والآباء الكهنة الآخرون بالقطاع، وهم محافظون على كنيستهم القبطية الأرثوذكسية”، لافتًا إلى أن الكنيسة بها آباء مطارنة وأساقفة للإيبارشيات، وأساقفة آخرون عموم، ومهمتهم الأساسية مساعدة «البابا البطريرك» في إيبارشيته، نظرًا لاتساعها، إذ تشمل «القاهرة والإسكندرية»، وأماكن أخرى خارج مصر.

أضاف البابا تواضروس أن تزكية الأسقف العام تأتي عن طريق «البابا»، وليس له بالطبع تزكية من الشعب، غير أن خدمة الأسقف العام يمكن أن تتغير من مكان إلى آخر أو أن يذهب إلى الدير، لأن مجال عمله واسع ومتعدد، مستدركًا: “الأنبا أبانوب له هناك أكثر من 10 سنوات، ظهرت خلالها بعض الضعفات والخلافات بينه وبين الآباء الكهنة، وجلستُ معه كثيرًا ونصحته مرات عديدة، وشكّلنا عدة لجان لمساعدته في عمله، ولا تزال هذه اللجان تعمل، لكن لم تكن استجابته ملائمة.”

وتابع البابا تواضروس: “مؤخرًا ظهرت من الأنبا أبانوب بعض التجاوزات، ليس من المناسب أن نتكلم عنها هنا، فتم التحقيق معه، وفي نهاية هذا التحقيق قدم استقالته بلا إجبار، ولم تُمارَس عليه أي ضغوط؛ بل قال إنه يفضِّل أن يعيش حياة المغارة والوحدة، ولقد كتب هذه الاستقالة بخط يده، وهي قيد الدراسة، حيث يجب أن أجتمع مع آباء المقطم لمزيد من التشاور.”

اجتماع اللجنة الدائمة للمجمع المقدس

اجتمعت اللجنة الدائمة للمجمع المقدس برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ووفق بيان صادر عن الكنيسة، ناقشت اللجنة العديد من الموضوعات، شملت التداعيات الأخيرة لإلغاء السمينار الذي كان مقررًا عقده في شهر نوفمبر الماضي، حيث شرح بعض الآباء وجهة نظرهم، وتلقوا إيضاحات عن بعض ملابسات الموضوع، مما حدا ببعضهم إلى تقديم اعتذار عن بعض التصريحات التي صدرت عنهم بحسن نية.

واستنكر أعضاء اللجنة تصرف مَنْ قام بتسريب أو نشر قائمة أسماء بعض من الآباء المطارنة والأساقفة والادعاء بأنهم يصنعون تكتلًا معارضًا داخل الكنيسة، الأمر الذي لا يمت للحقيقة بصلة، وتؤكد اللجنة أن أمور المجمع المقدس تناقش داخله فقط بكل شفافية وإخلاص.

وأكدت اللجنة على وحدانية الكنيسة بجميع آبائها، أعضاء المجمع المقدس، حول وتحت قيادة قداسة البابا تواضروس الثاني، كما طلبت من الجميع عدم الالتفات إلى ما تم نشره خلال الفترة الماضية على وسائل التواصل الاجتماعي والذي استهدف إثارة المتابعين وتشويه الكنيسة وآبائها الأمناء.

وقررت اللجنة تشكيل لجنة مجمعية لمناقشة ودراسة أي تعاليم غريبة عن الإيمان الأرثوذكسي تصدر عن أي شخص يعلِّم داخل الكنيسة، مع التأكيد على أنه ليس من حق أي أحد اتهام أي شخص في الكنيسة دون تحقيق وصدور قرار من المجمع المقدس حياله، وتشكيل لجنة مجمعية للتحقيق مع بعض أصحاب صفحات التواصل الاجتماعي التي دأبت على الهجوم على الكنيسة وآبائها باستمرار، واستخدام أساليب الإثارة والإشاعات والتضليل في تناول أمور الكنيسة، في محاولة للإيحاء أن آباء الكنيسة يفرطون في إيمانها.

وبعد مناقشة بعض الأمور الرعوية والكنسية، أشادت اللجنة بجهود الكنيسة بقيادة قداسة البابا واستضافتها لقاء الكنائس الأرثوذكسية بالعالم، والذي جرى الشهر الماضي في مصر، كما تم الاتفاق على استمرار الصلاة لأجل وحدة كنيسة التوحيد الإثيوبية الأرثوذكسية، ولأجل اختيار بطريرك جديد لكنيسة إريتريا.

لجنة فحص الإيمان لمنع الادعاءات الكاذبة بالهرطقة … هل تمثل عودة لمحاكم التفتيش؟

بعد حملة جماعة حماة الإيمان على العلمانيين الذين كان لهم كلمات في سمينار هذا العام وادعاءاتهم عليهما بالهرطقة والانحراف عن الإيمان، كان لا بد من اتخاذ تلك الخطوة وهي “لجنة فحص الإيمان”، رغم المخاوف من تحولها بشكل أو بآخر إلى “محاكم تفتيش”.

في تصور البعض، تلك اللجنة هي عبارة عن دائرة محكمة، تقدم لها عريضة ادعاء بحق أحد الأفراد مدعمة بكافة نقاط الاتهام، وسبب كون هذه الاتهامات مخالفة للنظام العام في الأرثوذكسية، وعلى مقدم الادعاء إثبات اتهامه بمقارنة التعليم بالفهم الآبائي لنفس الموضوع.

وإذا كان مقدم الاتهام سيمثل الادعاء، فالمدعى عليه يستطيع الدفاع عن نفسه بنفسه، أو عن طريق آخرين، بتفنيد نقاط الاتهام وتقديم ما يفيد تطابقها مع الموروث الآبائي.

سيقدم هذا الأمر خدمة جليلة للكنيسة، للمساهمة في الوصول إلى مفاهيم أقرب إلى الصواب في موضوعاتنا الخلافية، على أن الشفافية هي حجر الزاوية للوصول إلى هذا الهدف السامي.

في الواقع، يأمل كثيرون أن يتحول الاتهام إلى نقاش قبطي تغلفه الأكاديمية، وينأى عن الشعبوية والضحالة، بحيث يساهم في أن يصدر قرار اللجنة مسببًا وحاسمًا، لا يقبل التأويل.

الغرض المناط باللجنة هو “التحكيم” بعد الفحص، وكأي قاضٍ له الحق في انتداب خبراء والاستعانة بهم، وعليه فالصفات الأكثر لزومية هي النزاهة والشجاعة والانحياز للحقيقة دون مواقف مسبقة.

لا يجب أن تشمل طلبات الفحص الادعاءات الغبية – من المدعين – التي لا علاقة لها بعوار التعليم، حتى لا يتحول الأمر إلى مهزلة، فتضيع البوصلة ونفقد فرصة ذهبية للتصحيح، ولا يجب أن يتحول الأمر إلى تجريس، ولا أن تتحول الكنيسة إلى قاضٍ وجلاد.

وعلى النقيض، يرى البعض الآخر أن ضررها أكثر بكثير من نفعها وأنها ستصادر حرية الفكر وحرية الكلام ولن تستطيع أن تطال أصحاب الرتب أو الذين خلفهم عزوة، سواء عزوة المرتبة أو عزوة الحشود، وستميل الأمور ناحية الغرض وستكون مقصلة لقطع رقاب الذين ليسوا على “الهوى”.

الأنبا دانيال: البابا هو صمام الأمان ومقاومته هي انقسام للكنيسة المستفيد منها عدوها

قال نيافة الأنبا دانيال، مطران المعادي وسكرتير المجمع المقدس، إن قداسة البابا في كل زمان هو صمام الأمان للكنيسة، لذلك يلتف حوله كل أبناء الكنيسة، أما مقاومة البطريرك في كل زمان فهي انقسام للكنيسة وتسيد للخلافات التي لا يستفيد منها سوي المنتفعين من عدو الكنيسة.

وأضاف أنه من الجائز أن يحدث بين أعضاء الكنيسة، اختلاف في الأفكار (إحنا بشر ولينا أفكار متنوعة)، وذلك حدث في الكنيسة الأولى بين الآباء الرسل القديسين الذين عندما اختلفوا، جلسوا مع بعض في محبة واتضاع وكانت مقدمة البيان الأول لهم (رأى الروح القدس ونحن)، فالله يقود المجمع بدون نزاعات أو أغراض شخصية أو محاربات شيطانية أو محاربات بشأن مَنْ هو الأول.

وتابع: “لذلك كسكرتير للمجمع أدعو كل مَنْ له رأي أن يقدم ذلك بروح المحبة والخضوع لقداسة البابا، وأنا متأكد أن قداسته لا يمانع أبدًا في أن يسمع آراء المحبين للكنيسة، خاصةً الذين لا يبحثون عن منافع شخصية. حفظ الله كنيسته في سلام وهدوء وحفظ الله قداسة البابا تواضروس الثاني.”

بيتر مجدي: الكنيسة في حاجة إلى قانون للتقاعد “للرعاة” … واختيار الأسقف لا بد أن يعتمد على دراسته الأكاديمية … ولا يشترط أن يكون راهبًا

من جانبه، اقترح بيتر مجدي، الباحث والكاتب الصحفي في الشأن الكنسي وزميل برنامج زمالة الأقليات بمكتب المفوض السامي لحقوق لإنسان بالأمم المتحدة، وجود إلزامية فيما يخص تقديم الأساقفة لاستقالتهم أو إحالتهم للتقاعد/المعاش عند سن محدد، فما حدث في نهايات عهد البابا شنودة مع كبر سنه واشتداد المرض عليه كان يستوجب وجود قانون للتقاعد، وهو ما تكرر مع الأنبا بسنتي أسقف حلوان السابق في نهاية أيامه، واضطر البابا للتدخل لوقف ما حدث في تلك الإيبارشية من تجاوزات ومراجعة كافة قرارات الأسقف الإدارية والمالية. ولنا في الفيديو الأخير الذي صدر عن الأنبا موسى أسقف عام الشباب خير مثال، فالرجل قد كبر سنه، وتم الزج به في صراعات لا يدري بها، ويبدو أن مَنْ حوله طلبوا منه أن يفعل ذلك. لذا فلماذا الإصرار على قواعد قديمة ثبت اليوم إننا في حاجة لتغييرها؟

وأشار بيتر إلى أن الذين يطلقون على أنفسهم “حماة الإيمان” وغيرهم سوف يرفضون ذلك بدعوى أنها قوانين الرسل، لكن هؤلاء يجورون على الروح القدس الذي وعد المسيح بأن يظل عاملًا في الكنيسة.

ولفت الكاتب الصحفي إلى تساؤل آخر: لماذا يتم اختيار الأساقفة من الرهبان فقط؟ فإذا كان شرط البتولية أساسيًا في اختيار الراعي فيمكن اختياره من العلمانيين أيضًا، ولكن الشرط الأهم لاختيار الأساقفة والرعاة هو الدراسة الأكاديمية، وأن يكون الأسقف حاصلًا على دراسات أكاديمية ودكتوراه في أحد فروع الدراسات اللاهوتية والرعوية والعلوم الإنسانية من جامعات دولية ومعترف بها أكاديميًا حتى يتم اختياره أسقفًا، لكي لا نكرر تجارب فاشلة مثل تجربة أسقف المقطم وغيره ممن لا يصلحون للأسقفية ولا الرعاية.

إقالات واستقالات واعتذارات والأسباب مختلفة

الأنبا دانيال أسقف سيدني … والتهمة الاشتراك في مظاهرات

ذكرت مجلة «الكرازة» أنه في عهد البابا شنودة، وتحديدًا في يناير 2009، استُقبل أسقف سيدني في حضور الأنبا بيشوي، سكرتير المجمع المقدس، والأنبا يوأنس والأنبا إرميا، وتمت مناقشته في بعض الأمور الخاصة بإيبارشيته وبعدها غادر دانيال مع الأنبا بيشوي إلى دير القديسة دميانة بالبراري ثم توجه بعد ذلك إلى دير الأنبا أنطونيوس بالصحراء الشرقية.

من جهة أخرى، أصدر البابا شنودة قرارًا بتشكيل لجنة من بعض أقباط أستراليا لمراجعة حسابات مدرستي السيدة العذراء والأنبا بيشوي وكلية مار مرقس الإكليركية، وأعطى البابا الحق للجنة المُشَكَّلة في الاستعانة بمراجعين ومحاسبين.

ويرجع غضب البابا على الأنبا دانيال إلى مشاركته في مظاهرات أقباط أستراليا ضد مصر ووقوفه مع المتظاهرين أمام السفارة المصرية بسيدني، وقال المصدر: «البابا توعد الأنبا دانيال نتيجة للحرج الشديد الذي وضعه فيه أمام القيادة السياسية في مصر وأنه لم يشأ استدعاءه وقتها حتى لا تتفاقم الأمور».

الأنبا متياس أسقف المحلة … والتهمة ميول بروتستانتية

وتعود قصة الأنبا متياس إلى سنوات عصر البابا شنودة الثالث، والتي كان يسيطر فيها التيار الكنسي التقليدي أو تيار الصقور المتشدد على مجريات الأمور في الكاتدرائية، وفي تلك الأثناء تم اتهام الأنبا متياس بالخروج عن طوع الكنيسة وبمخالفته الفكر الأرثوذكسي، ووقتها عُقد له المجمع المقدس جلسة محاكمة، ألقى خلالها بعمامته إلى البابا شنودة، وقال له «عمامتكم أهي»، ثم غادر المكان، وسافر إلى الولايات المتحدة، أي أنه تقدم باستقالته أثر هذا الخلاف.

أرسل الأنبا متياس يوم 24 مايو 2004 رسالة إلى قداسة البابا شنودة الثالث، جاء فيها: «نظرًا لكثرة الأعباء الرعوية في إيبارشية المحلة الكبرى وتوابعها، والمستمرة في الزيادة، ونظرًا لظروفي الصحية التي تنحدر يومًا بعد يوم … أرجو أن تقبلوا استقالتي، وإعفائي تمامًا من أي مسئولية رعوية اعتبارًا من اليوم، وتقوموا قداستكم بتدبير أمور الإيبارشية »، وعليه ناقَش البابا الراحل هذا الطلب مع أعضاء المجمع المقدس في جلسة 29 مايو 2004 ولم يعترض أحد على الأمر، وتمت الموافقة عليه.

وبناءً عليه، قرر المجمع قبول استقالة نيافة الأنبا متياس أسقف المحلة من عمل الأسقفية، مع إعلان خلو كرسي هذه الإيبارشية لسيامة أسقف جديد لها.

إلا أن الأنبا بيشوي، مطران كفر الشيخ الراحل، والذي كان يتولى منصب سكرتير المجمع المقدس ورئيس لجنة المحاكمات الكنسية كان له رأي مخالف، وفقًا لما تم نشره في مجلة الكرازة، في العددين 19 و20 لعام 2005، حيث إن البابا شنودة هو مَنْ أعفاه من الخدمة، ومنعه من ممارسة أي عمل رعوي أو أسقفي أو تعليمي.

وذكرت صفحات المجلة أنه واجه اتهامات حول الخلافات العقائدية، استنادًا إلى أفكاره التي ترى أن الكنيسة الأرثوذكسية وباقي الكنائس واحد وأن الخلافات بينهم هامشية، ويجب التقارب بينها، وهي نفس الأفكار التي يتبناها تيار الإصلاح الكنسي وعلى رأسه قداسة البابا تواضروس الثاني.

وفي تلك الأثناء، عمم المجمع المقدس القرار، ومنع توزيع شرائط عظات الأنبا متياس داخل المحلة وخارجها، وعدم طبع كتب تحمل تعاليمه إلا بقصد تصحيح هذه التعاليم، وبإذن من قداسة البابا أو اللجنة المجمعية للتعليم والإيمان والتشريع، كذلك تصحيح مفاهيم شعب المحلة الكبرى حول الإيمان السليم بكل وسائل التعليم المتاحة، وألا يقوم بالخدمة الكهنوتية خارج دير السيدة العذراء (السريان)، إلا في حدود يسمح بها قداسة البابا، وألا يقوم بالتعليم بصفة عامة.

 وبعد سنوات من سفره إلى الولايات المتحدة للإقامة، عاد الأنبا متياس للظهور في مدينة دالاس، في جنوب أمريكا وهي الإيبارشية التي يتولى إدارتها الأنبا يوسف، وشارك في سيامة كاهن هناك، رغم قرار المجمع المقدس الذي يمنعه من ذلك.

كذلك فإن الأنبا متياس سبق وشارك في صلوات تجليس البابا تواضروس الثانى، وقد فتح الأنبا بفنوتيوس، مطران سمالوط آنذاك، مع البابا الجديد ملف عودة الأساقفة الموقوفين وبالفعل نجح في التوسط لإعادة الأنبا تكلا أسقف دشنا، والأنبا دانيآل أسقف سيدني، إلا أن تلك المساعي تعرقلت في حالتي الأنبا متياس أسقف المحلة والأنبا امونيوس أسقف الأقصر الذي قرر استكمال باقي حياته منعزلًا في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون.

الأنبا مينا يعتذر عن منصبه لمرضه

كذلك موقف الأنبا مينا مطران جرجا الراحل الذي توفي عام 2003، ولكنه ترك الخدمة الكهنوتية قبل ذلك بعامين، حيث أرسل الأنبا مينا مطران جرجا رسالة مكتوبة وموقعة إلى البابا شنودة الثالث، يطلب تعيين نائب بابوي لإيبارشية جرجا نظرًا لتدهور حالته الصحية، ونظرًا لسنه وشيخوخته والاحتياجات المتزايدة للخدمة ومسئوليتها الجسيمة. وبناءً على توصية لجنة الإيبارشيات، فوَّض المجمع المقدس في جلسة 2 يونيو 2001 البابا في تعيين نائب بابوي لإيبارشية جرجا، يكون مسئولًا عن الخدمة الرعوية في الإيبارشية من كل نواحيها الروحية والإدارية والمالية وكافة ما تتطلَّبهُ الخدمة من احتياجات، تحت إشراف البابا، على أن يقيم الأنبا مينا بدير الملاك شرقي جرجا حسب طلبه، وذلك بعد الاستغناء عن خادمه الخاص “وهبة جرجس مجلع”، وإخلاء طرفه من المطرانية. وتولى الأنبا دانيال أسقف المعادي الحالي، والذي كان أسقفًا مساعدًا للأنبا مينا منذ عام 1991، مسئولية الخدمة بالإيبارشية وقتها، تمامًا كما حدث مع الأنبا إسحق والأنبا أبرآم.

في عهد تواضروس … الأنبا أبرآم يستقيل … والبابا يعين نائبًا باباويًا حتى لا يخالف قوانين الكنيسة

 ترك الأنبا أبرآم، أسقف الفيوم، مقره بالمدينة، وخلع عنه عمة الأساقفة وترك عصا الرعاية التي تسلمها منذ ما يزيد عن 30 عامًا، وعاد إلى ديره بوادي النطرون، راهبًا ناسكًا لا يرغب في شيء، تاركًا خلفه كل تلك السنوات من التعمير في كنائس الفيوم وأديرتها وتلك الشعبية الكبيرة التي يحظى بها أحد أهم معلمي اللاهوت الكنسي. ولأنه كذلك، فقد كان يعلم أن تركه لإيبارشيته قد يوقع الكنيسة في الكثير من المشكلات بسبب غيابه غير المألوف، إلا إنه لم يلتفت لذلك وقال في رسالة تقدم بها للمجمع المقدس إن شوقه لله كبير وإنه يريد أن يقضي الباقي من عمره بالقرب من الله وفي محبته التي قضى عمره نذرًا لها.

 المعضلة التي تسبب فيها الأنبا أبرآم هي الفراغ الذي خلفه، فقوانين الكنيسة تمنع الأساقفة من الاستقالة طوال حياتهم، وتعتبر الأسقف زوجًا للإيبارشية لا ينفصل عنها إلا بالموت، ومن ثَمَّ فإن الكنيسة مطالبة بترك منصبه شاغرًا حتى وفاته، ودون أن يقوم أحد على رعاية تلك الإيبارشية، حتى وإن كانت السنوات الماضية قد شهدت تعيين الأنبا إسحق أسقفا مساعدًا له، ولكنه لا يوقع على القرارات الهامة والنهائية.

 التزم البابا الصمت طوال تلك الفترة، خاصةً حين أشيع إن استقالة الأنبا أبرآم كانت بسبب خلاف بينه وبين البابا تفجر على إثر تصريحات أسقف الفيوم السابق ضد قبول معمودية الكاثوليك التي وقع البابا تواضروس اتفاقية تخصها مع بابا الفاتيكان، وترتب عليه توتر العلاقة بين البابا وأسقف الفيوم، واستبعد إسناد الإشراف على أحد الأديرة إلى أسقف آخر بديلًا عن الأنبا أبرآم. وفي تلك الفترة، زادت الشائعات حتى وصلت إلى قلاية “سكن الراهب” الأنبا أبرآم في دير الأنبا بيشوي، وتظاهر كهنة إيبارشيته وشباب الخدام والشمامسة.

رفض المجمع المقدس استقالة الأنبا إبرام بعدما عقدت لجنة شئون الإيبارشيات اجتماعًا طالبته فيه بالعودة لإيبارشيته وتوالت زيارات الأساقفة عليه، إلا أنه رفض أن يلتقي بأحد، ورفض العودة لمزاولة مهامه، مما وضع البابا تواضروس في موقف حرج، فلا هو يستطيع إقالته أو قبول استقالته ولا يستطيع أن يعين بديلًا له.

 تفتق ذهن البابا إلى تعيين الأنبا إسحق نائبًا باباويًا ومشرفًا على إيبارشية الفيوم، والذي كان مساعدًا للأنبا إبرام في آخر سنوات عمله، لينجو من فخ مخالفة قوانين الكنيسة من ناحية، ويتمكن من إسناد الإيبارشية وشئون كنائسها لمن هو أهل لها.

وأخيرًا… فإن التطرف في الاتجاهين مضر بشؤون الكنيسة وأحوالها، سواء ما فعله البابا شنودة سابقًا من أخفاء أي صوت أو رأي من الكنيسة، أو ما يفعله البابا تواضروس حاليًا بتغليب روح المحبة دائمًا دون وقفة مع المتجاوزين يصل إلى حد السلبية، ولنا في مقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار في 29 يوليو 2018 أكبر مثال، فقد تهاون الأسقف المغدور مع تجاوزات قاتله كثيرًا، وكانت النتيجة هي فقدانه حياته على يد راهب كان يجب تجريده وطرده من الدير فور أول مشكلة افتعلها. لذا فإن قيام البابا بالتحقيق سواء بنفسه أو من خلال لجنة من أعضاء مجمع الأساقفة مع تجاوزات أي أسقف لهو أمر في غاية الأهمية، ويجب أن تشهد لائحة عمل الأساقفة بعض التعديلات الإدارية المهمة، ولا بد للأساقفة من طاعة بطريركهم كما يطالبون شعبهم بطاعتهم العمياء!

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا