19.4 C
Cairo
الخميس, ديسمبر 19, 2024
الرئيسيةتحقيقاتفي سابقة تُعتبر الأولى في نوعها.. اتهام قبطي بــ "ازدراء الدين المسيحي"!!...

في سابقة تُعتبر الأولى في نوعها.. اتهام قبطي بــ “ازدراء الدين المسيحي”!! … حملة توقيعات وخطاب مفتوح إلى المجمع المقدس

تحقيق: د. ماريانا يوسف

أثارت صدمة التصعيد في أزمة الأنبا بنيامين، مطران إيبارشية المنوفية، مع المهندس كيرلس ناشد، وهو واحد من شعب الكنيسة، جدلًا على مواقع السوشيال ميديا في الأوساط المسيحية، تلك الأزمة التي قفزت من فوق أسوار الكنيسة واقتحمت باحات المحاكم، بالمخالفة لما استقر في قوانين وأعراف الكنيسة. وأظنه تصعيدًا كاشفًا لأزمة الكنيسة في استيعاب مفهوم وأبعاد وتبعات الرعاية، وقد اختلط بما استقر خارج أسوارها من السيادة والسلطة والتراتبية، وهو ما يخالف ما يناظرها داخل أروقتها المحكومة من غطاء الأبوة والبنوة، والذي يضع على كاهل الأب ويثقل قلبه بالسعي لاحتواء أبنائه لحساب المسيح والملكوت، في استحضار ما سبق وأوردناه على لسان القديس بولس الرسول. ويقيني أن حكماء الكنيسة يئنون من هذا التصعيد الذي قد يُحدِث شرخًا له تكلفته الباهظة خصمًا من سلام وبنيان الكنيسة، ويتطلعون لمن يبادر برأب الصدع، وأظنها مهمة وواجب مجمع الأساقفة، في لحظة دقيقة تعيشها الكنيسة، فهل يبادر آباء المجمع بالتصدي لدورهم في مبادرة مصالحة بين الأب المطران وابنه، أم نكرر ما قاله أيوب في القديم: “لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا” (سفر أيوب 9: 33)؟

ما قصة كيرلس ناشد مع كنيسة المنوفية؟

العلاقة بين الكنيسة و”كيرلس ناشد” بدأت منذ قدومه إلى المنوفية من أجل الالتحاق بكلية الهندسة. وقتئذٍ عُدّ “ناشد” كادرًا هامًا، حين عمل خادمًا للنشء حتى عام 2016، حين بدأت حياته المهنية، والتحق بسلك التدريس في الجامعة. كانت تلك نقطة تحول في تفكيره، حيث قرر الاستقرار في محافظة المنوفية وتأسيس منزل زوجية له إلى جوار عمله. اصطدم “ناشد” في ذلك الوقت بتعقيدات فرضها المطران الأنبا بنيامين على راغبي الزواج داخل الكنيسة، كمنع إقامة الأفراح بشكلها المعروف والاكتفاء بـ”أفراح كنسية”.

لم تكن مسألة التعنت في تنظيم الأعراس الوحيدة التي حثته على الانتقاد، لكنه صُدم حين حاول أحد كهنة كنيسة “مار جرجس منوف”، الاعتداء عليه بحذائه داخل مكتبه بالكنيسة، إثر خلافات في الرأي حول نظرة “ناشد” للتوبة والاعتراف، وتحول الخلاف إلى اتهام كهنة الكنيسة له بأنه يحمل فكرًا “بروتستانتيًا” دخيلًا على الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

أدى الاتهام بـ”البروتستانتية” إلى نبذ “ناشد” مجتمعيًا داخل الكنيسة، وواجه على خلفيته مضايقات عدة، وهو ما دفعه إلى اللجوء إلى “الأنبا بنيامين” مطران الأسقفية، وانتهت الجلسة بالتهدئة، لكنه تفاجأ في اليوم التالي بمنعه من دخول الكنيسة بقرار من “الأنبا بنيامين” شخصيًا، ومحاولة الاعتداء عليه والاستيلاء على متعلقاته الشخصية. دفع ذلك “ناشد” إلى التعليق في منشور على صفحته على “فيسبوك”، معبِّرًا عن غضبه واحتجاجه. استمرت المضايقات حتى استدعى الأمن الإداري للكنيسة في أثناء تواجده بداخلها الشرطة، واتُهم بالإرهاب ومحاولة تفجيرها، وهو ما وجدته الشرطة اتهامًا غير منطقي.

قرار منع “ناشد” من دخول الكنيسة غير قانوني، حيث لا يحق لأحد منع الآخر من دخول دور العبادة، بناءً على خلاف بين الطرفين، لأن ذلك يُعد انتهاكًا صريحًا للمادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان، ولذا دعا “ناشد” المهتمين جميعهم بملف الحريات لدعمه في محنته، خاصةً وأن مستقبله المهني والعلمي أوشك على الضياع، متعجبًا من نفي الأنبا المتكرر لمسئوليته عن القضية قائلًا: “كيف لأسقف لا يسيطر على محاميه أن يدير شؤون وأموال الكنيسة؟”

توجه “ناشد” إلى قسم الشرطة لتحرير محضر ضد شخصين حاولا تهديده، إلا أنه فوجئ بوجود أمر ضبط وإحضار على خلفية اتهامات بالتشهير بسمعة المطران وازدراء المسيحية.

حملة توقيعات وخطاب مفتوح إلى المجمع المقدّس

قام عدد من النشطاء الأقباط بتنظيم حملة توقيعات وخطاب مفتوح للمجمع المقدس. وجاء في خطابهم: “نتابع ببالغ القلق والحزن تطورات الوضع الفوضوي الذي آلت إليه الكنيسة في إيبارشية المنوفية وشبين الكوم، والموضوعة رئاستها الدينية تحت تصرف الأنبا بنيامين، والذي مؤخرًا استخدم منصبه الديني لرفع قضية ‘ازدراء المسيحية’ ضد أحد أفراد رعيته، مستغلًا في ذلك غياب أية سلطة دينية رقابية عليه، ومعتديًا على اللائحة الداخلية للمجمع المقدس التي تحكم وتقيّد التمثيل أمام الدولة في قداسة البابا وحده لا سواه، وسعى لتمثيل شعب المنوفية أمام المحاكم الزمنية مستغلًا خاتم الإيبارشية الرسمي ووثائقها ومخاطباتها في تفويض محامين من خارج الملة وغير ملمين بالنصوص العقائدية للكتاب المقدس وقوانين الكنيسة التي تحظر على كل مؤمن مسيحي الاختصام لأخيه – في شأن إيماني – أمام المحاكم غير الكنسية.”

وتابع الخطاب: “هذا بخلاف الغش والكذب والإنكار لما هو موثَّق في أروقة القضاء المصري بعدما ظهر على القنوات الفضائية المسيحية، ودأبه على التنصل من كل ما فعل ويفعل وإلقاء بكامل المسئولية في تحريك الدعوى على أجهزة ومؤسسات الدولة؛ تارة ‘الأمن’ وتارة ‘وزارة العدل’، مورطًا بذلك السلطتين التنفيذية والقضائية في قص لسان خصومه على نحو خارج الأطر التي ينظّمها القانون، وما في ذلك من حرج للكنيسة والدولة على حد سواء، وما قد تستغله الجماعات المعادية والمتصيدة لكليهما أو لأحدهما. بسلطة لا تزيد عن سلطة الأب أو الأم نعلن، أن القيم المسيحية العليا قد صارت مهددة بفضل هذا المطران! فكيف لأحدنا أن يعلّم طفله: “نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ” (1 كورنثوس 4: 12)، والمطران يُشتم فيلعن ويقتص ويرسل محامين لتوقيع أقصى عقوبة؟ وكيف لأخوين متنازعين أن يقرأ عليهما الكاهن: “اتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ الْمَذْبَحِ وَاذْهَبْ أَوَّلاً اصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ” (متى 5: 24)، والمطران نفسه يقيم قداس عيد الميلاد ويقدم القرابين وأخيه محبوس في السجن بوشاية منه وبسبب بلاغه الكيدي؟”

وتساءل الخطاب: “كيف لمسيحنا أن يغفر لصالبيه اليوم، وممثلوه على الأرض ينقصهم الغفران لأية خطيئة، ويشعرون بنشوة الانتقام الشخصي صارخين في كبسولاتهم اليومية: ‘سوف تدفعون الثمن’؟ هل لدينا من القوانين الكنسية ما يتيح محاسبة أسقف حاد عن جادة الصواب؟ أم نحن متروكون لفوضى غير مقننة؟ إن تأخركم يقود لحالة من انعدام التواصل والثقة بين الشعب والإكليروس، ويهدد تماسك ووحدة الكنيسة بأسرها. آباؤنا الأجلاء، مع الإحباط الذي نثمل به، فالسكوت قد صار ترفًا لا نحتمله.”

وناشد الخطاب سلطات المجمع المقدس في الآتي:

أولًا: إحالة نيافة الأنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم، إلى لجنة محاسبة بالمجمع المقدس، ومراجعة جميع قراراته الإدارية والكنسية والشخصية، على أن يشمل هذا على سبيل المثال لا الحصر: أفكاره عن ‘سر الزيجة’ من حيث كونها علاقة ‘غير جسدية’، وما تبع ذلك من تكوينه لما يُسمى ‘مجلس العرس’، وإجباره للمقدمين على الزواج بتوقيع إقرارات تهيمن على سلوكهم الاجتماعي في إعلان مظاهر الفرح وكبته، وتتجاوز سلطة النصح والإرشاد إلى تحصيل غرامات مالية على إيصالات التبرعات، وإجراء حرمانات بالجملة على المخالفين، وأيضًا تشمل هذه المحاسبة ما يشاع عن حصوله على أراضي وعقارات وأصول على غير النحو الذي يحدده القانون.

ثانيًا: إلغاء جميع التوكيلات بكافة أنواعها، والتفويضات الصادرة من نيافة الأنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم، وبالميلاد ميخائيل عبد الملك ميخائيل يونان، في جميع الإجراءات الناقلة للملكية كالتنازل والبيع والهبة وكل التصرفات، مع إلغاء كافة التوكيلات والتفويضات البنكية الخاصة بحسابات الإيبارشية وكذلك الحسابات الخاصة بالاسمين، الرهباني والعلماني، في كافة البنوك المصرية، اﻵن وطوال فترة المحاسبة أمام المجمع المقدّس.

ثالثًا: الانتداب الفوري لمن يحدده المجمع المقدس ويراه صالحًا، للقيام بمهام الأسقف المساعد، مع بقاء الأنبا بنيامين على كرسيه بشكل شرفي بكل كرامة طيلة هذه الفترة.

ووقع على الخطاب عدد كبير من نشطاء الأقباط ومنهم على سبيل المثال: باسم الجنوبي، وبيتر مجدي، ورجائي شنودة، وكمال زاخر، ورءوف إدوارد، وبيشوي القمص.

كمال زاخر: الإصلاح مشوار لم يبدأ بعد … وعلى الكنيسة إعادة توصيف نظامها الرعوي

من جانبه، أكد المفكر القبطي كمال زاخر أن الإصلاح الكنسي يشبه فيلمًا طويلًا، والمصالحة بين الأب المطران وابنه لقطة فيه.

وقد تكون لقطة بداية الإصلاح العملي، فتأسيسًا عليها تبدأ الكنيسة في إعادة توصيف نظامها الرعوي ودور ومهام وواجبات وصلاحيات هرمها التراتبي، وتصحيح ما استقر فيه من خلل في السلطة والسلطان والتسلط، وتحديد ماهية العلاقات بين رتبها لحساب الرعاية السوية.

الإصلاح مشوار لم يبدأ بعد، ويقاومه غالبية مَنْ يطلون علينا من نوافذ خدمتهم الآيلة للسقوط.

الأغرب أن هذه المظاهر السلطوية زادت مع أجيال المتعلمين – الجامعيين – الذين ملأوا الدنيا عبر مجلاتهم وبياناتهم وحراكهم المنظم والمُلِّح بمطالب العودة إلى الجذور الآبائية، فلما دانت لهم السلطة أصروا على تعميق سلطانهم وتغليظه، وراحوا يدعمون هذا بغطاءات فقهية ونصوصية، وينقلبون على المراكز البحثية والديرية التي عكفت على إحياء التراث الآبائي، وكان من الطبيعي عند كثير منهم أن ينقلب السلطان إلى تسلط!! وكان من الطبيعي أن تشهد أيامهم أعلى نسبة ارتداد وأعلى نسبة تفكك أسري حتى إلى الطلاق، والذي اخترق ومزق سياجات أسر خدام وخادمات وكهنة، وبعضهم لم يكتفوا باللجوء إلى تغيير الملة، بل ذهبوا إلى ما هو أبعد، لترتج المدينة وتتورط الكنيسة في معالجات مرتبكة.

الأمر لم يقتصر على أساقفة المدن الكبرى بل طال الإيبارشيات الصغيرة التي تضم كل منها أحد مراكز المحافظة وبعض القرى التابعة له، والتي يتم إلزامها وتحميلها بمتطلبات الأسقف – بغض النظر عن طاقتها المالية – والذي يتوسع في رسامة كهنة يجندهم لجلب الأموال عبر منظومة تحول الكاهن إلى متسول يطرق أبواب التجار في المدن الكبرى وأسواق العاصمة الشهيرة، ولتحفيزه تُخَصص له نسبة تتراوح بين 15 و25 % من حصيلة دفاتر التبرعات (!!). المهم أن تتوفر لنيافته السيارة الأحدث، وطاقم الزى الأسقفي بنوعيه، الخاص بالخدمة الطقسية والآخر خارجها، واللذين يتغيران مع كل عام، وتغطية زياراته المكوكية لأقباط المهجر، افتقادًا وعلاجًا، فيما يبقى للرعية الاستشفاء بالصلاة ودهنة الزيت المقدس، وتحمل التجربة في صبر ستُجزى عنه بالأبدية الصالحة في أحضان القديسين. وأضف إلى ذلك الإصرار على بناء كاتدرائية تليق به، ومقر لنيافته يستقبل فيه كبار الزوار من محافظ الإقليم إلى رئيس مجلس المدينة وأعضاء البرلمان وغيرهم من المتنفذين، ليقدم لنا إلهًا غنيًا وشعبًا فقيرًا وأسقفًا منتشيًا.

الدعوى العمومية في الشأن المسيحي من صلاحيات البابا فقط

إن التأسيس الدستوري في المادة الثالثة من الدستور لعرض اللائحة الداخلية للمجمع المقدس، وتحديدًا المادة 54 ، ينص على إن الدعوى العمومية في الشأن المسيحي من اختصاص قداسة البابا وحده لا سواه. فطبقًا للائحة المجمع المقدس الأساسية، ﻻ يحق لأي عضو مخاطبة الدولة أو أجهزتها إلا بإذن وتفويض من البابا، وفعليًا هذا ليس أمام الدولة فقط بل أمام أي مؤسسة حتى لو كانت مسيحية مثل مخاطبة الكنيسة الإنجيلية أو الكاثوليكية.

كذلك فإن المادة (54) تنص على ما يلي: البابا هو المسئول عن الأمور العامة في الكنيسة، وهو الذي يمثلها أمام الدولة وأمام الكنائس الأخرى وكل الهيئات الرسمية والدينية (اللائحة الأساسية للمجمع المقدس، الفصل الثامن: “رئيس وأعضاء المجمع”). وبطريقة أسهل في الفهم، الدفاع طعن على استخدام النائب العام لكل قوانين الازدراء وغيرها من التي تحوي دين أو أسرة أو قيم طالما أن الشأن مسيحي. لا بد أن يتبنى البابا الدعوى وليس النائب العام، أو لا بد على النائب العام العودة للبابا والحصول على موافقته لطالما أنه شأن مسيحي. البابا فقط.. وليس أي شخص يمر بالشارع ويرى نفسه غيورًا دينيًا ويصلح لتمثيل المسيحية.

فهناك لائحة داخلية بين الأساقفة تنظم هذه المسألة بشكل محسوم، وكل هذا جديد على المحاكم والهيئات القضائية إذ لم تشهده الكنيسة أو المحاكم من قبل. وهذه السابقة الحقوقية ستكون مرجعية في الحالات المماثلة مستقبلًا. ومن هنا أخذ الموضوع أبعادًا أيقونية وكبر عن مجرد كونه “قضية فرد” أو قضية رأي عام.

اختراع “لائحة العرس” المبالغ في أحكامها.. مجلس العرس… لعقوبة العروسين وليس لمباركتهم

في 2019، أثار بيان منسوب للأنبا بنيامين، حالة واسعة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، جاء فيه منع المطران إقامة الأفراح خارج أسوار الكنيسة، مع تسديد تأمين يدفعه العريس قبيل صلاة الإكليل للتأكد من الالتزام بتعليمات المطرانية التي تمنع تشغيل الأغاني أو الرقص، سواء في ليلة الفرح أو الحِنّة التي تسبقها. وقيل حينئذٍ إن البيان جاء ردًا على تأسيس عدد من أبناء المحافظة صفحة على موقع “فيسبوك” بعنوان “المنوفية هتفرح”، جاءت احتجاجًا على سياسات الأنبا المتبعة منذ عام 2003، والمعروفة بلائحة العُرس، والتي بموجبها يُجبر العروسين على دفع مبلغ تأمين مالي يحدده الكاهن للتأكد من عدم إقامة فرح أو حَنة خارج سور الكنيسة، في سابقة لم تحدُث إلا في إيبارشية المنوفية فقط دون باق إيبارشيات وكنائس مصر.

في حين خرج الأنبا بنيامين بعد اشتعال غضب مسيحيي المنوفيّة، نافيًا صدور أي بيانات بشأن لائحة الزواج، وأكد أن الأموال المفروضة من الكنيسة تأتي فقط في حال وجود مخالفات داخل قاعة العرس من شرب خمور أو غناء ورقص. لكن بعضًا من المواطنين الّذين عانوا التضييق الشديد في إجراءات الزواج رفضوا تصريحات الأنبا النافية للائحة، مؤكّدين أنّها طبّقت عليهم وعلى ذويهم، وبالفعل دفعوا أموالًا كتأمين لمنع تفكيرهم في أيّ مظاهر احتفالية شعبية مدنية، وأضافوا: “إن لم تكن هناك لائحة عرس، لم يأت الكهنة إلى الأفراح مصمّمين على إجبارنا على الترانيم بدلًا عن الأغاني، ولم تستنزفنا الكنيسة في أموال التأمين، أو التهديد بالزج بأبنائها إلى أقسام الشرطة في حال المخالفة.”

أسست المطرانية ما عُرف بـ”مجلس العُرس”، المتخصص في تنظيم شؤون الأعراس، ومن مهامه إقرار العقوبة المناسبة على كل عريس حال ارتكاب مخالفات، سواء أكانت العقوبة مادية عبر حرمانه من استرداد مبلغ التأمين، أو عقوبة روحية مثل الحرمان من التناول أو الصلاة وتبريك المنازل.

إسحق إبراهيم: رجال الدين حصلوا على امتيازات اجتماعية وسيطرة لا يريدون التخلي عنها

يشير إسحق إبراهيم -مسئول ملف الحريات الدينية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية- إلى أن ما يحدث مع “ناشد” سابقة تُعتبر الأولى منذ أكثر من عِقد، حيث إن التدخل الشُرطيّ في ملف الخلافات بين الكنيسة والشعب المسيحي يُعتبر من النوادر، مذكِّرًا بواقعة استدعاء الأنبا إرميا الشرطة لمتظاهري الأحوال الشخصية في الكاتدرائية عام 2011، والقبض على بعضهم ثم إطلاق سراحهم مرة أخرى.

كان عدد كبير من المسيحيين الأقباط قد اعتصموا في يوليو 2011، عقب الثورة، أمام مقر المجلس الإكليركى مطالبين بعزل الأنبا بولا -المسئول حينئذ عن ملف الأحوال الشخصية للمسيحيّين- والسماح بالزواج المدني وإعادة العمل بلائحة 38 المتضمنة لكثير من أسباب الطلاق، لكنّ أمن الكاتدرائية لجأ إلى الاستعانة بالشرطة واستخدام الكلاب لإرهاب المتظاهرين وتخويفهم.

رجال الدين والأقباط يتحملون بالمشاركة مسئولية تعاظم دور الأساقفة في الحياة الاجتماعية للأقباط خلال السنوات الأخيرة، “فرجال الدين حصلوا على امتيازات اجتماعية وسيطرة لا يريدون التخلي عنها، والأقباط أنفسهم وضعوا رجال الدين في مرتبة أكبر من دورهم، فأصبحوا يستشيرونهم في أمور اجتماعية، فمن يريد الزواج يذهب للكاهن، ومَنْ يريد أن يدخل الجامعة يذهب يستشير الكاهن، وهكذا.”

“لا يمكن النظر إلى هذا التعاظم بمعزل عن الوضع السياسي، من غياب دور الدولة وانتشار المد الإسلامي الذي قابله أيضًا احتواء للمسيحيين داخل الكنيسة، وتقديم الخدمات الاجتماعية مثل الحضانة والمستوصف وغيرهما.”

ولفت إبراهيم إلى أن الأمر يرتبط إلى درجة كبيرة بالواقع الاجتماعي في الريف، حيث تكون العلاقات الاجتماعية، خاصةً بين الشباب والبنات أكثر تعقيدًا، مع تصاعد مخاوف الأسلمة، مشيرًا إلى أن الكنائس في المدن الكبيرة مثل القاهرة لا تتعامل مع رعيتها بالطرق نفسها، وقد لا يكون هناك تعامل من الأساس.

ويتابع أن “المستوى الثقافي وطبيعة العلاقات في المحافظة وحجم التواجد المسيحي فيها يجعل لكل محافظة سماتها. فمثلًا لا يمكن لكاهن في كنيسة في أحياء القاهرة الراقية مثل الزمالك أو مصر الجديدة أن يفعل ما فعله الأنبا يؤانس أسقف أسيوط (388 كيلومترًا جنوب القاهرة) عندما وضع قواعد لملابس النساء في الكنائس وطبقها عليهن عنوة، لأن المستوى الثقافي والفكري هو الذي يحكم العلاقة بين الكاهن ورعيته.”

أمجد عزت: عصر البابا شنودة يُعد عصر هيمنة كهنة الكنيسة عليها… ليتحول الكاهن لصوت الله في الأرض… وهذا اعتبرته الدولة مكسبًا

من جانيه، أشار أمجد عزت -الباحث في التاريخ القبطي- إلى معاناة الأقباط داخل جدران كنيستهم والى تاريخ سيطرة الكهنة على الشعب المسيحي داخل الكنيسة، مؤكدًا أن هناك الآلاف من كيرلس ناشد على مر التاريخ، والذين تعرضوا لقهر وظلم داخلي، إلا أن الأمر أصبح أكثر وضوحًا مع عزل البابا يوساب الثاني عقب حركة يوليو 1952 وقيام الجمهورية. وبحسب الباحث، فإن جماعة الأمة القبطية تبلورت نتيجة حركة الإصلاح المتوهجة خارج الكنيسة في أربعينيات القرن الماضي، وبدأت بداية اجتماعية، ثم اتجهت نحو العمل السياسي، فكانت محورًا لاستقطاب البعض داخل وخارج الكنيسة لتنفيذ مآربها الخاصة. في المقابل، شعرت حكومة يوليو بالخطر، ظنًا أن في الطريق جماعة جديدة تحمل أفكارًا متقاربة للإخوان المسلمين لكنها مسيحية، لذا وجهت البطريرك لإصدار قرار بحلها، ووافقت عليه الحكومة، وعليه لجأت الجماعة لاختطاف الأنبا يوساب الثاني -بطريرك الأقباط الأرثوذکس- لحسم الخلاف داخل الكنيسة والتخلص من الفساد الذي استشرى داخلها، ما خلّف صراعات في المجتمع القبطي، قبل أن تعيده السلطة مجددًا. وظل الأمر سجالًا حتى عزل المجمع المقدس والمجلس الملي البابا في نهاية المطاف، ومنذ تلك اللحظة بدأ الكهنة خطواتهم الفعلية في اختطاف الكنيسة من شعبها العلماني.

وأشار عزت إلى أن عصر البابا شنودة الثالث يُعد عصر هيمنة كهنة الكنيسة عليها، ليس فقط ضد ما هو علماني، إلا أن المنع والتقييد قد طالا رموزًا كهنوتية مثل الراحلين الأب متى المسكين، والأنبا غريغوريوس -أسقف البحث العلمي- واللذين واجها هجومًا شرسًا وعنيفًا من البابا شنودة والكنيسة لمجرد الاختلاف بينهم في الرأي، وهو ما أدى في النهاية إلى اختفاء كل صوت معارض داخل الكنيسة، و”تحول الكاهن إلى صوت الله على الأرض، وهو ما يُعتبر مكسبًا للدولة التي أراحت بالها من مشاكل الأقباط بسيطرة الكهنة على الشعب المسيحي داخل كنيسته كجزء من اتفاق ضمني.”

ويضيف أن سيطرة رجال الكهنوت على الكنيسة فاقت الحدود كلها، خاصةً مع وجود عدد من عديمي الكفاءة العلمية والإدارية بين الأساقفة، و”تجد أن بعض المطارنة هم في الأساس من حملة الشهادات المتوسطة، الأمر الذي صنع فجوة كبيرة بين الشعب والأساقفة، وأثَّر تأثيرًا كبيرًا على طبقة المثقفين داخل الكنيسة، والتي كثيرًا ما تريد مناقشة أمور هامة في الدين، لكنها تقابَل بالإرهاب والنقد.”

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا