حلم “توحيد الأعياد”… هل يتحقق يومًا ما؟!ّ
موعد عيد القيامة هذا العام يوحد المسيحيين شرقًا وغربًا… فلا تفوتوا الفرصة
الكنائس احتفلت جميعها حتى 1582م بعيدي الميلاد والقيامة في نفس التوقيت
تحقيق: د. ماريانا يوسف
منذ توليه الكرسي البابوي في نوفمبر 2012، أبدى البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، اهتمامًا بالغًا بوحدة الكنائس المسيحية، ودشَّن مجلس كنائس مصر والذي كان حلمًا يراود الكنائس المصرية. وعندما قرر أن يجيب على أسئلة الأقباط عبر برنامج “البابا وأسئلة الشعب”، والذي يذاع على القنوات المسيحية، خصص أول حلقة عن “وحدة الكنائس”، داعيًا خلاله جميع الكنائس في العالم إلى الاحتفال بعيد القيامة في موعد محدد، ومشيرًا إلى سعيه لمحاول توحيد عيد الميلاد، وموضحًا أنه لا يتخذ قرارًا منفردًا ولكن عن طريق المجمع المقدس الذي يتولى مهمة التشريع داخل الكنيسة.
ويسعى البابا تواضروس جاهدًا لتحقيق حلمًا لكافة المسيحيين في العالم وهو توحيد الأعياد سواء ميلاد المسيح أو القيامة، وقد بدأ بالأخيرة فكلف الأنبا بيشوي مطران دمياط وتوابعها قبل رحيله بإعداد دراسة عن “توحيد عيد القيامة” لتُرسَل إلى جميع كنائس العالم.
بمناسبة حلول عيد القيامة المجيد هذا العام للكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية وغير الخلقيدونية في اليوم نفسه مع باقي العالم المسيحي من كاثوليك وبروتستانت، صرّح البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية، بأنه مستعد لقبول اليوم الذي يتفق عليه الجميع لتوحيد الأعياد. وفور إعلان هذا التصريح، قامت لجان حماة الإيمان بمهاجمة بابا الفاتيكان، وكان أول المعارضين هو الأنبا أغاثون.
لن تتكرر هذه الفرصة كثيرًا التي قدمها البابا فرنسيس، حيث لن تتكرر قبل مئات الأعوام مصادفة توحيد الأعياد، وإذا لم يستغل مسيحيو العالم، وخاصةً مسيحيي الكنيسة القبطية المصرية، هذه الفرصة، فسيذكر التاريخ أن تعنت الأقباط كان سببًا في عدم توحيد الأعياد وأساسًا للفرقة.
البابا فرنسيس: مستعد لتوحيد تاريخ عيد القيامة… والبابا تواضروس يدعم الفكرة بشروط
“توحيد موعد الأعياد”… حلم البابا تواضروس
قال بطريرك الكنيسة القبطية خلال حواره لمجلة “حامل الرسالة” الناطقة باسم الكنيسة الكاثوليكية عام 2014: “بدرت إلينا فكرة وأعددنا لها دراسة وهي “توحيد عيد القيامة على مستوى كنائس العالم”، وسوف تُرسَل هذه الدراسة إلى كافة كنائس العالم أولها كنيسة روما، لأن اختلاف موعد عيد القيامة اختلاف “تقويمي فلكي” وليس “لاهوتًا”، وقد اخترنا الأحد الثالث أو الرابع من شهر أبريل حتى يستطيع مسيحيو العالم الاحتفال في يوم واحد بالقيامة. وهناك هدف آخر، فهناك العديد من المسيحيين المصريين والعرب في المهجر ويحتفلون بعيد القيامة كل بحسب طائفته وعيد القيامة حسب التوقيت الغربي والأسبوع العظيم يأتي في وقت مغاير فلا يستطيعون الاستمتاع والاحتفال بعيد القيامة متى حل عليهم بحسب التوقيت الشرقي.
البابا فرنسيس مستعد لتوحيد تاريخ عيد القيامة
أعلن بابا الفاتيكان البابا فرنسيس منذ أكثر من شهرين الاستعداد للقبول بتاريخ موحد للاحتفال بعيد الفصح، علمًا أن احتفال الكنائس المسيحية به غالبًا ما يكون في مواعيد مختلفة تبعًا للاختلاف في الروزنامة الدينية.
وقال البابا فرنسيس خلال قداس اختتام أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين: إن «الكنيسة الكاثوليكية مستعدة للقبول بتاريخ يريده الجميع، تاريخ للوحدة».
وأضاف أن «الفصح» سيُحتفل به هذا العام في اليوم نفسه بحسب التقويمين الغريغوري واليولياني، وتحديدًا خلال هذه الذكرى المسكونية»، في إشارة إلى مجمع نيقية الذي عقد قبل 1700 عام.
وتابع فرنسيس: «أجدد ندائي لتكون هذه المصادفة بمنزلة تذكير لجميع المسيحيين بالقيام بخطوة حاسمة نحو الوحدة، وتاليًا الاتفاق على تاريخ مشترك لعيد الفصح».
بيان مشترك لرؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية في الشرق الأوسط يطالب بتوحيد موعد عيد القيامة
ناقش البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ومار إغناطيوس أفرام الثاني بطريرك إنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم، والكاثوليكوس آرام الأول كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا الكبير، العديد من الأمور الهامة، وأصدروا البيان المشترك للاجتماع الرابع عشر لرؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية في الشرق الأوسط والذي أكد على ضرورة الوجود المسيحي والشهادة في الشرق الأوسط، وتطرق البيان إلى مسألة اعتماد موعد مشترك للاحتفال بعيد القيامة المجيد من قِبل جميع الكنائس، ونحن ندعو الكنائس الأرثوذكسية والفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي ومجلس كنائس الشرق الأوسط إلى إعادة النظر في هذا الموضوع، كما نحث الكنائس على النظر جديًا في هذا الأمر بروح مسكونية.
جاء البيان بمناسبة الاحتفال بمرور سبعة عشر قرنًا على انعقاد المجمع المسكوني الأول في نيقية (325-2025 م).
وأخيرًا … فمنذ أكثر من مئة عام، يدور نقاش داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حول قضيتين هامتين ومترابطتين: الأولى هي إصلاح التقويم القبطي، والثانية هي توحيد موعد الأعياد بين الكنائس الشرقية والغربية. يرى الداعون إلى الإصلاح أن التقويم القبطي للشهداء يعاني من خطأ متراكم أدى إلى ابتعاد مواعيد الأعياد عن مواعيدها الصحيحة. وهم يرون أن توحيد مواعيد الأعياد الثابتة سيتحقق تلقائيًا عن طريق إصلاح التقويم، مما سيؤدي إلى تزامن التقويم القبطي مع التقويم الغريغوري الذي تستخدمه الغالبية العظمى من كنائس العالم.
أما توحيد موعد الأعياد المتحركة فسيتحقق بإصلاح طريقة الحساب القبطي المستخدمة في حساب موعد عيد القيامة، والتي أصبحت تخطئ في حساب موعد العيد في معظم السنوات.
ويرى الإصلاحيون أن توحيد الأعياد أصبح ضرورة رعوية، خصوصًا بعد انتشار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في جميع أنحاء العالم، حيث أصبحت لدينا أجيال جديدة وُلدت وتربت في بلاد المهجر وتزوجت من أبنائها وبناتها، وتكمن هذه الضرورة الرعوية الملحة غلق باب الأسئلة عن اختلاف مواعيد الأعياد في بعض الكنائس عن باقي الكنائس المسيحية، خاصةً أن مسيحنا القدوس واحد حتى وإن اختلفت العقائد وطرق التفسير والآراء من كنيسة إلى أخرى.
لماذا تحتفل الطوائف المسيحية بعيد القيامة في تواريخ مختلفة؟
الطوائف المسيحية المختلفة تحتفل بعيد القيامة في تواريخ متباعدة كل سنة، ونادرًا ما يصادف في اليوم ذاته مثل هذا العام.
لا علاقة للاختلاف بجوهر المناسبة، بل يرتبط بعمليات حسابية وفلكية، نظرًا لإتباع الكنائس لتقويمين مختلفين: تقويم قديم هو التقويم اليولياني، وتقويم أحدث وهو التقويم الغريغوري أو التقويم الميلادي.
تتبع الكنائس في العالم تقويمين: التقويم الغربي أو التقويم الغريغوري، والتقويم الشرقي أو التقويم اليولياني. ويتوزع المسيحيون بحسب التقويم على الشكل التالي:
كنائس تتبع التقويم الغربي:
– الكاثوليكية: تنتشر في جميع أنحاء العالم، مع كثافة في أمريكا اللاتينية وأوروبا وأفريقيا. وتنضوي تحتها في الدول العربية طوائف مثل الموارنة في لبنان، والأقباط الكاثوليك في مصر.
– البروتستانتية: يتركز أتباعها بشكل رئيسي في أمريكا الشمالية وأوروبا وبعض مناطق أفريقيا.
– الأنجليكانية: يتركز أتباعها في المملكة المتحدة وبعض مناطق أفريقيا وأستراليا.
كنائس تتبع التقويم الشرقي:
– الأرثوذكسية الشرقية: يتركز أتباعها في شرق أوروبا واليونان وروسيا وبعض مناطق الشرق الأوسط.
– الكنائس المشرقية القديمة: مثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر، والكنيسة الأرمينية، والكنيسة الأثيوبية.
وبحسب الأناجيل، صُلب المسيح وقام من الموت عند زيارته مدينة أورشليم خلال الاحتفالات بعيد الفصح اليهودي.
لذلك، ارتأى المسيحيون في القرون الأولى أن تُصادف ذكرى القيامة بعد الفصح اليهودي. وبحسب التقويم العبري، يبدأ الاحتفال بالفصح اليهودي في 15 شهر نيسان العبري، وهو أول أشهر الربيع، ويكون البدر في ذلك التاريخ مكتملًا.
وبناءً على ذلك، اتفقت الكنائس الأولى على توحيد موعد عيد القيامة، وذلك في مجمع نيقية الأول، عام 365، وفقًا لقاعدتين:
أن يقع في يوم الأحد الأول بعد اكتمال البدر الأول من فصل الربيع.
أن يأتي بعد الفصح اليهودي.
وكانت كنيسة الإسكندرية قد حدّدت تاريخًا ثابتًا للاعتدال الربيعي، سواء اتسق مع الظاهرة الفلكية أم لم يتسق، وهو 21 مارس، لهذا لا يمكن الاحتفال بالفصح قبل هذا التاريخ. وهكذا، بقيت الكنائس تحتفل بالعيد في الوقت ذاته لقرون.
وفي زمن مجمع نيقية، كانت الإمبراطورية الرومانية تعتمد ما يعرف بالتقويم اليولياني، وهو التقويم الذي أقرّه الإمبراطور يوليوس قيصر، عام 45 قبل الميلاد.
وقد اعتُمد ذلك التقويم في الإمبراطورية الرومانية ومعظم أنحاء العالم لأكثر من 1600 سنة.
مع وجود أخطاء تراكمت عبر السنوات في احتساب الأيام والسنوات الكبيسة، برزت عيوب في التقويم اليولياني، إذ بات هناك عدم اتساق واضح بين التواريخ ودورة الفصول.
وعندها، أعلن البابا غريغوريوس الثالث عشر، عام 1582، عن إصلاح في التقويم، واعتماد تقويم جديد، بات يُعرف بالتقويم الغريغوري نسبةً إليه، وهو التقويم الميلادي المتَّبع في معظم دول العالم حتى يومنا.
لكن الكنائس الشرقية بقيت تتبع التقويم اليولياني لأسباب تتعلّق بالحفاظ على التقاليد، وبرفض التبعية لقرارات بابا الكاثوليك.
وتظهر الفوارق بين التقويمين في احتساب الأشهر الشمسية والأشهر القمرية، فالفرق في السنة الشمسية نحو 13 يومًا، وفي السنة القمرية 4 أيام.
حاليًا، لم تعد الكنائس الغربية تلتزم بقاعدة نيقية القائلة بضرورة الاحتفال بالعيد بعد الفصح اليهودي، ولكنها تلتزم بمراعاة قاعدة الاحتفال به بعد اكتمال البدر الأول من فصل الربيع.
وفي هذا العام 2025 مثلًا، سيحلّ العيد في تاريخ واحد لدى الطوائف كافة، وهو ما يتكرر كل بضع سنوات.
البابا تواضروس يناقش مقترح توحيد عيد القيامة مع وفد الجمعية البرلمانية للأرثوذكسية
لفت الأمين العام للجمعية البرلمانية للأرثوذكسية ماكسيموس خاراكوبولوس إلى مبادرة الجمعية البرلمانية للأرثوذكسية الخاصة بتوحيد عيد القيامة لكافة المسيحيين، وقدم دكتور إيوان فولبوسكوا رئيس الجمعية العمومية وعضو البرلمان الروماني في منتصف مارس 2025 صيغة مقترحة للمبادرة.
من جهته، أعرب قداسة البابا عن تقديره لاهتمام الجمعية البرلمانية للأرثوذكسية بهذا الموضوع، وأوضح قداسته رؤيته بخصوص توحيد العيد، وهي أنه بحسب ما أقره مجمع نيقية عام 325 ميلادية، فإن كنيسة الإسكندرية صارت هي المسئولة عن تحديد عيد القيامة (كل عام)، فكان البابا ألكسندروس، وهو من ضمن البطاركة الذين حضروا المجمع، ومن بعده البابا أثناسيوس وغيرهما من البطاركة، يحددون عيد القيامة ويرسلون الموعد لكافة كنائس العالم كل عام من خلال الرسالة الفصحية. ونوَّه إلى أن كنيسة الإسكندرية كانت تحدد العيد من خلال ثلاثة شروط، هي:
1- أن يأتي بعد الاعتدال الربيعي.
2- أن يأتي بعد الفصح اليهودي وليس أثناءه أو قبله.
3- يلزم أن يأتي يوم أحد.
ولفت إلى أن كنيسة مصر برعت في علوم الفلك والرياضة.
ولخص قداسة البابا رؤيته بأنه يمكننا أن نحتفل بعيد القيامة في موعد واحد في كل العالم، يتغير هذا الموعد من عام لآخر. وأضاف: «الكنيسة الغربية بصفة عامة تحتفل بعيد القيامة دون الارتباط بموعد الفصح اليهودي، أما نحن فنعيش الرمز الأول أي الفصح اليهودي ثم نحتفل بقيامة السيد المسيح».
وعبَّر قداسته عن أمنياته أن ينتهز المسيحيون فرصة الاحتفال هذا العام في نفس اليوم بأن يستمر الاحتفال في موعد موحد في الأعوام المقبلة تعبيرًا عن وحدة إيمانهم بقيامة المسيح الفادي والمخلص.
الأنبا أغاثون: تعديل موعد عيد القيامة يُعتبر تعديًا على هيبة وقرارات الآباء الرسل وهوية الكنيسة القبطية
أكد الأنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة، رئيس رابطة خريجي الكلية الإكليركية، أنه لا يمكن على الإطلاق قبول الآراء التي تنادي بتوحيد موعد ثابت لعيد القيامة لأنه يتعارض مع ما أقره مجمع نيقية المسكوني ومع التمسك بموعد عيد القيامة المعمول به في كنيستنا بحسب تعاليم الديسقولية وقوانين الآباء الرسل، لذلك لا يمكن بحال من الأحوال تعديل موعد عيد القيامة لأنه يُعتبر تعديًا على هيبة وقرارات الآباء الرسل وهوية الكنيسة وحضارتها وتراثها وتاريخها وليتروجياتها واستمرارية وحدتها ومُسَلَّماتها وثوابتها الإيمانية والعقائدية والإجماع الكنسي العام المستقر فيها منذ قرون مضت.
وأضاف أسقف مغاغة والعدوة خلال الحلقة 164 من برنامج “التعليم والعقيدة”، والذي يُبث أسبوعيًا عبر قناته على اليوتيوب، أن التغييرات في موعد عيد القيامة بمثابة كسر للتعهدات الكنسية التي يتلوها الآباء خلال سيامتهم في درجات الأسقفية والقسيسية والرهبانية ويُعرِّض من يقوم به للقطع “الشلح” طبقًا لأقوال الآباء الرسل، وذلك بحسب الرسالة الأولى لأهل غلاطية الآيتان 8 و9.
كما أصدر أسقف مغاغة والعدوة بيانًا منذ سنوات بعنوان “الوحدة في اﻹيمان قبل الوحدة في اﻷعياد” أعلن فيه رفضه توحيد اﻷعياد مع الكنيسة الكاثوليكية “ﻷن اﻷعياد من المُسَّلمَات اﻹيمانية التي سُلمت للكنيسة، وسُلّمت إلينا فلا يجوز مدّ اليد عليها، بالتغيير أو التبديل، بالزيادة أو النقص أو بالحذف” بحسب البيان.
وأضاف: “قد يترتب على تغيير موعد بعض اﻷعياد، أو اﻷعياد ككل، أن بعض اﻹكليروس والشعب البسيط، ربما يتخيلون أنه تمت الوحدة مع كنيسة ما أو مع أكثر من كنيسة، فيتخلون عن إيمانهم ومعتقداتهم، ويتقدمون للأسرار الكنسية في الكنائس اﻷخرى، ثم تدريجيًا يتأثرون بالطوائف، ويصبح داخل كنيستنا إكليروس وشعب طائفي، وهذا يمثل خطورة بالغة على إيمان الكنيسة وعقائدها.”
مبادرة البابا تواضروس 2014 لتوحيد الأعياد
استندت الدراسة التي أعدها الأنبا بيشوي بتكليف من البابا تواضروس والتي أُرسلت إلى جميع كنائس العالم، إلى القوانين الرسولية، وكتابات ثيئوفيلس القيصري (180م)، وهيبوليتس (225م)، القانون الرسولي (تم تجميعه 390م)، ومجمع نيقية (325م)، وكتاب هيفيلي عن تاريخ مجامع الكنيسة (1894م) المجلد الأول (صفحات 298-324)، و”قاموس العقائد المسيحية الأولى” (ص 500، 547).
وقالت الدراسة: “كان التقليد الكنسي يتجه إلى أن يتحاشى المسيحيون التعييد مع عيد الفصح عند اليهود، وأوكل في مجمع نيقية المسكوني 325م إلى كنيسة الإسكندرية تحديد موعد عيد القيامة، وكانت الكنيسة تقاوم في العصر الرسول وما بعده تيارات التهوُّد في المسيحية، مثل مسألة الختان للذكور وما نادى به البعض من اليهود المتنصرين من ضرورته لنيل الخلاص ورأت الكنيسة أنه كان رمزًا للمعمودية “ختان القلب بالروح” (رو2: 29). ولهذا اجتمع مجمع الرسل في أورشليم واستقر الأمر على التحرر من الممارسات الناموسية اليهودية.”
واستطردت الدراسة: “لهذا ينبغي أن يكون عيد القيامة المجيد في اليوم الأول من الأسبوع، أي في يوم الأحد، ويرتبط هذا تلقائيًا بأن تذكار صلبه يكون في يوم الجمعة، أي في اليوم السادس من الأسبوع وهو ما نسميه بالجمعة العظيمة Holy Friday، ويكون الأسبوع المقدس Holy Week كله مرتبطًا بذلك أيضًا بكل ما فيه من تذكارات الأحداث الواردة في الأناجيل. ومن بعد مجمع نيقية (325م) جرت العادة على “أن يُحتفل بعيد القيامة المسيحي في يوم الأحد التالي مباشرةً لكمال القمر الذي يقع في الاعتدال الربيعي أو الذي يقع بعده، وثانيًا أن الاعتدال الربيعي يُحسب في الحادي والعشرين من شهر مارس.”
وتابعت الدراسة: “أما حاليًا فلم يعد هناك خطر من تيار التهود في المسيحية الذي قاومه الآباء في القرون الأولى، ولا يعنينا موعد فصح اليهود في شيء. كما أننا لا ينبغي أن نربط عيد القيامة بالاعتدال الربيعي (21 مارس) ولا بالرابع عشر من الشهر القمري (نيسان)، أي حينما يكون القمر بدرًا، خاصةً في ضوء توجيه بولس الرسول: “فلا يحكم عليكم أحد، من جهة عيد أو هلال أو سبت” (كو2: 16)، وما هو الهلال إلا تغيرات ضوء القمر على مدار الشهر القمري، ونظرًا لتغيير موعد عيد الفصح كل عام واختلاف موعده بين الكنائس المسيحية، وهذا الأمر يسبب ارتباكًا كبيرًا لأن عيد القيامة ليس له تاريخ ثابت عند المسيحيين في العالم، ويتراوح تاريخ عيد القيامة حسب تقويم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ما بين 4 أبريل و5 مايو، ومتوسط ذلك هو 20 أبريل، وهو الأحد الثالث من شهر أبريل ويكون هذا التاريخ هو أقرب تاريخ إلى متوسط تاريخ عيد الفصح، نقترح أن يتم توحيد عيد القيامة بين جميع الكنائس المسيحية ليكون في هذا التاريخ المذكور.”
واستشهدت الدراسة بعدة وثائق منها ما ذكره ثيئوفيلوس القيصري (180م) حيث قال: “أسعى لكي تُرسل للخارج نسخ من رسالتنا لجميع الكنائس، حتى لا يستطيع مَنْ يخدعون أنفسهم بسهولة أن يلقوا باللوم علينا… فإننا نعرفك أيضًا أنهم حتى في الإسكندرية يحتفلون في نفس اليوم الذي نحتفل فيه نحن… لأن رسائل القيامة تُرسَل منهم إلينا ومنا إليهم – حتى أننا نحتفل باليوم المقدس في وحدة ومعًا.”
كما ورد في كتاب “قاموس العقائد المسيحية الأولى” ما يلي: “في الكنيسة فيما قبل مجمع نيقية (325م)، كان الخلاف على موعد عيد القيامة هو في الأساس على ما إذا كان يجب أن يكون محددًا باليوم الرابع عشر من شهر نيسان من كل عام، أم أنه لا بد أن يُحتفل بالقيامة في يوم الأحد التالي لليوم الرابع عشر من إبريل بغض النظر عن التاريخ الذي يقع فيه هذا الأحد. وقد كان مسيحيو آسيا الصغرى يحتفلون بعيد القيامة في اليوم الرابع عشر من شهر نيسان وكانوا يشهدون بأنهم قد تسلموا هذه العادة من الرسول يوحنا… أما في أغلب الأماكن الأخرى، فقد كان المسيحيون يحتفلون بعيد القيامة في الأحد التالي لليوم الرابع عشر من شهر أبريل.. وهناك أيضًا خلاف آخر أقل أهمية يخص حساب الاعتدال الربيعي وفقًا للتقويم اليولياني، ويجب ملاحظة أن هذا قد أثر جوهريًا على تاريخ عيد القيامة.”
وأوضحت الدراسة أنه بخصوص الاحتفال بعيد القيامة في اليوم الرابع عشر من شهر أبريل فقد تكونت طائفة تُسمى بالأربعة عشرية Quartodecimans قال عنها نفس المرجع السابق: “الأربعة عشرية هم مسيحيون يحتفلون بعيد القيامة في اليوم الرابع عشر من شهر أبريل كل عام بغض النظر عن وقوع الرابع عشر من أبريل في أي يوم من أيام الأسبوع … وقد تساهلت الكنيسة مع هذه الممارسة في القرون الأولى، إلا أن بقية الكنيسة حينما شرعت بعد ذلك في إجبارهم على ممارسة الاحتفال بعيد القيامة في يوم الأحد التالي لليوم الرابع عشر من أبريل، كوَّن الأربعة عشرية كنيسة منفصلة استمرت حتى القرن الخامس.”
وعن هؤلاء يقول هيبوليتس (225م): “وثمة آخرون، ممن هم مشاكسون بالطبيعة، يقولون إن عيد القيامة يجب أن يكون في اليوم الرابع عشر من الشهر الأول، وفقًا لوصية الشريعة، بغض النظر عن وقوعه في أي يوم من الأسبوع، ولكن في الأمور الأخرى يقبل هؤلاء الأشخاص كل التقاليد الكنيسة المُسَلَّمة من الرسل.”
وتابعت الدراسة يقول القانون الرسولي Apostolic Constitutions، والذي تم تجميعه 390م: “أنها مهمتنا أيها الأخوة، أن نرصد أيام القيامة بالضبط، فلا نهتم بعد أن نحفظ عيد اليهود، لأننا لسنا في شركة بعد معهم، وفي الحقيقة، فإنهم قد ضلوا فيما يخص العملية الحسابية نفسها، فلا يجب عليكم بسبب الجهل أن تحتفلوا بالقيامة مرتين في العام نفسه، أو تحتفلوا بعيد قيامة الرب في أي يوم آخر غير يوم الأحد.”