17.4 C
Cairo
الأحد, ديسمبر 22, 2024
الرئيسيةفكر مسيحيجَنَّةُ المُلْكِ: الحلقة (17)

جَنَّةُ المُلْكِ: الحلقة (17)

د. أماني ألبرت

(شبنة هو ابن عم الطفلة التي ماتت أمها أثناء ولادتها وسبقها أباها، وقد اتفق شبنة مع عمته رفقة أن تسمى الطفلة اليتيمة هداسا. كانت العمة “رفقة” هي الأم الروحية لكل أبناء عشيرتهم. أضاع “أبيحائل”، والد الطفلة، قبل مماته ثروته مع تجار غرباء ولم يحتمل الخيانة فمرض.

وبسبب علاقة شبنة (مردخاي) بهذه الطفلة الصغيرة التي غزت محبتها قلبه، أعاد اكتشاف نفسه. لقد وجد أنه لا زال قادرًا على العطاء والحب والاهتمام، واختبر مشاعر من نوع جديد أضفت الحيوية والانتعاش على حياته. تطورت العلاقة بين شبنة والطفلة الصغيرة وأصبح يخاف عليها من أي شيء. التحق مردخاي بالعمل في لقصر الملكي. وذات يوم، أقام الملك حفلًا كبيرًا تسللت إليه هداسا سرًا، فماذا رأت؟ (يمكنك قراءة الحلقات السابقة على موقع الجريدة.)

وصل “مردخاي” المنزل بصعوبة بالغة… كانت قدرته على التنفس تضعف كما أن حرارته منخفضة والألم يغمر جسده كله… وبينما كان ينزل من على الفرس وقع… فنادي بصوت ضعيف:

– “هداسا”.. “هداسا”

كانت “هداسا” تتزين محاولة تقليد راقصات القصر وممسكة بوشاحها الوردي تحركه يمينًا ويسارًا… لم تسمع أول نداءين لأنها كانت تدندن… ثم هرعت نحو الباب مباشرة بمجرد سماعها النداء الثالث… لتجد “مردخاي” واقفًا أمام الباب بصعوبة بالغة… كان وجهه متغيرًا وكان على وشك السقوط من جديد،.. سندته وأدخلته بسرعة على حجرته وقد أدركت أن خطبًا ما أصابه… فجسمه بارد كالثلج… يرتعش… كلماته متداخلة لا تفهم منه شيئًا… نفسه ضعيف… وكأنه على وشك فقدان الوعي.

ركضت “هداسا” إلى بيت العمة “رفقة”… قرعت الباب بقوة… فتح لها جرشون ابن العمة “رفقة” الأكبر… وبادر بسؤالها:

– ماذا تفعلين في هذا الوقت؟ هل…

لم تنتظره يكمل حديثه بل قاطعته بسرعة:

– أين عمتي “رفقة”؟ قل لها أبي يعاني نفس الحالة التي كانت لدى “شمعي” وهو على وشك فقدان الوعي… لن أستطيع أن أتركه… أرسلها لي حالًا بالعلاج.

اتسعت عينا “جرشون” وقد زم شفتيه قائلًا:

– اذهبي… اذهبي… سآتي بها.

ركضت بكل قوتها نحو المنزل… ولحظات وهرع “داود” و”يديدة” ثم أتت العمة “رفقة” مستندة على ابنها “جرشون” و”عماسا” وهي تتخوف، فلو كان الأمر كما تقول “هداسا” فهم في صراع مع الزمن.

دخلت العمة “رفقة” مسرعة بالكاد تلتقط أنفاسها… وفحصت “مردخاي” الذي تمتم بكلمات غير مفهومة… فيبدو أنه أكل شيئًا في الحفل… وفي دقائق كانت قد جهزت له مشروب من مشروباتها العشبية العلاجية… أخذه واستغرق في نوم عميق.

قال “جرشون” لأمه:

– لا نملك سوى الانتظار… وجلوسنا كلنا لن يفعل له شيء… هيا يا أمي سأرافقك للمنزل.

ردت “رفقة” بتوجس:

– لن أتحرك من هنا… فهو لا يزال في مرحلة الخطر ويحتاج أن يبقى تحت الملاحظة. اذهب أنت يا ولدي وخد معك “داود”، وسأبقى أنا مع “هداسا” و”يديدة”.

رد “داود” بشهامة:

– ولكن ماذا لو احتجتِ شيئًا يا جدتي… حتى لا تخرج “هداسا” أو “يديدة” في منتصف الليل… سأبيت خارجًا عند الباب.

– كلا يا ابني… اذهب مع أبيك… ولو احتجنا شيء فالبيت قريب.

أصر داود على البقاء في الساحة الخارجية للمنزل… فقد كانت “هداسا” تعني له الكثير… وقد أخذ منها فرشًا مناسبًا ورفع عينيه البنية نحو السماء ليهيم في أحلام اليقظة متخيلًا نفسه مع “هداسا”… بينما جالت الأفكار السوداء وصالت في عقل “هداسا” وهي التي حبست الدموع في عينيها بالجهد… فالخوف أحاط بها من كل ناحية… وقالت بخوف:

– عمتي، ما مدى سوء حالته؟

– لا نعرف يا “هداسا”. كل ما نعرفه أننا سنبقى هنا أمامه نلاحظ معدل تنفسه.

ظلت العمة “رفقة” تراقب تنفسه… ودون أن تشعر بنفسها نامت وهي جالسة على الكرسي المقابل.

كانت هذه الليلة هي الأطول في حياة “هداسا”… وبالإضافة لما تمر به طاردتها مخاوفها وكذلك الأسئلة… ماذا حدث لوشتي؟ وما سبب هذا الضجيج؟ وماذا أصاب “مردخاي”؟

أخذت “هداسا” الرداء الخاص بـ “مردخاي” كي تغسله من آثار القيء وفجأة اكتشفت أن الشال غير موجود!! قالت لنفسها:

– لقد دخل المنزل بدونه.

هرعت نحو الباب وأيقظت “داود” كي يبحث عن الشال في الطريق الذي سار فيه… فرجع دون أن يجد شيئًا… ولما وجدها متضايقة قال لها بأمل:

– مع بداية النور، يمكنني أن أخذ الفرس إذا أردتي وأبحث بطول الطريق… فعدم وجوده يعني أنه سقط منه.

اضطرت “هداسا” للموافقة… فرغم أنها لا تريد أن يركب أحد على فرسها إلا أن الشال ثمين لديها وأخذ منها وقت طويل في صنعه… ولكن لا قيمة لشيء الآن… فليذهب كل شيء ويبق “مردخاي”.

*********

مرت ساعات… وبعد انتهاء الحفل، ورحيل العامة والرؤساء والمستشارين، وبعد خروج الخمر من الملك، حكى له “حربونا” خصيه ما حدث بالضبط.

تكدر الملك بشدة، خاصة ًأنه حدث أمام العامة مما يعني أن الخبر قد انتشر بالفعل… وتضايق من عدم تدخل مستشاريه قبل أن يتفوه بما لا يجب إنقاذًا للموقف.

وقف الملك في شرفة غرفته الخاصة… وقف وحيدًا يتطلع إلى المدينة، فقد كان القصر مبنيًا على مكان مرتفع. كان منظرها مهيبًا فريدًا… ورغم كل إنجازاته ومبانيه ومملكته… ورغم كل سلطانه ومن حوله، شعر الملك بالضيق والخواء. بدا من الخارج أنه يعيش في جنة… ولكنها كانت فارغة… فالملك ينقصه شيء ما، لا يعرف ما هو.

ظل واقفًا… مستمعًا لشدو طائر سمان حزين تلسعه برودة الفجر… إلى أن ظهرت أول خيوط النور… وفجأة لمح شيئًا ما مكومًا جانب الطريق خارج أسوار القصر… فأرسل خصيانه ليتحققوا.. ثم رجع له “حربونا” بشال أبيض لم ير الملك مثله من قبل في الجمال، كان ذا تطريز بديع بألوان زاهية متناسقة… وذا رائحة ذكية. ولأن الملك يقدِّر الفن، قرر الاحتفاظ به.

وبينما كان يتناوله من حربونا قال له:

– مولاي… يبدو أنه سقط من أحدهم في أطراف جنة القصر.

هز الملك رأسه وهو يتمتم بصوت أسيف:

– جنة القصر… الموحشة!

يُتبع

المقاله السابقة
المقالة القادمة
مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا