تحت شعار.. “تعلَّموا أن تصنعوا الخير، اطلبوا العدل” الكنيسة حول العالم تصلي
وسط ترحيب الطوائف.. وانتقادات المتزمتين.. “أسبوع الصلاة من أجل الوحدة”
مجلس الكنائس العالمي، ومجلس كنائس الشرق الأوسط، ومجلس كنائس مصر، وكنائس أفريقيا ثمر أسبوع الصلاة
تحقيق: د. ماريانا يوسف
كان المسيحيون في العالم على موعد سنوي للصلاة من أجل الوحدة طيلة الأيام الممتدة من 18 حتى 25 فبراير لتحقيق الإرادة الإلهية في الوحدة وتعزيز خطوة الحوار المحلي والعالمي بين الكنائس وتعميق روح الشراكة والوعي بين جميع المسيحيين.
ورغم أنه ليس بتقليد جديد فهو منذ عام 1938، إلا أنه منذ بداية عهد البابا تواضروس، سعت الكنيسة مسعىً جديدًا نحو الوحدة والإصلاح والانفتاح على الآخر. وربما يبدو ذلك الصخب الكنسي أمرًا مقلقًا بالنسبة للبعض، لكن يمكننا أن نراه من منظور آخر؛ كظاهرة صحية، بل وكبداية مبشِّرة للتغيير والاستنارة. فالغضب والمقاومة هما ما تفعله عقولنا بالطبيعة لأن التغيير ليس سهلًا بل هو مؤلم كالمخاض. لذلك، لا يميل البشر إلى التغيير بطبيعتهم لأنهم يفضلون الاستقرار.
وبالرغم من ذلك، لا يمكننا أن نتوقع أن يحدث التغيير في عصرنا هذا بشكل حاسم، لكن من المؤكد أن الأجيال القادمة ستحصد ما يزرعه الآن مَنْ يدفعون ضريبة الإصلاح. وربما يسجل التاريخ أسماءهم بحروف من نور إن آمنا بهم ومنحناهم الدعم.
القس بيشوي حلمي: وحدتنا معًا هي خير شهادة لمسيحنا
أشار القس بيشوي حلمي، الأمين المشارك عن الكنيسة الأرثوذكسية بمجلس كنائس مصر، إلى أن أسبوع الصلاة هذا العام يحمل عنوان “تعلموا فعل الخير، اطلبوا الحق”.
وفي بداية كلمته، قدم خلفية تاريخية عن هذا الأسبوع، مشيرًا إلى أن اجتماعات الصلاة من أجل وحدة المسيحيين بدأت في عام 1908 في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم انتقلت إلى بلجيكا عام 1933، وبعدها أخذت تنتشر من بلد لبلد. وفي عام 1966، أوصى مجلس الكنائس العالمي، بالتعاون مع لجنة تعزيز الوحدة بالفاتيكان، بإعداد نصوص مشتركة ليصلي بها كل المسيحيون في كل البلاد حول العالم خلال هذا الأسبوع، وقد تم هذا بالفعل في عام 1968، حيث صلى المسيحيون معًا لأول مرة بصلوات وقراءات مشتركة.
وشكر بكل عرفان بعض الشخصيات الهامة التي كان لها دور فعال في أنشطة هذا الأسبوع وفعالياته في مصر منذ عام 1967، فذكر المتنيح القمص متياس شفيق، كاهن كنيسة مار جرجس بالعجوزة، والمتنيح الأستاذ الدكتور موريس تواضروس.
وذكر القس بيشوي أن لأسبوع الصلاة العديد من الإنجازات منها: إنشاء عدد من المجالس وعقد بعض الاتفاقيات اللاهوتية بين الكنائس، وهذه المجالس هي مجلس الكنائس العالمي سنة 1948، ومجلس كنائس الشرق الأوسط سنة 1974، ومجلس كنائس مصر في 2013، ومجلس كنائس أفريقيا وغيرها من المجلس الإقليمية والمحلية، كما أثمر أسبوع الصلاة عن عقد العديد من اللقاءات والحوارات والاتفاقيات اللاهوتية بين الكنائس.
وتساءل القس بيشوي: “هل هذا يعني أن المسيحيين أصبحوا واحدًا؟!” وأجاب: “بالطبع لا، فالأمر يحتاج مزيدًا من الصلاة ومزيدًا من اللقاءات، لأن وحدتنا معا هي خير شهادة لمسيحنا.”
القس رفعت فكري: إذا أردنا أن نكون نورًا للعالم وملحًا للأرض فلا بديل عن حياة الحب
وقال القس رفعت فكري، الأمين العام المشارك بمجلس كنائس الشرق الأوسط رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بسنودس النيل الإنجيلي، في كلمته في بداية احتفلات أسبوع الصلاة في الكاتدرائية المرقسية، أن التعصب هو آفة الآفات المدمرة للعقل الإنساني وهو مرض بغيض خبيث حيث يتسبب في تدمير المجتمعات الإنسانية وهو يميت التواصل والحوار، وحين يموت الحوار تنطلق الحراب وعندما يتفشي التعصب تتكلم البنادق وتحفر الخنادق وتستباح الدماء؛ فليحفظنا الرب من هذا المرض الخبيث اللعين.
ولنتيقن أننا بالفعل في وحدة إيمان فمسيحنا واحد وكتابنا واحد وإلهنا واحد؛ فنحن مؤمنون بالإله الواحد المثلث الأقانيم وألوهية المسيح وبالقيامة وبمجئ المسيح ثانية.
وإن كنا نختلف في بعض الأمور غير الجوهرية فهذا شيء محمود وإيجابي لأن هذه هي سُنة الحياة وعلينا أن نؤمن بحق الاختلاف فهو حق أصيل من حقوق الإنسان.
وإذا أردنا أن نكون نورًا للعالم وملحًا للأرض فلا بديل عن حياة الحب؛ فنحن خميرة الحب في العالم، وإن فقدنا محبتنا لبعضنا البعض فإننا نفقد قوتنا الأخلاقية.
القس يشوع بخيت: ما يوحِّد المسيحيين أكثر ما يفرِّقهم
شارك القس يشوع بخيت، عميد مساعد كاتدرائية جميع القديسين الأسقفية والأمين العام لمجلس كنائس مصر، بصلوات أسبوع الصلاة من أجل الوحدة وفي كلمته التي القاها في الصلاة التي استضافتها الكنيسة الإنجيلية بعين شمس بحضور القس عيد صلاح راعى الكنيسة، أكد “يشوع” في أن الصلاة مع الكنائس المسيحية تفتح الباب أمام التفكير فيما يوحِّد المسيحيين أكثر ما يفرِّقهم وتجعلهم ينظرون من نافذة مفتوحة على الآخر.
وأوضح: “ليس معنى وحدة الكنائس أن تتحول كلها لكنيسة واحدة تحت قيادة شخص واحد بل أن تنسجم معًا وتعمل تحت قيادة الروح القدس الذي يرشد الجميع لمعاني الوحدة.”
واستكمل مستشهدًا بكلمة رئيس الأساقفة “وليم تمبل”: “وحدة كنيسة الله حقيقة أبدية، فمهمتنا ليست خلقها بل إظهارها، فهي حائط الصد الوحيد الذي يحمي الكنيسة من الهرطقات”، معتبرًا أن خدعة إبليس وراء تقسيم الكنيسة منذ البدء.
الكاردينال لويس روفائيل ساكو: وحدة في الجوهر…. وتنوع في الشكل
من جانبه، يقول الكاردينال لويس روفائيل ساكو بطريرك الكلدان الكاثوليك إن الكنائس تأسست في بيئة ذات ثقافات متنوعة، ولغات لها عبقريتها، وتقاليد وجغرافيا مختلفة، لكنها متحدة بإيمان واحد في الجوهر.
الوحدة ليست تكتلًا بشريًا شكليًا، ولا نظامًا على شكل برلمان، ولا تذويبًا للهويات الخاصة وصبها في نمط واحد uniformity. الوحدة تعني الحفاظ على الإيمان الواحد المشترك واحترام رئاسة كل كنيسة وتقليدها وليتورجيتها وقوميتها ولغتها وعبقريتها. الوحدة تعني أن تتواصل الكنائس مع بعضها وتتكاتف بتناغم وتسير معًا في التعاون.
الوحدة تنسجم مع طبيعة الكنيسة: “احفظهم باسمك الذين أعطيتني، ليكونوا واحدًا كما نحن واحد” (يو 17: 11)، وتمنحها الشعور بالانشراح والانتعاش والقوة لحمل الرسالة.
هذه الوحدة الجوهرية موجودة في الحقيقة الموضوعية Objective Truth، وقد عبَّرت عنها البيانات الكريستولوجية بين الكنيسة الكاثوليكية ومعظم الكنائس الشرقية الرسولية. هذه الوحدة الإيمانية حقيقية وليست وهمية، والكل يقر بها؛ وحدة لاهوتية جوهرية (في الداخل) تقوم على وحدة الثالوث الأقدس وتحت كنفه: إله واحد في الجوهر وثلاثة أقانيم (الثالوث) في التجلي والتعبير. الوحدة ثمرة إيمان وصلاة، أما التنوع – الاختلاف فهو إداري (السلطة – الرئاسات) وثقافي وقومي، فهي “واحدة ومتنوعة”.
ويكمل الكاردينال: “نحن مدعوون لتحمل مسؤولياتنا الدينية والإنسانية والوطنية، لذا لا يكفي أن تتكلم الكنائس عن مواضيع لاهوتية فحسب، بل عن الخير العام. هذه الوحدة في الإيمان والمحبة ينبغي أن تبرز في علاقاتنا العامة وفي الاعتناء بالطبيعة والناس ومشاكلهم ومخاوفهم وتطلعاتِهم، وتقف إلى جانبهم في الدفاع عن العدالة والتكافؤ الاجتماعي والمساواة والسلام والعيش بحرية وكرامة.
لا يمكن أن نخاف من مواجهة التحديات… البعض ينتقدني على التدخل في السياسة. إني لا أتدخل في السياسة، إنما أدافع عن المظلومين والمواطنة وبناء نظام مدني. إني لستُ متحزبًا لجهة حزبية معينة ولا أستلم مالًا من أحد.
الكنائس بحاجة إلى رؤية جديدة وخطة جديدة للتعامل مع المسيحيين وغير المسيحيين، لأن العالم تغيَّر. إن تنشئة الإكليروس والمؤمنين على الانفتاح وتأوين التعليم اللاهوتي والروحي والوحدة وخدمة الشركة والرسالة سوف تخلق رابطة قوية جدًا بين الكنائس.
الإيمان المسيحي يريدنا أن ننفتح على الحاضر ونميز علامات حضور الله وننطلق للمضي إلى الإمام في وحدتنا ومحبتنا وخدمتنا وشهادتنا وتعزيز الحضور المسيحي في هذا الشرق المضطرب ومواجهة التحديات برجاء. لذلك ثمة حاجة للتخلص من عقدة التعصب الكنسي والقومي والتمحور حول الذات… مَنْ لا يقبل الانفتاح والتغيير ‘يحنط’ نفسه!”
الكاردينال كوخ عميد الدائرة الفاتيكانية: في الإيمان بيسوع المسيح يمكننا أن نجد الوحدة
قال الكاردينال كوخ أن موضوع أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين لهذا العام هو “تعلَّموا أن تصنعوا الخير، اطلبوا العدل” مشيرًا إلى أن الخير والعدل هما في الواقع مترابطان وضروريان للوحدة.
وقال إنه لا يمكننا أن نفعل شيئًا أفضل من الصلاة من أجل الوحدة، لأننا نحن البشر لا يمكننا أن نحقق الوحدة بأنفسنا. يمكننا أن نصنع الانقسام والانفصال، كما يُظهِر التاريخ والحاضر أيضًا. إن الوحدة هي على الدوام هبة من الروح القدس، وأفضل استعداد لنوال هذه العطية هو الصلاة. ولكن من ناحية أخرى، علينا أيضًا أن نعمل من أجل الوحدة، من خلال ثلاثة أشياء: السير معًا، والصلاة معًا، والتعاون معًا. وانطلاقًا من هذا، علينا أيضًا أن نجد مجددًا العدالة بين المسيحيين وبين الجماعات الكنسية.
وقال: “الوحدة ليست مفهومًا سياسيًا كنسيًا، بل مفهومًا للإيمان. إن أساس الحركة المسكونية هو الإيمان الذي يناله كل عضو في جسد المسيح عند المعمودية. ويمكننا أن نقول إن المسكونية كانت تتمحور حول المسيح، وقد اختبرتُ أن العديد من ممثلي الكنائس الأخرى والجماعات الكنسية قلوبهم منفتحة على هذا المفهوم. يمكننا أن نجد الوحدة مجددًا في الإيمان بيسوع المسيح.”
حماة الإيمان: أسبوع الصلاة هو شعارات زائفة.. فالإيمان والعقيدة والكتاب ليسوا واحدًا
وفي المقابل، وكالعادة، نجد رابطة حماة الإيمان توجه انتقادات لأي خطوة على طريق الوحدة أو قبول الآخر بين الطوائف، فقد أبدت اعتراضات واسعة على أسبوع الصلاة هذا العام.
وتعليقًا على لافتة في خلفية الحضور في افتتاحية أسبوع الصلاة كُتب عليها: “إيمان واحد.. عقيدة واحدة.. كتاب واحد”، قالت على صفحاتها على الفيسبوك: “إنه من العار كل العار أن تُرفع شعارات زائفة وغير حقيقية في اجتماع يحتوي على شخصيات عامة مجتمعية ودينية، كلٌ يمثل طائفته .. في اجتماع مجلس الكنائس، كان الأولى مثلًا وعلى مضض أن يتم الإعلان عن السعي نحو إيمان واحد … إلخ، لكن أن يُفرض الأمر وكأنه حقيقة واقعة بخلاف الحقيقة في محفل له صورته الرسمية فهذا أمر لا يرضي أحدًا. لم يحدث أن كان إيماننا واحدًا مع الكاثوليك، فإيمانهم اللاهوتي بالثالوث القدوس ليس كتابيًا، فثالوثهم غير ثالوثنا. لم يحدث أن كان إيماننا واحدًا مع البروتستانت، فوسائط النعمة والخلاص الكتابية لا يقرون بها. ليس لنا كتاب واحد مع هؤلاء أو غيرهم، ومنهم مَنْ رفض أسفارًا ومنهم مَنْ طعن في عصمة الكتاب.”
وأكمل بيانهم: “ليس لنا شركة واحدة مع الأنجليكان الذين بدأوا في الدفاع عن المثلية، بل تطاولت كنائسهم في الخارج وبدأوا يتحدثون عن جلال الله بلسان غاش ويُدخِلون القدسية الإلهية وطبيعتها في المثلية بشكل يعف اللسان عن ذكره والعقل عن تصديقه.”
ويكمل البيان: “كانت هناك فرصة ذهبية أن تكون هناك خطوة للاتفاق في إصدار بيان مشترك يعلن موقفًا إيمانيًا تجاه الشذوذ والطعن في الذات الإلهية وكهنوت المرأة وغيرها من التصرفات والقرارات التي يندى لها الجبين والتي اتجهت لها الطوائف بالخارج في منحدر ضد الأخلاق والتعليم والإيمان بل والفطرة الإنسانية . لكن بدلًا من هذا، وبدلًا من أن يكون هناك موقف واضح، تقرر أن يتم الخداع بهذا الشكل. إن زاوية الانحدار تضيق والسقوط يتسارع، فليحفظ الله كنيسته الواحدة الوحيدة أرثوذكسية الإيمان.”
الأب رومانوس الكريتي: أسبوع الصلاة من أجل الوحدة الكنائس يُكرس مفاهيم خاطئة ويوحي بأن هناك كنيسة مُنشقة ومنقسمة على ذاتها
من جانبه، عارض الأب رومانوس الكريتي، راعي كنيسة الروم الأرثوذكس في اليونان، ما يُسمى “أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس” لأنه –من وجهة نظره– يُكرس مفاهيم خاطئة حول معنى وطبيعة الكنيسة وواقعها، فهو يوحي بأن هناك كنيسة مُنشقة ومنقسمة على ذاتها، وتحتاج لأن تتخلص من واقعها المؤلم وتُشفى من انقساماتها وتشرذُمها، وهذا للأسف الشديد مُغاير للحقيقة ويطعن في صميم تعليم الكتاب الإلهي ووعد المسيح لها بأن “أبواب الجحيم لن تقوى عليها”!
والأمر المحزن بالأكثر هو عندما نشاهد بعض الكهنة أو الأساقفة “الأرثوذكسيين” يذهبون للمشاركة في هذه الصلوات، بينما تمنع القوانين المقدسة التي حددها الرسل والآباء القديسون وأكدت عليها المجامع المسكونية من أن يتشارك الإكليروس أو حتى المؤمنون أنفسهم مع الهراطقة –حسب وصفه– في الصلاة تحت سقف واحد، وذلك ليس تعصبًا أعمى أو كراهيةً لهم –كما يتوهم البعض– بل لإخجالهم بجعلهم ينظرون إلى واقعهم كمنشقين ومنفصلين عن كنيسة المسيح الحقيقية. وعليه فلا شَراكة إيمانية أو صلاتية معهم طالما هم مستمرون في حالة انشقاقهم وانفصالهم عنها، علهم يستفيقون ويُدركون خطأهم ويتوبون بالعودة إليها.
هؤلاء الإكليروس يُسببون عثرةً كبيرة للمؤمنين البسطاء الذين يجاهدون لكي يشهدوا للمسيح بصدقٍ ويعيشوا الإيمان الأرثوذكسي، ويصونوا في قلبهم وحياتهم اليومية الوديعة الثمينة، ويحافظوا عليها في هذا العصر بالذات، حيث باتت فيه الشهادة للمسيح بالإيمان الحق تكاد لا تقل أهميةً عن الاستشهاد نفسه، بسبب ما يزخر به عصرنا من إغراءات وتحديات تواجه الإيمان الأرثوذكسي وتضعه على محك الاختبار… وهؤلاء الإكليروس بسلوكهم المُعثِّر هذا يُعلنون أيضًا بشكلٍ غير مباشر أنهم هم أنفسهم غير مؤمنين وغير مقتنعين بأن الكنيسة الأرثوذكسية هي وحدها كنيسة المسيح الحقيقية التي تُحفظ فيها كامل الحقيقة الإلهية المُعلنة لنا في شخص المسيح يسوع، الإله المتجسد.
شمعون كوسا: الصلاة من أجل الوحدة المسيحية أضحت مناسبة فولكلورية
يقول شمعون كوسا، المفكر والمترجم المسيحي، في مقال بعنوان “صرخة غضب في وجه كنيسة متشرذمة” حول وحدة الكنائس: “الصلاة من أجل الوحدة المسيحية أضحت فعلًا مناسبة فولكلورية أو ذكرى سنوية لا بد من إحيائها بصلواتها وابتهالاتها وتضرعاتها وتراتيلها، والانتهاء من المراسيم بصورة جماعية وابتسامة عريضة لأن الواجب قد أُكمل. وقد تعقب الصلاة أحيانًا وجبة غداء أو عشاء كعلامة رضا بما تم.
وينسى المجتمعون أنه لم يتم أي شيء، ويتناسون أن موضوع تجمُّعهم الرئيسي الأصلي والحقيقي وهدفهم كان السعي بجد للتخلص من حالة الشرذمة هذه التي أدت إلى التباعد وحتى المعاداة بين الإخوة، فقد تناسوا بأنهم لم يكونوا قد اجتمعوا للصلاة فحسب، ولكن بصورة رئيسية للتحدث عن التقارب وإزالة الفرقة وبأسرع وقت.
وأطلق شمعون على هذا الأسبوع اسم “أسبوع الأنانية” لأن كل مسئول قادم لتمتمة ما يجب عليه تمتمته من صلاة، وهو محتفظ في سر نفسه بقناعة كاملة بأن الوحدة فكرة بعيدة وشبه مستحيلة. وعلى أية حال، يقول بعضهم: إذا كان لا بد من مبادرة أو حراك، فعلى الآخرين القيام بذلك واللحاق بي، لأني الوحيد الذي أمتلك ناصية الحقيقية!!!”
ويكمل مقاله: “أنا أرى المسيح يتوجه بالكلام لجميع هؤلاء بالقول: ‘يا إخوتي، ماذا جرى لكم؟ لماذا أتيتم تبتهلون كي يوحدكم الله ويجمعكم؟ ألم تفكروا يومًا بأنكم ترددون نفس هذه الصلاة هذه منذ ما يقارب سبعة عشر قرنًا، ولم تتوصلوا لحد اليوم إلى أية استجابة أو نتيجة؟ هل فكرتم لماذا؟ هل أنتم خائفون من التفكير بأن مسئولية تحقيق الوحدة تقع على عاتقكم أنتم فقط، وبأنكم، لتحقيق الهدف هذا، لا تحتاجون لأكثر من العودة إلى المنبع، كي تروا الأمر البسيط الذي يعوزكم؟
ماذا كانت رسالتي لكم؟ أوصيتكم بأن تحبوا بعضكم بعضًا، وهذا ليس بيتًا شعريًا أو كلمة فقدت معناها. أوصيتكم بالتجرد والتواضع والبساطة، وقلتُ لكم: ‘مَنْ كان فيكم سيدًا فليصبح خادمًا.’ ألم أغسل إقدامكم ومن ثَمَّ قبَّلتها؟ ألم أدعوكم للتسامح والغفران؟ ألم أقل لكم: ‘لا تدينوا لئلا تُدانوا؟’ لماذا تخاصمتم؟ طلبتُ منكم الاكتفاء بالمحبة، لأني أنا لم أفعل أكثر من ذلك عندما لبستُ ثيابكم وتعذبتُ وذهبتُ حد الموت صلبُا حبُا بكم. أما أنتم، فانتهيتم بالاختلاف لأنكم ذهبتم بعيدًا في التنظير والتحليل في مواضيع لم أتطرق إليها.
كان يكفيكم التوقف عند تعليمي، والاقتداء بما يقوم به رعاياكم البسطاء من خلال إيمانهم وحبهم الحقيقي. كان عليكم التطلع إلى صورتي الحقيقية التي لم تتغير لأن كلامي لم يتغير. إذا كنتم صادقين، آمنوا فقط بالحب الذي أتيت من أجله وانسوا كل شيء، وسترون بعد ذلك قد تحققت وحدتكم، وإلا اذهبوا عني.'”
محطات هامة في تاريخ أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين
1740: وُلدت في اسكتلندا حركة من الجماعة الخمسينية البروتستنتية، وكان هدفها الدعوة إلى الصلاة وتجديد الإيمان بالمشاركة مع جميع الكنائس الأخرى، وكان القس الإنجيلي جوناثان إدوارد يدعو إلى يوم صلاة وصوم من أجل الوحدة، كي تجد الكنائس كلها الرغبة الرسولية.
1820: نشر القس هالداين ستيوارت ‘مقترحات’ من أجل وحدة المسيحيين الشاملة بواسطة حلول الروح القدس.
1840: دعا القس إغناطيوس سبنسر، وهو قس أنجليكاني ارتد لاحقًا إلى الكاثوليكية، إلى إنشاء ‘إتحاد الصلاة من أجل الوحدة’.
1867: في مقدمة مقرراتها، شددت الجمعية العامة لأساقفة الكنيسة الأنجليكانية في لامبث على أهمية الصلاة من أجل الوحدة، وأعادت التذكير بهذا في الاجتماعات اللاحقة.
1894: شدد البابا لاون الثالث عشر في كتابات مختلفة على أهمية تطبيق ‘ثُمانية’ الصلاة من أجل الوحدة في زمن العنصرة.
1908: بدأ القس بول واطسن لأول مرة بالاحتفال بثُمانية الصلاة من أجل الوحدة في نيويورك آملًا أن تصبح شائعة في الكنائس كلها.
1926: بدأت حركة ‘إيمان وتنظيم’ بنشر مقترحات من أجل ثُمانية الصلاة من أجل وحدة المسيحيين.
1935: بدأ الكاهن الكاثوليكي بول كوتورييه بالترويج بالأسبوع الشامل من أجل الصلاة من أجل وحدة المسيحيين، وترتكز على ‘الوحدة التي أرادها المسيح، وبالوسائل التي يريدها هو’.
1958: بدأ المركز المسكوني ‘الوحدة المسيحية’ في ليون، فرنسا، بتحضير أسبوع الصلاة بالتعاون مع جمعية ‘إيمان وتنظيم’ المنبثقة عن المجلس المسكوني للكنائس.
1964: البابا بولس السادس والبطريرك إثيناغوراس الأول صليا معا في أورشليم صلاة يسوع ‘لكي ما يكونوا كلهم واحدًا’ (يو 17: 21).
في السنة عينها، صدر القرار حول العمل المسكوني في إطار المجمع الفاتيكاني الثاني، وشدد على أن الصلاة هي روح الحركة المسكونية، مشجعًا على المحافظة على أسبوع الصلاة من أجل الوحدة.
1966: قررت هيئة ‘إيمان وتنظيم’ المنبثقة عن المجلس المسكوني للكنائس وأمانة سر المجلس الحبري من أجل وحدة المسيحيين، إعداد النص الرسمي لأسبوع الصلاة من أجل الوحدة كل سنة.
1968: تم الاحتفال للمرة الأولى بأسبوع الصلاة من أجل الوحدة بحسب النص الموحد الذي أعدته هيئة ‘إيمان وتنظيم’ وأمانة سر المجلس الحبري من أجل وحدة المسيحيين.
1988: استُعملت صلاة أسبوع الوحدة في حفل افتتاح ‘الرابطة المسيحية في ماليزيا’، وهي منظمة تعمل على التنسيق والربط بين جميع الطوائف المسيحية في البلاد.
1996: انضمت إلى المؤسستين اللتين تعنيان بتحضير النص السنوي لأسبوع الصلاة منظمتان علمانيتان أخريان: الجمعية المسيحية للشبان والجمعية المسيحية للشابات.
2004: تم الاتفاق بين الهيئات المعدة للنص على طبع نص الصلوات تحت شكل موحد يوضع في استعمال كل الكنائس والجماعات المسيحية وباللغتين الإنجليزية والفرنسية، وذلك بمجهود مشترك بين هيئة ‘إيمان وتنظيم’ المنبثقة عن المجلس المسكوني للكنائس وأمانة سر المجلس الحبري البابوي من أجل وحدة المسيحيين.
2008: تم الاحتفال في كل العالم، وبمبادرات متعددة ومختلفة، باليوبيل المئوي الأول لولادة أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين تحت عنوان ‘صلوا باستمرار’ (1 تس: 17)، وهو عنوان يعبِّر عن فرح الكنيسة ورجائها الوطيد بتحقيق وحدة أبنائها حول جسد المسيح.
قداسة البابا: نصلي من أجل المتعبين بسبب زلزال سوريا وتركيا وانتهاء الحرب
في ختام عظة قداسته باجتماع الأربعاء الأسبوعي، أبدى قداسة البابا تواضروس الثاني، والذي استضاف أسبوع الصلاة من أجل الوحدة الذي ينظمه مجلس كنائس مصر، تعاطفه مع المتضررين بسبب الزلزال المدمر في سوريا وتركيا، ودعا قداسته إلى الصلاة من أجل المتألمين بكل الأشكال في هذه الكارثة، وأيضًا من أجل إيجاد حلول للحرب الدائرة منذ قرابة عام ولكي يعطي الله حكمةً وتعقلًا للقادة.
وجاء حديث قداسته في هذا الصدد كما يلي: “أنتهز هذه الفرصة وفي وجود كل الأحباء ممثلي الكنائس المسيحية في مصر، ونصلي من أجل كل المتعبين وثقيلي الأحمال في أحداث الزلزال الذي وقع في سوريا وتركيا. نصلي من أجل الضحايا، ونصلي من أجل المصابين، ونصلي من أجل المتعبين والمشردين والنازحين، ومن أجل إمكانات هذه الدول ومساعدات العالم لهم في هذه الكارثة، والتي يصفها البعض أنها أكبر كارثة في القرن، أكبر كارثة منذ مئة عام تصيب بلدًا أو بلدين بهذه الصورة الصعبة جدًا، فالمشاهد التي نشاهدها في التلفزيون هي مشاهد مؤلمة جدًا، ونصلي من أجل أن يتحنن ربنا برحمته على هذه البلاد وهؤلاء الناس، ويجبر بخاطرهم، ويسندهم في عبور هذه المأساة الكبيرة.”
وقال القس رفعت فكري، الأمين العام المشارك بمجلس كنائس الشرق الأوسط رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بسنودس النيل الإنجيلي، أن التعصب هو آفة الآفات المدمرة للعقل الغنساني وهو مرض بغيض خبيث حيث يتسبب في تدمير المجتمعات الإنسانية وهو يميت التواصل والحوار، وحين يموت الحوار تنطلق الحراب وعندما يتفشي التعصب تتكلم البنادق وتحفر الخنادق وتستباح الدماء؛ فليحفظنا الرب من هذا المرض الخبيث اللعين.
ولنتيقن أننا بالعقل في وحدة إيمانفمسيحنا واحد وكتابنا واحد وإلهنا واحد.فنحن مؤمنون بالإله الواحد المثلث الأقانيم وألوهية المسيح وبالقيامة وبمجئ المسيح ثانية.
وإن كنا نختلف في بعض الأمور غير الجوهرية فهذا شيء محمود وإيجابي لأن هذه هي سُنة الحياة وعلينا أن نؤمن بحق الاختلاف فهو حق أصيل من حقوق الإنسان.
وإذا أردنا أن نكون نورًا للعالم وملحًا للأرض فلا بديل عن حياة الحب فنحن خميرة الحب في العالم، وإن فقدنا محبتنا لبعضنا البعض فإننا نفقد قوتنا الأخلاقية.