18.4 C
Cairo
الأحد, ديسمبر 22, 2024
الرئيسيةفكر مسيحيبما أن الله يحجب الغفران، هل يمكن أن نفعل نحن أيضًا ذلك؟

بما أن الله يحجب الغفران، هل يمكن أن نفعل نحن أيضًا ذلك؟

يتحدث الكتاب المقدس كثيرًا عن الغفران، غفران الله للبشر الخطاة، وكذلك الغفران الذي يجب أن يقدمه البشر بعضهم لبعض. ولكنهما ليسا موضوعين منفصلين عن الغفران؛ بل هما متصلين بطريقة أساسية. إن العلاقة الحميمة مع الله والتطهير اليومي يعتمدان على غفراننا للآخرين (مت6: 12)، ويتخذ غفراننا للآخرين من غفران الله لنا نموذجًا نحتذي به (أف4: 32؛ كو3: 13). ومن هنا أهمية السؤال المطروح.

يجب أن نحاول فهم غفران الله لنا إن كنا سنغفر للآخرين بطريقة تعكس غفران الله لنا. للأسف، فإنه في العقود الأخيرة أخذت كلمة “غفران” معنى “التحرير النفسي” بدلاً من التحرر من الخطية، وهذا تسبب في بعض التشويش في مغزى الغفران.

صحيح أن الغفران الذي يمنحنا إياه الله مشروط باعترافنا بالخطية وتوبتنا. ويتضمن الاعتراف الاتفاق مع الله بشأن الخطية، وتتطلب التوبة تغيير في الفكر بشأن الاتجاه أو الفعل الخاطئ وتغيير في السلوك يبين رغبة حقيقية في ترك الخطية. وتظل الخطية بلا غفران ما لم يتم الاعتراف بها والتوبة عنها (أنظر 1يو1: 9؛ أع20: 21). وفي حين قد يبدو هذا شرطًا صعبًا للغفران، إلا أنه بركة عظيمة ووعد. إن الاعتراف بالخطية ليس إدانة للذات، بل طلب تدبير الله لعلاج الخطية من خلال الغفران بيسوع المسيح.

إن شرط الله بأن نعترف بخطايانا ونتوب عنها لا يعني أن الله غير مستعد أو لا يرغب في أن يغفر لنا. فقد فعل كل شيء من جانبه لكي يتيح لنا الغفران. إن قلبه مفتوح، وهو لا يريد أن يهلك أحد (2بط3: 9)، وقد فعل كل ما يمكن أن نتخيله لتوفير طريقة يمكن بها أن يغفر لنا. ونتيجة ذبيحة المسيح على الصليب يقدم لنا الله الغفران مجانًا.

تقول كلمة الله أن نغفر للآخرين كما غفر لنا الله (أف4: 32) وأن نحب الآخرين كما أحبنا الله (يو13: 34). يجب أن نكون مستعدين وراغبين أن نغفر لأي شخص يأتي ويعترف بخطيته ضدنا ويتوب عنها (مت6: 14-15؛ 18: 23-35؛ أف4: 31-32؛ كو3: 13). إن هذا ليس التزام فقط، بل يجب أن يكون هو سرورنا. فإذا كنا فعلاً نشعر بالامتنان من أجل غفران الله لنا، فلا يجب أن نتردد في منح الغفران لمسيء تائب، حتى إن أخطأ إلينا مرات ومرات. ففي النهاية، نحن أيضًا نخطيء مرات ومرات، ونشكر الله أنه يغفر لنا عندما نأتي إليه بقلب التوبة والاعتراف الحقيقي.

وهذا يأتي بنا إلى السؤال المطروح: هل يجب أن نغفر لشخص لا يعترف بخطأه ولا يتوب عنه؟ لكي نجيب عن هذا السؤال بطريقة صحيحة يجب شرح كلمة “غفران”. أولاً، ما هو ليس الغفران:

الغفران ليس هو التسامح. فالتسامح هو أن نتحمل الاستفزاز بصبر، أو أن نتغاضى عن إساءة، أو ضبط النفس في مواجهة الإحباط. إن التسامح يجعلنا نقوم بتقييم تصرفات أو توجهات الشخص الخاطئة بمحبة وحكمة وتمييز واختيار ألا نتجاوب معها. ويستخدم الكتاب المقدس عدة كلمات لهذه الصفة: الصبر، طول الأناة، الاحتمال وبالطبع التسامح (أنظر أم12: 16؛ 19: 11؛ 1بط4: 8).

الغفران ليس هو أيضًا النسيان. إن الله لا يصاب بفقدان الذاكرة بشأن خطايانا. فهو يتذكرها بوضوح، ولكنه ليس تذكر بهدف الإدانة (رو8: 1). إن زنى الملك داود وكذب إبراهيم – هذه الخطايا مسجلة للأبد في كلمة الله. من الواضح أن الله لم “ينساها”.

الغفران ليس حذف لكل التبعات. حتى عندما يغفر لنا المسيح، قد نعاني التبعات الطبيعية لخطايانا (أم6: 27) أو نواجه تأديب الآب السماوي المحب (عب12: 5-6).

الغفران ليس شعور. إنه التزام بالعفو عن المسيء. قد يكون أو لا يكون الغفران مصحوبًا بالمشاعر. وقد تضمحل مشاعر المرارة ضد شخص مع الوقت دون غفران.

الغفران ليس فعل خاص بقلب منفرد. بكلمات أخرى، يتضمن الغفران شخصين على الأقل. وهنا يأتي دور الاعتراف والتوبة. إن الغفران ليس فقط ما يحدث في قلب الشخص الذي أسيء إليه؛ إنه تفاعل بين شخصين.

الغفران ليس أنانية؛ وليس بدافع المصلحة. فنحن لا نسعى أن نغفر لأجل أنفسنا أو لكي نخفف الضغط عن أنفسنا. بل نغفر من منطلق محبتنا لله، ومحبتنا لأقربائنا، والامتنان من أجل غفران الله لنا.

الغفران ليس استرداد تلقائي للثقة. فمن الخطأ أن نظن أن الغفران لزوج مسيء اليوم يعني أنه يجب إنهاء الانفصال غدًا. تعطينا كلمة الله أسباب عديدة لعدم الثقة في الذين أثبتوا أنهم غير أهل للثقة (أنظر لو16: 10-12). إن إعادة بناء الثقة يمكن أن يبدأ فقط بعد عملية مصالحة تتضمن غفران حقيقي – وهذا بالطبع يتضمن الاعتراف والتوبة.

أمر مهم أيضًا، هو أن الغفران المقدم والمتاح ليس مثل الغفران الذي يعطى ويقبل ويتم تبادله. وهنا تستخدم كلمة غفران بمفردها دون مرادف بطريقة مختلفة وتتعدى استخدام كلمة الله لها. فنحن نميل لتسمية “اتجاه” الغفران -أي الاستعداد للغفران- “غفرانًا”، مثل عملية الغفران الحقيقي ذاتها. أي أنه بالمفهوم الشائع، طالما كان الشخص منفتحًا لمنح الغفران فإنه يكون قد غفر فعلاً. ولكن هذا التعريف الواسع للغفران يختصر عملية الاعتراف والتوبة. إن الغفران المقدم والغفران المقبول يختلفان تمامًا، ولا نفيد أنفسنا باستخدام نفس الكلمة للتعبير عن كليهما.

إذا كان ما سبق ما ليس هو الغفران، فما هو الغفران؟ نجد تعريف جيد للغفران في كتاب “Unpacking Forgiveness” للكاتب كريس براونز:

غفران الله: التزام الإله الواحد الحقيقي بالعفو بالنعمة عن الذين يتوبون ويؤمنون حتى يتصالحوا معه، رغم أن هذا الالتزام لا يمحو كل التبعات.

الغفران البشري العام: التزام المساء إليه أن يعفو بالنعمة عن الذي يتوب عن إساءة أخلاقية والتصالح مع ذلك الشخص، رغم أنه ليس بالضرورة أن يتم محو جميع التبعات.

وكتابيًا، إن الغفران الكامل ليس مجرد شيء يقدمه الشخص المساء إليه؛ بل يتطلب أن يقبله المسيء، مما يجلب المصالحة إلى تلك العلاقة. تبين (رسالة يوحنا الأولى 1: 9) أن عملية الغفران هي لتحرير الخاطئ؛ الغفران ينهي الرفض، وبالتالي تتم المصالحة. لهذا يجب أن نكون مستعدين أن نغفر للآخرين – فإذا لم نكن مستعدين أن نغفر فإننا نرفض أن نسمح للآخرين أن يتمتعوا بما باركنا به الله. لقد تعلمنا خطأ من علم النفس الحديث أن “الغفران” من جانب واحد، وأن المصالحة أمر غير ضروري، وأن هدف هذا الغفران أحادي الجانب هو تحرير الشخص المساء إليه من مشاعر المرارة.

وفي حين أنه لا يجب أن نحتفظ بالمرارة في قلوبنا (عب12: 15)، أو أن نجازي الشر بالشر (1بط3: 9)، إلا أننا يجب أن نتأكد من إتباعنا لمثال الله ولا تقدم الغفران لمن لم يتوب. باختصار يجب أن نحجب الغفران عن الذين لا يعترفون بخطأهم أو يتوبوا عنه؛ وفي نفس الوقت، يجب أن نجعل الغفران متاحًا ونحافظ على استعدادنا للغفران.

يوضح إسطفانوس مبدأ الغفران، بينما هو يتعرض للرجم حتى الموت. وفي صدى لكلمات المسيح على الصليب، قال إسطفانوس: “يَا رب لا تقم لهم هذِه الخطية” (أع7: 60؛ وأيضًا لو23: 34). إن هذه الكلمات تظهر استعداد أكيد للغفران، ولكنها لا تشير إلى عملية غفران كاملة. لقد صلى إسطفانوس ببساطة أن يغفر الله لقاتليه. ولم يحمل هو لهم أي مرارة، إنه يرجو أن يغفر الله لقاتليه إذا تابوا – يا له من مثال وقدوة في محبة الأعداء والصلاة لأجل الذين يضطهدوننا (مت5: 44).

يوصينا الكتاب المقدس بعمل يتعارض مع الفطرة بأن نطعم عدونا إذا جاع (رو12: 20). لا يوجد ما يقول أننا يجب أن نغفر تلقائيًا لأعداءنا (أو أن نثق بهم)؛ بل يجب أن نحبهم ونعمل لصالحهم.

إذا تم تقديم “الغفران” في غير أوانه بدون شرط الاعتراف والتوبة، لا يكون قد تم التعامل مع الحق بوضوح من كلا الجانبين. وإذا لم يعترف المسيء بخطيته، فإنه لا يدرك في الحقيقة معنى أن ينال الغفران. وعلى المدى البعيد، فإن تجاهل الاعتراف والتوبة لا يساعد المسيء على فهم جسامة الخطية، وينزع الإحساس بالعدل، مما يجعل الشخص المساء إليه يتصارع أكثر مع الشعور بالمرارة.

في ما يلي بعض الإرشادات الهامة للغفران المقدس:

  • الاعتراف بحقيقة الشر (رو12: 9)

  • ترك النقمة للرب (رو12: 19)

  • عدم ترك مكان للمرارة أو الانتقام أو الضغينة أو الثأر

  • استعداد القلب للغفران في لحظة

  • الثقة في الله من أجل القدرة على الانتصار على الشر بالخير، وحتى محبة وإطعام العدو (رو12: 20-21)

  • تذكر أن الله قد عيَّن السلطات الحاكمة، وجزء من دورهم الممنوح من الله هو أن يكونوا “خادم الله منتقم للغضب من الذي يفعل الشر” (رو13: 4). إن أحد الأسباب التي من أجلها لا يجب أن تنتقم لنفسك هو أن الله قد أعطى الحكومة السلطة لتحقيق العدل

المقاله السابقة
المقالة القادمة
مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا