14.4 C
Cairo
الأحد, يناير 5, 2025
الرئيسيةتحقيقاتبعد سقوط الأسد... شبح القمع الإسلاموي يلوح في الأفق.. "تحرير الشام"... تغيير...

بعد سقوط الأسد… شبح القمع الإسلاموي يلوح في الأفق.. “تحرير الشام”… تغيير نهج أم تلميع الصورة؟

تحقيق: إيهاب أدونيا

هل يستطيع المجتمع المسيحي المتضائل في سوريا أن ينجو تحت حكم الجهاديين؟ انضم المسيحيون السوريون، الذين كانوا موالين لنظام الأسد، إلى الاحتفالية الوطنية بعد الإطاحة ببشار الأسد، ولكن هل يمكنهم أن يثقوا في تعهدات الحكام الإسلاميين الجدد؟

أثار الاستيلاء السريع على السلطة من قِبل الجماعة الجهادية السنية “هيئة تحرير الشام” في سوريا مخاوف بشأن مصير الأقلية المسيحية في البلاد.

وقد طمأن زعماء “هيئة تحرير الشام” الجدد السوريين والمجتمع الدولي مرارًا وتكرارًا بأنهم سيحمون جميع الأقليات ــ التي تشمل أيضًا الشيعة والعلويين والدروز والأكراد وغيرهم ــ وحث رئيس الوزراء الجديد محمد البشير ملايين اللاجئين السوريين في الخارج على العودة إلى ديارهم، متعهدًا بضمان “حقوق جميع الناس وجميع الطوائف في سوريا”.

ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت البلاد ستصبح مرة أخرى مكانًا متسامحًا وتعدديًا كما يزعم قادتها الجدد. وقد أعربت منظمة الأبواب المفتوحة غير الحكومية مؤخرًا عن قلقها بشأن مصير الوجود المسيحي الذي دام آلاف السنين في سوريا.

تحول مشهد لمسيحيين يؤدون قداسًا احتفاليًا خرج للعلن من قلب كنيسة اليعقوبية في ريف إدلب شمال سوريا إلى جدل واسع دار بين السوريين معارضة وموالاة بكل مشاربهم المعتدلة منها والمتشددة، وذلك في أعقاب إقامة احتفال نوعي داخل كنيسة بقيت مغلقة لعقد من الزمن وتحولت منذ إغلاقها ملجأ لإقامة المهجرين شمال غربي البلاد.

المسيحيون في سوريا… تقلص عددهم من 1.5 مليون إلى 300 ألف بين عامي 2011 و2024

الحديث عن الوجود المسيحي في الشرق، وتحديدًا في سوريا، يعود إلى بداية انتشار الإيمان المسيحي، أي إلى القرن الأول لنشأة المسيحية، وهذا ما يؤكده سفر أعمال الرسل في الكتاب المقدس.

بلغ عدد المسيحيين 1.5 مليون قبل اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011، وكانوا يشكلون حوالي 10% من سكان سوريا، وقتذاك كان تعداد السوريين عامة نحو 24 مليون نسمة وفي غضون عقد من الزمان، تضاءل عددهم بشكل كبير. وفي عام 2022، لم يتبق سوى 300 ألف، أو حوالي 2% من سكان سوريا الحاليين، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الأبواب المفتوحة.

على الرغم من أنهم كانوا تقليديًا أكثر ثراءً وتعليمًا من متوسط سكان سوريا، فقد هاجر المسيحيون بشكل جماعي هربًا من الاضطهاد من جانب داعش، ولكن أيضًا للفرار من الوضع الاقتصادي المتدهور في سوريا.

وما يزال معظم المسيحيين يقطنون مدن دمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية والمناطق المحيطة بها، إلى جانب محافظة الحسكة في المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد. ويتوزعون بين طوائف عدة، منها الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية.

مع انتقال سوريا إلى سيطرة “هيئة تحرير الشام”، فإن مستقبل أقليتها المسيحية معلق في الميزان. وبينما يفيد البعض بتحسن في الحياة اليومية، يلوح شبح القمع الإسلاموي في الأفق. بالنسبة للكثيرين، يظل السؤال مطروحًا: هل كانت وعود الجولاني بالتعايش المشترك قادرة على الصمود أمام ضغوط الأيديولوجي والعداء التاريخي؟

كيف كانت أوضاع المسيحين تحت قيادة الأسد؟

خلال السنوات الثلاث عشرة للحرب الأهلية، ظل المسيحيون موالين إلى حد كبير لنظام الأسد، والذي صوَّر نفسه كمدافع علماني عن الأقليات الدينية. ولم يتخذ المسيحيون إجراءات نشطة لدعم النظام، مثل تنظيم ميليشيات مسلحة للدفاع عنه.

ومثل معظم السوريين الآخرين، بدا المسيحيون مسرورين بسقوط الدكتاتورية الوحشية. قال الراهب الفرنسيسكاني بهجت قرة قاش الذي يعمل كاهنًا لرعية حلب اللاتينية إن المسيحيين “أُنهكوا تمامًا من العيش تحت حكم النظام” بسبب الصعوبات الاقتصادية.

وأشار رجل الدين أيضًا إلى أنه، على مدار السنوات الماضية، أظهر المتمردون تسامحًا متزايدًا تجاه المسيحيين، وأعادوا الممتلكات المصادرة. وفي منطقة إدلب، والتي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام” على مدى العقد الماضي، ورد أنه سُمح للمسيحيين بمواصلة ممارسة عقيدتهم.

كيف كان وضع المسيحيين تحت حكم “هيئة تحرير الشام” بادلب؟

كان حكم “هيئة تحرير الشام” في إدلب نموذجًا للحكم الاستبدادي، حيث إنها لم تكن ديمقراطية ليبرالية بأي حال من الأحوال.

عومل المسيحيون في تلك المناطق كمواطنين من الدرجة الثانية، حيث لم يتم تمثيلهم في الحكومة المحلية، ومجلس الشورى العام، وتم التعامل مع مصالحهم من قِبل “مديرية شؤون الأقليات”.

والمئات القليلة من المسيحيين الذين بقوا في المنطقة سُمح لهم بإقامة القداسات، ولكن ليس بإظهار الصلبان أو قرع أجراس الكنائس.

مسيحيون في سوريا: نتطلع للأمان ونخشى التطرف

في اليوم الذي سقط فيه حكم الرئيس السوري بشار الأسد، أصيب أهالي بلدة معلولا ذات الأغلبية المسيحية بحالة من الفزع. فر بعضهم باتجاه دمشق عقب انسحاب الجيش السوري النظامي من بلدتهم الواقعة في ريف العاصمة، إثر تقدم مقاتلي هيئة تحرير الشام الذين “أطاحوا” بحكم الأسد. لكن في الأيام القليلة الماضية، بدأ الأهالي يعودون إلى بلدتهم.

كثرت التساؤلات في الآونة الأخيرة عن كيفية تعامل هيئة تحرير الشام، ذات المرجعية الإسلامية، مع الأقليات العرقية والدينية في سوريا، وهي كثيرة. فالتركيبة السكانية لهذا البلد قد يراها البعض معقدة في حين يراها البعض الآخر ثرية ومتنوعة.

السكان الذين فروا من معلولا يتخوفون من تكرار سيناريو عام 2013. حينذاك دخلت إلى البلدة جبهة النصرة التي كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة، لتسيطر على معلولا لسبعة أشهر تقريبًا. باتت البلدة حينها أشبه بساحة الحرب. يتذكر الأهالي كيف وقعوا ضحية للقتل والخطف وتعرضت بيوتهم وكنائسهم للحرق والتخريب. فكت جبهة النصرة ارتباطها بتنظيم القاعدة لاحقًا، لتتأسس بدلًا منها هيئة تحرير الشام التي ضمت عدة جماعات مسلحة.

يخشى الأب فادي من “التطرف الإسلامي”، فهو يتخوف من أن تُفرض على المسيحيات تغطية الرأس، أو تقيد حرية الأقلية المسيحية في ممارسة طقوسها الدينية وإقامة الصلوات وقرع أجراس الكنائس.

يقول الأب فادي أن جبهة النصرة خطفت أخاه في عام 2013، لأكثر من خمسين يومًا. ويقول “عذبوه وحبسوه داخل مرحاض صغير وظل محرومًا من رؤية نور الشمس”.

ويضيف “تواصلنا مع بعض المقربين من القيادة الحالية وأكدوا لنا أنه ما من قيود على ممارساتنا الدينية، حيث سنتمتع بكامل حريتنا”.

فرت “حنينة تعلب” من معلولا بعد دخول جبهة النصرة، لتعود إلى بلدتها بعد ست سنوات تقريبًا. تقول إنها قررت الرحيل بعد أن قتل المسلحون ابنها سركيس إثر رفضه إشهار إسلامه. لم تتمالك دموعها وهي تسترجع هذه الوقائع المؤلمة “حين أخبرهم أنه مسيحي وسيبقى مسيحي أطلقوا عليه النار.” كان سركيس طالبًا جامعيًا حينها.

رغم حزنها الدفين، إلا أن حنينة تؤكد أنها لا تشعر “بحقد على أحد” وتتطلع لأن تعمل هيئة تحرير الشام “على تحرير البلاد من الظلم لتكون اسمًا على مسمى”.

يأمل أهالي معلولا في طي صفحة الماضي وتضميد الجراح ليبدأوا حياة جديدة خالية من الخوف. قد يستغرق ذلك بعضًا من الوقت وسيحتاج بالتأكيد للمزيد من رسائل الطمأنة.

هل يختلف أحمد الشرع قائد الإدارة السورية الجديدة عن أبو محمد الجولاني قائد هيئة تحرير الشام؟

 أسقط زعيم التمرد اسمه الحربي وبدأ يشير إلى نفسه باسمه الحقيقي، أحمد الشرع. وخلع زيه كمقاتل إسلامي متشدد وارتدى البدلات الرسمية لإجراء المقابلات الصحفية، وتحدث عن بناء مؤسسات الدولة ولامركزية السلطة لتعكس تنوع سوريا.

عند تأسيس جبهة النصرة في عام 2012، ارتبط ظهور الجولاني باللباس العسكري واللثام، مما حافظ على غموض هويته.

كان هذا المظهر متسقًا مع دوره كقائد لجماعة مسلحة متشددة في خضم الصراع السوري.

وفي بداية ظهور “جبهة النصرة” عام 2012، كان الجولاني يمثل “الجناح القاعدي” في سوريا، مشددًا على الانتماء لمنهج تنظيم “القاعدة”.

في تلك الفترة، كان الجولاني يعلن معارضته للنظام السوري ويحرص على إخفاء هويته.

وفي عام 2013، ظهر الجولاني لأول مرة في مقابلة تلفزيونية، لكن ليس بوجهه أمام الكاميرا. أظهر خلال المقابلة جزءًا من كتفه، حيث حرص على الظهور من الخلف وهو متشح بوشاح أسود.

وبعد ثلاث سنوات من أول مقابلة، أعلنت جبهة النصرة فك ارتباطها بتنظيم القاعدة وتغيير اسمها إلى “جبهة فتح الشام”. ومع هذا الإعلان، تخلى الجولاني عن الغموض الذي أحاط به لسنوات، وظهر لأول مرة أمام الكاميرا بلباس عسكري، ولحية طويلة، وعمامة بيضاء، ليعلن فك الارتباط مع “القاعدة”.

وبعد فترة قصيرة، أجرى الجولاني مقابلة تلفزيونية أمام الكاميرا وهو يرتدي لباسًا مدنيًا، ودافع في حينها عن أفكاره ورفض تصنيفه ضمن قائمة الإرهابيين.

وفي عام 2017، أعلن الجولاني تأسيس “حكومة الإنقاذ السورية” بعد هيمنة “هيئة تحرير الشام” على إدلب.

وبدأ الجولاني يظهر في أنشطة عامة وفي شوارع المدينة، وقد تخلى عن اللباس العسكري والعمامة اللذين كانا يميزان مرحلة “التشدد”. أصبح يركز على الظهور كـ”قائد سياسي” يسعى لإدارة المناطق التي تسيطر عليها الهيئة.

وأصبحت خطابات الجولاني أكثر اعتدالًا مع سقوط نظام بشار الأسد. فقبل أيام من السيطرة على دمشق، ظهر في قلعة حلب مرتديًا لباسًا عاديًا دون غطاء رأس، وبشكل أكثر حداثة.

وبعد دخول دمشق، ظهر الجولاني في أكثر من مناسبة وقد تخلى عن اللباس العسكري. ظهر وهو يستقبل الزعيم اللبناني وليد جنبلاط مرتديًا بدلة سوداء وربطة عنق خضراء، تشير إلى اللون الأخضر في العلم السوري الجديد، مؤكدًا من خلال ذلك على التحولات في مواقفه السياسية ورغبته في تغيير صورة الهيئة أمام المجتمع الدولي والسوريين ومحاولته التخلص من التصنيفات الإرهابية.

ولا تشمل الحكومة الانتقالية المعينة سوى أعضاء من إدارة “هيئة تحرير الشام” في إدلب، والمعروفة باسم “حكومة الإنقاذ”، ولا تضم أي ممثلين من الفصائل المتمردة العلمانية أو الجماعات الدينية بخلاف المسلمين السنة.

وحاول الجولاني تقديم نفسه على أنه إصلاحي، مدعيًا في مقابلات إعلامية، كما في لقائه مع شبكة “سي إن إن”، أن الأقليات ستتعايش بسلام في ظل حكومته الإسلامية. ومع ذلك، قوبلت تأكيداته بالشك. فستظل الفظائع الماضية تذكيرًا حيًا بوحشية “هيئة تحرير الشام”.

تصريحات للجولاني سابقة مثيرة للقلق

في عام 2015، قال الشرع، والذي كان يُعرف آنذاك باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، في مقابلة مع الجزيرة إنه بمجرد سيطرة الجماعة على كامل سوريا، فإنها ستفرض الشريعة الإسلامية على البلاد.

وقال الجولاني إن المسيحيين، باعتبارهم “أهل الكتاب”، سوف يتمتعون بمكانة مميزة ويُسمح لهم بممارسة عقيدتهم، ولكن وفقًا للشريعة الإسلامية، فسوف يكونون ملزمين بدفع ضريبة الجزية للفرد – على الرغم من أن “هيئة تحرير الشام” لم تكن تفرضها في ذلك الوقت في المناطق التي تسيطر عليها.

وقال الجولاني في ذلك الوقت إن مصيرًا مختلفًا ينتظر الأقليات الدينية الأخرى في سوريا، مثل العلويين والدروز، الذين نشأت عقائدهم من الإسلام منذ قرون ولكنها انحرفت بعد ذلك. وقال الجولاني إن هاتين المجموعتين سوف تضطران إلى “تصحيح أخطائهما العقائدية واعتناق الإسلام”.

ولا ننسى أنه في عام 2013، أي قبل عامين من تلك التصريحات، اختطفت جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا الذي كان الجولاني يقوده آنذاك، 13 راهبة وسط قتال مع قوات النظام. وتم إطلاق سراحهن بعد ثلاثة أشهر بعد أن وافقت قطر على دفع 16 مليون دولار للخاطفين.

اليوم، يبدو أن الجولاني يتجنب هذه المواقف الأصولية، فقد تخلى عن علاقاته بتنظيم القاعدة في عام 2016، ويصور نفسه الآن باعتباره بطل التعددية والتسامح في مسرحية يصدقها هو بمفرده والقليل من المخدوعين فيه.

الجولاني يقدم تطمنيات للأقليات… فهل هذا خدعة للوصول للحكم أم سعي لاستقرار داخلي؟

جميع رسائل الجولاني لاسيما للأقليات في سوريا، ومردودها بالتبعية خارجيًا، هدفها النأي بنفسه عن الإرث الذي يحمله وما يتعلق بكونه قياديًا في جبهة النصرة وما جاء بوضعه على قوائم الإرهاب.

فهذه النوعية من الرسائل هدفها قول الجولاني إنه راغب وساعٍ لتعزيز الانتماء الوطني في سوريا بالكامل بجميع مكوناتها العرقية والدينية من جهة، ومن جهة أخرى، تقديم نفسه كشخصية قيادية للمجتمع بالكامل دون حصر نفسه كقائد لتيار أو فئة ما، وهو ما يدفعه بشكل متكرر لطمأنة الأقليات على حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية والثقافية مع مبدأ المساواة في المجتمع.

 هذا النوع من طمأنة الأقليات سيساعده حتمًا في كسب تأييد قوى غربية تضع حقوق الإنسان والأقليات ضمن أولوياتها، ليمتزج ذلك مع إستراتيجية إعادة بناء صورته كشخصية معتدلة بعد ارتباط اسمه بجماعات متطرفة في الماضي.

وهو محاولة لكسب ولاء شخصيات قيادية وبارزة من الأقليات حتى لا تعارض حكمه أو ما يرسمه لنفسه، فضلًا عن أن الجولاني يعي في هذا الصدد أن أي استقرار في سوريا يتطلب جسورًا من الثقة بين المكونات كافة، وتطمين الأقليات يُعتبر إحدى الوسائل لتفادي أي اضطرابات في ظل بعض الأصوات المتخوفة.

هذه التطمينات تُعتبر أيضًا خليطًا بين تكتيك سياسي للوصول إلى الشرعية وترسيخ الاستقرار الداخلي، في وقت ينتظر فيه الشعب السوري الأفعال التي تترجم هذه التصريحات بضمان مشاركة الجميع دون إقصاء وعدم وجود أي مظاهر تمييز، لاسيما مع المرحلة الانتقالية التي ستنطلق في مارس 2025.

الراعي: على المسيحيين أن يعيشوا حضورهم الطبيعي في مجتمعهم السوري

أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أهمية بناء سوريا على أساس من المواطنة والمساواة دونما تمييز ديني أو طائفي أو عرقي أو ثقافي.

وقال الراعي “إن سوريا هي مهد المسيحية المتجذّرة فيها منذ بدايتها. وبالتالي عاش المسيحيون فيها بإخلاص لها، وأعطوها من صميم قلوبهم لحماية العيش المشترك والعدالة والسلام والحريّة وحقوق الإنسان. واليوم، لا بد من مد اليد لجميع المكونات السورية للتعاون في بناء البلاد، مع التأكيد على أهمية بناء سوريا على أساس من المواطنة والمساواة دونما تمييز ديني أو طائفي أو عرقي أو ثقافي. ولا بد من حث المسيحيين على الانخراط في العمل الوطني والسياسي.”

ورأى أن اللقاء الذي جمع السلطة في “هيئة تحرير الشام” مع مطارنة حلب وكهنة دمشق كان مطمئنًا، قائلًا: “نرجو أن يستمر كذلك. وقد أعرب المطارنة والكهنة عن رغبتهم في العمل معًا، والمشاركة في إدارة الشؤون العامة لمصلحة المواطن السوري بشكل عام والمسيحي بشكل خاص. فعلى المسيحيين أن يعيشوا حضورهم الطبيعي والفعال في مجتمعهم السوري، لكونهم مكونًا أصيلًا وأساسيًا فيه.”

مئات المسيحيين يتظاهرون في دمشق إثر إحراق شجرة عيد الميلاد قرب حماة

تظاهر المئات من المسيحيين في أحياء مسيحية في دمشق بعد ظهور فيديو يظهر إحراق شجرة خاصة باحتفالات عيد الميلاد قرب مدينة حماة. وردد المتظاهرون شعارات تطالب بحماية حقوق المسيحيين وحمل بعضهم صلبانًا خشبية وأعلامًا للسلطات الجديدة في البلاد – ساروا في شوارع دمشق باتجاه مقر بطريركية الروم الأرثوذكس في باب شرقي.

وتجمع المتظاهرون بعدما تدفقوا بشكل عفوي من أحياء مختلفة للتعبير عن سخطهم ومخاوفهم، بعد نحو أسبوعين من إطاحة تحالف لفصائل معارضة بالرئيس بشار الأسد، وتسلمه السلطة في سوريا.

 وقال أحد المتظاهرين ويدعى جورج: “نزلنا لأن هناك الكثير من الطائفية والظلم ضد المسيحيين تحت اسم تصرفات فردية”.

 وأضاف: “إما أن نعيش في بلد يحترم مسيحيتنا وبأمان في هذه الوطن كما كنا من قبل، أو افتحوا لنا باب اللجوء الكنسي حتى نغادر إلى الخارج”.

 وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن المقاتلين الذين أحرقوا الشجرة أجانب وينتمون إلى فصيل أنصار التوحيد الجهادي.

كيف يشكل التنوع الطائفي والعرقي الهوية السورية؟

كانت سوريا على مر العصور ملتقى حضارات وثقافات متباينة، ما جعلها واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط تنوعًا طائفيًا وعرقيًا وثقافيًا.

تعاقبت على البلاد التي تعد من أقدم المناطق المأهولة بالسكان في العالم حضارات عدة، بدءًا من ممالك إبلا وماري وأوغاريت السامية القديمة، مرورًا بالحيثيين والآراميين، ثم الآشوريين والبابليين والفرس. لاحقًا، خضعت لحكم الإسكندر المقدوني والهيلينيين، تلاهم الرومان والبيزنطيون، وصولًا إلى الحكم الإسلامي الذي جعل دمشق عاصمة للأمويين. وفي العصر الحديث، حكمها العثمانيون أربعة قرون ثم خضعت للانتداب الفرنسي حتى استقلالها عام 1946؛ مما شكل فسيفساء مميزة فيها.

في هذا التقرير، الذي نشرته بي بي سي، نسلط الضوء على الطوائف الدينية والأعراق التي تشكل نسيج الهوية السورية، ونعرض مواقفها من الثورة السورية التي اندلعت عام 2011 وتحولت لحرب أهلية فيما بعد، وانتهت بسقوط حكم الأسد.

الطوائف الدينية: أقلية حكمت أغلبية

يشكّل المسلمون السنّة غالبية السكان في البلاد. وعلى الرغم من أن إحصاءات السكان الرسمية لا تشمل الدين أو العرق، إلا أن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية للحريات الدينية لعام 2022 يُشير إلى أن 74% من السكان هم من الطائفة السنية التي تتنوع في أعراقها بين العرب الأكثرية، والأكراد والشركس والشيشان، وبعض التركمان.

ويتوزع السنّة في معظم المدن والقرى السورية، مع كثافة ملحوظة في دمشق وحلب وحمص.

وإلى جانب السنّة، هناك جماعات إسلامية أخرى، بما في ذلك العلويون والإسماعيليون وطوائف شيعة أخرى، وكلهم مجتمعين يشكلون 13% من السكان، بحسب تقديرات الخارجية الأمريكية.

ويشكّل العلويون في سوريا أكبر أقلية دينية بنسبة تبلغ 10% من مجموع السكان، استقر العلويون في سوريا منذ القرن الثاني عشر الميلادي، ويتمركزون بشكل رئيس على ساحل البحر الأبيض المتوسط، في مدينتي اللاذقية وطرطوس.

تاريخيًا، عُرف العلويون كطائفة مهمشة، ولكن صعود عائلة الأسد العلوية إلى سدة الحكم غير الموازين تمامًا؛ فبعد انقلاب عام 1970 بقيادة حافظ الأسد، والد الرئيس بشار الأسد، عزز العلويون سلطتهم على المؤسسات الرئيسية والأجهزة الأمنية في البلاد وأصبحوا جزءًا لا يتجزأ من هيكل الدولة.

وتعتبر سوريا المركز الرئيسي لتجمع أبناء الطائفة الإسماعيلية النزارية في الشرق الأوسط، الذين يعتبرون أنفسهم الجماعة الشيعية الرئيسية الثانية بعد الاثني عشرية.

ويبلغ عدد الإسماعيليين نحو 250 ألفًا، ويمثلون 1% من إجمالي عدد السكان في سوريا. ويعيشون في مدينة السلمية التي تقع على بعد 30 كم شرق مدينة حماة، كما توزعوا في عدد من المدن والقرى المحيطة بحماة مثل مصياف والقدموس ونهر الخوابي.

أما الدروز الذين يُشيرون إلى أنفسهم باسم “الموحدون” أي المؤمنون بتوحيد الإله، فيمثلون نسبة 3% من الشعب السوري أي ما يقارب 700 ألف نسمة. ويُعتقد أن الطائفة الدرزية قد انشقت عن الإسماعيلية خلال المرحلة الفاطمية في القرن العاشر، ولكن بعض الباحثين يعتبرونها عقيدة مستقلة بحد ذاتها. ويرجع تاريخ الدروز في سوريا إلى حوالي ألف عام، وتعيش الغالبية الدرزية في مدن السويداء وصلخد وشهبا والقريا في جبل العرب وجرمانا قرب دمشق ومجدل شمس في الجولان السوري المحتل.

الإيزيديون

وإلى جانب ما سبق، يوجد الإيزيديون الذين ينتشرون في مدينة الحسكة وقراها وحلب وريفها وكذلك عفرين.

يتحدث الإيزيديون اللغة الكردية بشكل رئيسي. ورغم أنه لا توجد أرقام رسمية حديثة لعدد الإيزيديين في سوريا، يُقدر اتحاد الإيزيديين في عفرين أنه لا زال هناك حوالي 2000 إيزيدي في عفرين، مقارنة بنحو 50 إلى 60 ألف قبل عام 2011.

كيف كانت مواقف الطوائف والأعراق منذ 2011؟

بدأت الثورة السورية على شكل مظاهرات سلمية ضد الرئيس بشار الأسد. أشعل ارتفاع نسبة البطالة والفساد وغياب الحريات السياسية وقود الثورة، التي سرعان ما تحولت إلى حرب أهلية واسعة النطاق.

وانطلقت أولى المظاهرات في المدن ذات الأغلبية السنية، مثل درعا وحمص وحماة، إذ شعر العديد من سكانها بالتهميش السياسي والاجتماعي في ظل حكم النظام الذي يعتمد بشكل أساسي على دعم الأقليات. ونتيجة لذلك، شكلت المناطق السنية القاعدة الشعبية الأساسية للحراك المعارض، وسرعان ما تحولت هذه المناطق إلى مراكز للصراع مع تصاعد العنف.

وبحكم انتماء بشار الأسد إلى الطائفة العلوية، وقف العديد من العلويين إلى جانب النظام خوفًا من الانتقام الطائفي في حال سقوطه. وعلى الرغم من ذلك، ظهرت أصوات معارضة داخل الطائفة، لكنها ظلت محدودة مقارنة بالدعم العام له.

واتخذ الأكراد موقفًا حياديًا ولم يواجهوا النظام أو يثوروا عليه. وفي منتصف عام 2012، انسحبت القوات السورية من المناطق الكردية لتركز على قتال المسلحين في مناطق أخرى، ففرضت القوات الكردية سيطرتها على المنطقة. وفي عام 2014 أعلن الأكراد إقامة الحكومة الكردية الإقليمية، وأكدوا على أنهم لا يسعون إلى الاستقلال، بل إلى “إدارة محلية ديمقراطية”.

أما موقف المسيحيين فاتسم بالحذر، حيث خشي كثير منهم من صعود التيارات الإسلامية المتطرفة التي قد تهدد وجودهم. وبينما اختار بعضهم دعم المعارضة، فضّل العديد منهم الحياد أو دعم النظام.

ونشرت صحيفة التلغراف البريطانية تقريرًا عام 2012، قالت فيه إن “المجتمع المسيحي في سوريا حاول أن يكون حياديًا، لكنه قرر في حلب تجنيد شبان الكشافة لحماية الكنائس، وقَبِل السلاح من الجيش السوري، بعد أن انتقلت الحرب إلى المدينة وضواحيها”، بحسب التقرير.

وحاولت الطائفة الدرزية الحفاظ على حيادها النسبي. ورغم بعض التحركات المعارضة للنظام داخل مدينة السويداء، إلا أن الأغلبية فضلت تجنب المواجهة مع النظام، مع النأي بالنفس عن وقوع أي اشتباكات مسلحة في مناطقهم.

أما التركمان فانخرطوا في صفوف المعارضة، وشكلوا أولوية مسلحة قاتلت بشكل رئيسي الجيش السوري وتنظيم الدولة الإسلامية.

وأدت الحرب على مدار 13 عامًا إلى مقتل ما لا يقل عن 600 ألف شخص بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وفرار الملايين خارج وطنهم في أكبر أزمة لجوء في الزمن الحديث، كما تصفها مفوضية اللاجئين لدى الأمم المتحدة.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا