جلوريا حنا
حكيتُ قبلًا عن قراءتي لسفر إرميا في الوقت الحالي، وفي هذه الفترة جاءت أمامي النبوات التي كتبها إرميا عن الأمم المجاورة لمدينة يهوذا. وإحدى تلك المدن هي مدينة حاصور، وقد قال عنها الكتاب إنها: “أُمةٍ مطمئنةٍ ساكنةٍ آمنةٍ، يقول الرب، لا مصاريع ولا عوارض لها. تسكن وحدها” (إرميا49: 31). تلك الجملة معناها أنها بلا أسوار أو أي حماية من أي نوع، أو ربما موجودة بالحد الأدنى، وقد تنبأ إرميا عنها بالدمار على يد ملك بابل.
لم تكن هذه المدينة هي الوحيدة التي تنبأ عنها إرميا بالدمار، بل كانت هناك الكثير من الأمم التي تدمرت على يد نبوخذنصر. من نبوة إرميا، يتضح أن تلك المدينة كانت تعيش دون حرص من أي أخطار خارجية، بل يبدو أنها كانت واثقة من عدم اعتداء جيرانها عليها لسبب ما، ومن الواضح أن تلك الحروب لم تجعل تلك الأمة تقلق ولو بشكل ضئيل فتحاول بناء أسوار أقوى أو جيش أكبر حرصًا منها على الدفاع عن نفسها لئلا يحين دورها في وسط ذلك الجو الخطر.
إذا عدنا قليلًا بالزمن أكثر إلى وقت الملك آسا ملك يهوذا نجد مكتوبًا عنه: “بنى مدنًا حصينةً في يهوذَا لأَن الأَرض استراحت ولم تكن عليه حرب في تلك السنين، لأَن الرب أَراحه” (2أخ14: 6). نجد هنا أن الملك آسا استغل وقت الراحة لبناء الحصون والاستعداد للحروب، على الرغم أن هذا الوقت لم يكن وقت حرب.
ترى مَنْ نحن من هذين المثلين؟ هل لنا شعور بالأمان الزائف مثل شعب حاصور الذي لم يعمل حساب أي أخطار قد تأتي عليه على الرغم من وجود خطر منتشر وهو جيش بابل؟ أم أننا مثل آسا الذي قرر استغلال وقت الراحة للتقوية أكثر استعدادًا لأي خطر محتمل؟
عزيزي… نحن نعيش في عالم مليء بالأخطار، ربما ليست حروبًا فعلية، لكن لها التأثير ذاته، ويحذِّرنا الرسول بولس منها قائلًا: “فَإِن مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذَا الدهر، مع أَجناد الشر الروحية في السماويات” (أفسس6: 12). فشهوات العالم والإنسان العتيق بداخلنا ورياسات هذا العالم أعداء لنا ويجب أن ننتبه لهم، فشعورنا بالأمان من ناحيتهم لأي سبب قد يجعلنا نهمل في تحصين أنفسنا ضدهم، فنسقط دون أن ندري، لكن عندما نحصِّن أنفسنا ونستغل الوقت الذي تقل الحروب فيه لتقوية أنفسنا أكثر فسوف نثبت. وعلاقتنا مع الله وكلمته هي الطريقة التي نتقوى بها، مستخدمين سلاح الله الكامل الذي ذكره لنا بولس في (أفسس6: 10-20).
لنكن مستعدين دائمًا بلا تخاذل، حريصين على إبقاء علاقتنا مع الله قوية كي لا نسقط. وينصحنا الرسول بطرس قائلًا: “اُصحوا واسهروا. لأَن إبليس خصمكم كأسدٍ زائرٍ، يجول ملتمسًا من يبتلعه هو” (1بط5: 8)، كما يحذرنا أيضًا السيد المسيح: “اسهروا وصلوا لئلاَّ تدخلوا في تجربةٍ. أَما الروحُ فَنشيط وأَما الجسد فَضعيف” (متى26: 41). إذًا لنكن مستعدين دائمًا، حتى وقت الراحة من الحروب والتجارب، فلا ندع هذا يجعلنا خاملين، فنضعف ونسقط إذا فاجأتنا التجربة.