13.4 C
Cairo
السبت, يناير 4, 2025
الرئيسيةفكر مسيحيالميلاد وصدى النبوات...!!

الميلاد وصدى النبوات…!!

الدكتور القس ﭽورﭺ شاكر
نائب رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر

سطرت ريشة الوحي المقدس على صفحات العهد القديم العديد من النبوات عن التجسد الإلهي. وهذا معناه أن ظهور الرب يسوع المسيح في الجسد لم يكن حدثًا عارضًا أو طارئًا، ولكنه كما يقول الرسول بطرس: “كان معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم” (1بط 1: 20) في خطة الله الأزلية لفداء الإنسان وخلاصه.

لقد أعدَّ الله مسرح الزمن لمجيئه العظيم الفريد بالعديد من النبوات قبل مجيئه بمئات السنوات، وبالكثير من الذبائح الطقسية والأعياد اليهودية، لكن بلا جدوى، فقد كان الإنسان قد هجر البر والفضيلة والتصق بالشر والرذيلة، وعاش بالتالي في صراع وضياع وفراغ وهذه هي نتيجة طبيعية ومنطقية وحتمية للخطية.

ثم رأينا إشعياء يِعبِّر عن أمنيته بتدخل الله فيقول: “ليتك تشق السموات وتنزل” (إش64: 1)، وأعلن أيوب عن احتياجه الصارخ في مناجاته فقال: “ليس بيننا مُصالح يضع يده على كلينا” (أي9: 33). كان هذا هو الرجاء الذي ترنو وتهفو له نفوس الأنبياء، ويداعب خيال الشعراء، ويدغدغ عواطف البسطاء.

وصمت الوحي نحو أربعمائة عام، وبينما الناس نيام، وفي زحام وغمرة الأيام، وإذ في ملء الزمان يتجسد ابن الإنسان. وأعلن الله عن سر مجيئه لشيوخ اليهود الأتقياء، ولبعض من رجال الفلك والعلماء، ومجموعه من الرعاة الفقراء، وشدا فريق ترنيم السماء: “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة” (لو2: 14).

وهذا وقد تحققت النبوات في شخص فادينا الحبيب الرب يسوع المسيح.

 أذكر من هذه النبوات:

أولًا: النبوة بالميلاد العذراوي:

في سفر (إش7: 14)، يسجل الوحي أن ميلاد المسيح سيكون من عذراء، فمكتوب: “يعطيكم السيد آية ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعُو اسمه (عمانُوئيل)”. وبهذا القول المقدس، أوضح الله الكيفية التي سيولد بها.

ولقد تمت بالفعل هذه النبوة، فكتب البشير (مت1: 22، 23): “فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم وهذا كله لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا.”

وجدير بالذكر أن كلمة “عذراء” أو “فتاة” كان المقصود بها في أسفار العهد القديم “امرأة غير متزوجة” (تك24: 43؛ خر2: 8). والقول “يعطيكم السيد نفسه آية” يفيد بأن العذراء ستحبل وتلد بطريقة مختلفة تمامًا عن الطريقة المعروفة والمألوفة. ويرى بعض المفسرين أن ما قاله إرميا النبي “لأن الرب خلق شيئًا حديثًا في الأرض أنثى تحيط  برجل” (إر31: 22) هو إشارة إلى العذراء مريم تحيط بالمسيح، فلقد كان هذا هو الشيء الجديد على الأرض: امرأة بلا رجل تحمل طفلًا في بطنها.

نعم! إن نبوة ميلاد المسيح من عذراء كانت من النبوات الغامضة على فهم اليهود، لأنها أعلنت عن شيء لم يكن يتوقعه أحد، فمن كان يتصور أن عذراء تحمل وتلد؟!

أما النبوات الأخرى التي أعلنت أن المسيح سيأتي من نسل داود وأنه سيولد في بيت لحم فكان من السهل فهمها. وهذا ما نراه بوضوح في رد العذراء مريم على بشارة الملاك جبرائيل عندما قالت في انبهار: “كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلًا” (لو1: 34).

نعم! من الطبيعي للمسيح الذي كان في حياته فوق الطبيعة أن يُولد بطريقة خارقة للطبيعة، لأن الذي كان معجزة في حياته ينبغي أن يكون معجزة في ولادته.

ثانيًا: النبوة بمحل الميلاد:

محل ميلاد المسيح أعلن عنه الوحي المقدس قبل التجسد بما يقرب بسبعمائة سنة (مي5: 2): “وأما أنت يا بيت لحم  يهوذا أفراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ُألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل.” وفي ترجمة الحياة: “وأما أنت يا بيت لحم أفراتة، مع أنك قرية صغيرة بين ألوف قرى يهوذا إلا أن منك يخرج من يصبح ملك في إسرائيل وأصله منذ القديم منذ الأزل.”

لقد ذكر النبي محل الميلاد بالاسمين معًا أفراتة التي هي بيت لحم، وقد سبق أن وردت هكذا في (تك35: 19، 48: 7) و(را4: 11). وقد استبدل الاسم القديم (بيت لحم أفراتة) بالاسم المعروف في زمن الرب يسوع “بيت لحم” أرض يهوذا للتمييز بينها وبين بيت لحم في الجليل (يش19: 15).

وقد تمت هذه النبوة في (لو2: 3-7)، فمكتوب: “فذهب الجميع ليكتتبوا كل واحد إلى مدينته. فصعد يوسف أيضًا من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم لكونه من بيت داود وعشيرته، ليكتتب مع امرأته المخطوبة وهي حُبلى. وبينما هُما هُناك تمت أيامُها لتلد، فولدت ابنها البكر.”

وفي (مت2: 1، 4-6): “ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم … فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم أين يولد المسيح فقالوا له في بيت لحم اليهودية.”

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هناك سبب لأن يرتبط ميلاد الفادي بمدينة يعني اسمها “بيت الخبز”؟

نعم، لقد كان ميلاد الرب يسوع هو التعبير الأسمى عن محبة الله الذي يبالي بحاجات البشر المادية والروحية ويهتم بهم، لكن الأمر الهام ما كان يؤكده أن الإنسان لا يحيا بالخبز المادي وحده بل بكلمة الله. وقد كان الرب يسوع يتحدث للجماهير أنه الخبز النازل من السماء فقال: “أنا هو خبز الحياة مَنْ يقبل إِليَّ فلا يجوع، ومَنْ يؤمن بِي فلا يعطش أبدًا (يو6: 35)، وهو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت (يو6: 50)، وهو الخبز الحي الذي نزل من السماء أن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد (يو16: 51)، فكما أن الطعام يصير جزءًا لا يتجزأ من جسم الإنسان لدرجة أن يصبح في الإنسان والإنسان فيه، هكذا الإيمان، فعندما يتحد الإنسان اتحادًا حيويًا بالمسيح، يصير المسيح فيه وهو في المسيح.

نعم! إن فكرة “الخبز الحي” تصف تجسد المسيح باعتبار كونه طعامًا مستديمًا متجددًا كل يوم وفي متناول جميع الناس.

ثالثًا: النبوة باسم المولود:

للأسماء في كلمة الله دلالة خاصة، فعلى سبيل المثال آدم يشير إلى أنه مخلوق من تراب الأرض، وسميت حواء بهذا الاسم لأنها أم كل حي… الخ.

أما مَنْ تغنت باسمه ملائكة السماء، فقد قدمت كلمة الله العديد من الأسماء والألقاب والصفات قبل ميلاده بمئات السنين، والتي لها دلالات ومعاني فوق حد التصور منها:

1. يسوع: واسم يسوع هو الاسم اليوناني ليشوع والذي يعني “خلاص يهوه”. ويرى العديد من المفسرين أن اسم يسوع متضمن في العهد القديم مئات المرات، ففي أغلب المرات، عندما ترد كلمة “خلاص” نجدها هي نفس الكلمة مثل “يشوع” بالعبرية و”يسوع” باليونانية”… نعم! إن يسوع هو تجسيد لكلمة خلاص والذي قال عنه إشعياء: “هوذا الله خلاصي فأطمئن ولا أرتعب لأن ياه يهوه قوتي وترنيمتي وقد صار لي خلاصًا فتستقون مياهًا بفرح من ينابيع الخلاص” (ينابيع المخلص)، وتحققت النبوة في (مت1: 21): “وتدعو اسمه يسوع”، و(مت1: 25): “دعا (يوسف) اسمه يسوع.”

2. المسيح: اسم المسيح هو المرادف اليوناني لاسم المسيا والذي يعني الممسوح. والمسيح هو اللقب الرسمي للمخلص. وفي العهد القديم، نرى مسح الأنبياء والكهنة والملوك، أما يسوع فقد جمع الوظائف الثلاث في شخصه. والنبوة أنه المسيح نراها بوضوح في (مز45: 6 ،7): “كرسيك يا الله إلى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب ملكك أحببت البر وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك إلهك بدهن الابتهاج.” هذه نبوة عن المسيح الملك، وهنا نجد الله الآب يخاطب الله الابن. وفي (إش9: 7): “لنمو رياسته وللسلام لا نهاية… من الآن وإلى الأبد”، وقد تحققت هذه النبوة، ففي (لو2: 11)، نجد بشارة الملاك للرعاة: “لأنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب”، وفي (مت16: 16)، عندما سأل يسوع تلاميذه: “مَنْ يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟” أجاب بطرس: “أنت المسيح ابن الله الحي” (مت16: 13، 16).

3. الرب: وهذا الاسم يدل على سلطان لاهوته، وهو مرادف “يهوه” في العهد القديم، وكلمة “الرب” في اليونانية تعني السيد والمالك وذا القوة والسلطان، ونجد هذه النبوة في (مز110: 1): “قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعدائك موطئًا لقدميك”، وقد تحققت هذه النبوة في (لو2: 11): “ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب.”

4.     عمانوئيل: من أشهر النبوات التي تتعلق باسم صاحب الميلاد المجيد، ففي (إش7: 14): “ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل” وفي (إش8: 8): “ويكون بسط جناحيه ملء عرض بلادك يا عمانوئيل.” وقد تحققت هذه النبوة، ففي (مت1: 22، 23)، يسجل البشير متى: “وهذا كله لكي يتم ما قيل من الرب  بالنبي القائل هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا.” وكلمة عمانوئيل تتكون من ثلاثة مقاطع (عم – نو – ايل) وترجمتها (مع – نحن – الله) أي الله معنا. نعم! ما أجمل هذا الاسم، ففي مسيرنا في ذي الحياة نختبر عمانوئيل الذي وعدنا: “ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر” (مت28: 20). نعم، عمانوئيل الله معنا – الله فينا بروحه القدوس.

هذا بالإضافة إلى الكثير من الألقاب والصفات التي تعلنها كلمة الله عن اسمه العظيم مثل ابن الله (يو1: 18؛ يو3: 17؛ رو8: 3؛ غل4: 4؛ عب1: 2) والملك (إر23: 5؛ مز2: 6 مع لو23: 2، يو12: 15) يسوع الناصري (مت2: 23)، ابن داود (مت1: 1؛ مت16: 13؛ لو21: 27) ابن العلي (لو1: 35)، الإنسان (مر1: 39؛ رو5: 15؛ 1كو15: 21) ابن الإنسان (مت16: 13؛ لو21: 27) عجيبًا مشيرًا، إلهًا قديرًا، أبًا أبديًا؛ رئيس السلام (إش9: 6).

كما يقدم الرسول يوحنا في إنجيله ورؤياه باقة رائعة عن ألقاب الرب يسوع المسيح منها:

–         أنا هو خبز الحياة (يو6: 35)، أنا هو نور العالم (يو8: 12)، أنا هو باب الخراف (يو10: 7)، أنا هو الراعي الصالح (يو10: 11)، أنا هو القيامة والحياة (يو11: 25) أنتم تدعوني معلمًا وسيدًا (يو13: 13)، أنا هو الطريق والحق والحياة (يو14: 6)، أنا الكرمة الحقيقية (يو15: 1)، الألف والياء البداية والنهاية الأول والآخر (رؤ1: 8).

–         نعم! في يقيني أنه لو صارت مياه البحر حبرًا لقلمي وقضيتُ كل عمري أشرح وأفسر وأصف جمال كل أسماء وألقاب وصفات رب المجد فلن يكفي.

عبرة في عبارة

لعظمة ميلاده قسم التاريخ إلى ما قبل وما بعد الميلاد

وهكذا مَنْ يختبر الحياة الجديدة في المسيح

سيشهد فرقًا شاسعًا في حياته ما بين قبل وبعد اختباره.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا