أشرف ونيس
تكسرت الأحرف كما تذبذبت الكلمات حين أرادت أن تصل إلى الآذان لكنها ضلت الطريق إليها. وإن كان الصوت هو كم من الترددات السابحة في حيز من فراغ فإنه ما عاد بفراغ إذ إنه تراكمت في طريقه المادة بكل أنواعها حين هُدمت كما تهدمت، حُطمت كما تحطمت وتناثرت!!!
أصاب القلب سهم من نيران كما اجتاز بالنفس سيف ماضٍ بنصليه الحادين اللذين لا يعرفان سوى البتر والفصل حينما استنجدت الأرواح بداخل الأبدان للنجاة عيشًا في أرض اهتزت وارتعشت عندما أصيبت بخلل ما وما عادت بأطرافها قدرة على معرفة موضعها!!! فقد بُحِت -الحناجر- بأصواتها التي لم تعتد عليها، كما تعرجت الأصوات وما كان بصوت ليعرف طريقه حيث تعثَّر بألف شيء وشيء ……. وبينما تقوم خريطة الأبدان بكل تفاصيلها بالعمل على قدم وساق تتسابق الآذان للنصر في مباراة قد تخضبت ساحتها بدماء الحياة والموت. فها هي بقايا الأبنية التي ضجت بها الفراغات، وها هي النداءات التي تبحث عن قرينتها من بني جلدتها، وها هو الخارج الذي فعل ما في وسعه للاتحاد بالداخل لكنها ركامات الأحجار التي حالت دون وصوله إلى ذلك، حيث أمست سدًا منيعًا ليصل كل إلى ذويه وخاصته…… وهكذا بات الثبات والاستقرار: شواهق من التحول وتلال من التزعزع!!!
قصر الإدراك وقت أن اعتقد أن الحجر هو ما قد هوى على سطح من أرض قد أصابها مس من جنون، لكنها لوحة الأحلام التي رُسمت في خيالات البشر وأفئدتهم وقت صفائهم هي ما تمزق، طموح الشباب ونسج أمانيهم هو ما قد اعتراه العوار بل الاندثار والتلاشي في لا وقت، الأمن والأمان وقت أن مرض وهزل بل فارق الحياة ذاهبًا إلى المجهول هو ما قد حدث وتم، دفء الأحضان وقت ألم الشعور وخوفه هو ما أصابه الإعياء المميت حين بحث عن ترياقه لكنه ما وجد غير الموت بمحيطه الأسود الفسيح، فسبح فيه بل غاص إلى حيث لا نعرف……. وهكذا انقلبت صورة البشر حين امتزجت كل الألوان فصارت بلا لون مألوف أو شكل قد مر قبلًا أمام الأعين والأبصار!!!
لقد ظفرت الطبيعة بالنصر حين تعالت براية تغلُّبها على كائنات لا تملك في مواجهتها أي سبيل أو درب. هكذا تعاظمت وهكذا تواضعنا نحن تحت ثقل يدها التي أحنت الهامات بل جثمت فرقدت قريرة الأعين ساكنة الأرواح في بيتها ومقرها الأبدي. ونحن الأحياء نستجدي رضاها علينا رافعين أيدي الاستسلام، مرتكنين على عباراتي: لعل وعسى؛ ترضى فتسكن.