21.4 C
Cairo
السبت, فبراير 1, 2025
الرئيسيةفكر مسيحيالعبادة ... هل من تغيير؟

العبادة … هل من تغيير؟

  العبادة هي أشواق عميقة وتجاوب قلوبنا مع محبته، وانفتاح أذهاننا لمعرفته، وتغذية عقولنا بكلمته، وتقديس حياتنا بروحه. فلا بد أن تكون العبادة بهذا العمق، إلا أننا كثيرًا ما نتحول عمليًا من العبادة الروحية إلى العبادة الشكلية، وهو أمر لا يُعد صعبًا بل هو من السهل حدوثه. فالسطحية تقتل روح وجمال الحياة الروحية والعبادة بالطبع. ومن مظاهر هذه العبادة الهشة أو الشكلية وطرق علاجها ما يلي:

أ- ضعف الاهتمام بكلمة الله:

من السهل جدًا أن تتحول خلوتنا المقدسة مع الرب إلى لا شيء، مجرد جلسة لنرضي أنفسنا. الأهم من حفظ كلمات روحية جميلة هو أن نتعلم كيف نعيشها بحق، كما قال المسيح: “الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة” (يو 6: 63). “غير متكاسلين في الاجتهاد، حارين في الروح، عابدين الرب” (رو 12: 11). قد نعيش لا مبالاة روحية وسطحية في الفهم الكتابي. “مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ اللهَ بِلاَ انْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ، الَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ” (1تس 2: 13). كم مرة ضبطت نفسك متلبسًا بأنك تقرأ أفكارك في كلمة الله، وليس كلمة الله نفسها؟ ونأتي قدام الرب ونتساءل: لماذا يا رب نعيش في هزال وضعف روحي؟

   ماذا يقول كاتب العبرانيين؟ “لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ” (عب 4: 12).

حية وفعالة: كلمة الله لها قوة الحياة حينما نسمعها، فلها ثمر في حياة مَنْ يسمعها، فهي تكشف للإنسان طبيعته وأعماقه وتظهر ما هو رديء فيه، لذلك ارتعب فيلكس أمام كلمات بولس الرسول (أع 24: 24-25).

ب- تغذية العواطف والتركيز على إلهاب المشاعر:

   العبادة يمكن أن تكون تعبيرًا عن التسبيح من أعماق قلوبنا نحو إله نفهمه من كلمته. إذا لم يكن لنا إدراك لكلمة الله، فإننا لا نعرف الله ولا نستطيع أن نعبده بحق. وإذا كان الاتجاه الكتابي يهاجم الحكمة الإنسانية العقلانية المجردة التي تبعدنا عن الرب، ففي ذات الوقت لا يوجد من ينكر غنى التعبير العاطفي ودور المشاعر في العبادة. فالمقصود هنا أنه لا يجب أن تسوقنا المشاعر والعواطف دون تعقل أو فهم أو اتزان. وهكذا نأتي إلى مسمى جديد في آخر صيحات الموضة الروحية وهو “حفل عبادة”. فالعبادة هي حالة المؤمن الدائمة في الشركة مع الله ولا ترتبط أبدًا بأي مؤثر، بل هي موجودة بعمل الروح القدس. لكن العجيب والغريب أن الحالة التعبدية الأصيلة صارت مجرد محاولة لإحياء العبادة وإنهاضها على فترات وبمؤثرات معينة. فاستحداث “حفل العبادة” هو أحد مظاهرها.

   ولأنني بالطبع لا أعني النقد لمجرد النقد، فقد تبرمجت أجيال من الشباب على أن العبادة هي دعوة ذلك الفريق المشهور أو خادم معروف للتسبيح، فيكون “حفل عبادة”. ولا بد من إلهاب المشاعر بأنها “ليلة تاريخية” و”حدث لن يتكرر” و”فرصة لا تعوض”. واستثارة العواطف هذه تخلق حالة وهمية من الشبع الروحي، كفوران اللبن الذي سرعان ما يعلو ثم يهبط إلى مستواه الطبيعي. بالطبع هناك المتحمسون لاستمرار هذه الظواهر، لكن المردود الروحي لنمو أو شبع شعب الرب لا شيء. فشعب الرب أصبح مسلوبًا ولاهثًا وراء مثل هذه الفرص التي لا تشبع ولا تسمن من جوع.

طريق الإصلاح والعلاج

بالطبع ليس المقصود إيقاف مثل هذه الفرص، بل أن تكون جزءًا صغيرًا من خطة عظيمة لتغيير أسلوب العبادة. يجب أن تتجه الكنائس إلى عقد اجتماع أسبوعي يتم فيه شرح أبعاد العبادة وكيفية أن يعيش المؤمن حالة التعبد الحقيقية، وكذلك مخاطر العبادة الزائفة والفوران العاطفي. فإذا تبنت الكنائس هذا الموضوع الخطير ولو مرة شهريًا، فإن فرص العبادة التي نسميها “حفلات” تصير حدثًا عاديًا ضمن منظومة العبادة التي يمارسها شعب الرب ويفهمها فهمًا صحيحًا. إذا كان مفهوم “العبادة” مفقودًا، فإن العبادة لا تنفصل عن النمو الروحي لشعب الرب.

   لذا، نستعرض الآن وبهدوء ووضوح مفهوم النمو الروحي وكيف يمكن أن نفهمه ونعيشه، وذلك لأن غياب مفهوم النمو الروحي يشكل خطرًا حقيقيًا على مدى فاعلية العبادة.

  كيف كان الرسول بولس يفهم ويسهر على هذا النمو الروحي؟

 “بَلْ كُنَّا مُتَرَفِّقِينَ فِي وَسَطِكُمْ كَمَا تُرَبِّي الْمُرْضِعَةُ أَوْلاَدَهَا، هكَذَا إِذْ كُنَّا حَانِّينَ إِلَيْكُمْ، كُنَّا نَرْضَى أَنْ نُعْطِيَكُمْ، لاَ إِنْجِيلَ اللهِ فَقَطْ، بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضًا، لأَنَّكُمْ صِرْتُمْ مَحْبُوبِينَ إِلَيْنَا” (1 تس 2: 7-8).
كان بولس يعطي مخدوميه كرامة عظيمة للغاية واهتمامًا غير عادي، فيشبِّه نفسه بأم مرضعة تهتم برضيعها ولا تطلب منه شيئًا. “تربي”: جاءت الكلمة بمعنى الطير الذي يحتضن صغاره فيعطيهم دفئًا. وقد قيل هذا عن الروح القدس الذي يرف على المياه فتخرج حياة (تك 1: 2). ومن خلال هذا الحب الأبوي من بولس، يشعرون بحب الله. إنجيلنا لكم ليس وعظًا ولا فلسفة بل هو حب إلهي تلمسونه في محبتي لكم.

  ملخص

إن الرب يعطي كنيسته فرصة تلو الأخرى لفهم العبادة الحقيقية. فما أخطر العبادة الشكلية التي لا تعتمد على العمق الكتابي أو إدراك النمو الروحي الفعال في وحدة وقوة جسد المسيح. أصلي أن الرب يدعم كنيسته بعمل عظيم في هذه الأيام الصعبة حتى ينهض شعب الرب من جديد، وأن نستفيق إلى عبادة حقيقية خلاقة. العبادة عمل حقيقي في كل قلب نامٍ في معرفة الحق ومقدِّر للرب تقديرًا فعليًا وعمليًا، ولإلهنا كل المجد. آمين.

القس رأفت رؤوف الجاولي

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا