17.4 C
Cairo
الإثنين, مارس 3, 2025

العبادة

القس رأفت رؤوف الجاولي

هناك أفكار كثيرة وأنشطة كثيرة تُمارس هذه الأيام تدور جميعها حول فكرة العبادة proskuneo.

ومعنى هذه الكلمة اليونانية المستخدمة في العهد الجديد والتي تترجم غالبًا “عبادة” هو “الوقوع أرضًا أمام” أو “السجود أمام”. العبادة هي اتجاه روحي. وهي فعل داخلي فردي، وليست قاصرة على أن تُمارس كنسيًا فقط. وعندما يجتمع شعب الرب معًا للعبادة الجماعية يجب أن يكون التركيز على البعدين الجماعي كوحدة وجسد حي للمسيح مع عدم إهمال البعد الفردي ايضًا .

إن طبيعة العبادة المسيحية هي أنها تنبع من الداخل إلى الخارج، ولها سمتان على نفس القدر من الأهمية. يجب أن نعبد الرب “بالروح والحق” (يو 4: 23-24)، فأمور الله لا يعرفها أحد إِلا روح الله” (1 كو 2: 11). إن الروح القدس داخلنا هو مَنْ يدفعنا للعبادة لأنه بهذا يتمجد الله .

ونتأمل في هذا الموضوع الهام من خلال:

أولًا: العبادة والموسيقي

عندما نقول في عبادتنا: “دعونا نعبد الرب” فكل ما يأتي في أذهاننا أن الموسيقى ستبدأ ويتم عزف أعذب الألحان، فأصبحت الموسيقى هي التي تعبِّر عن “العبادة” بشكل ما أو بآخر. والواقع يقول بأن العبادة الفعالة المبنية كتابيًا يمكن أن تترجم بشكل ما في موسيقى ترانيم التسبيح، لكن العكس غير صحيح فالموسيقى في ذاتها لا تنتج العبادة الحقة.

إنها فقط التعبير عن العبادة وليس المصدر الذي ينتج العبادة

وبحسب (رو12: 1)، هناك العبادة العقلية، أو حسب بعض الترجمات “العبادة الروحية”، ويمكن أيضًا أن تترجم reasonable service، أي عبادة مبنية على “سبب”، فهي إذًا عبادة حكيمة – رشيدة – واعية. إنها الخدمة المقبولة لدى الله “المرضية” (رو 12: 2). فهي ليست حالة مزاجية معينة أو نفسية أو مجموعة مشاعر بل هي أعلى وأعمق من كل ذلك، فالله هو الهدف وهو المستمتع بهذه العبادة إن قُدمت بالكيفية الصحيحة. هذه هي العبادة الروحية، فهي ليست قائمة على شكل ما جسدي نكون فيه في العبادة بل هي عمق روحي داخلي.

 فالتسبيح بالترنيمات والموسيقى هو حالة التجاوب مع عمق ما في النفس من العبادة لله.

كلما اندهشنا من روعة معاملات الله وتم أسر نفوسنا وسبيها فيه تعبدنا له.

ثانيًا: العبادة والانبهار القلبي

فالعبادة الحقيقية تصل إلي الدرة التي فيها ينغرس في القلب الشعور العميق بالتقدير القلبي للرب. في أول رسالة رومية 12: 1، نجد: “فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله..” يمكن أن تترجم “برحمة الله – أي اتكالًا على رحمته”، فاتكالًا على عمل رحمة الله في المسيح يسوع الواضح على المصلي وكنتيجة لخلاصه العجيب المقدم لنا في صليبه وقيامته نتمتع بعبادة حقيقية في إدراكنا لغنى الخلاص ونستطيع أن نرى حالة الانبهار العظيمة التي وصل لها الرسول بولس بسبب رحمة الله المتدفقة، فقال في رسالة رومية 11: 33- 35

 “يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء!

 لأن مَنْ عرف فكر الرب؟ أو مَنْ صار له مشيرًا؟ أو مَنْ سبق فأعطاه فيكافأ؟”

 وحتى يمكن الاستمتاع بهذه الأنشودة، فإننا نرجع إلى الشعر العبري الذي تأثر به بولس ونقرأ النص من خلال ما هو مبين: “ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء وعلمه، لأن مَنْ عرف فكر الرب وحكمته أو مَنْ صار له مشيرًا؟ يا لعمق غنى الله أو مَنْ سبق فأعطاه فيكافأ؟

هذا الشكل الهرمي للأنشودة الخالدة حسب مقتضيات وأوزان الشعر العبري يجعلنا نفهم النص بصورة أعمق

– يا لعمق غنى الله … مَنْ سبق فأعطاه فيكافأ

– يا لعمق حكمته…. مَنْ صار له مشيرًا

– يا لعمق علمه … لأن مَنْ عرف فكر الرب

وقمة الهرم تشير إلى قمة النشيد وكأنه سهم يشير إلى ألا ننسى أنه “ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء”.

أخيرًا

إن العبادة المسيحية هي عبادة مغيِّرة وتشمل كيان الإنسان كله. فالعبادة هي أسلوب حياة وليست فقرات تمارس كنسيًا فقط لذا وجب الحذر لكي لا يتم الاعتماد فقط على حضور اجتماعات الكنائس.

المقاله السابقة
المقالة القادمة
مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا