القس رأفت رؤوف الجاولي
يعتقد كثير من الناس اليوم أن الكنيسة هي مبنى.
أصل معنى “الكنيسة” باليونانية “ekklesia” لا يشير إلى المبنى، بل إلى الناس.
عند سؤال الناس عن الكنيسة التي هم جزء منها، فإنهم عادةً ما يحددون المبنى الذي يترددون عليه. نقرأ: “سلموا…على الكنيسة التي في بيتهما…” (رو 16: 3-5) فنرى جماعة المؤمنين هم الكنيسة فهم جسد المسيح، والذي هو رأسه. نقرأ أيضًا: “وأخضع كل شيء تحت قدميه، وإياه جعل رأسًا فوق كل شيء للكنيسة” (أف1: 22-23):
ونتساءل: هل كل هذا السمو للكنيسة فكرًا وحياةً من الممكن أن يكون واقعًا عمليًا اليوم؟ وإذا لم يمكن تحقيق ذلك، فما الذي يعترض تحقيق الكنيسة لأحلامها؟ وهل هناك فجوة كبيرة بين العمل الروحي للكنيسة والعمل المؤسسي من لجان ومجموعات مختلفة عاملة في الكنيسة والأسلوب الإداري بشكل عام المتبع؟ وإلى أي مدى يمكن أن يحدث تناغم أو تقارب بين الكنيسة كعمل روحي وكمؤسسة:
أولًا: الكنيسة كعمل روحي (خصائص الكنيسة) :
إن الكنيسة ليست هي مجموعة من المفكرين أو العاملين أو حتى العابدين، بل من “المؤمنين”، والإيمان المقصود هو المعرفة الشخصية للرب واختبار خليقة جديدة (رو 6: 4؛ 8: 1، 2؛ 2 كو 5: 17).
وقد بدأ بناء الكنيسة منذ يوم الخمسين بحلول الروح القدس (أع 2: 1-4)، “وكان الرب يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون” (أع 2: 47)، فالكنيسة “بيتا روحيًا.. ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية” (1 بط 2: 5؛ أف 2: 20).
ونستطيع أن نرى فيما يلي بعض خصائص الكنيسة:
1- الشركة والوحدة: فالمؤمنون أعضاء في الجسد الواحد (رو 5: 12؛ 1 كو 12: 27)، وتتضح الشركة في تسمية المؤمنين بالإخوة (أع 9: 30؛ 1 تس 4: 10)، “وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات” (أع 2: 42). وتجلت الشركة في أروع صورها في عشاء الرب فهو وليمة محبة وشركة في جسد المسيح ودمه.
2- التكريس:
أما أنتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي، أمة مقدسة شعب اقتناء… الذين قبلًا لم تكونوا شعبًا وأما الآن فأنتم شعب الله الذين كنتم غير مرحومين وأما الآن فمرحومون” (1 بط 2: 9 و10).
إن المؤمنين يدعون قديسين: “إلى كنيسة الله ..المقدسين في المسيح يسوع، المدعوين قديسين.. الذين يدعون باسم ربنا يسوع المسيح في كل مكان، لهم ولنا” (1 كو 1: 2)، المقدسين في المسيح: أي المفرزين للرب، وهذا التقديس يتم بواسطة الاتحاد مع المسيح.
3- قوة الكنيسة:
عندما صرّح بطرس وقال: “أنت هو المسيح ابن الله الحي” قال المسيح له: “أنت بطرس وعلى هذه الصخرة (صخرة الإيمان بي) أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها” (مت 16: 13-20)، فهناك حروب لمحاولة زعزعة إيمان القديسين في المسيح: “أخيرًا يا إخوتي تقووا في الرب وفي شدة قوته … فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات” (أف 6: 10 و12).
ثانيًا: الكنيسة كمؤسسة:
وللبحث الموضوعي في الدور المؤسسي للكنيسة نطرح بحيادية وشفافية الإيجابيات المنتظرة والسلبيات المعيقة لكي نتفهم كيف يمكن أن يكون هذا الدور فاعلًا ومؤثرًا:
1- كيف يمكن ممارسة دور إيجابي:
– التكريس: عندما يكون الإداريون والمعنيون باتخاذ القرارات الكنسية مكرسين فعليًا للرب ومتجردين من المجد الذاتي تكون هناك بركة غامرة لكل قرار لأنه سيكون بخضوع وإرشاد الروح القدس.
– توحيد الهدف والرؤيا: وجود هدف موحد يؤدي إلى أعمق الإنجازات وأروع البركات ومع أن هذا ليس سهلًا فإنه في نفس الوقت ليس مستحيلًا. أشرنا فيما سبق لصلاة المسيح الشفاعية: “ليكون الجميع واحدًا،… ليؤمن العالم أنك أرسلتني” (يو 17: 21). فيا ليت الوحدة تكون عميقة وحقيقية وليس شعارات جوفاء.
– التأني وأولوية العلاقات: هناك اتجاهان دائمًا: اتجاه الإسراع واتجاه التأني في اتخاذ القرارات. وتعميق روح التأني يساهم في كسب بعضنا البعض كما يسهم في جعل العلاقات أهم من أي برنامج؛ فالإنسان أهم من أي أمر آخر، والحب العميق هو المفتاح لإنجاز أفضل الأعمال والخدمات.
– تقديم بعضنا البعض في الكرامة: ولنقر في (في 2: 2 و3): “مفتكرين شيئًا واحدًا لا شيئا بتحزب أو بعجب بل بتواضع حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم.”
قد يعجب الإنسان بالمواهب التي أعطاها له الله، فيرى أنه أفضل من الآخرين. و”حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم” يمكن أن تترجم هكذا “فليحسب كل واحد الآخر أفضل منه”. نحن نعلم أن كل انشقاق في كنيسة الله سببه وجود مفهوم مغاير لنمو الكنيسة ونهضتها. إن التعقل والتوجه الواعي يدعمان الاستفادة الجادة ويؤديان إلى البناء الجمعي المتكامل، وبمعنى آخر تزكية روح الفريق.
2- كيف يمكن ممارسة دور سلبي:
هذه الصورة المشرقة للكنيسة كعمل لله في الأرض ونور وسط ظلمة هذا العالم الحاضر قد يعترض إتمامها لإرساليتها العظيمة روتين العمل الإداري وآلية عمل اللجان المختلفة وأيضًا الأمزجة الشخصية لراغبي السلطة والتطلع للمراكز في كنيسة المسيح.
ومن أبرز السلبيات في العمل المؤسسي للكنيسة:
1- عدم الانتقاء الجيد للقيادات: شئنا أم أبينا تلعب المجاملات دورًا في الكنيسة المحلية عند اختيار القيادات. والكنيسة التي تخشي مسيحها فقط يجب ألا تستسلم أمام أي ضغوط في اختيار قياداتها. ومع مرور السنين، يؤدي الاختيار السيئ للقيادات إلى تطفيش القيادات الروحية المثمرة والخلاقة.
2- تحجيم بعض الخدمات الروحية:
يحدث ذلك كثيرًا وعندي أمثلة كثيرة ويغلب على هذا ما يطلق عليه “الحكمة”. وعلى النقيض تمامًا، لو كان هناك عمل إنشائي في الكنيسة أو تجهيز للقاعات بالأجهزة أو جعلها فخمة ومبهرة بالتأثيث والديكور والإضاءات فإنه يمكن الإنفاق ببذخ وبلا حساب على الإطلاق مهما تكلف الأمر.
أخيرًا:
يجب أن عمل الرب يكون نقيًا وأمينًا. لا بد من محاولة التطابق بين الكنيسة كعمل روحي والكنيسة كمؤسسة. إن الرب ينتظر من كنيسته اليوم الكثير والكثير لإعلان مجده في وسطها. إن أبواب الجحيم لن تقوى على الكنيسة المتقوية بالرب والمكرسة له. بالفعل