جلوريا حنا
شاهدتُ منذ فترة فيلمًا قديمًا اسمه “طريق الأمل”، بطولة الفنانين الراحلين فاتن حمامة وشكري سرحان وحفنة من الممثلين المشهورين. باختصار يتحدث الفيلم عن فتاة تعيش مع أمها المطلقة، التي تكافح لكي توفر لابنتها حياة كريمة، لكن ينتهي بها الحال بأن تصاب بمرض خطير، وتضطر الفتاة للجوء إلى إحدى السيدات سيئات السمعة لمساعدتها في مصاريف علاج والدتها، لكن للأسف تفارق أمها الحياة وتضطر الفتاة أن تعمل مع تلك السيدة سدادًا للدين.
يتعرف بها في ذلك المكان المشبوه شاب عسكري يأخذها معه بعيدًا عن تلك السيدة لتكون معه هو وصديقه في حياة تتسم بالإخوة، وتدور أحداث الفيلم حول تلك الحياة الجديدة التي أسعدت هذه الفتاة وجعلتها تشعر بالأمان حتى ظهرت والدة الشاب العسكري لتجبرها على أن تتركه حرصًا على مصلحته، لتعود الفتاة جزئيًا مرة أخرى لحياتها السابقة، لكن في النهاية تعود للشاب وبموافقة والدته تلك المرة.
سأركز هنا على جملتين قالتهما الفتاة، إحداهما عندما عرض عليها الشاب أن تأكل بعدما أخذها معه، لتقول: “أنا مش جعانة، أنا أكلت كويس في المطعم”، والأخرى عندما عادت الفتاة لتكون مع صديقاتها من حياتها السابقة، لتبادر الفتاة وتقول لهن: “أنا جعانة!”، وتذكر أنها ظلت تبحث عنهن لمدة طويلة. لكن لم يكن جوعها في تلك اللحظة مجرد جوع جسدي، وإلا لكانت استجمعت طاقتها بعد تناولها الطعام، بل على العكس، بدا وأنها كل يوم تخسر طاقتها أكثر مما قبله. بدا الأمر وكأنها لم تشعر بالشبع إلا مع ذلك الشاب، على الرغم من أنهم أحيانًا كثيرة كانوا يقتصدون في الطعام بسبب قلة المال، لكنها بدت أكثر طاقة مما كانت عليه عندما تركته.
تشبه حالة تلك الفتاة حالتنا نحن. إن أرواحنا هي من الله، ولن يُشبِعها أي شيء أرضي، بل سوف يجعلها تعطش أكثر، كما قال السيد المسيح نفسه للمرأة السامرية: “كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا. وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ” (يوحنا 4: 13- 14). وعندما نأخذ قرارًا بأن نكون مع الله، قد نجد إبليس يعيرنا بماضينا، تمامًا كما فعلت والدة الشاب مع الفتاة، الأمر الذي جعلها ترحل، كما يجعلنا نحن أيضًا نتراجع ونستسلم من أن يكون لنا أي أمل في التغيير، لكن علينا أن نعرف أن تلك الحرب هي بسبب تأكد إبليس أننا سنتغير ونتحرر عندما نكون مع الله.
عزيزي … العالم به من ملذات جميعها جميلة جدًا ولا خطأ بها، مثل المال، السلطة، الحياة الاجتماعية وغيرها، لكن اهتمامنا المفرط بتلك الملذات لن يصل بنا لشيء، بل على العكس تمامًا، قد يقودنا لأن نفعل المزيد من الخطايا لنشعر بالشبع أكثر من خلالها، ولن نشبع! وجودنا مع مصدر أرواحنا هو ما سوف يُشبِعنا، فقد قال يسوع المسيح: “أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا” (يوحنا 6: 35). لنذهب لمصدر شبعنا الأساسي، مصدر غذاء أرواحنا، فهو وحده من سيعطينا الشبع في حياة مليئة بالجوع والاحتياج. قد نجد معيرًا يحفزنا على الاستسلام والعودة لنعيش حياة الجسد، عندها إذا شعرنا بالضعف، دعونا نجد مجموعة من المؤمنين لنُقوي ونشجع بعضنا بعضًا، ونلتصق أكثر بالله الذي يقبلنا عندما نعود ونحتمي فيه. “إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ” (1 يوحنا 1: 9).