نصادف كثيرًا أشخاصًا يصفون شعورهم بالنسيان بأنهم أصبحوا مصابون بالزهايمر، وفيما يخص ذلك تجدر الإشارة إلى أنه ليس كل نسيان يعنى أن الشخص مصاب بالزهايمر، فهناك عوامل تلعب دورًا في النسيان المؤقت، بينما الزهايمر هو نتاج لحدوث تلف يصيب منطقة الذاكرة في الدماغ، وهو في الغالب يرتبط بمرحلة التقدم في العمر، وبالأخص للأشخاص الذين يكون لطبيعة حياتهم دور يسهم في زيادة احتمالية الإصابة بهذا الداء.
عن هذا الداء حدثنا د. وافي فهيم فانوس – الحاصل على بكالوريوس طب وجراحة القصر العيني والبورد الأمريكي للطب الطبيعي. في البداية، قال د. وافي إن الزهايمر هو واحد من مجموعة أمراض تصيب المخ عمومًا وتسمي أمراض الخرف، وداء الزهايمر يؤثر على قدرة الذاكرة في تذكر الأحداث القريبة ثم يتطور الأمر بعد ذلك. وبشأن ما إذا كان الزهايمر مرحلة طبيعية من مراحل الشيخوخة، أشار د. وافي أن مرض الزهايمر ذو علاقة بالتقدم بالعمر ولكن ليس طبيعيًا أن يصاب الإنسان بمرض الزهايمر مع التقدم بالعمر، وتقريبًا كل 5 سنوات فوق سن الـ 65 عامًا تتضاعف أعداد المرضى، والنساء أكثر عرضة مرتين من الرجال. أما عن أعراض الزهايمر، فقد أوضح د. وافي، أن الزهايمر يبدأ بصعوبة تذكر الأحداث القريبة، وفي البداية يكون الشخص واعيًا بهذا النسيان، ولكن بعد ذلك يحتاج للمساعدة، والإكثار من تكرار نفس العبارات والأسئلة، ونسيان المحادثات أو المواعيد أو الأحداث، وضع الأشياء في غير مكانها، وغالبًا ما يضعونها في أماكن غير منطقية، الفقد في أماكن كانوا يعرفونها جيدًا، نسيان أسماء أفراد العائلة والأشياء المستخدمة يوميًا، مواجهة صعوبة في العثور على الكلمات المناسبة لوصف الأشياء أو التعبير عن الأفكار أو المشاركة في المحادثات، كما يسبب داء الزهايمر تدهورًا في القدرة على اتخاذ قرارات وأحكام مناسبة في المواقف اليومية، على سبيل المثال قد يتخذ الشخص اختيارات سيئة لا تناسب الموقف الاجتماعي أو يرتدي ملابس لا تتناسب مع أحوال الطقس، كما ينسى الأشخاص المصابون بداء الزهايمر في المراحل المتقدمة كيفية أداء المهام الأساسية، مثل ارتداء الملابس والاستحمام.
وعن أسباب داء الزهايمر، قال د. وافي، إن هناك أبحاثًا حديثة توضح أسباب داء الزهايمر وأهمها لـ د. بريدسن أستاذ المخ والأعصاب جامعة ديوك الأمريكية، وهو خبير كبير وله أبحاث عدة، وكان من أهم ما توصل إليه من نتائج أن الزهايمر له عدة أسباب جذرية، وهو ليس مرضًا جينيًا بالأساس، ولكنه له علاقة بما نتعرض له من عوامل بيئية وميكروبية، وسنكشف عن هذه الأسباب الجذرية لمعرفة كيفية علاجها بعد ذلك. وأشار د. وافي أن د. بريدسن ذكر في كتابه أن بروتين أميلويد المترسب في خلايا المخ ليس المسبب الرئيسي للزهايمر، ولكنه نتيجة لأسباب أخرى أدت إلي ترسيبه في خلايا المخ، ومن تلك الأسباب: الالتهاب المزمن بالجسم – مقاومة الأنسولين تسبب نقص في عمل الميتوكوندريا وهي مراكز إنتاج الطاقة في خلايا المخ، وتسبب أيضًا تدهورًا في نمو الخلايا العصبية والوصلات العصبية، كما أن الإنزيم الذي يكسر الأنسولين بعد الانتهاء من وظيفته هو نفس الإنزيم الذي يكسر مادة أميلويد في المخ، فإذا ارتفع الأنسولين في الجسم نتيجة مقاومة الأنسولين يصبح الإنزيم الذي يكسر أميلويد مشغولًا أكثر بتكسير الأنسولين وليس مادة الأميلويد – نقص بعض الفيتامينات والمعادن المهمة لإنتاج النواقل العصبية في المخ والمحافظة على وظائف الخلايا العصبية والوصلات العصبية، مثل الزنك الماغنسيوم والسلينيوم وفيتامين ب2 وب6 وب12 ونقص فيتامين د – التعرض للسموم مثل المعادن الثقيلة كالزئبق والرصاص والكادميوم وغيرهم، وكذلك السموم الحيوية مثل سموم الفطريات والبكتيريا، وأيضًا التعرض المبيدات الحشرية والملوثات الكيميائية الأخرى – المتلازمة الأيضية وعلاقتها بالسمنة وارتفاع السكر الصائم والضغط والدهون الثلاثية وانخفاض الكوليسترول الجيد – العدوى البكتيرية أو الفطرية أو الفيروسية المزمنة مثل التهابات اللثة والأسنان المزمنة حيث تم العثور على بكتيريا موجودة بالفم (والتي تسبب التهاب اللثة) في مخ مرضى كانوا قد أصيبوا بالزهايمر ثم توفوا – نقص بعض الهرمونات والتي تحفز الخلايا العصبية على النمو مثل هرمون تستوستيرون في الرجال والإستروجين في السيدات – اختلال أو قلة كفاءة الحاجز المخي الدموي وهو الذي يفصل بين الدم وخلايا المخ ليمنع كثير من المواد الضارة للوصول لخلايا المخ.
ولمعرفة الأسباب الجذرية للزهايمر، توجد مجموعة من الفحوصات المعملية منها DNA testing لمعرفة التغييرات الجينية التي أدت إلى الزهايمر – التحاليل الخاصة بهرمونات الجسم والعناصر الغذائية المختلفة من معادن وفيتامينات وبعض المواد الأخرى الهامة لتنظيم الحالة الأيضية للجسم – فحوصات لمعرفة حالة الأمعاء من ناحية البكتيريا النافعة وأيضًا حالة الحاجز الذي يفصل بين الأمعاء والدم – تحاليل خاصة بالفطريات وسمومها التي تفرزها وتؤذي الجسم – تحاليل خاصة بالحالة الالتهابية للجسم مثل crp وil6 وغيرهما – تحاليل المعادن الثقيلة مثل الزئبق والرصاص وغيرهما – التحاليل الخاصة بالحالة الأيضية للجسم مثل تحليل مقاومة الانسولين والدهون الثلاثية – مؤشر أوميجا 3 في الدم – تحليل لمعرفة مدى نفاذية الحاجز المخي الدموي.
أما عن تشخيص داء الزهايمر، قال د. وافي إنه يتم عن طريق – الفحص والاختبارات المعرفية ومن أشهرها مقياس موكا أو MoCa score وهو متاح أون لاين – أشعة الرنين المغناطيسي وحاليًا أيضًا الرنين المغناطيسي الوظيفي يعطي تشخيصًا مبكرًا نوعًا ما مقارنةً بالرنين العادي. وفيما يخص طرق العلاج، ذكر د. وافي أن الباحث الكبير ديل بريدسن تحسَّن 100 مريض مصابون بالزهايمر على يده وكثير منهم رجع قريبًا جدًا من الحالة الطبيعية، حيث أظهرت أشعة تم التقاطها على المخ لهؤلاء المرضى أن المنطقة المسئولة عن الذاكرة رجعت لحجمها الأصلي الذي يتماشى مع مثل هذا السن في الأشخاص الطبيعية. وحديثًا تم إثبات إن الأعصاب في هذه المنطقة قادرة على النمو مرة أخرى عكس ما كنا نعتقد قديمًا، كما ثبت أن أدوية الزهايمر الجديدة التي تذيب مادة بيتا أميلويد لا تقدم شيئًا ملموسًا للمريض ومضاعفاتها خطيرة مثل ارتشاح ونزيف المخ. وقد شملت بعض الخطوط العريضة لأدوات العلاج التي اتبعها الباحث الكبير ديل بريدسن – تغييرًا شاملًا للنظام الصحي اليومي حيث يفضل نوعية الغذاء الذي يولد أجسامًا كيتونية بالجسم وهي المعروفة بكيتوجنك دايت – ممارسة الرياضة شيء أساسي بشكل يومي فالرياضة تحفز من بناء الوصلات العصبية – التخلص من البكتيريا والفطريات الضارة وسمومها من خلال الاهتمام بصحة الفم والأسنان والتأكد من عدم وجود بكتيريا ضاره في الأمعاء وإصلاح ميكربيوم الأمعاء، وأيضًا إذا كان يوجد مصدر للفطريات بالمنزل ينبغي التخلص منه – التخلص من المعادن الثقيلة – الاهتمام والتركيز على الحالة الهرمونية للسيدة أو الرجل وتعويض الهرمونات التي قل مستواها في الدم – تمرين الذاكرة وتوجد ألعاب على الموبايل يمكن الاستفادة منها مثل BrainHQ – تناول المكملات الغذائية في صورها النشطة مثل methylcobalamine وtetrahydromethylfolate – أيضًا الحصول على الكولين وهو هام جدًا لإنتاج أسيتيل كولين الناقل العصبي الأهم للذاكرة – الاهتمام بالنوم الجيد، علاج مقاومة الأنسولين – كما توجد طرق كثيرة ولها نتائج رائعة مثل العلاج الضوئي وهو يحسِّن من إنتاج الـ BDNF وهو الهرمون الذي ينشط من إنتاج الوصلات العصبية، علاوة على قدرته على تقليل المادة الشمعية بيتا أميلويد وتقليل الالتهابات – أيضًا الـ hyperbaric oxygen وهوالعلاج بالأكسجين تحت ضغط ولكن بطريقة خاصة ليست المعتادة * أيضًا الـ transcranial electrical stimulation ونتائجه الفعالة في العلاج.
نيفين عاطف مشرقى