هايدي حنا
أهلًا بكم في جولة جديدة داخل حياة طفلك، وهذه هي الجولة الأخيرة حول الطفل المتوحد. فبعد أن انتهينا من جولتنا حول الاهتمام به، جاء وقت التجول حول كيفية عناية الأهل بأنفسهم كي يستمروا في الاهتمام بطفلهم دون السقوط نفسيًا وجسديًا في منتصف الطريق. استعدوا سنبدأ…
على الأغلب، في ظل وجود طفل متوحد وسط الأسرة، يكون الاهتمام كله منصبًا عليه هو، ويتم إهمال كل جوانب الأسرة الأخرى سواء من الصحة الجسدية والنفسية، أو العلاقة بين الزوجين، وإن كان هناك أطفال غيره يتم إهمالهم بل ويكون المطلوب منهم الاهتمام بأخيهم/أختهم المتوحد(ة) حتى لو كانوا هم الأصغر سنًا. وبمرور الوقت، يسبب هذا التركيز في إنهاك أفراد الأسرة نفسيًا قبل جسديًا، بل وقد يسبب تباعدًا في التواصل بينهم، حيث يكون التواصل بينهم حول الطفل المتوحد فقط ولا توجد أي مادة أخرى للحوار غيره. وهذا الجو غير صحي سواء للوالدين أو الأطفال الآخرين أو حتى للطفل المتوحد نفسه الذي يجب أن ينشأ وسط أسرة عادية تمارس حياتها بشكل طبيعي حتى يتعلم هو كيف يتعامل بصورة طبيعية مع الآخرين، حيث يسبب التركيز في الاهتمام عليه نوعًا من الاعتمادية وهذا غير مقبول وغير صحي له، فكما سبق وذكرنا من المهم تعليمه كيفية الاعتناء بنفسه حتى وإن أخذ هذا الأمر وقتًا طويلًا من التدريب لكنه هام له، لذا على الأسرة أن تعلم أن التركيز الكامل عليه وإهمال باقي جوانب الأسرة يضر طفلهم ولا يضرهم هم فقط.
لذا كان من المهم قبل أن ننهي جولتنا هذه أن نتجول حول كيفية الحياة بصورة طبيعية وكيف تهتم باقي الأسرة بصحتها النفسية والتواصل العميق بينهم.
أولًا: لابد من قضاء بعض الوقت لنفسك ولأفراد الأسرة الآخرين: إن رعاية طفل يعاني من التوحد قد تضع ضغوطًا على العلاقات الشخصية الخاصة بك وبأسرتك. لذا من المهم أن تخصص وقتًا لكل طفل من أطفالك الآخرين، كي لا تظلمهم بسبب أختهم/أخيهم التي/ الذي تأخذ/يأخذ كل وقتك؛ فهم أيضًا أطفال ويحتاجون لك. أيضًا خطط لقضاء أمسية مع شريك حياتك حتى ولو لمشاهدة فيلم معًا بعد خلود الأطفال إلى النوم، حيث إنه من المهم ألا يكون حوارك مع شريك الحياة حول طفلكما المتوحد لكن يجب أن يتعمق حواركما، لذا احرص على تخصيص وقت يكون مخصصًا لشريك حياتك فقط لتتحاورا معًا حول يومكما، عملكما، أحلامكما…
ثانيًا: مارس أنشطة خارج إطار مسئوليتك وسط أسرتك: إن وجود طفل متوحد في الأسرة يسبب ضغطًا نفسيًا وجسديًا لأنه يحتاج لمجهود بدني وذهني ونفسي أكثر من الطفل الطبيعي، ويحتاج لمتابعة وملاحظة مستمرة بجانب الاهتمام بباقي الأسرة وكذلك عملك. وهذا كله إن لم تكسره بنشاط خارج إطارك الروتيني سوف يتسبب بمرور الوقت لضغط وإنهاك نفسي وذهني قبل الجسدي لذا ولكي تتجنب هذا الإنهاك استقطع بعض الوقت للراحة أو ممارسة الرياضة أو التمتع بالأنشطة المفضلة لديك، فهذا مفيد لك من الناحية الجسدية وكذلك مفيد من الناحية النفسية حيث التنفيس عن الضغط النفسي والجسدي الذي تعاني منه. والأجمل أن تقوم بهذا مع شريك حياتك بحيث تخرجان من إطار يومكما الروتيني وتستعيدان قوتكما لتكملة مسيرتكما وسط أسرتكما والاهتمام بطفلكما المتوحد وأيضًا تتعمق علاقتكما معًا.
ثالثًا: اعثر على متخصصين ذوي الثقة في التعامل مع طفلك المتوحد: التوحد مرض مثل أي مرض يحتاج لمتخصص يساعدك على كيفية التعامل معه وقت غضبه، الانتكاسة، تشجيعه للتعامل مع الآخرين. وإن اجتهدت بمفردك قد يتسبب هذا في تعقيد الوضع لدى طفلك وزيادة الأمر سوءًا. لذا فأنت تحتاج لمتخصص وليس أي طبيب، لكنه متخصص في التوحد، وذلك لمساعدتك على تعليمه وإرشاده، بل والأفضل متابعته بصورة دورية وليس فقط وقت احتياجك، فهذا يحمي طفلك ويساعدك أكثر.
رابعًا: ابحث عن الأسر الأخرى التي لديها أطفال مصابون بالتوحد: وهذا ممكن من خلال إما المدرسة التي يتعلم فيها طفلك حيث إمكانية التعرف على أسر زملائه، أو من خلال البحث عما يُسمى مجموعات المساندة والتي يتم فيها تجميع الأفراد الذين يعانون من نفس المشكلة بغرض أن يساعد كل منهم الآخر بخبرته الشخصية، وهذا ما تحتاج له أن تكون وسط أسر تعاني من نفس مشكلتك فهذا يساعدك لأن هؤلاء يواجهون نفس تحدياتك فقد يقدمون لك بعض النصائح المفيدة بالإضافة للمساندة نفسيًا.
خامسًا: تعرَّف على هذا الاضطراب: هناك العديد من المغالطات والمفاهيم الخاطئة حول التوحد أو اضطراب طيف التوحد، لذا لا بد أن تقرأ وتسأل متخصصًا حول التوحد ولا تأخذ المعلومات من أي مصدر، لكن يجب أن يكون مصدر طبي متخصص، فالمصادر غير المتخصصة تعطي مفاهيم خاطئة تجعلك تسلك مع طفلك سلوكيات خاطئة تؤذيه، لذا لا بد أن تقرأ كثيرًا حول هذا الاضطراب، بل وتكون على علم بكل ما هو جديد حوله وذلك لمساعدتك على فهم طفلك والتواصل معه على نحو أفضل.
قبل أن ننهي جولتنا، هذه أود أن أشجع كل أب وكل أم بأن مجهودكما مع طفلكما المتوحد لن يذهب هباءً، لكن بمرور الوقت سوف تريان ثمرة مجهودكما هذا في رؤية طفلكما يكبر ويتعلم ويعبِّر عن عواطفه بأفضل مما تتوقعان، بل وينجح في حياته العملية. فكم من متوحدين نجحوا في حياتهم سواء في عملهم أو اكتشاف موهبة فيهم واستثمارها.
بهذا نكون وصلنا لنهاية جولتنا حول تلك المرحلة، والآن سوف ننطلق لجولة جديدة ومنطقة جديدة في حياة طفلك. استعدوا سننطلق…