هايدي حنا
أهلًا بكم في جولة جديدة داخل حياة طفلك. خلال الجولة السابقة، دخلنا في منطقة السرقة عند الطفل، تحديدًا الطفل ما قبل الـ 7 سنوات، والآن سننتقل لمرحلة ما بعد الـ 7 سنوات لنعرف أسباب السرقة لديه وكيف نتعامل معها، استعدوا سنبدأ…
إن الطفل في هذه المرحلة أدرك مفهوم المِلكية وما يخصه وما يخص غيره، ولذا فالسرقة لديه تكون عن عمد وليس مثل المرحلة ما قبل الـ 7 سنوات.
أسباب السرقة:
1) رغبته في لفت نظر الوالدين عندما يجدهما مشغولين عنه ولا يهتمان به، وعندها يبدأ في لفت نظرهما بهذا السلوك السلبي، بل ويستمر فيه عندما يرى أنه نجح في هدفه حتى لو كانت نتيجة لفت النظر هي تأديبه! (سبق وناقشنا هذه النقطة بالتفصيل في مقالة سابقة).
2) انتقامًا من والديه خاصةً عندما يعلم أن هذا السلوك مؤذٍ لهما، بأن يضعهما في موقف محرج ويعرِّضهما للوم الآخرين. ويقوم الطفل بهذا في حالة:
– إذا كان الوالدان عقابهما للطفل شديد وهو غير قادر على الدفاع عن نفسه فيحول غضبه لغضب سلبي وهو القيام بأمور يعلم أنها مستفزة لوالديه أو محرجة لهما، حتى لو تسبب هذا في عقاب قاسٍ له.
– إذا كان الوالدان مشغولين عنه كما سبق وذكرتُ في السبب الأول.
– إذا كان الوالدان يميزان أخاه عنه، أو يستخدمان أسلوب المقارنة التي لا تكون دائمًا في صالحه.
3) تقليدًا لمشهد رآه سواء في الواقع أو في فيلم، خاصةً عندما يجد أن السارق لم يتعرض لأي عقاب جراء ما قام به من سرقة.
4) السرقة بسبب الحرمان، ولا يُشترط أن تكون أسرته متواضعة الحال، ولكن قد تكون أسرته مسرفة في كلمة “لا”، وعندها يقوم بتلبية رغباته بنفسه. (سبق وتناولنا مشكلة قول “لا” باستمرار وكيفية علاجها في مقال سابق).
5) بعض الأطفال يتمتعون بفكرة السرقة دون أن يكتشفها أحد لأنها تُشعِرهم بالذكاء بسبب هذا السلوك، وهؤلاء هم الأطفال المحرومون من كلمات التشجيع من والديهم، فيسرقون لتحقيق ذواتهم المفتقدة لها من والديهم.
6) إذا كان الطفل مدللًا بصورة زائدة، فتتكون بداخله فكرة الحصول على ما يريد حتى لو كان بالسرقة، حيث إنه تعوَّد ألا يقول له أحد: “لا، ليس الآن…” لكن ما يحتاجه يُسدد هنا والآن.
7) فقدان الأمان، إذا كان يعاني من حالة تفكك أسري سواء لأن والديّه كثيرا الشجار أو منفصلان.
8) رفقاء السوء، فقد يكون الطفل في هذه المرحلة وسط شلة أو لديه صديق يسرق ويشجعه على أن يسرق، والمشكلة هي أنه عندما ينجح في السرقة دون أن يكتشفه أحد في المرة الأولى سيحاول مرة ثانية، ثالثة… مع زيادة قيمة ما يسرقه، حتى يتم اكتشافه بعدما يكون الأمر قد استفحل وازداد سوءًا.
9) عدم التعامل الصحيح مع السرقة وهو في مرحلة ما قبل الـ 7، أو التغاضي عن أول حادثة سرقة قام بها دون اتخاذ أي خطوة إيجابية تجاه هذا السلوك السلبي، بل وتبرير سلوك السرقة للآخرين بأنه طفل لا يدرك ما يقوم به.
بعدما تجولنا عن أسباب السرقة، يأتي السؤال الهام: كيف يتعامل الوالدان مع هذه المشكلة؟
1) مراجعة أسلوب تربية الطفل، فكما لاحظنا فإن أغلب أسباب السرقة ما هي إلا رد فعل لطريقة خطأ في التعامل مع الطفل، ولذا فمن المهم مراجعة أسلوب التربية والعمل على تعديله، من التدليل، القسوة، الكلمات السلبية، العصبية باستمرار، كلمة “لا” غير المبررة، المقارنة… كل هذه الأساليب التي سبق وتمت مناقشتها في مقالات سابقة، فهذه أول خطوة وأهمها وقد لا يحتاج الوالدان غيرها لتعديل سلوك الطفل.
2) الابتعاد تمامًا عن العصبية والضرب، فهذا لن يعالج المشكلة بل سيجعلها تزداد سوءًا.
3) تجنُّب وصف الطفل بـ “الحرامي”، فهذه الكلمة لن تعالج المشكلة بل على العكس سوف تزداد سوءًا. وقد سبق وناقشنا في مقال سابق عن الكلمات السلبية تأثير الكلمات السلبية على الطفل وكيف تساهم في استمراره في السلوك السلبي بدلًا من تعديله.
4) بناء علاقة صداقة مع الطفل، وذلك حتى يشعر بالأمان في التعبير عن رأيه ويشارك والديه:
– باحتياجاته دون خوف من كلمة “لا” المستمرة بلا مبرر.
– بأخطائه دون أن يخاف، وبهذا يستطيع الوالدان علاج المشكلة قبل أن تستفحل.
5) تعزيز السلوك الإيجابي وغرس الأخلاق والقيم عند الطفل، من خلال سرد قصص حقيقية عن شخصيات كانت أمينة في حياتها وكيف نجحت وكيف ساندها الله. والكتاب المقدس به الكثير من القصص التي تساعدك على تعزيز السلوك الإيجابي، بشرط ألا تتخلل سردك للقصص إدانة الله لغير الأمناء والعقاب و… و…. و… فهذا الأمر لا يفيد بل على العكس هو مؤذٍ للطفل فيما يخص علاقته بالله (سبق وتناولنا هذه النقطة في مقالٍ سابقٍ).
6) تخصيص مصروف للطفل حتى لو كان مبلغًا بسيطًا، ليستطيع أن يشتري به ما يحتاج له فعلًا دون أن يلجأ لسرقته.
7) المساواة والعدل بين الأطفال دون تمييز ومقارنة، (وقد تناولنا أهمية هذه النقطة في مقال سابق).
8) متابعة ما يشاهده الطفل من أفلام وكذلك التعرف على الشلة التي يتعامل معها.
9) غرس فكرة أن الإنسان لا يحصل على كل ما يريد، وأن علينا الشكر على ما منحه لنا الله. وتساهم هذه النقطة، مع منح الطفل الحب الذي يحتاج له من والديّه وتواجده وسط أسرة يغمرها السلام في جو أسري صحي، في بناء طفل شبعان لا يرى ما هو في يد غيره حتى لو كانت أسرته متواضعة الحال.
10) جعل الطفل يتحمل نتيجة ما قام به: تأتي هذه الخطوة بعد الصبر معه والتدريب والقيام بكل الخطوات السابقة. فإن أصر الطفل، فإن على هذا السلوك على الوالدين:
– تأديب الطفل لأن هذا يمثل سلوكًا سلبيًا على الوالدين تعديله (تناولنا من قبل أسلوك التأديب مع الطفل).
– توضيح أنه يجب أن يتحمل نتيجة خطأه: مثلًا أن يدفع من مصروفه ثمن الغرض الذي أخذه من المتجر مع الذهاب بنفسه والاعتذار لصاحب المحل؛ أن يقوم برد اللعبة التي أخذها من زميله ويعتذر له لأنه أخذها وهي ليست لعبته (إن كانت خطوة رد اللعبة لصديقه صعبة ومؤذية نفسيًا للطفل فمن الممكن أن يذهب الوالدان معه لوالديّ صديقه أو مدرسته… ويعطي هو له اللعبة ويعتذر لأنه أخذها، مع الاتفاق معهما على رد اللعبة للطفل الآخر دون ذكر أي تفاصيل).
11) على الوالدين أن يغرسا بداخل الطفل أهمية أن يشعر بمشاعر غيره عندما يفقد غرضًا عزيزًا لديه، وذلك بأن يجعلاه يتخيل مشاعره هو لو فقد غرضًا غاليًا عنده، فهو بهذا يتعلم أن:
– يحترم مشاعر غيره فلا يأخذ أغراضهم.
– يشعر بألم الآخرين ومشاعرهم.
– يتعامل مع الآخرين كما يحب أن يتعاملوا معه.
في نهاية جولتنا، لا بد أن يتعامل الوالدان مع مشكلة السرقة بصبر وهدوء وإنصات للطفل، مع إدراك أن الأمر قد يحتاج لتعديل صفات فيهما وفي أسلوبهما في التربية، كي لا تتحول المشكلة لمشكلتين أو ثلاث مشاكل… وعندها نصل لأزمة يصعب التعامل معها.
وهنا يأتي آخر سؤال في هذه الجولة: متى يمكن الحكم بأن سرقة الطفل هي مؤشر لمرض نفسي واضطراب سلوكي عنده؟ هذا ما سوف نناقشه خلال جولتنا التالية. استعدوا سننطلق…