هايدي حنا
أهلًا بكم في جولة جديدة داخل حياة طفلك حيث سنتجول في منطقة جديدة لدى الطفل وهي: كيف تنعكس نظرة الوالدان للمال على نظرة طفلهم له؟ وكيف يؤثر هذا على نظرته لنفسه في الوقت الحالي والمستقبل؟ كثير من الأهل لا يدركون أن جزءًا من تكوين شخصية الطفل ونظرته لنفسه وتكوين علاقاته مرتبط بطريقة التعامل مع المال ونظرتهم له، لذا كان لا بد أن نتجول في هذه المنطقة ومشاكلها لتجنبها. استعدوا سنبدأ…
سوف نتجول في البداية عند أول تعامل مع المال وكيف يؤثر على الطفل ونظرته لنفسه، والتعامل مع الأشياء المادية، ورد فعل الوالدين عندما يكسر الطفل غرضًا غالي الثمن أو يفقد في المدرسة غرضًا غالي الثمن أو يفقد مبلغًا من المال.
وهنا كان عليَّ في البداية طرح هذا السؤال لتفكر معي:
عندما يأتي طفلك وهو يبكي لأنه تمت سرقته ما أول كلمة يسمعها منك؟ هل تطمئن عليه أم توضح مدى ضيقك من الغرض أو المال الذي تمت سرقته وتلومه لأنه “أهبل” لا يحافظ على أغراضه، وبأنه لا يبالي لأنه لا يتعب في جمع المال؟
عندما يسقط من يد الطفل غرض وينكسر، ما هو أول رد فعلك خاصة لو كان غالي الثمن؟ هل تطمئن عليه لئلا يكون جُرح أم تلومه وتصرخ فيه وتجري على الغرض المكسور وأنت غاضب عليه بدلًا من أن تجري نحوه لتطمئن عليه؟
للأسف بعض الآباء يتعاملون مع هذا الحدث بعنف وقسوة ويلومون الطفل ويتهمونه بأنه مهمل وأنه لا يهتم ولا يبالي بتعبهم لتوفير له هذه الأغراض، وكيف أنهم يضحون لتوفير هذا المبلغ الذي يأخذه المدرسة… ناهيك عن الصراخ، والبعض يلجأ للضرب والإهانة و و و…
فيا تُرى ما الرسالة التي تصل للطفل في ذلك الوقت بسبب هذا السلوك؟ وما الرسالة التي تصل للطفل عند تعامله مع المال والأغراض المادية؟
أولًا: المال أهم منه هو شخصيًا:
هذا المبدأ يساهم في تكوين شخصية لا تثق في نفسها ونظرتها لنفسها متدنية طالما لا تملك المال، لذا يجاهد طوال حياته من أجل المال والحفاظ عليه كي لا يضيع منه. وهو يقوم بذلك بدون قرار إرادي منه لكن عقله الباطن يجعله يقوم بهذا السلوك كي يضمن قيمته المرتبطة في ذهنه بالمال.
وبالتالي إن كانت حالته المادية متوسطة أو أقل فسوف ينظر لنفسه نظره متدنية وأنه لا يستحق بل وأنه لن يجد الذي يصادقه أو يحبه بسبب حالته المادية الضعيفة، وأقل سلوك من الآخر نحوه سيترجمه أنه لا يحترمه بسبب قلة المال لديّه… ستكون حياته وقيمته متمركزة حول: “كم أملك من المال والأغراض الثمينة؟”.
ثانيًا: أخذ الأمور على محمل شخصي ولوم نفسه إن فقد أغراضًا مادية أو تسبب في إتلافها:
أي يُحمِّل نفسه مسئولية ما حدث. وهذا السلوك يقوم به حتى في غياب والديّه، ففي البداية يتولى الوالدان هذه المهمة وبعد ذلك تُحفر في ذهن الطفل كلمات والديّه في عقله الباطن وما أن يتلف أو يفقد غرض ما حتى تخرج هذه الكلمات من عقله ويأخذ دور والديّه في اللوم ويُحمِّل نفسه مسئولية ما حدث، بنفس كلمات والديّه: “أنا السبب، أنا مهمل، كان يجب أن يكون أكثر حرصًا…”.
ثالثًا: تكوين شخصية يهتز أمانها بفقدانها أو إتلافها لغرض ما خاصةً إن كان غالي الثمن:
هل قابلت مرة شخصًا ما أن يفقد غرضًا أو يتلفه حتى يُصاب بالهلع ويبكي بهستيريا أمام ما أتلفه أو وهو يبحث عنه؟
هؤلاء الأشخاص انغرس بداخلهم خوف من إتلافهم أو فقدانهم لأي غرض بسبب رد فعل والديّهم، وقد تمكنت هذه المشاعر داخلهم لدرجة أن الشخص بتلقائية يشعر بالرعب خوفًا من رد فعل والديّه وليس لفقدانه أو إتلافه لكن بسبب خبرته السلبية حول ما يحدث بعد ذلك. هذه الخبرة تجعل تلك المشاعر السلبية تعود له مهما كبر ومهما كان والداه ليسوا في الصورة لكن تأثير سلوكهما ما زال موجودًا. هذا الشخص يظل طوال حياته يخاف من إتلاف أو فقدان الأغراض خاصةً لو كانت غالية الثمن، بسبب أنه كان يعاني من الطفولة من رد فعل والديّه القاسي.
رابعًا: البخل:
بسبب غرس مبدأ أن الأموال والأغراض الثمينة أهم منه وهي التي تعطي قيمة له، يقرر تخزين المال ليشعر بالأمان، وينال احترام الآخرين لأنه يملك المال، وللأسف كلما امتلك المال واحترمه الآخرون بسبب ماله، تأكد عنده معتقد أن احترام الآخرين له مرتبط بكم يملك، وازدادت الرغبة لديه بتخزين المال، حتى يتحول بمرور الوقت لشخص بخيل غير قادر على إنفاق المال، فإنفاق المال بالنسبة له يهُز أمانه ويفقده احترام الآخرين له.
عزيزي الأب.. عزيزتي الأم، احذروا في كلماتكم عند تعاملكم مع هذا الموقف لكي لا ينقل للطفل رسالة خاطئة عن ربط قيمته بالمال، والنتيجة تشويه صورته عن نفسه.
بهذا نكون انتهينا من جولتنا هذه لكننا لم ننتهِ بعد من جولتنا حول منطقة المال وتأثيرها على نظرة الطفل لنفسه، حيث سنُكملها الجولة القادمة. استعدوا سننطلق…