17.4 C
Cairo
الإثنين, يناير 6, 2025
الرئيسيةأسرةالحياة مع طفلي: احذر من الرسالة التي تصل لطفلك بسبب المال

الحياة مع طفلي: احذر من الرسالة التي تصل لطفلك بسبب المال

هايدي حنا

أهلًا بكم في جولة جديدة داخل حياة طفلك حيث سنُكمل جولتنا حول المال. تجولنا المرة السابقة حول رسائل الوالدان التي تجعل الطفل يربط بين قيمته وبين ما يملك من مال، مما يؤثر على تكوين شخصيته وصورته الذاتية ومن ثَمَّ سلوكياته. لكن هناك رسائل أخرى من الوالدين بسبب التعامل الخطأ مع المال بها تصل رسائل سلبية للطفل تؤثر على سلوكياته وتكوين علاقاته فيما بعد. فما هي هذه السلوكيات؟ وما هي الرسائل وكيف تؤثر على علاقاته؟ هذا ما سنعرفه خلال جولتنا هذه، استعدوا سنبدأ…

أولًا: أنت لا تستحق:

بعض الآباء يفقدون أعصابهم عندما يحصل طفلهم على درجات منخفضة ويتهمونه بأنه لا يبالي، وبأنهم يدفعون “دم قلبهم” في المدرسة الملتحق بها ناهيك عن مصاريف الدرس و و و… ويا ليته فقط يتهمونه بأنه لا يبالي لكن للأسف يتم وصفه بصفات صعبة بجانب مقارنته بهذا وذاك… وهذا كله هو بمثابة رسالة له بأنه مرفوض وبأن المال أهم منه، هذا بجانب تأثير المقارنة والكلمات السلبية التي سبق وتجولنا فيها من قبل، لكن تركيزنا هنا على ربط هذه الكلمات بالمال لأنه بجانب تأثيرها السلبي بصفة عامة هناك تأثير سلبي على تكوين شخصية الطفل في علاقاته.

فالطفل عندما تصل له رسالة بأنه مرفوض ولا يستحق ما يقوم به والداه لأجله ستظل هذه الصورة مختزنة بذهنه بأنه لا يستحق الحب ولا التضحيات التي يقدمها له الآخرون، ولكي يكون مستحقًا عليه أن يقوم بالمطلوب منه وإلا فهو لا يستحق. ومن هنا قد يقع في علاقات مؤذية بسبب إنه “ما صدق حد يحبه” ويقبل كل الإهانات والأذى منها لأنه لا يستحق الحب والتضحية لأجله بدون شرط قبوله لهذه الإهانات.

لذا على الوالدين الحذر من تلك الكلمات التي تهدم الطفل ولا تبنيه، فهي لن تجعل الطفل يتطور ويتفوق في دراسته، بل على العكس سوف تسبب له مشاكل في صورته عن نفسه وتكوين علاقات صحية فيما بعد، بالإضافة إلى أن الآباء هنا يتجاهلون فكرة أنواع الذكاءات المختلفة للطفل والتي تجعله ذكيًا في جانب، وفي جانب آخر تكون نسبة ذكائه أقل، كما يتجاهلون أن طريقة الدراسة قد تحتاج للتغيير لمساعدته في فهم المادة… أمور كثيرة يتجاهلها الآباء خلال الدراسة؛ لذا عليهم استبدال هذه الكلمات التي تدمر طفلهم والتفكير في السبب الذي يجعله غير قادر على اجتياز امتحان ما أو فهم مادة ما لمساعدته وليس لتوبيخه ومعايرته بالمال الذي يدفعونه نظير تعليمه.

ثانيًا: الاهتمام بالأخذ وليس العطاء:

بعض الآباء لا يهتمون بالعطاء لدرجة أنهم أهملوا تقديم العطايا والعشور للكنيسة تحت مبدأ “ما فيش فلوس.. إحنا عايزين اللي يدينا.. ربنا حنين عارف ظروفنا…” هذه الرسائل هي رسائل يفهم منها الطفل أن العطاء مرفوض والأخذ مقبول، وحتى وقت العطاء يجد والديه يقدمان أسوأ ما عندهم وعن اضطرار، مما يؤثر على سلوكياته بسبب هذا المفهوم الخاطئ في التعامل مع المال، وهذا بتكوين مبدأ “لا للعطاء” حتى لو كان مَنْ يحتاج هما والداه، وإن أعطى يكون عن اضطرار، فينشأ طفلًا أنانيًا لا ينظر إلا لاحتياجاته ولا يهتم بالآخرين.

قد تكون الرسالة هنا ليست كلمات موجهة بصورة مباشرة للطفل، لكن ذهن الطفل هو مثل الميكروسكوب يلقط أدق التفاصيل ويخزنها حتى يحتاجها في موقف مشابه فيقوم بتكرار نفس السلوك الذي التقطه من والديه.

لذا على الوالدين التعامل مع المال بطريقة مختلفة خلال العطاء، وذلك من خلال الإنصات لوصايا الكتاب فيما يخص هذا الأمر.

فعندما نتكلم عن الضغوط المادية، دعونا نتذكر: “هَاتُوا جَمِيعَ الْعُشُورِ إِلَى الْخَزْنَةِ لِيَكُونَ فِي بَيْتِي طَعَامٌ، وَجَرِّبُونِي بِهذَا، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ”. وإذا توقفنا أمام الآية السابقة لها سنجد كلمة: “سَلَبْتُمُونِي”، والسلب كلمة قاسية أكثر من كلمة سرقة، فهي تعني أخذ ما يخص الآخر غصب وأمام عينيه، هكذا هو حالنا! نحمل الهمّْ ونرتب ألوياتنا من مصاريف لكننا ننسى مصدر المال! إن أول درس على الطفل أن يتعلمه من والديه في التعامل مع المال هو  ألا نسلب الله بل يكون أول ما نقوم به هو إعطاء التقدمة للكنيسة من إيرادنا مهما كان، وبالإيمان نختبر جود الله لنا، كما اختبرت الأرملة “كُوَّارَ ٱلدَّقِيقِ لَا يَفْرُغُ، وَكُوزَ ٱلزَّيْتِ لَا يَنْقُصُ”. قد يكون جوده حمايته لنا من الشر أو المرض، الشبع، السلام، الاكتفاء…لا نعرف طريقته في الجود لكن الأكيد أن وعود الله صادقة وهذا أول درس يتعلمه الطفل.

أما الدرس الثاني فهو أن يكون العطاء بحب وكرم وسرور وليس عن إجبار واضطرار: “لأَنَّ الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ اللهُ… لَيْسَ عَنْ حُزْنٍ أَوِ اضْطِرَارٍ”. فللأسف البعض يعطي أسوأ ما عنده سواء كان مال، أو أغراض، لكن عندما يكون العطاء بسخاء وفرح سيكون أفضل ما عنده وهنا يتعلم الطفل المعنى الحقيقي للعطاء.

أما الدرس الثالث في التعامل مع العطاء الذي يجب أن يتعلمه الطفل فهو أن نعطي في الخفاء وليس بغرض حب الظهور”فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلَا تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ”.

بهذه السلوكيات في التعامل مع المال، سيختبر الطفل معكم معنى العطاء المقبول أمام الله، وبه تختبروا يد الله معكم وقت الضغوط المادية، “اللهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ اكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ”.

عندها سيكون المال بالنسبة للطفل ليس غاية يسعى لاكتنازها، بل وسيلة يستخدمها في العطاء بسخاء وتسديد احتياجاته دون طمع.

بهذه الطريقة، ينمو طفلًا سويًا في رؤيته لنفسه وتعامله مع المال، كي لا تتشوه صورته ويصبح المال عنده أهم منه ومن الآخرين، وقد يعاني الأهل من هذه المشكلة في التعامل معه فيما بعد.

بهذا نكون انتهينا من جولتنا حول تعامل الوالدان مع المال وتأثيره على طفلهم، بل وانتهينا من جولتنا في حياة طفلك بنهاية عام 2024، لكننا لم ننته من رحلتنا معًا في حياتنا الأسرية، فاستعدوا لجولات أخرى جديدة في السنة الجديدة 2025، استعدوا سننطلق… وكل عام وأنتم بخير.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا