تحقيق: إيهاب أدونيا
فور بثه على شاشات الفضائيات المصرية، تصدر مسلسل “الحشاشين” بطولة النجم كريم عبد العزيز، الترند على مواقع التواصل الاجتماعي، وشنت لجان جماعة الإخوان الإلكترونية حملات شرسة ضد المسلسل وصنَّاعه، واتهمت القائمين على العمل بمحاولة لصق صفات جماعة الحشاشين بالإخوان وعمل مقاربة بينهما.
وجماعة الحشاشين هي جماعة دينية اعتمدت على استخدام الدين لتبرير عملياتها الإرهابية التي قامت بها ضد شخصيات مهمة بالدولة العباسية في القرن الـ11 الميلادي، بهدف إضعاف الدولة وإسقاطها، كما أن الحشاشين كانت جماعة سرية تعتمد على زرع أنصارها في قصور ومنازل كبار الدولة بهدف جمع أكبر قدر من المعلومات عنهم واستخدامها في تنفيذ مخططاتهم الإرهابية، وهو ما يفسر سبب تماسكها واستمرارها لسنوات طويلة.
أحداث المسلسل تكشف نهج الجماعة التي أرعبت العالم ونشرت الظلام والضلال والقتل والاغتيالات باسم الدين، وفطنت جماعة الإخوان إلى أن المسلسل يستهدفها ويستهدف أفكارها، خاصةً وأن حسن الصباح زعيم الحشاشين انتهج مبدأ السمع والطاعة الذي سار على نهجه أنصاره، ونجح في إقناعهم بأفكار خاطئة لتبرير جرائمهم، مستخدمًا الحشيش لتخديرهم ودفعهم نحو تنفيذ القتل والاغتيالات، مثلما فعلت جماعة الإخوان ودفعت عناصرها لتعاطي مخدر الترامادول للاعتصام في الميادين وتنفيذ القتل والاغتيالات ضد الوطنيين ورجال الشرطة والجيش خلال اضطرابات يناير من العام 2011 وثورة يونيو من العام 2013.
الإخوان اتبعوا أيضًا منطق الاغتيالات باعتبارها الوسيلة الأكثر أمانًا بدلًا من تحمل مخاطر المواجهة العسكرية الكاملة مع الدولة.
وهذه ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها الإخوان عملًا دراميًا، فلقد دأبت على استهداف أي عمل يكشف حقيقتها ويفضح خفاياها مثل مسلسل “الجماعة” بجزأيه، و”الاختيار” بأجزائه، و”القاهرة-كابل”.
والمؤكد أن الجماعة فشلت في صرف الناس عن متابعة المسلسلات، لكنها وجدت ضالتها في نشر سلسلة من الشائعات والأكاذيب والتعليقات الساخرة عن هذه المسلسلات، معتمدةً على سياسة تراكم الأكاذيب لأجيال تالية.
وتبقى الأسئلة مطروحة في الأفق حول المفاهيم التي تخشى الجماعة من تجسيدها وتحليلها من خلال المسلسل، وعلاقة هذه المفاهيم بالجماعة: لماذا تتحسس الجماعة من مناقشة تاريخ أي جماعة إرهابية من خلال الأعمال الدرامية أو الإعلام؟ وما سبب زخم الاهتمام ونسب المشاهدة المرتفعة لمسلسل “الحشاشين” مقارنةً بغيره من الأعمال التاريخية في سنوات سابقة؟
الحشاشين في سطور
– حسن الصباح حياته ونشأته :
ولد حسن الصباح في مدينة قُم جنوب طهران عام 1037م، وهي معقل الشيعة الاثني عشرية، وقد أخذ المذهب عن والديه، وبقي متمسكًا بتعاليمه حتى انتقلت عائلته إلى الريّ وعمره 17 سنة.
كانت الريّ مركز الطائفة الإسماعيلية، فتأثر الصباح بأفكارهم وانضم إليهم وبايعهم، وأخذ يتدرج في المناصب، فلما بلغ الثلاثينات من عمره لم يبق أمامه إلا مبايعة زعيم الطائفة “عبد الملك بن العطاش”، الذي رأى فيه بذرة حسنة يمكن له استغلالها، فقد كان بارعًا في الفلسفة والحساب والهندسة والفلك والسحر وغيرها، إضافة للعلوم الشرعية، فعينه نائبًا له، ثم بعثه إلى مصر وعاش في بلاط الخليفة الفاطمي المستنصر بالله ثلاث سنوات. وبعد أن صار حاكم عكا الأرمني “بدر الدين الجمالي” متحكمًا في القرار مصر واصطدامه بالصباح فما كان من بدر الدين إلا أن سجنه في الإسكندرية، ثم طرده من مصر.
توجه حسن الصباح إلى أصفهان سنة 1081م، وبنى علاقة قوية مع الوزير نظام الملك، الذي أُعجب بعلم حسن الصباح وقدراته، فقربه وأكرمه ولم يكن يعرف بخبايا ومعتقدات الصباح الهدامة.
عاش الصباح في كنف نظام الملك 9 سنوات، مُخفيًا هويته واعتقاده، لكنه لم يفتر عن الدعوة لهذه المعتقدات بعيدًا عن المدن، فتوجه إلى القرى النائية، في مجتمعات الفلاحين والبدو، فأخذوا يقتنعوا بأفكاره، وانتشرت دعوته في الأرياف
قام أتباع حسن الصباح بنشر دعوة الإسماعيلية النزارية في كل مكان، بعد مطاردة السلاجقة له، لم يجد حسن الصباح حماية أفضل من قلعة ألموت المنيعة، حيث إنها حصن قديم ارتفاعها يزيد عن (2000) متر، ولا يوجد طريق لها غير طريق واحد فقط، وهو ما أعطاها القوة والحصانة لتكون مركز للدعوى وحصن للحماية.
كانت تدريبات الحشاشين تقوم على: السمع والطاعة العمياء، وفنون القتال، وفنون التخفي والتورية.
– سبب تسمية الحشاشين بهذا الاسم : قيل عن هذه القلعة: أن فيها حدائق تشبه حدائق الجنة، وقيل أنهم كانوا يأتون بمن يريد تنفيذ عملية اغتيال، فيعطوه جرعة من الحشيش، ثم يجلسوه تحت أشجار الحديقة، ويجلبوا له الجواري الحسان.
ويقولون له إن هذه الجنة، وأنه سيعود إليها بعد تنفيذ المهمة الموكلة إليه، ومنها أخذوا لقب الحشاشين، نسبة للحشيش المعطى لهذا المضلل.
وفاة حسن الصباح
مكث حسن الصباح باقي حياته في هذه القلعة حتى توفي عام 1124م، وكان يقضي وقته بها في وضع الخطط ومراسلة الدعاة الذين ينشرون الدعوة في جميع الأقطار، لم يترك وريثًا له لعدم وجود أولاد له، لكنه خلف كتابين: أحدهما يتحدث عن حياته الشخصية، والآخر عن الإلهيات
أشهر اغتيالات الحشاشين :
1- الوزير نظام المُلك.
2- ريمون الثاني كونت طرابلس.
3- كونراد دي مونفيراتو (كونراد الأول، ملك القدس).
4- مودود بن التونتكين أمير الموصل.
5- الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله
6- محاولة اغتيال صلاح الدين
– نهاية الحشاشين
استمر إرهاب طائفة الحشاشين حوالي (200) سنة، أي قرنين من الزمان، حتى احتل هولاكو بغداد وقضى على الخلافة العباسية، واحتل قلعة الموت، وأحرقها وقضى على شوكتهم في الشرق، ثم أكمل الظاهر بيبرس مسيرة القضاء عليهم في الشام فاستأصل شوكتهم سنة 1273م.
سامح إسماعيل: أوجه الشبه: السمع و الطاعة… الميلشيات العسكرية… تشويه الخصوم… فرق الموت
يقول الدكتور سامح إسماعيل، الباحث في شئون وملفات جماعات الإسلام السياسي، إن “المقاربة الأساسية بين جماعتي الحشاشين والإخوان المسلمين كان المبدأ الأول فيها هو الولاء والبراء، فإذا قامت الجماعة على هذا المبدأ وبايعت الأمير أو المسئول أو مكتب الإرشاد أو المرشد حسب التوصيفات التي تطلقها أي جماعة على قادتها، فهذه البيعة تعني حمولة نفسية ومعرفية وفقهية من العضو للمرشد أو الأمير”، مضيفًا أن العضو في الحشاشين أو الإخوان يمنح تفويضًا للأمير يحركه كيفما شاء، وليست له أي حقوق، بل عليه السمع والطاعة والانقياد.
وقال إن أوجه الشبه بين الجماعتين واضحة ولا لبس فيها، فالمرشد في الجماعتين يفتح طريق الجنة للأعضاء – حسب معتقداتهم – والمرشد والأمير هو مَنْ بيده مفتاح الآخرة، ولذلك فهذه الجماعات هي الأخطر لأنها تعتمد على شخص واحد يحكم مجموعة من البشر بتفويض إلهي، ويمنحهم الجنة المزعومة والخلاص، ويصبح في نظرهم المنقذ والمخلص، مشيرًا إلى أن المرشد في الجماعتين يحرك المجموعات التابعة له حسب إرادته، وهو ما يمثل أحد أوجه التشابه بينهما.
مبدأ السمع والطاعة
ومن أوجه التشابه والتطابق أن الجماعتين لهما قائد له السمع والطاعة، وتخلطان بين الدين والسياسة بشكل فج ومتعمد، كما تعملان على تقويض أنظمة الحكم.
أيضًا، تربي الجماعتان أتباعهما منذ الصغر تربية خاصة ممنهجة ضد المجتمع، وتستخدمان الاغتيالات وسيلة للتموضع السياسي، كما أن لهما أفرع في الكثير من الدول، وقد دخلتا مباشرةً حلبة توازنات القوة داخل منظومة العلاقات الدولية الإقليمية في زمن كل منهما.
ويضيف الباحث المصري أن الحشاشين والإخوان لديهم مشترك آخر متشابه وهو وجود ما يُعرف بـ”الفدائيين” الذين ينفذون عمليات الاغتيال والعمليات الانتحارية لصالح الأمير أو المرشد والجماعة، ويقتلون هذا وذاك بتوجيه من المرشد مثلما حاول الحشاشون اغتيال القائد صلاح الدين الأيوبي، مضيفًا أن “الحشاشين قتلوا عددًا من القادة في الجيوش الإسلامية، وهو ما حاول الإخوان تنفيذه خلال فترات وجودهم في حكم مصر واستهدفوا قادة عسكريين وأمنيين بعمليات اغتيال، كما اغتالوا النائب العام المستشار هشام بركات وسعوا لهدم الجيوش الوطنية.
المرشد والهيكل التنظيمي
ويقول إن “وجه التشابه الثالث بين الجماعتين هو تشابه تشكيل البنية الهرمية والإدارية لهما، حيث يجلس على قمة الهرم شخص واحد يحكم قاعدة من الموالين له مثل حسن الصباح في الحشاشين وحسن البنا في الإخوان، ويقدم الأتباع في الجماعتين أرواحهم للمرشد مقابل الحصول على الجنة الموعودة”، مضيفًا أن هذه القاعدة يوجد فيها ترابط شبكي، وهي تتحرك وفق أوامر ونواهي محددة، وتؤمن بعقيدة واحدة، وتنفذ المهام الموكلة إليها، مؤكدًا أنه هنا يتحقق الخطر حيث ينظر هؤلاء الأتباع للآخر كعدو يجب الاستنفار والاحتشاد للقضاء عليه وقتله. وكان فدائيو الجماعتين يقاتلون القادة في الجيوش والحكومات ويوجهون سمومهم للحركات الوطنية وليس للمحتلين، كما كانوا أداة وخنجرًا مسمومًا في ظهور أوطانهم ومجتمعاتهم.
ثروت الخرباوي: التطابق في المناهج والسياسيات
يرى ثروت الخرباوي، الكاتب والمفكر المصري، أن هجوم الإخوان على المسلسل هو ما أثار انتباه المتابعين للتطابق المذهل بين الإخوان والحشاشين.
ويوضح أن مؤسس الحشاشين اسمه “حسن”، وأنه أسس “جماعة الدعوة” التي عُرفت باسم الحشاشين في القرن الحادي عشر الميلادي، كجزء من الطائفة النزارية نسبةً إلى نزار بن المستنصر المنتمية للمذهب الإسماعيلي، وأنه في بدايته كان شيعيًا يتبع الاثنى عشرية ثم انتقل للإسماعيلية النزارية.
ولفت إلى أن ما تقدم “يتشابه مع سيرة حسن البنا الذي أسس جماعة الإخوان والتي يطلق هو عليها مصطلح الدعوة والتي انطلقت من مدينة الإسماعيلية”، معتبرًا أنه “قد يكون محض صدفة وقد لا يكون، لكن الأهم هو التطابق في المناهج والسياسيات”.
وبحسب الخرباوي، فإن “حسن البنا وحسن الصباح قاما باستخدام مناهج تربوية تقوم على عزل أتباعهما عن المجتمع وغرس الكراهية والعداء ضد أوطانهم وحكامهم، وعلى اعتماد تربية مبدأ السمع والطاعة العمياء ليتمكن كل منهما بالتحكم في أتباعهما لتنفيذ مخططاتهما الإجرامية”.
ويستكمل الخرباوي: “كما شكَّل حسن الصباح فرق الموت التي نجحت في اغتيال العديد من أعداء الطائفة من سلاطين ووزراء، شكَّل حسن البنا جهازًا خاصًا لاغتيال وتصفية معارضي الجماعة من قيادات المجتمع”.
ويلفت الخرباوي إلى “تطابق موقف الحشاشين والإخوان من القدس رغم اختلاف الظروف، فالحشاشون كانوا يعلنون أنهم ضد الصليبيين، ولكنهم لم يحاولوا أبدًا الدفع بقوتهم في المعارك ضدهم بل بالعكس قاموا بقتل كل مَنْ يحاول مقاومة الصليبيين وتحرير القدس”.
وأشار إلى أن هذا “هو نفس موقف الإخوان الذين يعلنون أنهم يناصرون القضية الفلسطينية وأنهم سيزحفون شهداء بالملايين لتحرير القدس، والحقيقة أنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة تجاه تحرير القدس بل قتلوا كل مًنْ يناهض ويقاوم من أجل القدس والقضية الفلسطينية سواء معنويًا أو جسديًا”.
وبالنسبة للخرباوي، فإن “أخطر أوجه التشابه بين الجماعتين هو قيام حسن الصباح وحسن البنا باختراق صفوف ومؤسسات الدول التي يريدان هدمها، وتجنيد بعضهم منذ طفولتهم، وعلمهم أغلب اللغات المعروفة في تلك الفترة “
وائل لطفي: البنا كان يقلد الصباح ويسير على طريقه
من جانبه يسرد الكاتب الصحفي وائل لطفي الأسباب التي أوجدت أوجه التشابه بين الحشاشين والإخوان المسلمين… مشيرًا إلى أن هذا التشابه ليس صدفة، ولكن سببه المنطقي أن مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا درس تاريخ حسن الصباح وسار على نهجه في تأسيس جماعة الإخوان، ويمكن القول إنه كان يقلده حرفيًا، وسأذكر فيما يلي عددًا من أوجه التشابه. وقد استندت الحلقة الأولى للمسلسل لوقائع تاريخية سليمة مئة في المئة، مثل واقعة اغتيال الإسماعيلية مؤذن مسجد رفض الانضمام لدعوتهم، وقد ذكرها المؤرخ ابن الأثير في تاريخه.
أول أوجه التشابه هو فكرة «التنظيم» نفسه… فهذه الفكرة لم يعرفها الإسلام السني الذي كان التيار الرئيسي، وظل لا يعرفها حتى اقتبسها حسن البنا من الشيعة الإسماعيلية أو الباطنية، وقد لجأ إليها الشيعة هربًا من مقاومة الخلفاء السنة لهم، فابتكروا فكرة التنظيم الذي يتمحور حول «الإمام» الذي افترضوا أنه من سلالة نبوية وشكك أعداؤهم في هذا، أما التنظيم نفسه فأصبح يحمل اسم «الدعوة»، وأعضاؤه المؤسسون يحملون اسم «الدعاة».
ومن أوجه التشابه أيضًا التدرج في درجات التنظيم، فبحسب برنارد لويس كان تنظيم الإسماعيلية ينطوي على درجات للعضوية، أولاها «المستجيبون» ويليهم «الحجج» أو الأعضاء العاملون، أما عضو الدعوة كامل العضوية فيطلق عليه «الرفيق»… وقد استبدل البنا هذه التسميات بـ«المحب» وتطلق على أولى درجات العضوية، و«المؤيد» وتطلق على ثاني الدرجات، و«الأخ» وتطلق على عضو التنظيم بدلًا من الرفيق!
ويكمل لطفي: اقتبس البنا أيضًا من الإسماعيلية عمومًا ومن الحشاشين خصوصًا فكرة التنظيم الخاص الموكل بالقتل، فحسن الصباح لم يكن زعيم الدعوة الإسماعيلية بشكل عام، ولكن زعيم التنظيم الخاص لها، وهو أول مَنْ أدخل فكرة الاغتيالات للعالم الإسلامي، وقبله كان الشيعة من الفرق الأخرى يعتمدون فكرة الثورات المسلحة أو الخروج للقتال بشكل جماعي، وقد اقتبس البنا الفكرة بحذافيرها وأسس النظام الخاص. وهناك تشابه حرفي بين أوامر حسن الصباح بالاغتيال وبين أوامر البنا لرجاله بالاغتيال، حيث يروي ابن الأثير أن أول صدام بين الحشاشين والسلطة كان في عهد الوزير «نظام الملك» وزير السلطان ملكشاه، حيث أمر نظام الملك بالقبض على الإسماعيليين عقب قتلهم مؤذنًا رفض الاستجابة لدعوتهم، فقال حسن الصباح لرجاله: “مَنْ يخلصنا من ملكشاه؟” ولعل هذا هو ما قاله حسن البنا حرفيًا وهو يأمر باغتيال القاضي أحمد الخازندار… حيث روى السندي أنه عقب إصدار الخازندار حكمًا على أعضاء الجماعة، قال حسن البنا لرجاله: «لو ربنا يخلصنا منه؟»، وهو ما فهمه الجميع على أنه أمر باغتيال القاضي الذي تم اغتياله بالفعل، وهو نفس ما تكرر حرفيًا في اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي المعادل السياسي للوزير نظام الملك!
واختتم حدثه بأن هناك المئات من أوجه التشابه بين الحشاشين والإخوان، وأن هذا التشابه ليس صدفة، ولكنه تشابه الصورة مع الأصل، لأن حسن البنا كان يقلد حسن الصباح ويسير على طريقه … ولعل هذا ما يكسب مسلسل «الحشاشين» أهميته، ويجعل مشاهدته ممتعة وثرية.
عندما تجسد الدراما الواقع بطريقة الإسقاط غير المباشر
من جانبها، استشهدت الكاتبة سحر الجعارة بإحدى الجمل الدرامية بالمسلسل التي تقول: “روحي فدا صاحب مفتاح الجنة”، والتي قالها أحد جنود «حسن الصباح» وانتحر من فوق أسوار قلعة آلموت تنفيذًا لطلبه… من هنا بدأ غسيل مخ التكفيريين وتم تقديم كتالوج الإسلام السياسي… فأنت تستطيع دائمًا أن تستدعي من التاريخ ما يعري ويكشف مؤامرات الحاضر.
وأكدت الجعارة أن هذا دور «الدراما» لأنها أقدر الأدوات الإبداعية على استلهام الماضي واستدعاء أبطاله أو سفاحيه… وتجسيد الشخصيات المحورية لتوصيل الأفكار والمعاني بسهولة لجيل قد لا يقرأ ويعلم عن تاريخه إلا العناوين الرئيسية: نحن أمام مسلسل «الحشاشين»… والتشابه بين «حسن البنا وحسن الصباح» مقصود ومستهدف، فهكذا توظَّف الدراما لنشر الوعي.
وأكملت: أطلقت جماعة الإخوان الإرهابية مدفعيتها الثقيلة فور بث أولى حلقات «الحشاشين»، في هجوم شرس جعل «رسالة الحشاشين» مقروءة وواضحة بأكثر مما أراد صنَّاع العمل، وتحولت أحداث المسلسل إلى إسقاط مباشر على الإخوان وتفنيد لآليات ومنهج الفرق الأكثر دموية في التاريخ الإسلامي. وقبل الدخول في أوجه التطابق بين الإخوان والحشاشين.
وأضافت سحر أنه منذ أسَّس «حسن البنا» جماعة الإخوان وأطلق عليها مصطلح «الدعوة» تبنت الاغتيالات كمبدأ أساسي وأصيل في نهجها، وهو الذي اقتبسته من فرقة «الحشاشين» محور المسلسل الذي تقدمه الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في الموسم الرمضاني الدرامي 2024. ويذكر «برنارد لويس» في كتابه «الحشاشون … فرقة ثورية في تاريخ الإسلام» كيف أن قتل عضو فرقة «الحشاشين» لضحيته لم يكن عملًا من أعمال الإيمان فحسب وإنما كانت له أيضًا طقوس ذات طبيعة مقدسة، فمما له دلالة خاصة أن الحشاشين في كل الاغتيالات التي مارسوها، سواء في فارس أو سوريا، كانوا يستخدمون الخنجر دائمًا ولم يلجأوا مطلقًا إلى القتل بالسم أو السهام … وهو ما رأيناه في أغلب أو معظم العمليات الإرهابية التي قامت بها جماعة الإخوان وغير ذلك من التنظيمات التي خرجت من عباءتها، وتعكسه ظاهرة الانتحاريين، سواء في القتل بالسيارات المفخخة أو الأحزمة الناسفة، عندما يفجر الإرهابي نفسه في التجمعات الكثيفة ليوقع أكبر عدد من الضحايا.
المسلسل يلقي الضوء على قضايا معاصرة مثل شرعنة الميلشيات
يثير مسلسل “الحشاشين” وتجسيده لجماعة الحشاشين قضايا واقعية عصرية تضرب بخطر جذورها في أعماق التاريخ، منها الصراع بين الدولة والجماعات المسلحة دون الدولة، حيث تُعد جماعة “الحشاشين” من أوائل الجماعات التي شكلت ثقلًا في موازين القوى الدولية، حيث شاركت في حروب وتحالفات واستخبارات واغتيالات جعلت منها قوة إقليمية ودولية ذات ثقل في الحسابات الإقليمية والدولية لدي جميع الأطراف في حسابات المعادلة السياسية، مثل جماعات الحوثيين وحزب الله وحماس وهيئة تحرير الشام في عصرنا، وهو ما يعكس خطورة رغبة التيار الذي يريد ويتقبل فكرة شرعنة المليشيات باعتبارها جماعات متطرفة، والتعامل معها من قِبل الأطراف الدولية في سياق الضرورات الأمنية والاستخباراتية للدول دون إضفاء شرعية دولية عليها بذريعة أنها أحد الفواعل الدولية، مما سوف يؤدي إلى تحول الدول التي تعاني من هشاشة أمنية إلى إحلال الميلشيات محل الأنظمة المدنية الشرعية في البلاد، كما حدث مع طالبان في أفغانستان، وسيطرة الحوثيين على حكم أجزاء من اليمن، ونفس الأمر في لبنان من قبل حزب الله.
وفي النهاية … فبانتهاء عرض هذا المسلسل سيكون قد فضح بشكل واضح الإخوان وأمثالهم ممن اعتادوا استخدام أسلوب جماعة الحشاشين في تجنيد أتباعهم باسم الدين والحريات الزائفة والأفكار المغلوطة، حتى أن القرآن أوضح هذا وقال إن من صفات المنافق أنه قد يستخدم الدين والإيمان ليصطاد أتباعه، فالأعمال الدرامية المحترمة والمتقنة قد تكون وسيلة جيدة ومناسبة في زماننا الحالي لمقاومة معتنقي هذا النوع من الفكر المتطرف.