مينا رومان
معنى الجزية
قبل الخوض في حديثنا عن الجزية المقدسة يجب أولًا أن نعرف ما هو المعنى السليم للجزية. الجزية هي مقدار من المال يفرضه المستعمر (المحتل) على أهل البلد عند احتلالهم كشكل من أشكال الضرائب التي تُدفع للحماية من استعمار آخر، بمعنى أن أهل البلد يدفعون مبلغًا من المال لحمايتهم من أي هجوم آخر؛ فالمحتل لا يُدين لأهل البلد بالحماية، فيقوم بالحماية مقابل المال.
فرض الرومان الجزية على الشعب اليهودي مقابل الحماية تحت راية الإمبراطورية الرومانية، وكذلك فرض رجال الدين الجزية (نصف شاقل) على الشعب مقابل حمايتهم تحت راية الله.
كان الاحتلال الديني وقتها أشد قسوة من الاحتلال الروماني، حيث إن الاحتلال الروماني استعبد الأجساد أما الاحتلال الديني فاستعبد الأرواح ، فقد وضع رجال الدين على الشعب أحمالًا صعبة الحمل وبدلًا من أن يقربوا الإنسان لله وضعوا بينه وبين الله حواجز وموانع ونواميس خاصة جاعلين من العبادة شكلاً من أشكال العبودية، وجعلوا العلاقة بين الإنسان والله علاقة الجزية المقدسة. ادفع لكي تنال، تعبد لكي تصير، اعمل، اغسل، طهر، اصنع، قدم….. لكي يرضى عنك المولى، فرضى المولى بالجزية المقدسة.
جاء المسيح له كل المجد ليقلب خزائن الصيارفة. “ودخل يسوع إلى هيكل الله وأخرج جميع الَذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفَة” (متى21: 12)، فكان في تطهير الهيكل أمر روحي أعمق من مجرد تطهير للمكان.
صنع يسوع هذا ليعلن أن قيمة الإنسان عند الله لا تُقَدَّر بما يمتلكه من مال أو بما يدفعه من جزية أو بما يقوم به من أعمال. جاء المسيح ليعلن فساد النظام الديني ورجال الدين وتجارتهم واستغلالهم للشعب، وعندما جاءوا ليطلبوا منه الجزية للهيكل رفض وقال لسمعان: “ماذا تظن يا سمعان؟ ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية، أمن بينهم أم من الأجانب؟ قال له بطرس: من الأجانب. قال له يسوع: فإذًا البنون أحرار” (متى17: 26). إذًا البنون أحرار ونحن بنون ولسنا أجانب. رفض المسيح له كل المجد دفع الجزية معلنًا أن علاقتنا بالله هي علاقة ابن بأبيه وليس محتلاً يفرض جزية علي عبد أو أسير. وعندما سأله تلاميذه كيف نصلي فتح فاه وقال: “فصلوا أنتم هكذا: أَبانا الذي في السماوات” (متى6: 9).
لقد وضح معنى العبادة الحقيقية، وقلب تعليم تجار الدين رأس على عقب، محررًا الإنسان من العبودية إلى البنوية، وهذا ما جاء من أجله؛ جاء ليصلح العلاقة بيننا وبين الله الآب ويضع الإنسان الذي يحبه الله في مكانه الصحيح.
الجزية في أيامنا هذه
في آخر الأيام، جاء إلينا تجار الدين وكأن الكتبة والفريسيون قاموا من الأموات لتضليل الكنيسة وليعلِّموا الشعب عن فرائض وأحكام ويُسقِطوا كنيستنا في نفس الفخ، معلمين أن الإنسان خاطي وعليه أن يجتهد ليقترب إلى الله. ولكي يكون محبوبًا عند الله، عليه أن يبذل، ويدفع، ويُحضِر. ولا نعلم من أين جاءوا بهذه التعاليم التي تضرب بتعاليم الكتاب في عرض الحائط، فالكتاب المقدس يعلِّمنا أن الله يحب الإنسان ويحب كل البشر بنفس القدر، وهو يكره الخطية، ولكنه يحب الخاطي. وبدلًا من أن تكون الكنيسة مكانًا لجذب الخطاة أصبحت مكانًا لنفورهم من الله، وتعليم الإنسان أنه نجس وعليه دفع الجزية. لقد تغيرت أشكال الجزية ولكن المضمون واحد من جباية إلى عشور ومن تقديم إلى حضور. ولم نكتفِ بهذا فقط بل زدنا الطين بلة وفرضنا الاعتراف والتناول وغيره ليصير الإنسان مقبولًا، حتى أصبح الإنسان حائرًا بين ما يعيشه وما يُطلب منه ليكون مقبولًا. وعليه أن يجلد نفسه كل يوم ويسترجع يومه ويسأل: هل دفع الجزية اليوم بشكل كافٍ؟ هل قدم للصيارفة ما فرضه الله وما كُتب عليه لتكون له صورة التقوى ويقال عنه في جنازته إنه أوفى الجزية لله وكان يحضر ويدفع ويعترف ويأكل، والآن يا رب افتح له افتح له.
أقول قولًا نهائيًا: كما خذل رجال الدين الله قديمًا هكذا خذلته الكنيسة حديثًا، وعلى الكنيسة أن تعيد صياغة إيمانها وتتوقف عن جمع الجزية المقدسة.