يُعتبر اضطراب التقلب المزاجي من الاضطرابات الشخصية المعروفة والمنتشرة بين أغلب الناس، ويعاني منه كل من الرجال والنساء بدرجة متساوية. وهو اضطراب حدي بمعنى أنه يقع على حدود الاضطرابات العصابية والاضطرابات الذهانية، وهو ما يُعرف بـ Borderline Personality Disorder (B.P.D)، وهو يختلف عن الاضطراب الوجداني المعروف بـ Bipolar، أي التأرجح بين نوبة النشاط المفرط والنشاط المنخفض أي الهوس والاكتئاب، وهو يُصنَّف ضمن الاضطرابات الذهانية، وقد ذكرنا في مقال سابق تفاصيل هذا الاضطراب.
واضطراب التقلب المزاجي يتميز بظهور صفات مخالفة على الأشخاص خلاف المعتادة منهم، أي ظهور سلوكيات منافية لسلوكياتهم المعتادة. فنجد مثلًا شخصًا يتصف بالهدوء يتحول فجأة إلى شخص شديد الانفعال والعصبية الزائدة، أو آخر يتصف بدماثة الخلق واللطف في المعاملة نجده يتحول فجأة إلى شخص آخر عدواني وعنيف. كما نجد أن الشخصية التي تتصف بالتقلب المزاجي تتناقض في مشاعرها، فتتأرجح في علاقاتها بين المحبة الزائدة والكره المفرط، وقد يرجع ذلك إلى اضطراب في رؤيتها لذاتها، فمرة تشك في قيمتها الذاتية ومرة أخرى ترى نفسها قوية وواثقة بذاتها.
كذلك تتميز هذه الشخصية بالحساسية المفرطة تجاه المواقف والأشخاص، لذلك فقد نجد صعوبة في إرضائهم، فهم يستنفذون طاقة الأشخاص الذين يتعاملون معهم، حيث إن ردود أفعالهم تكون في أحيان كثيرة غير متوقعة.
والخلاصة، فإن الأشخاص الذين يتصفون بالتقلب المزاجي لديهم اضطراب في الهوية، فهم يتأرجحون في مبادئهم وفي اتخاذ قراراتهم وفي علاقاتهم ومشاعرهم مع الآخرين، وقد ينتهي الأمر بهم إلى الوقوع في اضطرابات إدمانية متعددة.
أسباب اضطراب التقلب المزاجي:
يرجع اضطراب التقلب المزاجي إلى اضطراب المشاعر والوجدان ومصدره هو الأفكار المغلوطة أو المعارف المشوهة.
– وأغلب هذه الأفكار تنطوي على أفكار سلبية يستدعيها الشخص من العقل الباطن إلى الوعي حيث يبدأ في تذكُّر مواقف صعبة مؤلمة تسيطر على تفكيره وتؤثر على رؤيته المستقبلية، مما يؤدي إلى اضطراب في حالته المزاجية.
– أو يستدعي فكرة مرتبطة باستثارة مشاعر الذنب لديه فيقوم بإدانة نفسه ولومها على ما ارتكبه من أخطاء في الماضي، ثم يبدأ يوجه ضميره نحو لوم وإدانة كل فعل يرتكبه، وهكذا تسيطر عليه مشاعر الذنب الذي تقوده إلى الاضطراب المزاجي.
– كما نجد أن المبالغة في وضع المعايير أو بمعنى آخر وضع سقف عالي للتوقعات قد يقود الإحساس بالفشل والإحباط، مثل الأشخاص الذين ينتظرون توقعات عالية لمشاعر الآخرين إلا أنهم سرعان ما يصابون بخيبة الأمل، والتي تؤدي بهم إلى ردود أفعال مرتبطة بالاضطراب المزاجي.
بعض مسببات التقلب المزاجي:
– قد تؤدي بعض المواقف المؤلمة إلى دخول بعض الأشخاص في حالة من حالات الاضطراب المزاجي، وهي حالة مؤقتة تصيب الشخص حينما يتعرض لمعاملة تنطوي على عدم التقدير والاحترام أو النقد المستمر من شريك حياته أو رئيسه في العمل أو من أي شخص قريب منه، وذلك مثل الزوج الذي يعتاد على نقد زوجته أمام الغرباء أو ذكر عيوبها أو الانتقاص من قدرها وقيمتها بشكل دائم، فهو في الواقع يدفع الطرف الآخر إلى حالة من حالات التقلب المزاجي. وإذا استمرت هذه الحالة لمدة طويلة قد تتحول إلى سمة من سمات الشخصية، وفي النهاية قد تؤدي بها إلى الوقوع في اضطراب التقلب المزاجي.
وجدير بالذكر أن هناك بعض الأشخاص المعرضين للتقلب المزاجي، وذلك مثل الأشخاص الذين لديهم القدرة على كبت مشاعرهم السلبية، حيث إن الكبت من الحيل الدفاعية الهامة التي يلجأ إليها الأشخاص للتخفيف من حدة الضغوط النفسية التي يعانون منها. إن هذا الكبت يزاح في منطقة اللاشعور إلا أن الشخص يلجأ في مرحلة من مراحل حياته إلى تفريغ هذه الشحنات الانفعالية المكبوتة، وذلك بالانفعال الزائد والذي قد يؤدي إلى إصابته باضطراب التقلب المزاجي.
– كما أن الأشخاص الذين يتعرضون للصدمات العاطفية هم أكثر عرضةً للوقوع في هذا الاضطراب، ومثال ذلك الشخص المحب الذي يتعرض للخيانة من طرف محبوبته أو الذي يتخلى عنه أحباؤه في ظروفه الصعبة.
طرق التعامل مع المضطربين مزاجيًا:
إن من الصعوبة بمكان أن تتعامل مع مثل هذه النوعية من الأشخاص، فهم في الغالب يستنفذون طاقتنا كما سبق القول، إذ أنهم في حاجة إلى التعامل معهم بحكمة خاصة، فالأسلوب الذي نتعامل به معهم يختلف باختلاف المواقف والشخصيات، فالتعامل مع البعض منهم يستلزم العمل على إرضائهم وذلك لتفريغ طاقتهم وشحنات الغضب التي يعانوا منها، بينما التعامل مع البعض الآخر يستلزم تجاهل متطلباتهم وعدم مناقشتهم وهكذا، فالتعامل معهم يتوقف على مدى البصيرة الثاقبة للأطراف المحيطة بهم.
– حاول بقدر المستطاع عدم استفزازهم أو انتقادهم أو توجيه اللوم والإدانة لهم وخاصةً أمام الآخرين، حيث إن مثل هذه المواقف ستؤدي إلى مزيد من الاضطراب المزاجي لديهم.
خطوات نحو تجنب اضطراب المزاج:
– يجب على الشخص الذي يعاني من اضطراب في المزاج التركيز على الجوانب الإيجابية في حياته والتغاضي عن كل ما هو سلبي.
– لا تحاول استدعاء الأفكار السلبية، بل حاول أن تحولها إلى أفكار إيجابية، وثق أن الإله الذي أوجدك في مثل هذه الظروف هو قادر على أن يحول كل شيء لخيرك ولمصلحتك، حتى ولو لم ترَ تغييرًا واقعيًا في ظروفك، لأن لنا إلهًا عظيمًا يستطيع أن يغير الأوقات والأزمنة ويعيد ترتيب حياتك للأفضل.
– حاول أن تستمتع بقوة اللحظة الراهنة (هنا والآن). إن كل لحظة من لحظات حياتك هي منحة من الله، فانظر إليها على أنها نعمة من نعمه المتعددة.
– حاول ألا تشتت أفكارك، فهذا يؤدي إلى تشتيت مشاعرك وأحاسيسك، بل ركز في الأهداف التي وُجدت من أجلها واسعَ لتحقيقها، ولتكن أهدافًا تمجد الإله التي أوجدك في هذه الحياة.
– انظر إلى سلوكك المتقلب المزاج وراجع نفسك فيما كسبت من وراء الاندفاع، ولن تجد إلا خسارة لنفسك ولمن حولك سواء من الأشخاص أو المواقف.
– كن على يقين أن لك إلهًا يستطيع أن يدير شئون حياتك، فهو الوحيد الذي يمتلك الكتالوج الخاص بك والذي يدبر لك أمورك، وضع رجاءك في شخص المسيح الذي لا يعتريه تغيير أو ظل دوران، إذ أن محبته ثابتة لا تتغير، وبالتالي ستحول عينيك عن النظر من الأشخاص المتغيرين إلى الإله الكامل الثابت.