أشرف ونيس
لم يكن كرمًا بل كان نبعًا جافًا ينبع كل جدوبة وقحط وقحولة؛ لم يكن يكتسي باخضرار أوراقه في عنفوان ربيعها بل كان يتشح بالذبول والانهيار والسقوط. أين ذهب انتصاب قامات أشجارها في شموخها؟ لم ولن يوجد للسؤال مردود أو صدى بل ظلت الإجابة يعتريها التيه وبعض من الفناء!!!!
وما الكرم إلا أرض بلا ثمر، وما أشجاره سوى أعمدتها أو بالأحرى رجالها الذين انتُزعت منهم سمة الكيان –رجولتهم– فصاروا أشباحًا أو بقايا بشر يهرعون إلى الدناءة حتى تأخذهم صاعقة المفاجأة المباغتة ليجدوا أن الدناءة ترفعَّت عن أن تقبع أسيرة الحياة مع أمثال هؤلاء وأولئك!!!
كلت الأنظار عن رؤية العدل متمشيًا متبخترًا هنا أو هناك، كما تضاعف ضعف الأبصار والإبصار عن المراقبة والتطلع والمشاهدة لنخوة البشر التي لطالما بحثنا عنها في كل حدب وصوب لعلنا نرمق حتى بعضًا من بقاياها، لكن هيهات لنا من رؤية ذلك، بل ظل الظلم متجبرًا شامخًا إلى أعلى السماء أو قُل ممتدًا إلى أعماق الجحيم، فاستفحل وتوغل الشر منتشبًا بداخل القلوب حتى انكسرت وتكسرت الأعناق تحت وطأة الإثم والذنوب غير المحدودة وغير المحصورة!!!
لقد تحول الشرف إلى ذل وانحطاط ، كما أمسى الشرفاء والنبلاء في دروب الخسة والسقوط والخلاعة سائرين، فلقد صارت الشيبة في أنظارهم بلا مهابة، والعجائز عندهم عاجزين، فبات الاستغلال والاستقواء على الضعفاء بلا رادع أو حاجز، بل استحكمت الخسة وحلقاتها فتحولت المفاهيم منقلبة متقلبة رأسًا على عقب، وهكذا صارت الحياة كما الممات أو قُل إنها تخطت الممات وما بعده، وإن كان في الموت صمت وسكون لكن ها هي الحياة وقد تحولت إلى عويل وصراخ ونحيب!!!
يهيم الخيال بنا، مستجلبًا من أرض التخيل عقارًا لعلاج البشر، غارزًا ومستحييًا فيهم أخلاقهم بعد أن فارقتهم ذاهبة بلا عودة إلى عالمها الآخر ومثواها الأخير، ولكن هل سيجانبنا الصواب ويصيبنا الفَلَاح أم سيبقى البشر بلا بشرية تتطلع إليهم الوحوش مندهشة لما قد وصل وآل إليه حالهم؟؟؟!!!