جلوريا حنا
كنتُ أقرأ منذ فترة قصة شمشون، منذ ولادته وحتى موته، ذلك القاضي المعروف عنه أنه استسلم لشهواته مما أدى به لفقدان بصره ثم حياته في النهاية. لكن مَنْ يقرأ بداياته بتركيز وبدون ذلك الفكر الذي نسمعه كثيرًا عنه سيرى كيف خدم شمشون شعب الله كثيرًا. إن حرب شمشون كانت تختلف قليلًا عن حروب باقي القضاة، وهي بالنسبة لي الأسوأ؛ فكل القضاة كانت حروبهم حربًا واحدة كبيرة تنتهي بهزيمة العدو مرة واحدة.
ومن جانب آخر، نرى أن حرب شمشون كانت حروبًا صغيرة متتابعة ومفاجئة، وهذه الحروب تكون مدمرة نفسيًا، فالحرب الكبيرة تحدث مرة واحدة ونهايتها الفوز أو الهزيمة، وغالبًا يكون موعدها معروفًا، لكن الحروب الصغيرة المتقطعة تجعل العدو يعيش في خوف دائم؛ متى تأتي الضربة التالية وبأي قوة وأين؟ وهذه كانت حالة شمشون. لقد خدم شعب الله كثيرًا في حروبه تلك، وفي النهاية قتل نفسه بجانب ما يوازي ثلاثة آلاف نفس من الفلسطينيين، ونستطيع أن نجد اسمه بين أبطال الإيمان الذين ذكرهم كاتب الرسالة إلى العبرانيين: «وماذا أقول أيضًا؟ لأنه يعوزني الوقت إن أخبرتُ عن جدعون، وباراق، وشمشون، ويفتاح، وداود، وصموئيل، والأنبياء» (عب 11: 32).
لستُ أتحدث عن شمشون، بل الحقيقة أنا أتحدث عن كيف يتم تذكيرنا به في أغلب العظات في الكنائس: كيف أنه أهان نفسه بالخطية وخضع لشهواته وأنهى حياته بالانتحار، ويتم تجاهل ما فعله من إيجابيات، وحقيقة أن لكل منا له سقطات. نحن دائمًا نفعل هذا مع بعضنا؛ ننسى الإيجابي الذي يفعله الآخرون معنا أمام ربما خطأ واحد، وكأننا لا نخطئ أبدًا، وكأننا نسينا كل شيء جيد فعله معنا.
عزيزي.. نحن بارعون في إدانة بعضنا البعض، وننسى كل شيء جيد عندما نرى السيئ، ونتعامل مع الآخر كما لو كنا لا نخطئ أبدًا. نعم، جميل أن نعاتب، لكن بحب ولشرح مشاعرنا غير متجاهلين نقاط القوة في الآخر؛ وجميل أن نتعلم من أخطاء الآخرين، لكن الأجمل أن نتعلم من نقاط قوتهم أيضًا. عندما تقابل السيد المسيح مع السامرية مدحها لصدقها، رغم كل ما بها من عيوب وأخطاء، إلا أنه ركز كثيرًا على نقطة القوة لديها ولم يدنها. لقد فعل عكس ما نفعله تمامًا، فبينما نحن ننسى كل ما هو جيد ونتذكر السيئ، هو ينسى كل ما هو سيئ عند عودتنا إليه، ويذكِّرنا بالنور الذي بنا مهما كان ضئيلًا، ونحن على مثاله علينا أن نفعل، فكما يغفر لنا، يجب أن نغفر نحن أيضًا.