19.4 C
Cairo
السبت, أبريل 27, 2024
الرئيسيةفكر مسيحيإستراتيجية العمل الجماعي

إستراتيجية العمل الجماعي

ق. رأفت رؤوف الجاولي

يُعد (نحميا 3) من أروع الإصحاحات التي يمكن أن تكون أسلوبًا ومدرسة للخدام فيما يتعلق بكيف يكونون معًا فريقًا مشتركًا في عمل الرب. كثير من الدارسين لهذا الإصحاح يغرقون في تفاصيل كثيرة منها اسم كل باب من أبواب أورشليم ومعناه، لكن الله في كلمته يعطي ما هو أبعد من ذلك من أسلوب العمل معًا كفريق. لقد كانت مهمة نحميا في بناء الأسوار ثقيلة ولذا لم يكن من الممكن لأي  إستراتيجية أن تنجح، لكن الله أعطاه الحكمة والفكر الصائب فاستطاع القيام بهذا العمل الشاق. ويمكننا تأمل ذلك من خلال النقاط التالية:

أولًا: روح الفريق:

لا يجب أن يوجد في عمل الله متفرجون. إن روح الفريق إنما تتلخص في الشعور بالانتماء للمجموعة والذي يساعد على تحقيق الأهداف مما يساهم في إنجاز الأعمال بصورة سريعة وبأقل وقت وجهد. روح الفريق من أنجح طرق العمل وتجاوز العثرات والزلل، كما أنها باعثة على الأمل. روح الفريق في العمل هي بكل بساطة القوة الأساسية اللازمة لكل إنجاز، فبعد توزيع الأدوار يساعد العمل بروح الفريق في خلق بيئة عمل إيجابية مثمرة وفعالة.

ويلاحَظ في القائمين بالعمل الآتي:

1. بدأ العمل برئيس الكهنة والكهنة، واشترك اللاويون في العمل (17).

2. جاء كثيرون من مدن خارج أورشليم للعمل.

3. اشترك أيضًا القادة السياسيون في العمل (9، 14-17)، اثنان عن كل  دائرة من دوائر اليهودية الخمس.

4. استخدم نحميا أناس في غير تخصصهم، كأصحاب الصاغة (8) والتجار (32) والعطارين (8).

5. اشترك البنات والأطفال في العمل (12) وأيضًا اشترك الموسيقيون والمرتلون في العمل (17)

ولم يُذكر عزرا كقائد عمل، فهو غالبًا كان يعمل مع ألياشيب رئيس الكهنة [1].

ليس من السهل أن يبدأ العمل رئيس الكهنة الذي كان في مقام حاكم المدينة، خاصةً وأن زعيم المقاومة للعمل هو سنبلط، وقد كان حفيد ألياشيب قد تزوج ابنته (نح 13: 28)، فـ “أعداء الإنسان أهل بيته” (مت 10: 36).

هل هو لائق أن يوجد في عمل الله متفرجون؟

لم يقف رئيس الكهنة والكهنة حول العمل يصدرون الأوامر، بل كانوا عاملين بأيديهم مع الشعب. تم اختيار رئيس الكهنة والكهنة ليقودوا موكب العمل، والتزامهم ببناء باب الضأن لم يكن بالأمر العفوي، لكنه كان بحكمة روحية بالإضافة لعملهم الكهنوتي المعتاد، فكان كل الكهنة في ذلك الوقت ملزمين حسب شريعة الله أن يقدموا ذبيحة أولًا عن خطاياهم وبعد ذلك عن خطايا الشعب

ثانيًا. الشراكة في عمل الله:

“وَبِجَانِبِهِ بَنَى رِجَالُ أَرِيحَا، وَبِجَانِبِهِمْ بَنَى زَكُّورُ بْنُ إِمْرِي.”

العجيب أنه تلا رئيس الكهنة مباشرةً “رجال أريحا”. نلاحظ أن كثيرين ليسوا من سكان أورشليم ساهموا في هذا العمل، لا لمنفعة شخصية، وإنما للصالح العام. ومن أمثلة هؤلاء: رجال أريحا [2]، وأهل تقوع [5]، وأهل جبعون والمصفاة [7]، وسكان زانوح [13].

يليق بالمؤمن أن يعمل لحساب الجماعة وليس لنفعه الخاص. “المحبة لا تطلب ما لنفسها” (1 كو 13: 5).

موسى النبي لم يطلب ما لنفسه، بل يبدو أنه أضاعها.

كان أميرًا وقائدًا (ابن ابنه فرعون)، وكانت أمامه كل خزائن فرعون، ومع ذلك فضَّل أن يُذل مع شعب الله، عن أن يكون له تمتع وقتي بالخطية (عب 11). كيف يترك شعبه مرهقًا بالعبودية ويتنعم بالقصر؟

والمثال الآخر هو إبراهيم أبو الآباء.

قال له الرب: “اترك أهلك وعشيرتك وبيت أبيك، واذهب إلى الجبل الذي أريك”، فلم يطلب لنفسه أهلًا ولا وطنًا، إنما طلب طاعة الرب وحده. ثم قال له الرب: “خذ ابنك وحيدك، الذي تحبه، إسحق، وقدمه لي محرقة على الجبل الذي أريك إياه”، ومرة أخرى لم يطلب إبراهيم ما لنفسه.

“فإننا نحن عاملان مع الله، وأنتم فلاحة الله، بناء الله” (1 كو 3: 9).

يترجم البعض هذه العبارة “العاملان معًا في عمل الله”.

كل ما نفعله ليس من أنفسنا، فكل نجاح نتمتع به هو من قِبله ولمجده.

إن الكرَّام يغرس ويروي: “أنا غرستُ وأبولس سقى”، لكن “لا أنا بل الله الذي معي” (1 كو 15: 10).

إن كنتم فلاحة فيلزمكم ألا تنقسموا، بل تُحاطوا بسورٍ واحدٍ، أعني عدم العداوة.

*    يعتز الرسول بولس بعمله، فيشعر أنه مرسل من الله، يعمل بروحه القدوس، ويعمل معه (2 كو 1: 6).

*    “فإننا نحن عاملان مع الله، وأنتم فلاحة الله، بناء الله” (1 كو 3: 9).

قال الرسول: “أنا غرستُ”، فإن كانوا هم فلاحة الله، فما يجوز انتسابهم للغارس بل لله، فالحقل لا يُنسب لمن يزرع فيه بل لمالكه؛ “أنتم بناء الله.” والبناء أيضًا لا يُنسب لمن يعمل فيه بل لصاحبه. يقول الرب يسوع: “أنا الكرمة وأنتم الأغصان… وأبي الكّرام” (يو 15: 1، 5). وماذا يفعل الكّرام؟! يقوم بفلاحة حقله. فالله الآب كرَّام له حقل يقوم بفلاحته وينتظر منه ثمرًا.

ثالثًا. المتفرجون:

“[4] وَبِجَانِبِهِمْ رَمَّمَ مَرِيمُوثُ بْنُ أُورِيَّا بْنِ هَقُّوصَ. وَبِجَانِبِهِمْ رَمَّمَ مَشُلاَّمُ بْنُ بَرَخْيَا بْنِ مَشِيزَبْئِيلَ. وَبِجَانِبِهِمْ رَمَّمَ صَادُوقُ بْنُ بَعْنَا. [5] وَبِجَانِبِهِمْ رَمَّمَ التَّقُوعِيُّونَ، وَأَمَّا عُظَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يُدْخِلُوا أَعْنَاقَهُمْ فِي عَمَلِ سَيِّدِهِمْ.”

تقوع: كانت مدينة صغيرة تبعد حوالي خمسة أميال جنوب بيت لحم، اشتهرت بكونها موطن النبي عاموس (عا 1:1). لم يُذكر عنهم في القائمة الخاصة بالراجعين مع زربابل (عز 21:2-35).

رافضو العمل هم عظماء تقوع (5)، بينما الشعب وهو لا ينتفع شيئًا قام بالعمل (5)، ولما انتهوا تحركوا لمساعدة الآخرين (27).

واضح من هذه العبارة أنه لم يكن كل سكان يهوذا بالإجماع موافقين على مشروع إعادة البناء. رفض البعض للمشروع، ومع أنه كانت لهم مراكزهم الاجتماعية المرموقة (عظماء) لم يثبط هذا من همة نحميا ولا من روح العمل الجاد لدى القادة والشعب. كان التهاب قلب نحميا حافزًا قويًا للكثيرين تحت كل الظروف.

“العظماء” يُقصد بهم طبقة الارستقراطيين الذين احتقروا العمل اليدوي، ولم يُدخِلوا أكتافهم في هذا العمل المقدس.

” كرسي والي عبر النهر”، يُقصد به بيت الوالي والمكان الذي يمارَس فيه القضاء. قبل مجيء نحميا، كانت أورشليم تُحكم بواسطة مندوب من ملك فارس (نح 15)، لكن بعد مجيئه صارت تُحكم بواسطة حكام وقضاة يُختارون من بين اليهود أنفسهم.

“[8] وَبِجَانِبِهِمَا رَمَّمَ عُزِّيئِيلُ بْنُ حَرْهَايَا مِنَ الصَّيَّاغِينَ. وَبِجَانِبِهِ رَمَّمَ حَنَنْيَا مِنَ الْعَطَّارِينَ. وَتَرَكُوا أُورُشَلِيمَ إِلَى السُّورِ الْعَرِيضِ.”

بعد أن استعرض القسم الشمالي الآن يبدأ بالقسم الغربي (8-13).

كان اليهود منذ القديم يهتمون بوجود صياغ وأيضًا عطارين (صيادلة) وتجار. وكان لكل فئة منهم نوع من الرابطة معًا في أيام نحميا. كان على العطارين بجانب اهتمامهم بإعداد الأدوية (من النباتات والعطارة) والعطور والأطياب والتوابل إعداد ما يحتاجه الهيكل من هذه المواد مع البخور الذي يقدَّم في العبادة المستمرة.

وجود مجموعة متنوعة تعمل عمل الله  وتتفانى في ذلك بروح الفريق  أمر جميل للغاية، كما أن وجود شركاء عديدين في عمل الله يثري ويثمر، لكن هناك التحدي المستمر عبر الأجيال والعصور ألا وهو وجود مجموعة أو مجموعات من المتكاسلين الذين يحاولون إعاقة عمل الله.

كذلك هناك دائمًا الأمناء الذين يسعدون بتقديم أي نوع من التضحيات لأنهم يدركون قيمة العمل لمجد سيدهم. هذه الجماعة المتنوعة وهذا الجهد المبذول إنما يقودان إلى سيمفونية بذل وعطاء لمجد المسيح . آمين.

المقاله السابقة
المقالة القادمة
مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا