أزمة تعليمية بين الدول والأزهر.. التعليم إستراتيجية دولة أم أشخاص ومؤسسات؟
مشروع المجلس الأعلى للتعليم … البرلمان يقره والأزهر يرفضه
تحقيق: إيهاب قزمان
دخل مجلس النواب في مواجهة مع الأزهر بعد أن وافق مبدئيا على مجمل مواد مشروع قانون إنشاء المجلس الأعلى للتعليم، رغم رفض ممثل الأزهر وإصراره على عرض القانون أولًا على المؤسسة الدينية مراعاة لخصوصية التعليم الأزهري، وهو ما رفضه البرلمان وممثل الحكومة وأصرا على المناقشة.
وواجه وزير المجالس النيابة والشؤون السياسية محمود فوزي ممثل الأزهر في البرلمان، أحمد الشرقاوي، بعد أن رفض الأخير مشروع القانون بحجة أنه لا يتسق مع سياسة الأزهر أو نظامه التعليمي الذي يتمتع بخصوصية، باعتباره يُدرِّس العلوم الشرعية ويُفترض أن يتم التعامل معه على هذا الأساس.
ودافع ممثل الأزهر عن موقفه بأن مشروع قانون المجلس الأعلى للتعليم، الذي سبق عرضه على الحوار الوطني والموافقة على نصوصه، تغيَّر بعد مناقشته في مجلس النواب بما لا يتفق مع ما أجمعت عليه القوى السياسية، ولذلك قرر الأزهر رفض مواده الحالية.
وقال وزير المجالس النيابية إن مشروع قانون المجلس الأعلى للتعليم فكرة رئاسية، والمقترح حكومي، وقد تم التنسيق بين البرلمان والحكومة عقب تمريره على الحوار الوطني.
ويضم المجلس تسعة وزراء، من بينهم وزيرا الدفاع والداخلية، في رسالة حاسمة وصارمة من النظام تفيد بأنه ماضٍ في طريقه، ولن يعبأ بالتحفظات التي تثار ضده من أي جهة، ولو كان الأزهر نفسه، لأن التعليم يمثل للنظام قضية أمن قومي وجزءًا أصيلًا من متطلبات الاستقرار، وفي هذا الشأن لن يُسمح لأي مؤسسة بالتغريد خارج السرب.
تشكيل المجلس الأعلى للتعليم وأهدافه
وافقت لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب برئاسة الدكتور سامي هاشم، من حيث المبدأ على مشروع قانون مقدم من الحكومة بإنشاء المجلس الوطني للتعليم والبحث والابتكار، وأيضًا مشروع قانون مقدم من النائبة دعاء عريبي و(60) نائبًا (أكثر من عُشر عدد أعضاء المجلس) بشأن إنشاء المجلس الأعلى للتعليم.
جاء ذلك خلال اجتماع اللجنة المنعقد بحضور ممثلي وزارات التربية والتعليم، والتعليم العالي، والمالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية، والثقافة، والقوى العاملة، والاستثمار، والداخلية، والمجلس الأعلى للجامعات، والأكاديمية الوطنية للتدريب، والمعاهد الأزهرية ممثلًا عن الأزهر الشريف.
بموجب مشروع القانون، يتبع المجلس رئيس الجمهورية، ويشكل برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية الوزراء المعنيين، ورؤساء الجهات والهيئات ذات الصلة، كما يضم المجلس عددًا من الخبراء المتخصصين، ورجال الأعمال، ويصدر باختيارهم قرار من رئيس الجمهورية، بناءً على ترشيح رئيس مجلس الوزراء لمدة عامين قابلة للتجديد لمدة أخرى مماثلة، ويعرض المجلس تقريرًا بنتائج أعماله وتوصياته كل ستة أشهر على رئيس الجمهورية.
ويختص المجلس في سبيل تحقيق أهدافه، بوضع الإستراتيجية الوطنية والخطط والبرامج لتطوير التعليم والبحث والابتكار وآليات متابعة تنفيذها بالتنسيق مع الوزارات والجهات والأجهزة المعنية، ومراجعة وتحديث الأولويات الوطنية في مجال التعليم والبحث والابتكار في القطاعات المختلفة، وإعداد التوصيات المتعلقة بالأطر الفنية والإدارية والقانونية والاقتصادية اللازمة لتطوير منظومة العمل ولتحقيق مستهدفات الدولة، واقتراح سبل التطوير والارتقاء بها مع مراعاة تكامل مخرجاتها مع متطلبات سوق العمل المحلي والدولي، وكذا وضع مخطط قومي لتطوير البنية التحتية للمدارس بكافة أنواعها ومراحلها بما يتوافق مع توزيع الجامعات والمعاهد التكنولوجية والمناطق الصناعية والمشاريع القومية، ومتابعة تنفيذ هذا المخطط مع الوزارات والجهات المعنية، إلى جانب وضع مخطط تنفيذي لسياسات التدريب في كافة المراحل التعليمية وما بعدها، والتوعية بأهمية التعليم الفني والتدريب والتخصصات المستحدثة في هذا المجال، ودوره في دعم الاقتصاد القومي، وكذا وضع مخطط تسويقي لمخرجات التعليم والبحث والابتكار محليًا ودوليًا. يرأسه رئيس مجلس الوزراء وعضوية كل من:
الوزير المختص بشئون التخطيط والتنمية الاقتصادية.
وزير التعليم العالي والبحث العلمي.
وزير التربية والتعليم والتعليم الفني.
رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد.
رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية لضمان الجودة والاعتماد في التعليم الفني والتقني والتدريب المهني (إتقان).
المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب.
ثمانية من الخبراء المتخصصين في مجال عمل المجلس، وأربعة من ممثلي القطاع الخاص، يصدر باختيارهم قرار من رئيس الجمهورية بناءً على ترشيح رئيس مجلس الوزراء لمدة عامين قابلة للتجديد لمدة أخرى مماثلة.
كان المجلس قد وافق خلال المناقشات على ضم وزير الصحة والسكان للتشكيل، كما وافق على حذف عبارة رجال الأعمال واستبدالها بممثلي القطاع الخاص.
لماذا يرفض الأزهر القانون؟
مشكلة الأزهر تكمن في تعامله مع نظامه التعليمي بحساسية، فهو يعتبر وصاية الحكومة محاولة للقضاء على المعاهد الدينية.
ودعمت الأغلبية في البرلمان موقف الحكومة بمنع وقوف الأزهر حجر عثرة في طريق إقرار قانون يُكرِّس العصرنة والتحضر الثقافي بين الأجيال الصاعدة، في ظل تضارب الأهداف والخطط بين التعليم العام والأزهري، ما تسبب في أزمة فكرية بالمجتمع، وهي إشكالية تتطلب وضع حد للفوضى الحاصلة في ملف التعليم.
أما عن الحكومة، فهي متمسكة بتوحيد أهداف ومخرجات التعليم عمومًا، سواء أكان أزهريًا أو عامًا، وسيتم تمرير القانون داخل مجلس النواب بصورته الحالية، طالما أن الهدف وطني، ولم يعد هناك وقت لاستمرار التعليم الديني بصورته الحالية.
وتعتقد دوائر سياسية أن مشكلة الأزهر تكمن في تعامله مع نظامه التعليمي بحساسية، فهو يعتبر وصاية الحكومة محاولة للقضاء على المعاهد الدينية دون أن يُدرك حقيقة الأزمة، والمتمثلة في أن ما يقدم داخل معاهده يخدم التيارات الإسلامية أكثر مِن خدْمته للمجتمع.
وما يبرهن على ذلك أن ممثل الأزهر رفض التوسع في عضوية وزراء الحكومة بالمجلس الوطني للتعليم على حساب علمائه والمتخصصين، وقال: “ماذا يفيد الوزراء في وضع السياسات التعليمية. المفترض أن توضع السياسات من العلماء، وتنفذها الحكومة، وليس العكس؟”
الأزهر يطالب بنص خاص بالتعليم الأزهري ويرفض أن يتساوى مع باقي مؤسسات الدولة التعليمية
يتمسك ممثلي الأزهر بأن يكون للتعليم الديني نص خاص في قانون إنشاء المجلس الأعلى للتعليم، يراعي خصوصية المعاهد والكليات والجامعات الأزهرية، وهو ما ترفضه الحكومة، وتصر على أن يكون النظام التعليمي كتلة واحدة، بأهداف تحددها الدولة ومؤسساتها، وليس أصحاب المصلحة.
بعيدًا عن خبايا رفض الأزهر للقانون، قد لا يدرك بعض قادته أن موقفهم المتشدد سيُفهم على أنه موجه إلى الرئيس السيسي نفسه، لأنه صاحب مقترح مقترح إنشاء مجلس أعلى للتعليم يضم تحت سلطته كل الهيئات التعليمية في البلاد، ويرسم السياسات لتنفذها المؤسسات بشكل حرفي.
ويُلزم القانون الجديد المجلس الأعلى للأزهر، وغيره من المجالس التعليمية للمدارس والجامعات، بتنفيذ السياسات العامة التي يضعها المجلس الأعلى للتعليم الذي يتبع مؤسسة الرئاسة، مع تقديم تقارير نصف سنوية توضح آليات التنفيذ على الأرض، على أن تكون تلك السياسة معبِّرة عن رؤية الدولة وأجهزتها الحكومية.
يرفض الأزهر تلك الوضعية، أو أن يتساوى مع باقي المؤسسات داخل الدولة، لكونه يتمتع باستقلال لا يجعله تحت رقابة الحكومة أو وصايتها، وهو ما ترفضه السلطة بشكل مطلق، بمنطق قائم على حتمية توحيد السياسة التعليمية وأهدافها، لأن مخرجات التعليم الأزهري قادت إلى انتكاسات فكرية وثقافية في المجتمع.
وتوحي بعض الشواهد بأن النظام المصري لن يرفع الراية البيضاء في مواجهة تعنت الأزهر مهما بلغت التحديات التي تفرض على الحكومة تسيير أمورها بأقل الخسائر، كي تتفرغ لحل المشكلات، وهناك تصميم على ضرورة انتصار الدولة لتكريس هيبتها.
وأكد النص القانوني، والذي يرفضه الأزهر، أن “التعليم إستراتيجية دولة، لا أشخاص ولا مؤسسات”، وهو إعلان صريح من جانب الحكومة والبرلمان يفيد بأن الاستقلال المطلق الذي احتمى به قادة الأزهر للي ذراع الدولة لن يستمر، طالما يُساء استغلاله.
كان من الواضح أن ما قاله الدكتور طارق شوقي، وزير التعليم، في مؤتمره الصحفي 17 أبريل 2018، كان نوعًا من “جس نبض” لرد فعل مؤسسة الأزهر، وهيئة كبار العلماء، ولهذا جرى التراجع عنه دون نفي النية للتوجه له مستقبلًا.
فقد اضطر وزير التعليم للقول إن “التعليم الأزهري والمعاهد الأزهرية كما هي”، و”النظام الأزهري، نظام موازٍ للتعليم العام، ولا تفكير في دمجه مع التعليم العام النظامي”، بعدما رفض وكيل الأزهر ومجلس جامعة الأزهر بشدة الدعوات التي تنادي بدمج التعليم الأزهري أو إلغائه.
وقال عباس شومان، وكيل الأزهر، أنه تواصل مع وزير التعليم للاستفسار عن صحة التصريح من عدمه، ونفي الوزير دمج التعليمين، ولكنه “تحدث عن تصميم نظام جديد لرياض الأطفال بالتنسيق مع الأزهر”.
وأكد مجلس جامعة الأزهر في بيان له: “رفضه التام للدعوات المطالبة بدمج التعليم الأزهري أو إلغائه”، ودافع عن دور الأزهر في بناء “الوطن”.
ومع هذا لم تتوقف دعوات دمج التعليم الأزهري، وقال فايز بركات، عضو لجنة التعليم بمجلس النواب، “إن التعليم الأزهري بحاجة لإعادة نظر في المناهج وكيفية تدريسها والهدف المرجو منها”، داعيًا لاستفادة التعليم الأزهري من تجربة التطوير للتعليم العام.
قانون التعليم الأزهري عام 1998
جرت أول محاولة لدمج التعليم الأزهري والتعليم الحكومي في 9 يونيه 1998م، عقب إقرار البرلمان لقانون جديد حول التعليم الأزهري، يساوي بينه وبين التعليم العام، أيده شيخ الأزهر السابق سيد طنطاوي ورئيس جامعة الأزهر ووزير الأوقاف وعارضه نخبة من علماء الأزهر والكُتَّاب الإسلاميين، يقترب عددهم من 300 شخصية، بحسب بيان أصدروه حينذاك.
ولم يكن تأييد الشيخ طنطاوي من باب الخضوع للدولة أو القانون أو من باب تغيير الأفكار التمييزية ولكن من أجل وقف التسرب من الأزهر، وتهرب الطلبة من الدراسة فيه، وتحدث عن أن 15 ألفًا و270 تلميذًا من الأزهر قد طلبوا تحويلهم إلى التعليم العام، وأن 12 ألفًا من طلاب الأزهر تركوا الدراسة بالأزهر خلال عام واحد، وذلك بسبب كثافة المواد التي تُدرَّس لهم، بحسب قوله.
ويُعد هذا القانون استكمالًا للقانون رقم 103 لسنة 1961م المسمى بـ “قانون تطوير الأزهر”، وخلال هذه الفترة تم إلغاء الكتاتيب المخصصة لتحفيظ القرآن، وجرى إلغاء عشرات الحصص المخصصة للتعليم الفقهي والشرعي واللغوي، واستبدالها بحصص لمواد مدنية أخلاقية، وإلغاء 75% من نصوص القرآن والحديث في مرحلة التعليم الإعدادي والثانوي، وإلغاء دراسة الفقه على المذاهب الأربعة.
محاولات دمج التعليم الأزهري بالعام منذ عهد طه حسين ولكنها باءت بالفشل
محاولات دمج التعليم الأزهري الديني بالتعليم العام المدني في مصر قديمة بدأها وزير التعليم الأسبق في عهد الملكية د. طه حسين بحيث يجعل التعليم كله واحدًا، ولكنها محاولات باءت بالفشل لتصدي علماء الأزهر له ورفضهم لذلك.
ويُعد القانون رقم 103 لسنة 1961م في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر أولى المحطات الفعلية الرئيسية في مخطط إلغاء دور الأزهر كجامعة للعلوم الإسلامية، وتبعت ذلك خطوات أخرى لمنع خطر استفحال التعليم الديني.
فعقب ثورة 23 يوليو عام 1952، بدأت حكومات الثورة المختلفة تصدر قرارات لتحجيم دوره، حتى جاء عام 1961 ليصدر القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر الشريف والهيئات التي يشملها، وهو القانون الذي لا يزال يثير جدلًا حتى الآن ويرفضه الأزهر، ويُعد خطوة تجاه مساواة أجهزة الدولة. وكان ذلك أمرًا هامًا، خاصةً مع تحول الجامع الأزهر لقوة كبيرة في العهد الملكي، ثم تحوله منذ عام 1963 إلى جامعة علمية، تضم ستة آلاف معهد أزهري ابتدائي وإعدادي وثانوي، و65 كلية لجامعة الأزهر، وامتداد نشاطاته لتشمل كافة دول العالم الإسلامي، حتى أصبح يستقبل قرابة 25 ألف طالب من 94 دولة إسلامية، وتحول الأزهر وشيخه إلي قوة دينية مؤثرة لا تستطيع السلطة تجاوز رأيها، وهو بذلك يُخرِج لسانه لمدنية الدولة وعصرنتها.
محمد الباز: الأزهر يتمسك بتدريس علومًا شرعية تدفع إلى التطرف
ورأى الكاتب الصحفي محمد الباز أن موقف الأزهر المتعنت ضد إصلاح التعليم في مصر ليس بجديد، لكنه لا يستوعب إصرار الدولة على التحضر وتكريس العصرنة والحفاظ على الأجيال الجديدة من أي انحراف فكري، ويصر على تقديم نفسه كمحام عن الدين، وكأن مَنْ لا يلتحقون بالتعليم الأزهري ليسوا مسلمين.
وأضاف أن الأزهر لديه مجموعة ادعاءات يغلفها بالخصوصية، حيث يتمسك بتدريس العلوم الشرعية مع أنه ثبت علميًا أن فرض تلك العلوم على الأطفال والمراهقين يدفعهم إلى التطرف، لأنهم عاجزون عن الفرز وإعمال التفكير النقدي، وهذا ضد إستراتيجية التعليم الجديدة للدولة المصرية.
ولفت محمد الباز إلى أن الأزهر يتعامل مع كل خطوة تستهدف إصلاح التعليم على أنها تهدد نفوذه ومصالحه، وعندما يعترض يبحث عن وضعية خاصة به، ويريد أن يظل مميزًا طوال الوقت، وبسبب ذلك لم تعد العقلية المصرية موحدة، لأن الأزهر يتمسك بأن تكون الهوية الدينية أهم من الهوية الوطنية.
العدالة التعليمية غائبة بين طالب التعليم العام ونظيره الأزهري
العدالة التعليمية غائبة بين طالب التعليم العام ونظيره الأزهري، فالأول يسير في طرق وعرة للوصول إلى حلم الجامعة الحكومية هربًا من الكليات الخاصة التي صارت للأغنياء فقط، والثاني يلتحق بجامعة الأزهر مهما كان مجموعه، باعتبار أن كل خريجي الثانوية العامة الأزهرية يحق لهم دخول كليات الأزهر، والفارق فقط في التنسيق الداخلي.
لا تتوفر هذه الميزة لطلاب مدارس وزارة التعليم، فالجامعات الحكومية لا تقبل أكثر من نصف الحاصلين على الثانوية العامة سنويًا والبالغ عددهم نحو 600 ألف طالب، والنسبة الباقية تذهب لجامعات ومعاهد خاصة.
حتى طالب الشهادة الإعدادية في الأزهر لا يحتاج إلى مجموع كبير ليدخل الثانوية العامة، لأن كل مَنْ ينجح بأي درجة في الإعدادية الأزهرية يلتحق بالثانوية مباشرة، بعكس ما يحدث في التربية والتعليم، حيث يوجد تنسيق خاص بمرحلة الثانوية، ومَنْ يفشل في الحصول على مجموع كبير فليس أمامه سوى الدبلومات الفنية، الصناعية والزراعية والتجارية والفندقية.
من الطبيعي أمام كل هذه الإغراءات التي تقدمها مؤسسات التعليم الأزهرية أن يرتفع سقف التوقعات بزيادة الإقبال على التعليم الديني لدى الشريحة التي لا زالت ترفض إستراتيجية الوزير طارق شوقي، وتتخوف من تبعاتها، لما سببته من ضغوطات نفسية وعصبية على الطلاب والأسر منذ تطبيق تجربة التابلت تحديدًا.
كيف يستقطب الأزهر طلابه؟
الفارق الجوهري بين إستراتيجية الأزهر تجاه التعليم، ونظيرتها التي ترغب في تطبيقها وزارة التربية والتعليم، أن المؤسسة الدينية تتمسك بأن تضفي المزيد من الاستقلالية على قراراتها، وترفض بشكل قاطع أن تكون هناك تدخلات حكومية في توجهاتها المرتبطة بالناحية التعليمية، وتتعامل مع هذا الملف باعتباره مِلكية خاصة، لا سلطان لغيرها عليه مهما كانت السلبيات.
استثمر الأزهر استقلاليته المطلقة في مغازلة الرأي العام لاستقطاب المزيد من الشرائح المجتمعية، فرفض تطبيق التابلت والامتحانات الإلكترونية، وأصر على عدم تعديل طريقة الأسئلة لتستمر في مخاطبة الحفظ وليس الفهم، كما فعلت وزارة التعليم، وتمسك بالإبقاء على المناهج دون تحديث، لتبقى على طريقتها التقليدية لأن الناس ترفض النسخة المطورة منها.
وأضفى شيخ الأزهر أحمد الطيب مزيدًا من الشرعية على استقلالية قرارات مؤسسة الأزهر، بإصداره قرارًا في أغسطس 2018 يقضي بإنشاء مجلس أعلى للتعليم الأزهري قبل الجامعي، بعد أن كان الأزهر مجرد عضو في المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي، بحيث يستقل بذاته وينفرد بإصدار قرارات التعليمية بعيدًا عن تدخلات أو وصاية أي جهة أخرى.
ومنذ سقوط حكم جماعة الإخوان عقب 30 يونيو 2013، كان هناك هروبًا من معاهد الأزهر للتربية والتعليم، لأن الرأي السائد في المجتمع كان يرفض أي هيمنة دينية على الفكر والعقل خاصة في حقل التعليم، لكن الشريحة المتذمرة من إستراتيجية وزارة التعليم وجدت في التعليم الأزهري البديل الأمثل لأنه لا يزال تقليديًا.