هايدي حنا
أزمة الرفض من مجتمعه
من أصعب الأزمات التي يواجهها المراهق هي أزمة رفض المجتمع له، وذلك لعدة أسباب منها الفوارق الاجتماعية والمادية. والمشكلة هنا أن هذه الأزمة لا تؤثر فقط على علاقته بالمجتمع الذي يعيش فيه ولكنها تؤثر أيضًا على علاقته بأسرته، وذلك لشعوره أنها السبب في رفض المجتمع له، فلو كان لها مركز اجتماعي أو مالي أفضل من الواقع الذي يعيش فيه معها لما كان ليتعرض لتلك الأزمة. كذلك لا نستطيع أن ننكر أن هذه الأزمة لها تأثير كذلك على قبوله لذاته وواقعه.
تأثير هذه الأزمة على المراهق:
التأثير الأساسي هو الهروب من واقعه وذلك من خلال:
1) الإغراق في أحلام اليقظة والتي تتسم بأنها تصوره في مكان وأسرة وحياة مختلفة. وكثيرًا ما يسبب هذا السلوك انفصالًا تامًا عن الواقع، وبالتالي قد يؤدي هذا للفشل في دراسته والذي يؤدي بدوره لرفض المجتمع والذي يتمثل في أساتذته، ومن هنا يشعر بالدونية والتي يهرب منها بأحلام اليقظة … وهكذا يدور في حلقة مفرغة.
2) إدمان وسائل التواصل الاجتماعي والتي من خلالها يستطيع أن يتخفى وراء قناع لا يمثله ومن ثَمَّ تكوين علاقات في العالم الافتراضي يعوضه عن العلاقات في العالم الواقعي مما يجعله منطويًا عن عالمه فتزداد عدم قدرته على تكوين علاقات في مجتمعه.
3) الانزلاق في عادات وعلاقات مؤذية محاولًا من خلالها أن يشعر بالقبول من الآخرين، وبالطبع تكون نهاية هذا الطريق مزيدًا من الفجوة بينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه، بالإضافة للأذى الذي يتعرض له بسبب هذه العلاقات والعادات .
كيف يتم التعامل مع هذه الأزمة؟
أولًا: دور الأهل
في البداية، على الأهل إدراك أن المجتمع يتعامل مع المراهق بحسب نظرته هو لنفسه، فإن تم غرس ثقة المراهق في نفسه رغم إنه أقل ماديًا أو اجتماعيًا، سوف يحترمه المجتمع ولن يشعر المراهق برفضه له. لذا على الأهل التركيز على غرس هذا الفكر في المراهق، وذلك من خلال تقديم المحبة غير المشروطة له، مع مدحه لمميزات فيه وتشجيعه باستمرار. كذلك على الأهل أن يساعدوه على اكتشاف موهبته دون إجباره على موهبة ليست لديه، فكل هذا سوف يساعده على اكتساب الثقة في نفسه والشعور بأنه ليس أقل من غيره فيتعامل بثقة مع الآخر مما يؤثر على تعامل المجتمع معه، حيث سيقابل ثقته بنفسه احترام المجتمع له، على أن يقوم الوالدان بهذا الأمر منذ الطفولة حتى سيكون له تأثير أسرع وأقوى عليه.
والجدير بالذكر أن المشكلة الأساسية في هذه الأزمة تكمن في الوالدين، وذلك عندما يكونون هم أنفسهم غير واثقين في أنفسهم بسبب المركز المالي أو الاجتماعي وبالتالي تنتقل مشاعر عدم الثقة هذه لأولادهم. لذا لو كان الأهل لا يعانوا من هذه المشكلة بل هناك سلام ومحبة في البيت مع الشكر على حالهم ومحاولة الارتقاء بمستواهم دون تذمر وخلافات بسبب المال فعندها ينمو الطفل في جو صحي تنتقل له فيه تلك المشاعر الإيجابية. وعندما يكبر ويدخل مرحلة المراهقة تتكون بداخله مشاعر الثقة بالنفس بالرغم من قلة الموارد المالية أو الاجتماعية، مع تحدي ظروفه ومحاولة الارتقاء بمستواه لكن بدون تذمر مثل والديه.
ومن هنا، نجد أن دور الوالدين في غرس الثقة لدى المراهق يتخذ اتجاهين: اتجاهًا مع المراهق من حب وتشجيع، والاتجاه الآخر هو تعليمه بالملاحظة، أي يكونون قدوة له.
وما يساعد الأهل القيام بدورهم هو اتخاذ معيار كلمة الله لا المجتمع لوضعهم سواء المالي أو الاجتماعي، حيث هناك الكثير من الآيات الكتابية التي توضح مدى قيمة الإنسان لدى الله والتي لا تشترط المال أو المركز، مما ينعكس على نظرتهم لأنفسهم ومن ثَمَّ نظرة المراهق لنفسه.
ومن أهم الأمثلة على ذلك اختيار السيد المسيح لتلاميذه، حيث ائتمنهم على المأمورية العظمى التي لم يشترط فيها مالًا ولا مركزًا، متى 18:4 “وَإِذْ كَانَ يَسُوعُ مَاشِيًا عِنْدَ بَحْرِ الْجَلِيلِ أَبْصَرَ أَخَوَيْنِ: سِمْعَانَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ، وَأَنْدَرَاوُسَ أَخَاهُ يُلْقِيَانِ شَبَكَةً فِي الْبَحْرِ، فَإِنَّهُمَا كَانَا صَيَّادَيْنِ. فَقَالَ لَهُمَا:«هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ». فَلِلْوَقْتِ تَرَكَا الشِّبَاكَ وَتَبِعَاهُ. ثُمَّ اجْتَازَ مِنْ هُنَاكَ فَرَأَى أَخَوَيْنِ آخَرَيْنِ: يَعْقُوبَ بْنَ زَبْدِي وَيُوحَنَّا أَخَاهُ، فِي السَّفِينَةِ مَعَ زَبْدِي أَبِيهِمَا يُصْلِحَانِ شِبَاكَهُمَا، فَدَعَاهُمَا. فَلِلْوَقْتِ تَرَكَا السَّفِينَةَ وَأَبَاهُمَا وَتَبِعَاهُ.” (متى 4: 18)
هكذا الله يرانا، وهكذا يستطيع أن يعمل فينا ويرفع من شأننا. وهذا الفكر من المهم أن يصل للمراهق.
ثانيًا: دور المجتمع
لا بد من تغيير طريقة تعاملنا العنصري مع الآخر ، حيث احترام أصحاب المراكز والمال والتحقير من الأقل في المركز والمال. وهذا يحتاج لتغيير أذهاننا وتفكيرنا نحو أهمية المال والمراكز، حيث يتحول من فكر العالم لفكر الله، فلا فرق في التعامل مع المدير ومع الساعي والذي يحرس البيت الخ… بل يجب التعامل باحترام مع الجميع دون تفرقة. وحتى عند العطاء للمحتاج، يجب أن يكون هذا بتواضع، فلا أحد منا يملك شيئًا، بل كلها من عطايا وبركات الله لنا، فمنه نأخذ ومن عطاياه وبركاته نعطي الآخرين.
والنجاح في هذه النقطة هو يبدأ أن كل منا بنفسه، دون تبرير بأن المجتمع كله هكذا، ويجب أن يتغير المجتمع أولًا، لكن ابدأ بنفسك، فأنت جزء من المجتمع، وعدم تغييرك يجعل المجتمع كما هو لا يتغير.
نحتاج لتغيير فكرنا والتحرك بفكر الله كي لا نكون سبب عثرة وأزمة ليس فقط في حياة المراهق بل في حياة أجيال قادمة، فالمراهق عندما يقع في هذه الأزمة يظل بداخله الإحساس بالنقص حتى بعد تكوين أسرة، حيث ينقل هذا الفكر لأولاده، ومن بعده للأحفاد، وهكذا. لذا نحتاج أن نتعلم كيف تكون علاقتنا مع الآخر علاقات إنسانية خالية من العنصرية، تمامًا مثل إلهنا.