جوي سليم
هل حدث أن اقترح عليك إنستجرام أو فيسبوك إعلانًا لشيء فكّرت فيه للتو؟ فكرت فيه فقط، ولم تبحث عنه على الإنترنت على الإطلاق؟
تتكرر هذه الحادثة مع مستخدمين كثر، وتثير لديهم “رعبًا” من كون تلك المنصات باتت كأنها قادرة على قراءة أفكارهم. لكن الأمر ليس غريبًا تمامًا، وليس عصيًا على التفسير.
قد يعود ذلك إلى ما يُسمى بـ”الفائض السلوكي” الذي يُستخرج غالبًا من “قمامة” بياناتنا على الإنترنت. هذه البيانات التي نظنها ضائعة أو غير موظفة، هي في الواقع “دجاجة تبيض ذهبًا” بالنسبة للمنصات التجارية التي تتعلم بواسطتها، مرةً بعد أخرى، كيف تستهدفنا بشكلٍ أفضل.
ويحاجج البعض بأن خوارزميات الإنترنت -وهي العمليات الحسابية المصممة لجذب انتباه المستخدمين وفقًا لاهتماماتهم وتفضيلاتهم الشخصية- قد تعدت مهمتها الأساسية حتى أصبحت تتسم، بسبب سطوتها الراهنة وقوتها التنبؤية، بصفات “ميتافيزيقية” إن جاز التعبير، إذ باتت تشبه بكونها “آلهة معاصرة”. فنحن لا نراها ولا نعرف ماهيتها بالضبط، لكنها مع ذلك قادرة على التلاعب برغباتنا والتحكم بمصائرنا بطريقة أو بأخرى.
ماذا نعني بـ”الفائض السلوكي”؟
عندما تتفاعل مع فيسبوك، على سبيل المثال، عن طريق الإعجاب بالمنشورات أو التعليق أو مشاركة المحتوى أو حتى مجرد مرورك على الصفحة الرئيسية للتطبيق، فإن المنصّة تجمع باستمرار بيانات عن سلوكك وتفضيلاتك.
تستخدم هذه البيانات بواسطة الخوارزميات لإنشاء ملف تعريف مفصل عنك، بما في ذلك اهتماماتك وعاداتك وعلاقاتك وأمور أخرى. يمكن للمعلنين والجهات الخارجية الأخرى بعد ذلك الدفع لفيسبوك لاستهدافك بإعلانات مخصّصة بناءً على هذه المعلومات، مما يزيد من احتمالية تفاعلك مع محتواهم.
بهذه الطريقة، يولد فيسبوك “فائضًا سلوكيًا” باستخدام الخوارزميات لاستخراج بيانات قيمة من تفاعلاتك، وتحقيق الدخل منها عن طريق بيع مساحة إعلانية تستهدفك شخصيًا. هذه العملية هي ما تشير إليه الأكاديمية والباحثة الأمريكية “شوشانا زوبوف” على أنها تسليع البيانات السلوكية في تحليلها لما تسميه بـ”رأسمالية المراقبة”.
تقول “زوبوف” إن البيانات الشخصية التي ننشرها كل يوم (منشور على فيسبوك وإعجاب على إنستجرام وبحث على جوجل…) تمثل فائضًا سلوكيًا تدرسه كتيبة من الخوارزميات التنبؤية.
وبات تحت تصرف تلك الخوارزميات ملايين البيانات الشخصية التي تمكنها من توقع تصرفاتنا ورغباتنا وتأطيرها وفقًا لما يناسب المعلنين. لذلك فإن عمالقة الويب مثل جوجل وآبل وميتا وأمازون ومايكروسوفت، أصبحوا “مرتزقة الشخصية” أي أنهم يرتزقون على التجربة الفردية لكل منا، بحسب تعبير زوبوف.
ولكن ما هي الخوارزميات أصلًا؟
إذا أردنا أن نشرح لطفلٍ ماهية الخوارزميات على الإنترنت وكيف تعمل، يمكننا على سبيل المثال وصف مكتبة كبيرة تحتوي على عدد كبير من الكتب. الخوارزميات تشبه المساعدين الخاصّين الذين يتأكدون من أنه يمكننا العثور على الكتاب المناسب بسرعة. يستخدم هؤلاء رمزًا سريًا للنظر في الكلمات الموجودة داخل الكتب ومساعدتنا في العثور على الكلمات التي نبحث عنها. هؤلاء المساعدون أذكياء للغاية ويسهلون لنا البحث عن أمور معينة على الإنترنت.
وبشكل عام، الخوارزميات هي مجموعة من التعليمات أو القواعد التي يجب اتباعها خطوة بخطوة لحل مشكلة أو إكمال مهمة.
على الإنترنت، تعمل الخوارزميات عن طريق معالجة البيانات وتنفيذ مجموعة من التعليمات لأداء مهام أو وظائف محددة. وقد صُمِّمت لتحليل وتنظيم كميات هائلة من البيانات لتوفير خدمات مخصّصة ونتائج بحث وتوصيات وغيرها. ثم تحوّلت هذه العمليات، حوالي سنة 2001، إلى قوة رأسمالية أخرى.
كيف جرى هذا التحوّل؟
عام 1996، اخترع لاري بيج وسيرجي برين خوارزمية البحث على الويب باسم “بايج رانك”، لكنهما لم يتمكنا من جعلها تحقّق إيرادات مستدامة. وكان نموذج أعمال جوجل المبكر يعتمد على توفير خدمات الويب لبوابات مثل “ياهو” من خلال الترخيص، إضافة إلى الإعلانات المرتبطة بكلمات البحث الرئيسية.
بعد ذلك بدأت “فقاعة الدوت كوم”، أي مواقع الويب، وأصبح مستثمرو جوجل مهتمين بجدية بالعائدات المالية. خوفًا من الفقاعة وعواقبها، أعلنت جوجل ما يشبه حالة طوارئ، وذلك حين تعرفت إلى قيمة “قمامة البيانات” التي ظلت حتى ذلك الوقت تُخزَّن بشكل عشوائي ويتم تجاهلها من الناحية التشغيلية.
سنة 2001، لاحظت غوغل أنه يمكنها استخدام البيانات الناتجة عن بحث الأشخاص على الموقع وتصفحهم له، من أجل تحسين محرّك البحث وإنشاء خدمات مساعدة مثل الترجمة. ولكنها لاحظت أيضًا أن هناك بيانات جانبية يتم إنتاجها في هذه العمليات، وهي بيانات لم يكن الناس يعلمون أنهم يشاركونها. لذلك تُسمّى تلك البيانات التي كانت “تُرمى” من دون إيلائها أهمّية بـ”قمامة البيانات”. لكن بعد ذلك، قرّر المعنيّون في الشركات العملاقة أن يستفيدوا من تلك البيانات، وبشكل أساسي من قيمتها التنبؤية، لأغراض ربحية.