شون جوش ماكدويل
عندما نكتشف حقًا معينًا، نكتسب المعرفة، أو نحصل على إجابات لكل أسئلتنا. لكن هل تجيب الحقائق الكونية عن هذه الأسئلة؟ إن الأمر يتلخص في ما نختار تصديقه؟ والسؤال هنا: هل توجد طريقة لمعرفة إن كان الحق موجودًا كحقيقة عامة؟!
بعض التعريفات
أولًا: دعونا نبدأ بتعريف الحق. ما هو الحق؟ يوجد تعريفان شائعان لمفهوم الحق، يقدم قاموس وبستر واحدًا منهما، وهو أنه “الدقة في الأصل أو المعيار”. على سبيل المثال، نفترض أني سألتك: “كم الساعة؟” على الأرجح ستنظر إلى ساعتك أو هاتفك الجوال وتقول إنها “2:23 مساءً”. لكن ماذا لو نظرت لساعتي وقلت لك “لا، إنها 2:26 مساءً”. مَن منا يقول الحقيقة؟!
من الممكن أن نتجادل اليوم كله بخصوص: أي جهاز من أجهزتنا أفضل في تحديد الوقت؟ ولكن لتحديد الوقت الصحيح لا بد أن نضبط ساعتنا حسب المعايير الدولية لتحديد الوقت وضبطه. وسيكون ذلك من خلال جرينتش هو التوقيت العالمي، وأساس التوقيت في أية منطقة بالعالم. وعلى الرغم من استبدال توقيت جرينتش بالتوقيت الذري (UTC)، فإنه لا يزال يُستخدم على نطاق واسع بصفته المقياس الرسمي لتحديد الوقت في جميع أنحاء العالم.
لذلك تحديد “القول الحقيقي” هو في الواقع الحق. فهل الساعة هي 2:23 أم 2:26 مساءً؟ علينا ببساطة تحديد ذلك بما يتوافق مع “الأصل أو المعيار” الخاص بضبط الوقت حسب توقيت جرينتش. وبالتالي يُصبح الوقت الذي يتفق مع توقيت جرينتش هو الصحيح. وبتطبيق هذا التعريف على الحقيقة الأخلاقية، نؤكد أن الله هو المعيار المطلق لكل الحقائق الأخلاقية. فطبيعته وشخصيته يحددان الصواب والخطأ، والخير والشر، والحقيقي وغير الحقيقي.
أما التعريف الثاني للحق هو “التطابق مع الواقع”. وتعني هذه الفكرة تقريبًا أن الحق هو ما يتطابق مع العالم الواقعي. على سبيل المثال، قد أقول إني (أنا جوش) ودوتي لدينا أربعة أولاد، هم شابان وفتاتان. عندئذٍ يكون السؤال: “هل هذا القول صحيح أم خطأ؟” يمكن أن يكون هذا القول حقيقيًا إذا تتطابق مع الواقع. ولكني في الواقع لديَّ أربعة أولاد، هم ثلاث فتيات وشاب. لذلك وبما أن قولي لم يتطابق مع الواقع، فهو غير حقيقي. عندما نطبق تعريف الحق على الحقيقة الأخلاقية، فإننا نؤكد أن هذه الحقيقة تتفق مع الواقع الذي خلقه الله.
إنكار وجود الحق
لكن البعض يقول ببساطة: “لا يوجد حق”. وتعد مشكلة هذه العبارة أنها تتناقض مع ذاتها. بعبارة أخرى، تدحض الجملة نفسها من خلال وجودها. دعوني (أنا شون) أشرح ذلك. في بداية الرسالة إلى تيطس، قدَّم بولس بعض النصائح والوصايا إلى تيطس، الذي كان قد بدأ في تأسيس كنائس بين أهل كريت. وقد واجهته بعض الأفكار المعادية. واقتبس بولس من أبيمنيدس الذي من كريت، قائلًا إلى تيطس: “قال واحد منهم، وهو نبي لهم خاص: الكريتيون دائمًا كذابون. وحوش ردية. بطون بطالة.” (تيطس 1: 12). وأي قارئ فطن للكتاب المقدس سيفهم السخرية الموجودة في هذه العبارة. فإن كان كل الكريتيين كذابين، فكيف يمكن الثقة في أبيمنيدس نفسه؟ سيكون الأمر مثلما أقول وأنا من كاليفورنيا: “لا يمكنك الثقة في أهل كاليفورنيا”.
تعاني العبارات التي من نوعية “الكريتيون دائمًا كذابون” “ولا يوجد حق” من العيب نفسه. فكلا العبارتين تتناقضان مع نفسيهما. والعبارة الثانية تحديدًا تتعارض بشدة مع نفسها، لأن مذكورًا بها كلمة “حق”! وفيما يلي بعض الأمثلة الأخرى المتناقضة:
– لا توجد جملة إنجليزية تتكون من أكثر من خمس كلمات.
– لا شيء يسمى الحق المطلق (هل هذا حتمًا حقيقي؟).
– لا يمكن التأكد من أي شيء (هل أنت متأكد من ذلك؟).
– لا تقل أبدًا كلمة “أبدًا” (تأخرت كثيرًا! فقد قلتها بالفعل في الجملة السابقة!).
تحتوي جميع العبارات الأربع السابقة مثلهم في ذلك مثل عبارة “لا يوجد حق” على بذور تثبت خطأ قائليها. وتُضعِف هذه الجمل من نفسها عندما تتناقض مع المقاييس الخاصة بها عن الحق. لا وسيلة للهروب من حقيقة أن الحق موجود ويمكن معرفته. وهكذا، يصبح السؤال الأهم ليس إذا ما كان الحق موجودًا، بل ما هو الحق؟
شرح يسوع بوضوح ما هو الحق عندما قال: “أنا هو الطريق والحق والحياة” (يوحنا 14: 6). ببساطة: الحق هو شخص يمكننا الارتباط به. الله ليس معيارنا للحق الأخلاقي الذي يتوافق مع الحقيقة التي خلقها فحسب، بل هو ذاك الشخص الذي بذل جهودًا استثنائية ليكون في علاقة معنا. والعلاقة أساسية في معرفة الحق والحياة به.