هل خضعت السينما المصرية للوصاية الدينية السلفية الأصولية؟
فيلم “الملحد” بين سيف “المنع من العرض”… ومقصلة “المراجعة الأزهرية”
تحقيق: إيهاب أدونيا
على عكس تيار الحرية في الإبداع والتعبير، فوجئ الوسط الفني في مصر بهجوم على فيلم “الملحد” الذي كان من المقرر عرضه في 14 من أغسطس الماضي، وصل إلى حد إقامة دعاوى قضائية تتهمه بالترويج للإلحاد، على رغم أن الفيلم حاصل على التصريح الرقابي والإجازة من المصنفات الفنية منذ عام تقريبًا.
ويواجه الفيلم حربًا عاتية من جهات متعددة لدرجة تأجيل عرضه، وقال منتجه إن السبب إعادة عمليات فنية للشريط السينمائي مثل المكساج والمونتاج، وهذا التصريح لم يصدقه الجميع، خاصة وأن مخرج الفيلم محمد العدل كتب بصورة مباشرة عبر صفحاته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي عبارة واضحة وهي “المنع ليس حلًا”.
أمام الهجوم الشديد، دافع بعض صناع الفيلم عنه وقالوا إن “العمل لا يروج للإلحاد، بالعكس فقد فُهم اسمه بصورة خاطئة، وهو يدق ناقوس الخطر لكارثة موجودة ويجب التوعية بها وعدم الخوف من طرحها، وتشجيع أي عمل ينبه وينذر بوجود الملحدين في المجتمع”.
مختصر أحداث الفيلم
طبقًا لإعلان الفيلم، فإنه يروي قصة الشاب يحيي ابن الشيخ حافظ، أحد أقطاب السلفية، الذي يطبِّق ما يعتبره شرع الله بيده مع جماعته، ويعلن على المنبر أن أي شخص يعرف ملحدًا عليه أن يقوم باستتابته 3 أيام ثم قتله إذا لم يرجع عن إلحاده، قبل أن يعلن ابنه يحيي بأنه ملحد، لتدور تجربة بين الأب الذي يجد نفسه في حيرة ما بين تطبيق ما قاله على المنبر وبين حبه لابنه يحيي الذي يرفض أن يتراجع، فيقرر الأب عمل جلسة استتابة لابنه، وسط رجاء ليحيي من باقي العائلة بأن يتراجع عما قاله حتى لو بالكذب.
اللجان الإلكترونية السلفية في “السوشيال ميديا” تنجح في منع أو تأجيل عرض “الملحد”
لا شك أن للسوشيال ميديا دورًا قويًا وواضحًا ومؤثرًا في كثير من القضايا بعضها عن حق والبعض الآخر فقط الأغلبية تكون مثل قطيع في عمليات “الشير” واللايكات دون وعي او إدراك، هذا بخلاف اللجان الإلكترونية الممنهجة والتي يكون لها دور القائد أو بث السم في العسل كما يقولون من أجل نصرة قضية أو التركيز على قضية ما بوجهة نظر محددة.
فلم يكن فيلم “الملحد” الوحيد في مسيرة السينما المصرية الذي واجه مصيرًا مجهولًا، فقد سبق وأن تسببت السوشيال ميديا في إهدار دم أفلام قبل عرضها، بل وتسببت أيضًا في منع تصوير أفلام، وعزوف منتجين عن قبول سيناريوهات تتناول موضوعات شائكة، أو تتعرض عن قريب أو بعيد إلى تابوهات قد تكون سببًا في فشلها أثناء عرضها.
ومن هذه الأعمال فيلم “النونو” الذي كان مقررًا أن يقوم ببطولته أحمد حلمي، وبعد أيام من كشف منتجه “هيئة الترفيه السعودية” عن بعض تفاصيل الأحداث رأى جمهور “السوشيال ميديا”، أنها غير مقبولة؛ فأعلن منتجه إلغاء المشروع نهائيًا، وخرج بطل الفيلم أحمد حلمي ليعلن أيضًا اعتذاره.
وأثار فيلم “ريش” منذ خمس سنوات سابقة جدلًا كبيرًا، فبعد ساعات من عرضه في مهرجان الجونة السينمائي خرج الفنان شريف منير ليعلن أن الفيلم يُسيء إلى صورة البيوت المصرية، وتناولت الفضائيات الموضوع بتوسع ليتم وقف عرضه وتسريبه على مواقع الإنترنت، ويكتشف الجمهور بأن الفيلم ليست به أية ممنوعات أو مشاهد تسيء إلى صورة البيوت المصرية.
وفي العام الماضي، أُثيرت أزمة فيلم “عيسى” وهو فيلم قصير، فبعد عرضه في مهرجانات عالمية مُنع من العرض الجماهيري بالقاهرة، بحجة أن موضوعه شائكًا، واضطرت الرقابة للموافقة على عرضه بالدورة الماضية لمهرجان الإسماعيلية على استحياء، لتمرير مشكلته دون أن يُعرض جماهيريًا.
وهكذا أيضًا قبيل عرض “الملحد”، قامت اللجان الإلكترونية السلفية بنعت الفيلم بأنه يدعو إلى الإلحاد وعدم الإيمان بوجود الخالق وهكذا، وهو ما كان أحد أسباب المنع.
ولكن هل عرف الغاضبون قصة الفيلم؟ معظمهم لا يهمه معرفة القصة. هل اطلع الساخطون على الغرض من التعرض لمسالة الإلحاد؟ الغالبية تعتبر التطرق للإلحاد إلحادًا. هل تكبد المتابعون ممن أصدروا أحكام الحجب والمنع عناء معرفة مزيد عن الفيلم؟ أكثرهم لم يفعل، ولن يفعل، وإلا لأصبح آثمًا ومشاركًا في جرم الإلحاد.
ما سبق خلاصة جزء غير قليل من نقاشات متأججة تدور رحاها على السوشيال ميديا منذ أطل أفيش الفيلم على المصريين، فما بالك لو أطل عليهم الفيلم نفسه؟ اللافت أن تأجج النقاشات تحول إلى نيران مشتعلة حين ظهر اسم إبراهيم عيسى باعتباره مؤلف قصة الفيلم.
وزعت الجموع نفسها فيالق تطالب بمنع الفيلم قبل عرضه، وسرايا تهدد بمقاضاة العمل والقائمين عليه، وفصائل تتهم الفيلم بأنه مخطط صهيوني لنشر الفوضى ومؤامرة كونية لنثر الفتنة، وجحافل تشتم هذا وتسب ذاك إعلاء للدين ونصرة للمتدينين.
وعلى الجانب الآخر وقف فريق أقل عددًا وأخفت صوتًا وأهدأ روعًا يتحدث أعضاؤه بالمنطق وينادون بالتعقل ويطالبون بالتفكر، بينهم مَنْ يعتبر مناقشة الإلحاد إثارة لا داعي لها، أو لا يمانع في طرحها، ولكن في الوقت والظروف المناسبة، أو يرفض الفكرة برمتها، لكنه يرفض كذلك ما يسميه بـ”غوغائية الاختلاف”، ويظل هناك ضمن هذا الفريق الآخر مَنْ يؤمن بأهمية مناقشة كل القضايا من دون حدود وطرح جميع الأفكار من دون قيود.
ليس الفيلم الأول الذي يناقش “الإلحاد”
في السينما المصرية، تداولت أفلام كثيرة الإلحاد، بداية من فيلم “الشحات” المأخوذ عن رواية لنجيب محفوظ تحمل الاسم نفسه، ثم “الأخوة الأعداء”، و”لقاء هناك”، و”الرقص مع الشيطان”، إضافة إلى الأفلام الثلاثة الأخيرة من بطولة نور الشريف، صاحب أكبر نصيب من أدوار الإلحاد في السينما المصرية، ولكن في ذلك الوقت لم يكن للأزهر أو للمؤسسات الدينية شأن معلن وتدخل سافر في القدرة على منع الأفلام من العرض مثل هذه الأيام، ففي الغالب كانت الأفلام التي تُمنع من العرض تُمنع لأغراض سياسية وليس لأغراض دينية كما هو الحال الآن مع فيلم “الملحد”.
لم يتم منع أي من الأفلام المذكورة من العرض السينمائي أو حتى التلفزيوني، وكلها انتهت أحداثها بعودة البطل مرة أخرى عن الإلحاد إلى الدين بصور مختلفة. وسنتطرق إلى ما تطرق إليه كل فيلم في عجالة سريعة:
فيلم “الشحات”
بدأت فكرة التطرق إلى موضوعات متعلقة بالتابوهات الدينية خاصةً الإلحاد منذ عام 1973 وطرحها الكاتب الكبير نجيب محفوظ في فيلم “الشحات”، وهو مأخوذ عن رواية له بالاسم نفسه صدرت عام 1965، وأنتج العمل عام 1973، وكان الهدف وقتها من التناول أن تظهر الشخصية الملحدة في حالة تخبط ومعاناة حتى تصل إلى الإيمان والهداية، ودارت الأحداث حول شخصية محام يدعى “عمر الحمزاوي” وهو من عائلة ثرية ويبحث عن معنى لحياته، ويبدأ رحلة الشك حيث يساوره قلق وجودي حول مغزى الحياة البشرية وسر الكون والإيمان بالله، ويزداد التخبط لدرجة تجعله يتمادى في الملذات الجسدية.
ومن المشاهد المهمة في الفيلم عندما تحدث الحمزاوي مع أحد الأشخاص وسأله “هل تؤمن بالله أم لا؟” وعندما يصل الحمزاوي لذروة التخبط يلجأ إلى العزلة والتصوف فيهتدي للطمأنينة والإيمان مجددًا. والفيلم لعب بطولته محمود مرسي ومريم فخر الدين ونيللي وأحمد مظهر، وهو من إخراج حسام الدين مصطفى.
الإخوة الأعداء
عُرض فيلم “الإخوة الأعداء” عام 1974، عن رواية ديستوفسكي “الإخوة كرامازوف”، وأعدها للسينما المصرية وكتب السيناريو والحوار لها رفيق الصبان ونبيهة لطفي، وقام بالبطولة نور الشريف شارك في البطولة يحيي شاهين وحسين فهمي ومحيي إسماعيل ونادية لطفي وميرفت أمين، وقدم نور دور شوقي الشاب الملحد الذي ينكر وجود الله، ليدخل في صراع مع العائلة حتى يصل إلى يقين بأن الله موجود.
“لقاء هناك”
عُرض فيلم “لقاء هناك” في عام 1976 عن قصة للكاتب ثروت أباظة بعنوان “لقاء هناك”، من إخراج أحمد ضياء الدين، ولعب بطولته نور الشريف أيضًا وزبيدة ثروت وسهير رمزي، وتناول فكرة الوقوع في الإلحاد بسبب التشدد الديني من الأسرة، وبطل الفيلم الذي جسده نور الشريف يدعى “عباس” ينتمي لعائلة متشددة دينيًا لدرجة أن والده فرض عليه كل شيء بصورة إجبارية، وأكرهه على ممارسة العبادة بصرامة جعلته يشعر بضغط نفسي كبير.
ويتعرض عباس لأزمة نفسية تضعه في مهب الريح فيعذبه صراعه بين أفكاره وبين الرغبة في التحرر من قيود الأديان وتشدد والده وإرغامه على إقامة الشعائر الدينية، وتتصاعد الأحداث عندما يفقد عباس الإيمان ويريد أن يصل إليه بقلبه وعقله وليس بالتشدد، ويصل إلى هدفه في النهاية عندما تتعرض حياة زوجته ليلى للخطر فيشعر عباس بالإيمان ويعود إلى الله باختياره الحر وليس بفرض وإكراه من الآخرين.
“الرقص مع الشيطان”
وفي فيلم “الرقص مع الشيطان”، قدم نور الشريف في عام 1993 شخصية خارجة عن المعتقدات الدينية بصورة مختلفة، والعمل من إخراج وإنتاج علاء محجوب، وتأليف محمد خليل الزهار، ويحكي عن أستاذ جامعي يدعى الدكتور واصل لا يؤمن إلا بالمادة والعلم التجريبي، ويعود واصل من بعثة دراسية من إحدى الدول الكبرى وهي الاتحاد السوفيتي، ويحاول أن يعلي من شأن العلم على حساب المعتقدات الدينية، ويتعمد السخرية من بعض الأمور التي لا تعتمد على العلم والأدلة.
وفي إحدى الجمل الحوارية بالفيلم، يعارض حبيبته التي تؤكد أهمية الإيمان في الحياة لأن هناك أمورًا لا يمكن التحكم فيها بالعلم مثل الموت والرزق وهي متعلقة فقط بإرادة الله، فيرد واصل على حديثها بقوله: “العلم سيسيطر على كل شيء ونحن أصحاب الإرادة”.
مصر بين “الجمهورية الجديدة المدنية” و”الوصاية الدينية”
يلقي البعض اللوم على “الجمهورية الجديدة”، والمقصود بها سنوات ما بعد أحداث يونيو 2013 التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين رفضًا للحكم الديني، في بدء قلة الاهتمام بقضايا التنوير، أو تقلص الجهود لنفض غبار سنوات من التدين المظهري الشعبوي، أو ترك الشارع لتيارات وأفكار وأفراد يعملون من خلف الستار ومن تحت المنابر ويجرون الجموع جرًا إلى خانة الانغلاق والتشدد، أو تعمد إفساح ساحة الإفتاء في الطب والسياسة والهندسة والتجارة والدواء والآثار والدراما والأدب والدولار لرجال دين لا لأهل الاختصاص.
وهم يرون أن هيمنة تيار التدين الشعبوي الزاعق تكشف عن وجهها بين الحين والآخر، تارة بمنع عمل فني، وأخرى بنهش سمعة فنانات، وثالثة بالسكوت على اعتبار كل مَنْ طرح سؤالًا أو فتح نقاشًا أو قال رأيًا مغايرًا للسائد عرضة لعقوبة “ازدراء الأديان” القانونية أو تهمة الترويج للكفر ونشر الإلحاد الشعبية، وذلك في غياب جهات ومؤسسات يفترض أنها تدافع عن حرية التعبير والفن والإبداع والإنسان.
الفن… وأزمة ازدواجية المجتمع
المجتمع المصري والعربي بشكل عام أصبح يعاني من ازدواجية مدهشة، والازدواج هنا أقرب إلى ميكانيزم أو آلية ميكانيكية للتعامل مع الأمور والأشياء، بمعنى انه قد يقبل أمورًا علمية متطورة ومهمة، دون أن يسال نفسه إن كانت تتعارض مع ثقافته ومورثه أم لا، وقد يقبل على الحياة والمتع دون أن يسال نفسه نفس السؤال، وفي المقابل يؤمن بفكر ومورثات تحرم عليه حتى عمله الذي يتربح منه، ويدافع عن موقفها وتحريمها هذا، ولا يجد تعارضًا بين هذا وبين العمل والتكسب من هذا الأمر المحرم، بل إنه يخلق منطقًا مدهشًا يجعلنا نقف في حيرة ولا نعرف هل نقبل به أم نرفضه.
للأسف نحن في مجمل تفكيرنا نفعل ذلك، فنحن حداثيون جدًا في أمور تتعارض مع مجمل ما يقوم عليه تراثنا، وتراثيون تمامًا حتى مع ما يتعارض مع أدق تفاصيل حياتنا، ولدينا قدرة على خلق منطق ميكانيكي التبرير لقبول النقيضين معًا، منطق لا يجيزه عقل لكننا مضطرين للقبول به، لأنه منطق الضرورة، أو منطق أكل الميتة في حال الإشراف على الموت جوعًا. فالحياة لا بد أن تعاش، ولسنا المتحكمين فيها ولا في انجازاتها، أما التراث فإنه محمول على أكتافنا أينما ذهبنا، ولا توجد لدينا فرصة ولا رغبة في التخفف من بعض ما لم نعد بحاجة إليه، لذا فإننا مضطرون أن نعيش الحياة العصرية الحديثة وعلى أكتافنا كل كراكيب العصور القديمة.
وفي حال وجود أي دعوة للتفكير أو الوعي، فإن المزايدين والمعطلين والرافضين لإرهاق رؤوسهم سوف يتحولون إلى مفتشي ضمائر، وقضاة وجلادين لا ينتظرون شهودًا ولا اعترافًا كي يقطعوا رأس أي شخص تجرأ وفكر.
دعاوى قضائية ضد “الملحد”
السيناريست نادر سيف الدين، مؤلف ومخرج الفيلم، الذي تم إنتاجه عام 2014، قام بتوجيه إنذار رسمي لوقف عرض فيلم “الملحد” والمقيّد بالرقم 21576 بتاريخ 30 يوليو 2024، ضد أحمد السبكي والكاتب إبراهيم عيسى، واتهمهما فيه بالاستيلاء على حقوق ملكيته الفكرية.
ووجَّه سيف الدين إنذارًا رسميًا من خلال محضر إلى أحمد السبكي عن نفسه وبصفته ممثلًا قانونيًا لشركة “السبكي للإنتاج الفني” قُيِّد بالرقم 21576 بتاريخ 30 يوليو الماضي بمحضرين في الدقي، والمعلن في مواجهة النيابة العامة نظرًا لرفضه الاستلام، مؤكدًا “أنه جارٍ الآن اتخاذ كل الإجراءات القانونية الأخرى ضد المشكو في حقهم لإيقاف عرض الفيلم دفاعًا عن حقوقي المادية والأدبية”، ومضيفًا أن الغريب في الأمر أن يتم عمل فيلم في عام 2014، والآن يخرج فيلم بالاسم نفسه.
كما أقام عدد من المحامين، وعلى رأسهم المستشار مرتضى منصور رئيس نادي “الزمالك” السابق، دعوى قضائية عاجلة أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، لإلغاء فيلم “الملحد”، ووقف عرضه في دور السينما، سواء على الشاشات المرئية أو المسموعة، أو صفحات السوشيال ميديا، مع إلزام أحمد السبكي صاحب شركة “السبكي للإنتاج الفني” بالمصروفات وأتعاب المحاماة.
وقال المحامون في دعواهم إن الفيلم يروّج لفكرة الشرك بالله لشباب الوطن الذين هم بُناة المستقبل، وأن من الواضح أن هذا الفيلم يمهد لحرب ممنهجة ضد الدين الإسلامي، وشباب الوطن – حسب ما ذكروه في دعواهم.
إبراهيم عيسى: “الملحد” ليس مجرد فيلم، بل اختبار للدولة المدنية التي ندافع عنها ونحترم دستورها
أما مؤلف الفيلم إبراهيم عيسى، فدخل على خط مهاجمة المنع عبر حسابه على موقع “X”، إذ نشر قائلًا: “ماذا فعل العظيم نجيب محفوظ حين منعوا روايته أولاد حارتنا؟ كتب رواية جديدة، ماذا فعل العظيم عبد الرحمن الشرقاوي حين منعوا عرض مسرحيته “الحسين ثائرًا؟ كتب مسرحية جديدة، واستمرت أولاد حارتنا والحسين ثائرًا يقرأها جيل وراء جيل وعاشت كلماتهم خالدة في الوجدان والعقل … الفن أقوى من المنع ومن الرصاص، بل ومن الموت، يموت المفكر وتخلد الفكرة. يموت الفنان ويخلد فنه”.
كذلك نشر عيسى عبر حسابه صورة من مادتي الدستور 65 و67 المتعلقتين بحرية الرأي والتعبير، معلقًا عليها بقوله: “الملحد ليس مجرد فيلم سينمائي بل هي الدولة المدنية الحديثة التي ندافع عنها ونحترم دستورها”.
أثارت الأعمال الفنية التي قدّمها عيسى الجدل، بدايةً من فيلم “مولانا”، ثم “الضيف” و”صاحب المقام”. كذلك، خاض مسلسله “فاتن أمل حربي” معركة ضخمة مع مؤسسة الأزهر بسبب قوانين الأحوال الشخصية. ولا يقتصر الجدل فقط على محتوى هذه الأعمال، وإنما بسبب شخصية إبراهيم عيسى نفسه، وتصريحاته التي يراجع فيها التراث الإسلامي بلا خوف.
إلا أن لفيلم “الملحد” خصوصية تتعلق بأن موعد عرضه جاء بعد شهور قليلة من انطلاق مؤسسة “تكوين” للفكر العربي.
خالد منتصر: فلنأخذ عزاء الفن والإبداع في سرادق باتساع الوطن
استنكر المفكر والطبيب خالد منتصر إرسال فيلم الملحد للأزهر لمراجعته وإبداء رأيه في السيناريو، وكتب منتصر عبر حسابه على فيسبوك: “فلنأخذ عزاء الفن والإبداع في سرادق باتساع الوطن. مش قادر أسمي هذا الإجراء إلا باسم واحد فضيحة خلاص دبحوا القطة والنهارده اللي قدمت له صباعك بكره يلتهم دراعك، عندما تضع رأسك تحت المقصلة بإرادتك مجانًا لا تسأل عن مكان رأسك هل هو أسفل المقصلة أم في سلة القمامة؟! فالنتيجة واحدة رأسك اختفت وضاعت السماح للدولة الدينية بالتشكل البطيء هو قفزة في الثقب الأسود.
لكي يمر فيلم الملحد كان لا بد أن تقدم قرابين من الحذف والإضافة، لكي يرضى عنه الملالي وسماسرة السماء، كنت أفضل نسخة الصدمة لا نسخة الإذعان للمراجعة الأزهرية”.
سحر الجعارة: الأزهر يؤسس لهيئة الأمر بالمعروف… وهو سقوط مدوٍ للدولة المدنية وللدستور والقانون
من جانبها، أكدت الكاتبة الصحفية سحر الجعارة أن ما يفعله الأزهر من ممارسة الوصاية على المجتمع ويؤسس هيئة للأمر بالمعروف معناه سقوط مدوٍ للدولة المدنية… سقوط للدستور والقانون
وأشارت إلى أنه بمثل تلك الوصاية الدينية تعود مصر للجاهلية، وسخرت من الأمر بقولها: “لم يتبق إلا رئيس الرقابة الفنية يذهب للركوع في أروقة الأزهر ويقبل الأيادي”.
طارق الشناوي: الأعمال التي تقترب من التابو الديني تُعَلَق لها المشانق …. والفن لا بد أن يكون له متنفس فكري
من جهته، صرح الناقد طارق الشناوي إن الأعمال التي تقترب من التابو الديني وتحاول تقديم وجهة نظر طرف آخر، حتى لو بهدف الوصول إلى الإيمان بالعقل والمنطق ووجود نهاية منطقية ومرضية لكل الناس بما فيهم التيارات الدينية، لا تستحوذ إلا على الهجوم حتى قبل مشاهدتها، وهذا مصير محتوم وغير مفاجئ بالنسبة إلينا جميعًا، ونرى ما يحدث لفيلم الملحد الذي لم يُعرض بعد، إذ علقت المشانق لكل مَنْ سيحاول مشاهدته، وجاء الحكم المسبق لمجرد أن العمل يناقش قضية واقعية ويحاول فهم أسبابها، لكن المتربصين لا تعنيهم المناقشة بل الأهم هو المنع والوأد قبل المشاهدة.
وتابع الشناوي: “لا بد أن يكون هناك متنفس فكري يُحدِث جدلًا منطقيًا وهذا في صالح المعتقدات والأديان لأن هذا النقاش يفند بحكمة ومنطق كيفية الوصول إلى الإيمان بالمعتقدات الدينية بكل اقتناع، لكن بكل أسف أي فيلم يحاول طرح أي فكرة متعلقة بالأديان يحارب من قبل تصويره، وتقابله عاصفة رهيبة من الهجوم لمحاولة المنع حتى قبل المشاهدة، ولو فكر المهاجمون قليلًا سيدركون أنه من المهم وجود هذه النوعية، لكن الهجوم يكون على سبيل الاحتياط”.
وكشف الشناوي عن أنه من المستحيل أن توافق الرقابة على أعمال تروج للإلحاد أو تشكك في الأديان، لكن يتم التعرض للقصة بصورة درامية واتجاهات مختلفة لاستخلاص حكمة أو رسالة في صالح الدين وليس العكس. وشدد على أنه “طبقًا للمعايير الرقابية المتعارف عليها، يتم حذف أي مشهد يحرض أو يحمل شبهة الترويج لأي شيء مخالف للدين”.
واختتم بأن “قضية الإلحاد موجودة ومعروفة، ومن حق الفن أن يتناول كل قضايا وشرائح المجتمع وتقديم ذلك بصورة محايدة من دون تبنّ للقضية أو دفاع أو ترويج”.
الفيلم مجاز رقابيًا، وقد مر على كل الجهات القانونية التي لها الحق في السماح بعرضه، والمنتج أحمد السبكي لن يغامر بأمواله لطرح فيلم يعادي به الجمهور. والفيلم مهما طرح من أفكار تخالف معتقدات البعض يمكن الرد عليه بعمل آخر، فلماذا الخوف إذًا وإصدار الأحكام المسبقة؟
ليس من حق الأزهر أو أي مؤسسة دينية أن تمارس أي رقابة على الفن بمصر وعلى الأفلام والمسلسلات أو أن تمارس وصاية وسلطة دينية وكأن مصر تحولت لدولة دينية كإيران تمارس الرقابة على حرية الفن.
يجب عرض فيلم الملحد مع كفالة حرية الفن وحرية انتقاد الفيلم وعدم منع عرض هذا الفيلم حتى وإن تعارض مع ثقافة المجتمع أو تعارض مع الأديان. الفن رسالة يجب ممارستها بكل حرية.