34.4 C
Cairo
الثلاثاء, يوليو 8, 2025
الرئيسيةفكر مسيحيهل تتعارض نهاية يهوذا في إنجيل متى مع أعمال الرُسل؟

هل تتعارض نهاية يهوذا في إنجيل متى مع أعمال الرُسل؟

بقلم جيمس بيجون

يقدم متى ولوقا تقريرين مُختلفين بعض الشيء بخصوص موت يهوذا. يقول متى إن يهوذا شنق نفسه، في حين ينتهي لوقا بأن جسده انشق (قارن متى٢٧: ٣-٨؛ مع أعمال الرسل١: ١٨، ١٩).

تطرح التناقضات بين القصتين عددًا من الأسئلة وأشهرها هو “كيف يُمكن أن تكون القصتان صحيحتين؟” إن أفضل اعتقاد هو إن متى يصف كيف اختار يهوذا أن يقتل نفسه، بينما يصف لوقا الحالة النهائية لجسد يهوذا (أي ممدد على الأرض).

لكني أُريد أن أُركز على سؤال مُختلف: لماذا قد يختار متى ولوقا أن يصفا موت يهوذا بطرق مختلفة في المقام الأول؟

متى: يهوذا كأبشالوم آخر

لماذا يُقدم متى يهوذا وهو يشنق نفسه بدلاً من أنه يقع على الأرض وتنسكب أحشاؤه؟ لأن متى يريدنا أن نرى موت يهوذا في ضوء خلفية كتابية معينة: وهي موت أبشالوم، الابن المتمرد لداود.

كان موت أبشالوم غير عادي. بينما كان راكبًا على بغلته، علقت رأسه في أغصان شجرة بلوط، والتي تركت جسده “مُعلقًا” بشكل غير مُلائم في الهواء (صموئيل الثاني١٨: ٩، ١٠). وهكذا يُمكن أن يُقال إن أبشالوم مات ميتةً مثل ميتة يهوذا، أو بشكل أدق، يُمكن أن يُقال إن يهوذا مات ميتةً مثل ميتة أبشالوم. يعد هذا الأمر مُهمًا لأحداث متى ٢٦ و٢٧، كما سنرى.

أولاً: كلمة أو اثنتان عن مفهوم “الصداقة” تُعد ضرورية هنا. تُوصَف فكرة الصداقة بتعبيرات ناقصة في العهد القديم. لا يُعتبر حيرا “صديقًا” حقيقيًا ليهوذا، بما أنه ساعده على تغطية خطيته (تكوين٣٨: ٢٠). ولا حتى أصدقاء أيوب أفادوه كثيرًا. (يُمكن تقديم أمثلة أخرى بسهولة.)

كان لداود خبرات مُحزنة بالتحديد مع أصدقائه. تمت خيانته بشكل متكرر من أقرب الناس إليه (مزمور٤١: ٩؛ ٥٥: ١٢-١٤، ٢٠، ٢١)، ويُعتبر ابنه أبشالوم مثالاً نموذجيًا.

لهذه الحقائق صلة بالموضوع بما أن كتاب الأناجيل الأربعة وبالتحديد متى، يُظهرون يسوع بصفته “ابن داود” (متى١: ١-١٧؛ ٩: ٢٧؛ ١٢: ٢٣؛ ١٥: ٢٢؛ ٢٠: ٣٠، ٣١؛ ٢١: ١٥؛ ٢٢: ٤٢-٤٥). فبشكل مُناسب إذًا، كما تمت خيانة داود (وطرد من مملكته) بواسطة أقرب الناس إليه، كذلك حدث مع يسوع. علاوةً على ذلك، يُذكر فقط في تقرير متى عن خيانة يهوذا، أن يسوع أشار إلى يهوذا بوضوح باعتباره “صاحبه” (متى٢٦: ٥٠). هذه ليست تفصيلة شكلية: لكن قُصد منها أن تُظهر أحداث متى ٢٦ في ضوء مفهوم الصداقة الموصوف أعلاه، وبالتحديد في علاقة تلك التفصيلة بخبرة داود مع الصداقة.

وهذا هو ما أقدمه كسبب لقيام متى بوصف مصير يهوذا في ضوء مصير أبشالوم. كان يسوع بالنسبة ليهوذا مثلما كان داود لأبشالوم. أو لأصيغها بشكل مُختلف، إذا كان يسوع مسيحًا داوديًا، فإن يهوذا كان خائنًا أبشالوميًا. إذًا، كما يترك سرد سفر صموئيل الثاني أبشالوم معزولاً ووحيدًا ومعلقًا على شجرة بطموحه الذاتي، هكذا يفعل سرد متى مع يهوذا.

لوقا: يهوذا كآخاب آخر

بالإضافة إلى ذلك، في حين كان متى جابي الضرائب مُهتمًا أكثر بالجانب المالي لموت يهوذا (أي التخلص من المكتسبات غير الشرعية)، كان لوقا الطبيب مهتما أكثر بالدم المسفوك. أيضًا يخصص لوقا مساحة أقل لخيانة يسوع من قبل يهوذا (عددين بدلاً من أربعة) ويُخصص مساحة أكبر لخبرة يسوع في بستان جثسيماني (ينفرد لوقا بوصف عرق يسوع وهو نازل على الأرض كقطرات دم). وبشكل مُناسب، حين يُركز متى على اختناق يهوذا، يركز لوقا على انسكاب دم يهوذا (أعمال الرُسل١: ١٨، ١٩) وبذلك يعكس السخرية القاتمة لمصير يهوذا. (الذين ينحازون إلى أعداء يسوع في هذه الحياة سيموتون موتًا مؤسفًا.)

يُمكن أن يكون لدى لوقا أيضًا حادثة مُعينة من العهد القديم في ذهنه.

هل يُشير العهد القديم إلى أي شخص سفك دمًا بريئًا ليحصل على قطعة أرض، وبعدها تُلقى جُثته في قطعة الأرض تلك وتلطخ دماؤه ترابها؟ هذا ما يحدث بالضبط في قصة كرم نابوت (ملوك الأول٢١؛ ملوك الثاني٩: ٢٥، ٢٦). يقوم آخاب مثل يهوذا باستغلال نفوذه في إسرائيل، ومثل يهوذا، يَسفك دمًا بريئًا من أجل المكسب المادي؛ وكنتيجة، ينال مثل يهوذا عقابه المستحق.

تُعتبر التشابهات بين حياة يهوذا وآخاب مُهمة لسبب آخر. بقدر ما يدعونا لوقا إلى أن ننظر إلى موت يهوذا في ضوء موت آخاب، يدعونا أيضًا إلى أن ننظر إلى موت يسوع في ضوء موت نابوت، وهو أمر مُفيد للغاية. كان يسوع شاهدًا أمينًا مثلما كان نابوت. حافظ على نزاهته في وجه النظام الفاسد. هو المالك لكرمة ما (إسرائيل!). اُفتري عليه من قبل شاهدين زور في حدث ديني انعقد على عجل. واقتاده مُتهميه إلى خارج العاصمة حيث أُعدم بشكل مخزٍ.

وهكذا يتم تصوير ما حدث ليسوع باعتباره ذروة ما قام به الأشرار تجاه الأبرار عبر الأجيال (انظر إلى مثل الكرامين في لوقا٢٠: ٩-١٨؛ وقارن مع ١١: ٤٧-٥١). في نفس الوقت، تكمل قيامة يسوع قصة نابوت، إذ إنها تكشف عن كيف سيتم تبرئة البار. وبالتالي، عندما خُطف استفانوس وأتوا به إلى المجمع اليهودي، وتم الافتراء عليه من قِبل شهود زور، واُقتيد إلى خارج المدينة ليعدم (أعمال الرُسل ٦، ٧)، لا يبدو أنه تفاجأ. لا ينبغي أن يُنتظر من العالم أن يُعامل أتباع يسوع بشكل أفضل مما عاملوا يسوع. أما الله فيُمكن أن يُنتظر منه أن يُبرئ شعبه في النهاية.

لا تكتف بالإجابات السهلة

يسجل كل من متى ولوقا حادثة موت يهوذا بطرق مختلفة، لكنهما يفعلان ذلك لأسباب يُمكن تمييزها.

يظهر مبدأ هام من هذه الاعتبارات. إن التوترات الموجودة في الكتاب المقدس ليست تناقضات. وليس المقصود أن يتم التخلص منها بتبريرها؛ لكن المقصود منها هو أن تجذبنا إلى مسافة أعمق في تفاصيل الكتاب المقدس وتعقيداته. وبالطبع، بما أن الكاتب الأساسي للكتاب المقدس جدير بالثقة، فإذًا لا نحتاج إلى أن نقلق مما يمكن أن يكشفه فحص تفصيلي لمحتواه. نحتاج ببساطة إلى الثقة والمثابرة في الانتظار أمام النص، بدلاً من الإمساك بحلول سريعة وسهلة.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا