24.4 C
Cairo
الأحد, نوفمبر 17, 2024
الرئيسيةتحقيقاتمهرجان كان 76.. فيلم "إن شاء الله ولد" الأردني يعري ظلم المجتمع...

مهرجان كان 76.. فيلم “إن شاء الله ولد” الأردني يعري ظلم المجتمع للمرأة و”وداعًا جوليا” يفتح جراح السودان

مهرجان كان 76.. فيلم “إن شاء الله ولد” الأردني يعري ظلم المجتمع للمرأة و”وداعًا جوليا” يفتح جراح السودان
هل تنجح السينما في تكليل كفاح المرأة في البلاد العربية ضد الذكورية والعنصرية والقبلية والشرائع البالية

يشارك الأردن والسودان في مهرجان كان السينمائي بنسخته الـ76 لأول مرة. ويحضر البلد المشرقي بفيلم “إن شاء الله ولد”، الذي يعيد رسم كفاح المرأة في البلاد وبالعالم العربي عمومًا أمام قوانين ذكورية، قضية الميراث كمثال، التي يعالجها المخرج أمجد الرشيد. أما زميله السوداني محمد كردفاني، فيفتح جراح السودان العميقة المجتمعية والسياسية، من عنصرية، وقبلية وغيرهما، ويأمل أن يعود يومًا لبلاده للمشاركة في إعادة بناء الجزء المتعلق باختصاصه المرتبط بالفن السابع.

تحضر قضية المرأة باستمرار في النقاش العربي، بحكم أن وضعها لا يزال يحتاج إلى الكثير من الشجاعة السياسية لدفعه نحو الأفضل. ويبقى الفن، وفي مقدمته السينما، رافعة مهمة في تحريك هذا الملف والإسهام في كسر الجمود حوله من قبل المخرجين التواقين لمجتمعات أخرى، تنال فيها المرأة مكانتها الحقيقية.

قد يكون هذا هو المنطلق الذي حفز المخرج الأردني أمجد الرشيد على الخوض في الموضوع عبر “إن شاء الله ولد”، المشارك في مسابقة “أسبوع النقاد” بمهرجان كان السينمائي. لا سيما معاناة النساء الأرامل مع قوانين الإرث، واللواتي يكافحن في الغالب بصمت في العديد من المجتمعات العربية. علما أن إحدى قريباته عاشت الأمر نفسه. “لقد دفعني الأمر للتساؤل عما كان سيحصل لو قالت هذه المرأة لا للتقاليد؟”. يقول الرشيد:

ويقصد بـ “لا”، أي رفض الاحتكام لهذه القوانين التي تخول أقارب الزوج، في حال لم ينجب ذكورًا، الاستفادة مما تركه من ممتلكات وأموال. وهذا أمر يبدو مستحيلًا بالنسبة لها في مجتمعات تحكمها قوانين قاسية معهاويقول المخرج الأردني-حسب فرانس 24- “الظلم الذي يتعرض له النساء لا يقتصر على طبقة اجتماعية أو ديانة”.

كما أن اختيار الرشيد لهذا الموضوع، كان بحكم تفشيه بكثرة في المجتمع، حسب تصريحاته. وكان جميع من يتحدث لهم عن العمل يقولون: إن هذا “حصل مع أختي أو جارتي”.

وبالتالي، فهو يفضح نوعًا من النفاق في الخطاب السائد بالمجتمع العربي حيث يشيد الكل هنا وهناك بدور المرأة، لكن الواقع شيء آخر. وسعى بالتالي إلى وضع هذه المجتمعات أمام هذا التضارب بين الخطاب والممارسة. “نسمع دائمًا مقولة إن المرأة نصف المجتمع، فكيف يمكن حرمانها من كل حقوقها؟ كيف نريد للمجتمع أن يتطور؟”

قوانين ظالمة

يحكي فيلم “إن شاء الله ولد” قضية أرملة تضطر إلى مواجهة قوانين قاسية، ستزيد من معاناتها بعد فقدان زوجها في مجتمع ذكوري لا يرحم. ويتآمر عليها الجميع لتجريدها من الجزء الأكبر من الميراث، فقط لأن زوجها الراحل لم ينجب ولدًا ذكرًا يخلفه.

ويفضح الفيلم، الظلم الذي تتعرض له هؤلاء النساء في شخص الممثلة منى حوا التي تلعب دور نوال، الزوجة التي فقدت زوجها، حيث تواجه ترسانة من القوانين غير المنصفة، خاصة منها المتعلقة بالإرث، والتي تخول للمقربين من المتوفى الاستفادة من الميراث، لأنه أنجب منها مولودًا أنثى فقط.

وسيمارس عليها العم شتى الضغوطات، بذريعة نيل حقوقه الشرعية، بدون مراعاة الظروف الاجتماعية الصعبة التي تهدد أرملة شقيقه وطفلته. وستجد نوال نفسها وحيدة في مواجهة هذه العاصفة خاصة بعد أن تحالف أخوها مع العم حتى لا تثار، حسب رأيه، فضيحة في العائلة. وللتخفيف من ثقل هذه الضغوط ضدها اختلقت منى قصة أنها حامل.

“إن شاء الله ولد” هو أول فيلم أردني يشارك في مهرجان كان السينمائي، ونالت هذه المشاركة تقدير الكثير من المهتمين السينمائيين، لأهمية الموضوع وشجاعة المخرج في تناوله، والذي يترقب اليوم ردود فعل الجمهور الأردني غير المعتاد على مشاهدة قضاياه سينمائيًا، بل لا يزال “حساسًا بدرجة كبيرة” حيال ذلك، حسب المخرج نفسه.

يذكر أن الفيلم تبلغ مدته 90 دقيقة وتم تصويره في العاصمة الأردنية عمان لمدة خمسة أسابيع في عام 2022. الفيلم من إنتاج شركة Imaginarium Films وبطولة منى حوا وهيثم العمري وسلوى نقارة ويمنى مروان ومحمد الجيزاوي وإسلام العوضي.

السودان يفتح جراحه في “وداعًا جوليا”

على غرار الأردن، شارك السودان لأول مرة في تاريخه بمهرجان كان من خلال فيلم “وداعًا جوليا” لمحمد كردفاني. ويطرح المخرج التعقيدات المجتمعية والسياسية التي تنخر السودان، وتسببت في معظم مآسيه إن لم تكن كلها. ويضغط بقوة على مكامن الجرح في هذا النسيج المترامي الأطراف.

البداية الساخنة عند مقتل شاب يحاول مطاردة امرأة أصابت بسيارتها ابنه بدون أن تقصد، يلاحقها بدراجته البخارية ويطلق عليه زوجها طلقات بندقيته أردته قتيلًا بحجة أنه كان في لحظة دفاع عن النفس. الجريمة بلا شهود عيان، ولكن بطلة الفيلم التي تؤدى دورها إيمان يوسف تحركها الرغبة في التكفير عن ذنبها، وتبحث عن العائلة في محاولة منها للمساعدة، وتصبح جوليا أرملة الضحية مساعدة لها في البيت وتؤدى دورها سيران رياك، ويعيش ابنها معها، وهى أقرب إلى مكانة الصديقة منها لمديرة البيت، ويرقص ويغنى الثلاثة معًا؛ السيدتان والطفل. الأحداث تواكب المطالبة السياسية بانفصال الجنوب عن الشمال، في عهد (البشير)، بينما المشاعر والصداقة بين المرأتين تزداد اقترابًا، والمرأة التي تنتمى للجنوب تصحبنا في رحلة لزيارة الكنيسة، وحرص المخرج على أن تظل تضع الصليب على صدرها في كل مشاهد الفيلم، مشيرًا إلى أن الشعب يتقبل الديانتين، وفى الكنيسة نتابع الطقوس الدينية الممزوجة بالموسيقى، وذلك في خط مواز يؤكد أن العمق واحد حتى لو اختلفت الديانة، يبدأ الضغط بتهييج مشاعر الانفصال، والمخرج يترك دائمًا مساحة من الإضافة لدى جمهوره فهو لا يقدم كل شيء، ويسمح للمتفرج بإضافة العديد من التفاصيل، لنرسم نحن الصورة، الخطوط المتعارضة ظاهريًا، إلا أنها في النهاية تنسجم وتقدم لنا (بورتريه) لشعب واحد ينقسم على نفسه، الجريمة الأولى غير مقصودة ولكنها تعبر عن الرعونة في اتخاذ القرار المناسب، في التوقيت الحتمى وكأنها معادل موضوعى لحالة السودان السياسية التي دفعت الجنوب للمطالبة بالاستقلال، ممارسات الشمال لعبت دورًا رئيسيًا في تأكيد تلك الرغبة رغم أن مشاعر (جوليا) التي تمثل بحضورها الرمزى الجنوب، إيجابية تجاه صديقتها الشمالية، ورفضها للانفصال تعلنه أكثر من مرة قبل أن تكتشف أنها وابنها كانا يعيشان في منزل الرجل الذي قتل زوجها، الذي هو معادل للوطن الأكبر الذي يضم كل أطيافه.

“القبلية، العنصرية والاستقطاب”، ثلاثة أمراض وقف عندها المخرج، تسبب فيها أنه “لدينا ميل سام جدًا إلى الافتخار بكل ما يقسمنا من: جنس، قبيلة، عرق، ودين. هي الأشياء التي يفتخر بها الناس عادة، ولذلك نعيش حروبًا باستمرار. أعتقد يجب أن نبني هوية جديدة، نعتز فيها بما لا يفرقنا كالحرية، العيش المشترك والشفقة…”.

ويضيف مخرج الفلم: “الشعور بالذنب هو الذي دفعني إلى كتابة هذه القصة في البداية. عندما رأيت أن نتيجة الاستفتاء بلغت 99%  لصالح الانفصال، (يقصد انفصال جنوب السودان)، أدركت أن القضية ليست سياسية وإنما عنصرية. وأدركت أيضًا أني كنت أنا بدوري مذنبًا. وشعرت أني مطالب بأن أبتعد عن بعض الأفكار المحافظة المتوارثة من العائلة والمجتمع. كل شخصيات الفيلم يمثلوني في مراحل مختلفة من حياتي. إذن نعم شعرت بأني مذنب لانفصال جنوب السودان. شعرت بالذنب، وأنا أفكر في علاقاتي السابقة، بشأن سلوكي المحافظ والقمعي إلى حد ما. وعندما بدأت أرى الأشياء بشكل مختلف، شعرت بالحاجة إلى كتابة كل ذلك”.

ويتحدث الفيلم عن قصة جريمة في الخرطوم قبل الاستفتاء الذي منح الاستقلال لجنوب السودان، تورطت فيها امرأة “مونى” التي تؤدي دورها الممثلة إيمان يوسف، وهي من عائلة ثرية وتنتمي إلى الشمال، حيث ستُشغل خادمة من الجنوب، وهي عارضة الأزياء سيران رياك في دور جوليا، للتغطية على قتل زوجها دهسا بالسيارة. وتسجل هذه الجريمة كدفاع عن النفس بحكم العلاقات التي يتمتع بها زوجها.

ورغم الجريمة المرتكبة، يقدم المخرج هذه المرأة بضمير حي، أشعرها بالذنب تجاه القتيل وعائلته. وهكذا قامت بالبحث عن زوجته “جوليا” التي لم تكن تعرفها في السابق، وعرضت عليها عروض عمل مقنعة لكي تقبل بالعمل لديها. وكانت تتعامل معها ومع أبنائها كأفراد من أسرتها.

“شعور منقسم”

على غرار الفيلم الأردني “إن شاء الله ولد”، حظي “وداعًا جوليا” بمتابعة كبيرة وتقدير من قبل النقاد كعمل انتفض ضد سموم مجتمعية وسياسية تنخر جسد البلد، وهذا كان بشجاعة مخرج ليس بجديد على الميدان، وكان له في السنوات الأخيرة حضور على الساحة السينمائية العربية. وحازت أعماله عددًا من الجوائز بينها فيلمه القصير “نيركوك” المتوج بـ “الفيل الأسود” لأفضل فيلم سوداني في 2017.

وبشأن تزامن مشاركة فيلمه مع الأحداث التي تعيشها بلاده، قال كردفاني: “شعوري منقسم بشكل كبير. من ناحية أشعر أني سعيد جدا وتشرفت، ومن ناحية ثانية أشعر بأن قلبي محطم وبالذنب للاحتفال بهذا النجاح في وقت يفر فيه مواطنيه من الحرب ومن القصف”.

وعن حظوظ عرض “وداعًا جوليا” يومًا ما في السودان، يجيب المخرج: “قبل اندلاع الحرب، كنت قررت عرضه في السودان. سأعود إلى بلادي بمجرد أن تتوقف القنابل. وآخرون سيعودون أيضًا. وأعرف أننا سنعيد بناءها. ومن الأشياء التي سنشيدها قاعات السينما التي تم هدمها في جميع ربوع البلاد. ليس من المفروض أن تكون هذه القاعات من الطراز الرفيع. مجرد جهاز للعرض وشاشة بيضاء كافيين”.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا