جاكوب موري
ما الذي ينبغي أن يعرفه المؤمنون الأكبر عمرًا عن أبناء الجيل “زد” (جيل ما بعد جيل الألفية) حتى يتلمذوهم على النحو الأمثل، وينجحوا في الوصول إليهم برسالة الإنجيل؟ من المؤكد أن هذا موضوع واسع، وأنا مجرد فرد واحد من هذا الجيل (أي مواليد 1997-2022)، والذي هو جيل شديد التنوع. لكن ربما كان من المفيد أن أعرض بعض الجوانب من الثقافة الإنجيلية المعاصرة التي تزعج جيلي بوجه عام.
ليس الهدف من ذلك هو أن أصيب المؤمنين الأكبر عمرًا بالحرج، أو أن أفترض أننا نحن الشباب أكثر استنارةً منهم؛ بل الهدف هو أن أفتح مجالًا للمناقشة التي يمكن أن تقود أبناء الأجيال المختلفة إلى أن يهتموا بعضهم ببعض، ويفكروا بعضهم مع بعض، ويخدموا بعضهم مع بعض على نحو أفضل في عالم يتغير باستمرار.
ولتحقيق تلك الغاية، إليكم خمسة أشياء تبعث على إحباط الإنجيليين الشباب.
1. التوجهات السياسية والحزبية وتشكيل الإيمان
خلال السنوات القليلة الماضية، ازداد إحباطنا وسأمنا من الخلط بين السياسة والإيمان، والذي نراه حادثًا في كثير من الأحيان بين المؤمنين الأكبر عمرًا. ليس السبب في ذلك هو أننا لا نقدِّر قيمة الكثير من القضايا نفسها التي يقدِّر هؤلاء المؤمنون بقيمتها، بل السبب هو أن آباءنا وأمهاتنا وجدودنا يشككون في كثير من الأحيان في استقامة إيماننا المسيحي إذا لم نتبع تمامًا انتماءاتهم السياسية. فعندما نحيد، ولو قليلًا، يمينًا أو يسارًا، يُفترَض في كثير من الأحيان أن إيماننا في خطر.
يبدو لي في بعض الأحيان كما لو أن الأجيال الأكبر عمرًا تريد منا أن “نختار ملكًا”، على غرار (1 صم 8: 6-8). لكن الكثيرين في جيلي لا يريدون أن يُعرفوا على أنهم مع تلك المؤسسة العسكرية أو المرشح المدني، بل على أنهم مشابهون للمسيح. ربما يُنظر إلى ما أقوله هذا على أنه ينم عن “براءة” أو “سذاجة”، لكن الكثير من مؤمني جيلي يشاركونني ما أقوله ويرون أنه منطقي وكتابي.
2. عندما تعلو الدفاعيات على العلاقات
دعوني أوضح كلامي. الدفاعيات المسيحية مهمة بحق، لأنه ثمة أهمية حيوية أن نَعلَم لما نؤمن بما نؤمن به، ولمَا تُعَد تلك المعتقدات منطقية. لكن الكثيرين من الجيل “زد” لاحظوا استخدام الدفاعيات كسلاح ضد غير المؤمنين. لقد غادرتُ مدرستي المسيحية الخاصة مستعدًا أن أخوض حربًا ضد الملحدين في العالم، مفترضًا أنهم سيكونون عدائيين، أو أنهم سيسعون إلى الصراع معي. لكنني، في المقابل، وجدتُ شبابًا كانوا في أسوأ الأحوال فقط يظنون أن المسيحية ديانة غريبة، لكنهم في أحيان أكثر كانوا فقط يشعرون بالوحدة ويبحثون عن علاقات ذات معنى.
في الكثير من صداقاتي مع غير المؤمنين، صارت الدفاعيات أداة ثمينة، لكنني صرتُ أستخدمها فقط بعد تكوين رابطة وعلاقة معهم. فقد كانت لدي إجابات مدروسة عن أسئلة صعبة من قبيل: “إذا كان الله صالحًا، فلم يسمح بالشر؟” لكن هذه الأسئلة لم تنهل عليَّ كالسهام من الأستاذ جيفري راديسون (من فيلم God’s not Dead)، بل كانت تُطرَح عليَّ في ضعف من أصدقاء متألمين أو باحثين عن الحقيقة. هل ينبغي مع ذلك أن نظل متأهبين لمواجهة مَنْ هم على غرار ريتشارد دوكينز إذا أرادوا نقد المسيحية؟ أجل، بالتأكيد. فما نعرفه يجب ألا يتغير، لكن ربما ما ينبغي أن يتغير هو نبرات صوتنا، أو التوقيت الذي نختاره، أو الأسلوب الذي نتحدث به عن الأمر.
3. عندما لا يسلك المؤمنون بمقتضى ما يؤمنون به
نشعر بذلك بقوة مع كل أزمة سياسية أو اقتصادية تضعنا أمام خيارات وقيم غير أخلاقية وغير مسيحية واضحة. جيلي شديد الحساسية تجاه الرياء الذي رأيناه متفشيًا في كل مكان من حولنا في السنوات الماضية. كذلك، نحن حساسون كثيرًا تجاه الرياء اللاهوتي وتطبيق عقائد منتقاة.
يُستشهَد بالمبادئ الكتابية عن الأخلاقيات الجنسية لمعارضة الزواج المثلي، لكنها تتعرض للتجاهل في مسائل أخرى كالطلاق أو المساكنة قبل الزواج. كذلك، يستعان بالصواب بمبدأ “صورة الله” لمحاربة ثقافة الإجهاض، في حين لا يستعان به لمقاومة العنصرية. إننا نصر على أن الخطية يمكن أن تتخذ صورًا مؤسسية، وأن تصيب مجتمعات كاملة، لكننا مع ذلك نكون انتقائيين بشأن الخطية التي نود مواجهتها. الكثيرون في الجيل “زد” يدركون أن السلوك بأمانة يستلزم تطبيق الكتاب المقدس في اتساق وثبات، حتى وإن كان يتعارض مع مواقفك السياسية.
4. عندما يشتهر المؤمنون بالإدانة أكثر من المحبة
إن الدينونة والمحبة كليهما جزء من طبيعة الله. كذلك، النعمة والتوبة كلاهما جزء من الإنجيل، فقد تعامل يسوع مع الخطاة بمحبة، لكنه أوصاهم أيضًا أن “يذهبوا ولا يخطئوا أيضًا” (يو8: 11). لكن في يومنا هذا، أصبح الكثير من المؤمنين مشهورين بـ “بالإدانة” أكثر من “المحبة”. قطعًا، إن الثقافة المحيطة بنا قد شوهت تعريف كلتا الصفتين. توجد وصايا كتابية تبدو انتقادية بالنسبة لمجتمعنا، لكنها في حقيقة الأمر مُحِبة. فربما تبدو مواجهة ومعارضة أخ أو أخت يسلكان في الخطية أنها إدانة، لكن في النهاية يؤدي هذا إلى حياة لهؤلاء، وهذه محبة.
إن ثقافتنا العلمانية صارت مشوهة. وفي حقيقة الأمر، النظرة المحدودة والضيقة للمحبة هي فرصة متاحة لنا كي نمارس النعمة والمحبة الكتابية بأكثر قوةً، دون أن نساوم في الوقت نفسه على الحق أو القداسة. يجب أن تكون الاتهامات التي توجَّه إلى المسيحية بأنها ديانة “إدانة” متوقعة إلى حد ما، لأن مطالب الكتاب المقدس الأخلاقية دائمًا ما ستبدو كذلك للبعض، لكننا نرجو كجيل أن يشتهر إيماننا بالمحبة الجذرية الشبيهة بمحبة المسيح، وأن يجتذب ذلك غير المؤمنين، مثلما حدث في القرون الأولى للمسيحية في الإمبراطورية الرومانية.
5. عندما لا يكون المؤمنون مفكرين جادين
في زمنٍ صار فيه التفكير المتمعن والنقدي في انحدار مستمر، بينما يتزايد ويتصاعد السلوك المتسم بالكسل الفكري، يشتهر المؤمنون للأسف بأنهم الأسوأ في هذا الشأن. فالمؤمنون بصفة خاصة بارعون في تجنب نصائح الخبراء التي لا تروق لهم، مشاركين بهذا، سواء عن معرفة أو جهل، في حملات التضليل.
ربما لديك قريبة مسيحية تنشر باستمرار على وسائل التواصل الاجتماعي مقالات مشكوك في صحتها أو نظريات مؤامرة، الأمر الذي يكشف عن استعداد طائش لتصديق معلومات مشكوك فيها دون تكبد عناء فحص الحقائق. وهذا مجرد ناتج واحد من توجه أكبر نراه من حولنا، ويصيبنا بالإحباط، وهو توجه ينم عن انعدام الثقة في المجتمع الأكاديمي، وفي الحياة الفكرية بوجه عام.
هذا أمر محبط ليس لأن المجال الأكاديمي هو الحق المطلق، بل لأن الله هو الحق المطلق (مز19: 7). وبصفتنا مؤمنين بـ “إله الحق”، علينا أن نكون، من الناحية الفكرية، أكثر نشاطًا من غير المؤمنين، فلدينا الموارد التي تتيح لنا أن نفعل ذلك. وفي حين أن الأكاديميين والمفكرين ليسوا معصومين من الخطأ، فإنهم يتمتعون بخبرة حقيقية، وهذا يجب أن يهم المؤمنين.
لكن بتقليل المؤمنين من شأن الدراسة الأكاديمية الدقيقة والمؤهلات الأكاديمية والخبرة فإنهم في الغالب ينسحبون من جبهة تشكيل الثقافة والمجتمع. إذ كان لدينا، نحن المؤمنين، الكتاب المقدس أساسًا راسخًا، فعلينا أن نكون المفكرين الأشد فضولًا وأن نصبح صناع الثقافات في العالم. ينبغي أن نقدِّر قيمة التعلم والتعليم، لا لمجدنا الشخصي، بل لمجد الله.