19.4 C
Cairo
الخميس, مايو 22, 2025
الرئيسيةتحقيقاتلماذا مساجدنا أكثر من مدارسنا؟ تساؤل هام... واقتراح مُلام

لماذا مساجدنا أكثر من مدارسنا؟ تساؤل هام… واقتراح مُلام

لماذا مساجدنا أكثر من مدارسنا؟ تساؤل هام… واقتراح مُلام
الحلول: زياد الإنفاق على التعليم… تعيين معلمين… بناء مدارس

تحقيق: إيهاب قزمان

‎لا خلاف على أن تسييس الدين كفيل بتدمير هذا الوطن، والحل يكمن في “تجريم” تعليم الدين في الجوامع والأزقة، ورغم إصرار الرئيس السيسي المستمر لتجديد الخطاب الديني وتنقيح المناهج والأحاديث إلا أنه قد جانبه الصواب في الاقتراح الأخير الخاص بإقامة مدارس داخل المساجد، فهو يطعن الدولة المدنية في مقتل ويضع حجر الأساس للدولة الدينية بلا منازع.

بينما يرى آخرون أن اقتراحه هذا جاء بمنطق البحث عن حلول عملية في ظل أزمة اقتصادية، ورغبة كبيرة في إنعاش قطاع التعليم على وجه التحديد، طرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سؤالاً على المصريين خلال حفل تخرج أئمة وزارة الأوقاف بالأكاديمية العسكرية، قائلاً :”لماذا المساجد أكثر من المدارس؟” وهل يمكن استخدام المساجد للعبادة والتعليم في نفس الوقت؟

ويؤكد البعض على أن الحل يكمن هو تأصيل الفكر العلماني المدني المتحضر ليحمي الأديان وتابعيها من عسف وجور بعضنا البعض، بل إن شئنا الدقة حماية أصحاب المذاهب المختلفة والأقليات داخل الوطن الواحد بل وأيضاً داخل الدين الواحد، لتكون لدينا أجيال واعية بحقوقها وكما ينص الدستور رافضة للالتزام السياسي بالتراث. فلا سلطان إلا للعقل، وتحرير وجداننا من الخوف والطاعة إلا بالقانون، فكما أن علينا أن نفصل بين الدين والدولة فالأولى والأهم  أيضاً أن نفصل بين التعليم والدين.

 السيسي يقترح استخدام بعض المساجد كمقار لتعليم طلاب المدارس

الرئيس عبد الفتاح السيسي اقترح خلال حفل تخرج الدورة الثانية لتأهيل أئمة وزارة الأوقاف من الأكاديمية العسكرية المصرية، وذلك بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية.

أكد السيسي أن الكلمات وحدها لا تكفي لإحداث تأثير في المجتمع، بل يجب أن تُترجم إلى أفعال إيجابية وفعالة تُشكل مسارًا يُتبع ويُنفذ، وضرب مثالاً على ذلك باستخدام مقار المساجد، إلى جانب كونها أماكن للعبادة، لتقديم خدمات تعليمية للطلاب

حيث قال نصًا: “إحنا عندنا مساجد كتيرة جدًا وعندنا في نفس الوقت عدد قليل من المدارس قياساً بعدد السكان، وكان أيام النبي يستخدمون المساجد في كل شؤون الدنيا، النهاردة ليه ما بنستفدش من المساجد الموجودة، بتشتغل بالكتير في كل صلاة 10 دقائق عشان نخلي فيها بشكل أو آخر – بعضها يسمح بهذا – نعلم فيها ولادنا كل أولادنا، يقولك نعمل مدرسة ونعمل جامع، ممكن أعمل الجامع ويبقى جواه المدرسة.”

وأضاف الرئيس: “في زمن تتعاظم فيه الحاجة إلى خطاب ديني مستنير، وفكرٍ رشيد، وكلمة مسئولة، تتجلّى مكانتكم بوصفكم حَمَلة لواء هذا النهج القويم. وقد أدركنا منذ اللحظة الأولى أن تجديد الخطاب الديني لا يكون إلا على أيدي دعاة مستنيرين، أغنياء بالعلم، واسعي الأفق، مدركين للتحديات، أمناء على الدين والوطن، قادرين على تقديم حلول عمليةٍ للناس، تداوي مشكلاتهم وتتصدى لتحدياتهم، بما يُحقق مقاصد الدين ويحفظ ثوابته العريقة.”

وقال: “ولا تنحصر مهمة تجديد الخطاب الديني في تصحيح المفاهيم المغلوطة فحسب، بل تمتد لتقديم الصورة المشرقة الحقيقية للدين الحنيف.”

عدد المساجد يفوق عدد المدارس بــــ 6 أضعاف في مصر

يبلغ إجمالي عدد المساجد في مصر 151,194 مسجد، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عام 2024.

وبحسب الإحصاء، تضم محافظة الشرقية أكبر عدد من المساجد بإجمالي 16,431 مسجد، تليها البحيرة بإجمالي 14,294 مسجد والجيزة بإجمالي 10,363 مسجد. وفي العاصمة القاهرة 3450 مسجدًا.

في المقابل، فإن عدد المدارس في مصر يصل إلى 27 ألف مدرسة، بحسب د. أيمن بهاء الدين نائب وزير التربية والتعليم والتعليم الفني.

من جانبه، صرح محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني بأن المنظومة التعليمية في مصر تضم 550 ألف فصل، بينما هناك عجز في 250 ألف فصل.

ولفت أن كثافات الفصول في بعض المدارس تخطت جميع المعايير، مثل الخصوص والخانكة بالقليوبية، وبلغت كثافات الطلاب في معظم مدارس إدارات الجيزة 150 و160 طالب في الفصل، فضلاً عن أن متوسط عدد الطلاب في الغالبية العظمى من المدارس يبلغ ما بين 80 و90 طالب في التعليم الحكومي.

اقتراح تحويل المساجد إلى مدارس ينسف الدولة المدنية ويؤسس للدولة الدينية

كمال مغيث: الحل في زيادة الإنفاق على التعليم وليس تحويل المساجد لمدارس

من جانبه، قال كمال مغيث الخبير بالمركز القومي للبحوث التربوية إن المعروف أن الرسول كان يعلم صحابته أصول دينهم، ولم يكن اختيار الرسول للمسجد لتعليم صحابته لأن هذا هو المكان الطبيعي، ولكن لأن جزيرة العرب لم تكن قد عرفت بعد المدرسة التي عرفتها حضارتا مصر واليونان.

ويتابع مغيث: “وظل المسجد هو المكان الذي يتشاور فيه المسلمين في أمور حياتهم ومشكلاتهم الكبرى، وظل هو المكان الذي يعلم فيه الفقهاء الكبار فتاواهم وأصول مذهبهم، وكان للأقباط كتاتيبهم أيضا، ويتوجه الناجح من الأطفال بعدها للكاتدرائية والكنائس الكبرى من يريد الالتحاق بسلك الكهنوت.”

واستطرد كمال: “كان هذا هو تعليم العصور الوسطى، فلما عرفت مصر التعليم المدني الحديث في زمن محمد على (1805-1848)، وأصبحت هناك مواطنة وتحية للعلم وموسيقى وأنشطة ومسرح وغناء ورياضة وامتحانات، انتهى دور المساجد التعليمي وأصبح التعليم يتم في المدارس الوطنية ابتدائية وتجهيزية ومخصوصة، وإن احتفظت الكتاتيب بمكانتها كمكان مناسب للفقراء لتعليم القراءة والكتابة في الوقت الذي لم تعرف فيه مصر التعليم المجاني.”

ويكمل كمال مغيث: “أما في أيامنا هذه فلم تعرف المساجد إلا نوعين من الدروس، الأول: درس شرعي يقوم به إمام الجامع لمن يرغب من الذين يحضرون الصلاة، بعد المغرب أو بعد العشاء، وغالبا ما يتناول شئون العبادات فقط.

أما الدرس الثاني: وهو غير شرعي إذ يتم الاتفاق بين إمام المسجد أو حتى خادمه بفتح المسجد بعد صلاة العشاء لأحد الأساتذة، كمكان بديل “للسنتر”، مقابل النسبة المناسبة من فلوس الطلاب، وفي هذه الحالة فإن المسجد يُستخدم كمجرد مكان للدرس الخصوصي، فالطلاب يعرفون معلمهم ويقصدونه في المكان الذي حدده لهم.”

بالفعل المساجد أصبحت أكثر من حاجة الناس كقول الرئيس، وتساءل مغيث: “ومن المسئول عن وضع سياسات لبناء الجوامع أو المساجد؟ ليت الحكومة هي التي تقرر ذلك، وبحكم سكنى. مَنْ المسئول عن بناء مسجدين هائلين في وسط شارع 9 في المقطم بينما المكان يكتظ بالمساجد الكبيرة: الحمد وبلال ومستورة وغيرهم؟

وعن حلول لمشكلة عدم وفرة المدارس، اقترح مغيث أن يحصل التعليم على حقه من إجمالي الإنفاق الوطني 4%، بينما يحصل الآن على نصفهم فقط،  عندها يمكننا تعيين الـ 600 ألف معلم العجز في المعلمين،  وعندها يمكن أن نبني آلاف المدارس، ونرتفع بمرتب المعلمين للحدود الآدمية بينما هم الآن أفقر معلمي الأرض،ه ذا هو طريق حل مشكلات التعليم أما غير ذلك فهو من لغو الحديث.

 عاصم حجازي: اقتراح الرئيس خطوة إستراتيجية تعيد للمسجد دوره التاريخي كمؤسسة تربوية شاملة

على الجانب المؤيد للاقتراح، يوضح الدكتور عاصم حجازي، أستاذ علم النفس التربوي المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة، أن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للاستفادة من المساجد في دعم العملية التعليمية تمثل خطوة إستراتيجية تعيد للمسجد دوره التاريخي كمؤسسة تربوية شاملة.

ويستكمل حجازي أن هذه المبادرة تسعى إلى تحقيق جملة من الأهداف التربوية والاجتماعية المهمة، يأتي في مقدمتها استعادة الدور الشامل للمسجد، كما كان في عهد النبي محمد، حيث لم يكن المسجد فقط مكانًا للعبادة، بل مركزاً للتعلم وبناء الإنسان.

ويتابع أن هذه الخطوة تُعد حلقة من حلقات التكامل بين المؤسسات التعليمية والدينية، موضحاً أن المسجد يُعد مؤسسة تربوية فاعلة ينبغي أن تسهم بشكل مباشر في دعم التعليم، لا سيما في ظل التحديات التي تواجه العملية التعليمية مثل الكثافة الطلابية داخل الفصول.

وأشار إلى أن تفعيل الدور التربوي للمساجد سيسهم في تعزيز السلوك الأخلاقي والوجداني لدى الطلاب، من خلال تعزيز ارتباطهم بالمساجد، وغرس القيم الإيجابية في نفوسهم، ما من شأنه تقوية الانتماء والهوية الدينية في إطار من الوعي والحوار.

وأضاف أن إدخال المسجد في المنظومة التعليمية يسهم في تقديم نموذج تطبيقي يربط الدين بالحياة الواقعية، حيث يرى الطلاب في المسجد مكانًا للتعلم والثقافة والإعداد للحياة، وليس فقط لأداء الشعائر، مما يعزز وعيهم بأهمية الدين في مواجهة التحديات اليومية.

واختتم الدكتور عاصم حجازي بالتأكيد على أن هذه الدعوة من شأنها رفع مستوى التربية الوجدانية لدى الطلاب، وهي إحدى الركائز الأساسية للعملية التعليمية، موضحًا أن تفعيل هذا الدور يعزز فعالية التعليم ويرسخ قيم الانضباط والاحترام والمسؤولية

الاقتراح يثير الانتقادات ويطيح بالوحدة الوطنية وقواعد المساواة

يتناقض ذلك الاقتراح مع المادة الأولى من الدستور والتي تنص على أن المواطنة أساس لنظام الدولة، فهل سيدخل الأطفال المسيحيون للمساجد؟ وكيف سيكون حالهم لو طلب أستاذهم من الطلاب أن يصلوا ركعتين “تحية للمسجد”؟

و سوف يؤدي لتفاقم أزمة العجز في المعلمين الذي تعاني منه المدارس والذي بلغ أكثر من 600 ألف معلم، فلا يمكن أن يذهب فصل للمسجد بدون معلم، بينما يمكن في المدرسة وجود ثلاثة فصول بلا معلم واقف أمامهم اعتماداً على مرور الوكيل أو مدرس يطلب إلى الطلاب عمل شيء ويطلب من رائد الفصل كتابة أسماء المشاغبين من التلاميذ.

إذا كان من الممكن تصور درس بسيط في مسجد يقتصر على محاضرة من الأستاذ ومناقشة من التلاميذ، فما بالنا إذا كان هذا التدريس يحتاج لمعينات تعلم ووسائل إيضاح وشاشات كمبيوتر وغيرها.

و الأسئلة التي تطرح نفسها … هل ستجبر الطالبات والمعلمات غير المحجبات على ارتداء الحجاب؟ وهل ستختفي من المساجد الفصول المشتركة؟ وهل يتسع المسجد وهو بلا حوائط عازلة لثلاثة أو أربعة فصول تدرس مواد مختلفة؟ وهل سيكون التعليم في المسجد مقدمة لاختفاء الأنشطة كالرسم والزخرفة والموسيقى والتربية الرياضية تمامًا من التعليم؟ هل سيذهب المعلم والتلاميذ فقط إلى المسجد أم سوف ينتقل معهم جزء من الإدارة المدرسية، فلا شك أن الانتقال إلى المسجد هو فرصة مناسبة للتزويغ؟ وهل سيكون الانتقال إلى المسجد من نصيب الطلاب الأكبر عمرًا، إذ لا يمكن لأحد تخيل المشكلات التي من الممكن أن تنشأ من خلع مائة طفل وطفلة حتى الثالثة الابتدائي مثلا للكوتشي والشراب الذي يلبسونه بعد أن لبستهم وأحسنت رباطة رباطه أمهاتهم قبل خروجهم من البيت؟

كيف سيكون التعامل مع الطفل المسيحي خاصةً وقت إقامة الصلاة في المسجد، التي ستكون بالطبع تأديتها إجبارية على الطلبة والمدرسين في موعدها؟ وأين سيقضي الطفل المسيحي حصة التربية الدينية؟ وكيف؟

هل ستعتمد المساجد على الأئمة في التدريس؟ وإن كان ذلك صحيحًا فما هي المواد التي سيعلمونها للأطفال؟ هل يمكنهم شرح نظريات العلوم والهندسة؟ أم سنكتفي بتعليم هؤلاء مواد الفقه والشريعة؟ وكأننا نزيد من التعليم الديني على حساب التعليم العام؟… تلك الأسئلة وغيرها كثيرة تراود الأذهان وتبحث عن إجابات مقنعة شافية وافية.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا