بقلم نمرود لوبيز
نَعرِف من الكتاب المُقدَّس أنه من البداية، رفضَ الله العديد من القرابين التي قدَّمها البشرُ له ويَستمر في رَفضها حتى يومنا هذا. تُعتبر أول حالة رفض سُجِّلتْ في الكتاب المُقدَّس هي حالة قايين.
“وحدث من بعد أيام أن قايين قدم من أثمار الأرض قربانًا للرب، وقدم هابيل أيضًا من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه، ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر. فاغتاظ قايين جدًا وسقط وجهه.” (تكوين ٤: ٣-٥)
قبل أن نُجيب على سؤال: “لماذا لم يُسرالله بقربان قايين؟”، يجب علينا أن نَعرف لماذا لم يُسر الله بقايين. عندما نعرف ذلك، سنَفهم لماذا رفض اللهُ قربانه.
في علمه غير المحدود، وعلمه السابق، عرف الله أن قايين كان لديه توجه غير مُبالٍ، وقلب سريع الغضب، وشخصية مندفعة قد تقوده إلى ارتكاب أفعال طائشة وخطايا خطيرة. بقلبٍ مُثقل بالخطية، قدم قايين قُربانه إلى الله. لم يرَ اللهُ فعل قايين فقط، بل رأي دافعه وتوجه قلبه أيضًا. كان هذا هو السبب الأساسي الذي لأجله لم يُسر الله بقايين، وبالتبعية، لم يُسر بقربانه.
إنه أمر هام جدًا بالنسبة لنا أن نتعلمه هنا وهو أن القربان المرضي يجب أن يُقدم بواسطة قلبٍ خائف، والذي يجد نعمة في عيني الله، ولا يؤذي الآخرين. إنه نفس المبدأ الذي علم به المسيح (متى٥: ٢٣، ٢٤؛ قارن مع تكوين٣: ٥). وفقًا لهذه المقاطع، لا يستطيع أي شخص يُخطط شيئًا ما ضد آخر، أو يَشعر بغضب أو بغضة تجاهه، أن يُقدم قربانًا مُرضيًا لله.
إن سياق (تكوين٤: ٣-٥) هامٌ جدًا لفهم هذا المبدأ: “فقال الرب لقايين: لماذا اغتظت؟ ولماذا سقط وجهك؟ إن أحسنت أفلا رفع؟ وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة، وإليك اشتياقها وأنت تسود عليها” (تكوين٤: ٦، ٧).
في هذا المقطع، أشار اللهُ لقايين إلى أنه يَعرف بالفعل عن خطة قايين للقتل وحذَّره من أن خطيَّته على وَشك أن تقوده إلى ارتكاب أول جريمة قتل. علاوة على ذلك، شرحَ اللهُ لقايين كيف يُمكنه أن يُقبَل أمام الله. لم يَتحدَّث اللهُ عن قُربان قايين، بل عن قلبه. لذلك أكَّدَ الله قائلًا: “إن أحسنت أفلا رفع؟” (تكوين٤: ٧). ومع ذلك، تسبب تجاهل المشورة الإلهية، والمقترن بقلبٍ غاضب ومُندفع، في قيادة قايين إلى ارتكاب خطية قتل أخيه الشنيعة (تكوين ٤: ٨).
يُعلن الكتاب المُقدَّس في مُجمله صفات القُربان المُرضي لله. لا تبدأ تلك الصفات بصفات جوهرية في القربان ذاته، بل بصفات أولئك الذين يقدمونه. ينبغي أن يقودنا هذا إلى السؤال عن أنه:
عندما أُقدم قربانًا لله، هل أنا مقبول أمامه؟
بِفَضل الفداء، فإننا نحن مَن نُؤمن بالمسيح مقبولون في المحبوب (أفسس١: ٣-٦). مع ذلك، يُطالب الله بأن نُثمر ثمر التوبة وأن نُمارس الأعمال الصالحة التي يُطالب بها (أفسس٢: ١٠). يُعطينا يوحنا بعض النصائح المناسبة هنا:
“كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية، لأن زرعه يثبت فيه، ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله. بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس: كل من لا يفعل البر فليس من الله، وكذا من لا يحب أخاه. لأن هذا هو الخبر الذي سمعتموه من البدء: أن يحب بعضنا بعضًا. ليس كما كان قايين من الشرير وذبح أخاه. ولماذا ذبحه؟ لأن أعماله كانت شريرة، وأعمال أخيه بارة” (١يوحنا٣: ٩-١٢).
يَكشف هذا المقطع عن أن أعمال قايين كانت شريرة إذ “كان قايِين من الشريرِ” (١يوحنا٣: ١٢). لذلك، بالنسبة لله، لا يُقاس القُربان المقبول بمعايير البشر من حيث الكمية والجودة، أو إذا قدمت خضراوات أو حيوانات. إن المفتاح لكون القربان مقبولًا هو أن يقدمه قلب ينتمي لله، ويطيعه ويحب الآخرين (هوشع٦: ٦). لم يجد الله هذه الصفات في قلب قايين، ولذلك لم يُسر الله بقربانه. تذكر كلمات ربنا يسوع المسيح: “فإن قدمت قربانك إلى المذبح، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك، فاترك هناك قربانك قدام المذبح، واذهب أولا اصطلح مع أخيك، وحينئذ تعال وقدم قربانك” (متى٥: ٢٣، ٢٤).