كل أم لديها موقف من استخدام أبنائها موبيلاتهم وألعاب الفيديو، وهو موقف مبني على مخاوف من احتمال تأثر إدراكهم وصحتهم العقلية تأثرًا سلبيًا.
دفعت تلك المعتقدات الأمهات إلى اتباع نهج مقيّد لاستخدام الإنترنت، ومنع الابن من استخدامه في أشهر الدراسة، إلا عند الضرورة. لكن الحقيقة أن حرمان الأبناء من تلك الوسائط ينطوي على أضرار أسوأ من فرط استخدامها.
لماذا ينبغي إتاحة الإنترنت لأبنائك؟
أجرى باحثون في قسمي العلوم الاجتماعية والإعلام في جامعة ميشيجان دراسة -شملت 3258 مراهقًا- للمقارنة بين المراهقين المحرومين من الاتصال بالإنترنت، وأولئك الذين يستخدمونه استخدامًا حرًا وتساعدهم أسرهم على التحكم في الوقت الذي يمضونه عليه.
اكتشف الباحثون جانبًا أكبر من الترفيه؛ إذ تسهم تلك الوسائط في تكوين الهوية، وتوفر قنوات للدعم الاجتماعي، وتمد المراهق بالمعلومات وفرص المشاركة، كما أن كل ساعة يمضيها المراهق مستخدمًا هاتفه تضمنت 21 دقيقة من التواصل مع أصدقائه.
نشر الباحثون نتائج الدراسة أغسطس، وأكدوا أن المراهقين المنعزلين عن تقنيات اليوم، نتيجة تحكم الأهل أو ضعف البنية التحتية، كانوا أكثر انعزالاً عن أقرانهم. كما أنهم يصارعون أزمات متعلقة باحترام الذات، والتعامل مع الأقران والأسرة والمدرسة. وتراجع مستوى الصحة العقلية والنفسية لدى المحرومين من الإنترنت إلى 50% أقل مقارنة بمستخدمي الإنترنت.
كما كشفت نتائج الدراسة عن أن المستخدمين المعتدلين لهواتفهم الذكية يمضون وقتًا أطول مع أصدقائهم وعائلاتهم، على النقيض مما يخلّفه الحرمان من الإنترنت، من انفصال المراهق عن مصادر الترفيه والتنشئة الاجتماعية والتواصل ومشاركة الرأي.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الباحثين شددوا على عدم اعتبار منصات التواصل الاجتماعي وسيطًا آمنا للأبناء، أو إغفال أخطار التنمر والمعلومات المغلوطة على المراهقين.
الجلوس أمام الشاشات لمدة ثلاث ساعات أو أكثر يوميًا يرفع خطر الإصابة بالسكري لدى الأطفال.
هل ألعاب الفيديو مضرة؟
ربطت بحوث، أجريت في العقدين الماضيين، بين ألعاب الفيديو والزيادة اللاحقة في السلوك العدواني والاكتئاب لدى الأبناء. لكن لم يحدّ ذلك من انتشارها؛ ففي مطلع عام 2022 أظهر استطلاع أن 71% من الأطفال والمراهقين الأميركيين، بين سن عامين إلى 17 عامًا يلعبون ألعاب الفيديو، مما دفع باحثي الطب النفسي في جامعة فيرمونت إلى إجراء أكبر دراسة استقصائية لكشف آثار تلك الألعاب على تطور دماغ الأطفال والمراهقين.
استعان الباحثون بـ2217 طفلاً، بعد استثناء كثير ممن يعانون اضطرابات عصبية أو لديهم موانع التصوير بالرنين المغناطيسي، وانقسمت العينة إلى مجموعتين: أولاهما تتألف من أطفال يلعبون 21 ساعة على الأقل في الأسبوع، بينما ضمّت الثانية أطفالاً لا يلعبون ألعاب الفيديو مطلقًا.
على عكس الاعتقاد السلبي الشائع، أظهرت صور الرنين المغناطيسي لأطفال المجموعة الأولى إشارات أقوى للذاكرة العاملة، والقشرة المسؤولة عن معالجة الرؤية والانتباه والذاكرة والمهارات المعرفية.
واقترح الباحثون استخدام ألعاب الفيديو لتعزيز المرونة الإدراكية التي يحتاجها الابن في حياته اليومية، من خلال اختيار ألعاب تعتمد على تعقب الكائنات المتعددة، والتبديل السريع للانتباه، والبحث، وحل المشكلات، والإبداع، وسرعة رد الفعل، مع التشديد على ضرورة ملاحظة مدى تأثير ألعاب الفيديو على التغيرات السلوكية أو العصبية، نتيجة بعض الألعاب التي تحفز السلوك العنيف.
كيف تتحكمين في “أوقات الشاشة”؟
حدد قسم علم النفس في جامعة ولاية سان دييغو مدة ساعتين يوميًا يمضيهما المراهق أمام شاشات الحواسيب الآلية والهواتف الذكية، لحمايته من إدمان الهاتف وألعاب الفيديو، وتوفير فرصة لممارسة الرياضة، والتفاعل الاجتماعي وجهًا لوجه.
أكدت نتائج دراسة أخيرة لجامعة أكسفورد ضرورة متابعة سلوك المراهق عند استخدام الإنترنت، والانفتاح على مناقشة الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي، وأخطار استخدام الإنترنت، ومساعدة المراهق على تطوير مهاراته الاجتماعية، ومنحه حيزًا من الاستقلالية عند استخدام الإنترنت.
صنف المعهد الكندي للبحوث المتقدمة فئات المراهقين ممن يعانون تأثيرات سلبية أكبر عند استخدامهم الإنترنت، وكان انعدام وسائل الترفيه الأخرى سببًا رئيسًا في اتباع هؤلاء المراهقين سلوكًا عنيفًا، ومجادلة الوالدين.
لذلك، اقترح باحثون في جامعة كولومبيا البريطانية مشاركة المراهقين في مجموعات نشاطات تفاعلية لا منهجية، مثل الرياضة والفنون، لتقليل الوقت الذي يمضيه المراهق مستخدمًا هاتفه، ورفع مستوى الرضا عن الحياة والتفاؤل، وتقنين استخدام الهاتف للحفاظ على التواصل مع الأصدقاء وأفراد الأسرة عبر الإنترنت.
يعد تعليم الابن قواعد التنظيم الذاتي حلاً أفضل من الرقابة الصارمة، خصوصًا في مرحلة المراهقة، إذ ينبغي مشاركة الابن في وضع خطة لتقليل استخدام الشاشات، وتضم الخطة شروطًا واضحة، مثل:
ألا يستخدم الهاتف أو الحاسوب أكثر من 30 دقيقة متصلة.
أن يمارس نشاطًا حركيًا لمدة 30 دقيقة، قبل العودة إلى الهاتف.
ألا يستخدم الهاتف قبل النوم، وخلال التجمعات الأسرية، وفي أثناء الوجبات الرئيسية، وأوقات النشاطات البدنية.
منع استخدام الشاشات في غرف النوم.
تبادل الأفكار بشأن عواقب عدم الامتثال لقواعد أوقات الشاشة.