19.4 C
Cairo
الأحد, نوفمبر 17, 2024
الرئيسيةفكر مسيحيلا تُبقها معك

لا تُبقها معك

جلوريا حنا

قررتُ منذ فترة أن ألقي نظرة فاحصة على جهاز الكمبيوتر الخاص بي كي أتخلص مما لم أعد أريده. بدأت بفتح الملفات المختلفة داخله وإذا بي أكتشف أن هناك الكثير من النفايات (ملفات صغيرة تابعة لملفات أو محتويات أكبر وتُعتبر مثل البواقي وليست لها أهمية) والملفات القديمة جدًا التي لا أحتاجها، ولا أعرف منذ متى حتى موجودة بالجهاز، لكني اكتشفتُ وأنا أمسحها أنها كانت تشغل حيزًا كبيرًا من ذاكرة جهازي، حيزًا يمكنني استخدامه في محتويات أخرى أحتاج لها الآن.

تحتمل الأجهزة إدخال الكثير من الملفات والمحتويات بها، وهناك أجهزة أكبر من أخرى وتحتمل أكثر، لكن مهما وصل حجم ذاكرة تلك الأجهزة، فلا بد وأن تصل لحد لا تستطيع احتمال أكثر منه، وعندما توشك الذاكرة على النفاذ يصبح الجهاز أثقل وأبطأ، وربما لا ينجز بعض المهام بشكل فعال، وحينها لا بد من تفريغ تلك الذاكرة وتنظيفها من الملفات الزائدة أو التي لم تعد هناك حاجة لها كي تستطيع تلك الأجهزة أن تستمر بقوة.

صمم الإنسان أجهزة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي بشكل يماثل طريقة عمل العقل البشري، فنحن أيضًا لنا ذاكرة، في الواقع ربما أكثر من واحدة. تقوم تلك الذاكرة بإدخال كل الرسائل التي تصل إليها من أعضاء الإنسان المختلفة وتتأثر بها، ونوع وأهمية تلك المدخلات يؤثر كثيرًا على فاعلية عمل تلك الذاكرة وبالتالي التأثير الذي تتركه علينا؛ إذا دخلت نفايات سيتأثر سلوكنا بالسلب، وإذا دخل طعام صحي سننمو وننضج بشكل سوي.

يمتلئ العالم حولنا بهذا وتلك، ربما الأكثر الذي قد نقابله هو تلك النفايات التي نحتفظ بها من خلال عاداتنا السلبية في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، أو الاندماج والاختلاط بأصدقاء السوء، وربما أيضًا تلك الذكريات التي تقيدنا ونرفض أن نتخلى عنها بما تحمله من انطباعات وخبرات سيئة ومشاعر سلبية. ومع ذلك، نستطيع أن نجد وسط تلك النفايات الذهب، لكنه يحتاج للبحث الدقيق، هذا بالإضافة للطعام الصحي الذي يمكننا أن نجده في كلمة الله التي بين أيدينا.

عزيزي … القرار لنا، فكما كنتُ أنا مَنْ قرر -لسبب ما- إبقاء تلك الملفات عديمة الفائدة ونسيتها حتى أثَّرت على جهازي وأنا لا أعرف، كنتُ أنا أيضًا من قرر مسحها بمجرد ما أن اكتشفتها وتبين لي أثرها السلبي. وهكذا نحن؛ إما أن نختار إبقاء النفايات والسلبيات التي تأتي لنا من العالم، أو نتخلى عنها كي يكون هناك مكان للجواهر التي نجدها والتي تفيدنا في حياتنا وعلاقتنا مع الله، وكلمة الله هي التي ترشدنا لمعرفة الجوهرة الأصلية من المزيفة. فلنحذر من أن تدخل إلينا ملفات تملأ حيزًا في حياتنا وتمنع ثبات كلمة الله داخلنا، أو نسمح لآلامنا وخبراتنا السيئة أن تعيق علاقتنا معه، فنكون كالبذور التي سقطت على الطريق فخطفتها الطيور وأتلفها المارة، أو البذور التي خنقها الشوك، بل لنجعل كلمة الله هي التي تنقينا وتُخرِج تلك النفايات خارجًا فنكون كالبذور المزروعة في الأرض الجيدة ونُعطي ثمارًا.

المقاله السابقة
المقالة القادمة
مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا