مثل غيرهم من السودانيين، واجه المسيحون في السودان فصولًا من المعاناة بسبب الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكنهم دفعوا ثمنًا آخر يتعلق بتدمير وتخريب طال عددًا من مؤسساتهم الدينية والتعبدية، وفق ما ذكره مجلس الكنائس السوداني.
وأكد المجلس في بيان صدر مؤخرًا تدمير 17 كنيسة كليًا، بجانب تعرض 153 كنيسة للاعتداء، قائلًا إن أكثر من 3 آلاف شخص تعرضوا للاعتداء خلال ممارستهم العبادة بالكنائس.
اضطر معظم المسيحيين إلى الفرار من الخرطوم للنجاة من الحرب أسوةً بالملايين من مواطنيهم، وبعضهم توجه إلى مصر، وآخرون إلى مدينة “عطبرة” في ولاية نهر النيل، شمال البلاد ومدن أخرى. تحتضن ولاية الخرطوم 236 كنيسة، موزعة بين الطوائف المسيحية، وفق تصريحات رسمية لوزارة الأوقاف السودانية.
وفي ورقة بعنوان “التعديات على دور العبادة وآليات الحماية الدولية”، نشرتها وكالة السودان للأنباء، قال الأمين العام لمجلس الكنائس السوداني، عبد الله سردار، إن تكلفة إعادة إعمار الكنائس التي تم تدميرها تقدر بأكثر 9 ملايين دولار.
كانت كنيسة مار جرجس القبطية في حي المسالمة في أم درمان تعرضت إلى هجوم من مسلحين، اقتحموا الكنيسة، وطالبوا الموجودين فيها بإرشادهم عن الذهب والنقد الأجنبي، وفق ما نقلته رويترز عن شاهدين.
وقال الشاهدان لرويترز إن المسلحين اقتادوا الكاهن أثناء الهجوم إلى منزله تحت التهديد بخنجر، قبل الاستيلاء على خزانة بها ذهب وأموال، كما سرقوا سيارة.
وأضاف الشاهدان أن المسلحون قاموا بتخريب مكاتب الكنيسة ومقر الأنبا صرابامون أسقف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في السودان، الذي كان موجودًا أثناء الهجوم وتعرض للضرب بكرسي وعصي.
(ر) مواطنة قبطية، تقول إنها نجت من تحرشات ومضايقات جنسية قام بها أفراد من الدعم السريع، وتحكي أنها صبيحة يوم اندلاع الحرب كانت في الكنيسة القبطية جوار شارع النيل قرب القصر الجمهوري بالعاصمة الخرطوم حين سمعت مع الجميع إطلاق النار. لم تمض سويعات حتى اقتحم أفراد من الدعم السريع الكنسية، وطالبوا بتسليم مفاتيح السيارات، وأجبروا الأسقف على فتح الخزينة، وسرقوا منها ما يعادل 100 ألف دولار أمريكي، وكميات من الذهب والأمانات، على حد قولها.
تضيف أنّ أحد مقاتلي الدعم السريع كان ينظر إليها بـ”اشتهاء”، فتدخّل القس ج. ي. مسؤول كنيسة الشهيد العظيم مار جرجس في الخرطوم بحري، وزجره بالوعظ الديني، مذكِّراً إياه بأنّه “مسلم وصائم”، لكن الجندي رفع سلاحه في وجه الأسقف والفتيات في الكنيسة، وطالبهم بالدخول في الإسلام، وتحدث عن أخذ ريتا برفقتهم لكي يتزوجها. وبينما ملأ الرعب قلب ريتا من تنفيذ الجندي رغبته، تدخّل قائد القوة وأمر مقاتليه بالرحيل بعد انتهائهم من الاستيلاء على محتويات الكنيسة، بحسب ما تقول ريتا.
ويتبادل الجيش وقوات الدعم السريع المسؤولية عن التعديات والقصف الذي طال عددًا من الكنائس.
وفي حين يتهم الجيش قوات الدعم السريع بالوقوف وراء تلك الأحداث، يرد المتحدث باسمها أن الانتهاكات التي تطال الكنائس تقف وراءها “جماعة إرهابية متطرفة تابعة للقوات الانقلابية”.
تعصب ديني
ويرى الخبير القانوني السوداني، نبيل أديب، أن “التعديات التي تطال الكنائس والمسيحيين في السودان لا تتم على أساس تصنيف سياسي، وإنما تتم على أساس ديني”.
وقال أديب، وهو أحد أبرز الأقباط في المجال القانوني والسياسي بالسودان، لموقع الحرة، إن “التعديات عل الكنائس تتم على أساس فهم مغلوط للإسلام، وتصدر من تعصب ديني”.
وأشار إلى أن “عددًا من مقاطع الفيديو التي جرى بثها على منصات التواصل الاجتماعي، وأظهرت تعرُّض بعض الكنائس إلى التعديات، قال مطلقوها إن المتورطين فيها أشخاص يرتدون أزياء قوات الدعم السريع”.
ولفت الخبير القانوني إلى أن “ما جرى من تعديات وتخريب وتدمير للكنائس خلال الحرب الحالية لم يحدث طوال تاريخ السودان”.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن نسبة المسيحيين تقدر بـ3 في المئة من سكان السودان، البالغ عددهم نحو 45 مليون نسمة. ولكن قادة دينيين يقولون إن النسبة الحقيقية أكبر من ذلك.
وكان كبير أساقفة الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في السودان، حزقيال كندو، قال في بيان على فيسبوك، إن “قوة من الدعم السريع اقتحمت الكنيسة وسرقت سيارة”.
اتهام الطرفين
يشير عمران جدعون، وهو أحد الشباب الذين يتطوعون لخدمة الكنائس في السودان، إلى أن “التعديات على الكنائس لا تقتصر فقط على قوات الدعم السريع”، مؤكدًا “تعرض إحدى الكنائس في أم درمان إلى قصف بالمدفعية بواسطة الجيش السوداني”.
ولفت إلى أن “القصف طال كذلك المدرسة الإنجيلية السودانية العريقة، مشيرًا إلى أن “انتهاكات الجيش التي طالت الكنائس تبدو أقل من التي تورطت فيها قوات الدعم السريع”.
وكانت منظمة التضامن المسيحي العالمي أكدت تعرض المدرسة التجارية الإنجيلية والمدرسة الثانوية الإنجيلية في أم درمان، وكذلك مقر الطريقة التبشيرية الكاثوليكية في منطقة الشجرة بالخرطوم إلى اعتداءات خلال الحرب.
وبحسب إحصاءات صادرة عن مجلس الكنائس السوداني، فقد طال التدمير والتخريب كنيسة مار جرجس المطرانية، وكنيسة الأسقفية المطرانية، وكنيسة العذراء مريم المطرانية، والكنيسة الإنجيلية.
وأدت العمليات الحربية والتعديات التي تعرضت لها بعض الكنائس في الخرطوم وأم درمان إلى توقف تلك الكنائس عن الأنشطة الدينية لنحو عام.
ووفق أرقام الأمم المتحدة، أدى الصراع بين الجيش والدعم السريع إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص، وأجبر أكثر من 7 ملايين على الفرار من منازلهم، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا.
وقالت وكالات الأمم المتحدة إن نصف سكان السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، يحتاجون إلى الدعم والحماية، من جراء تداعيات الحرب التي تدور في عدد من أنحاء البلاد.