29.4 C
Cairo
الأربعاء, مايو 21, 2025
الرئيسيةتحقيقاترحل قديس المحبة والسلام والإصلاح

رحل قديس المحبة والسلام والإصلاح

رحل قديس المحبة والسلام والإصلاح
سمح بخدمة القراءة للنساء في القداس… عزز دور العلمانيين… سعى تجاه الوحدة مع الكنائ
البابا فرنسيس: كنيسة جريحة تخرج إلى العالم خير من كنيسة مريضة منغلقة

تحقيق: د. ماريانا يوسف

فقدت البشرية أحد أعظم رموز التسامح والرحمة، وركيزة من ركائز تجديد الخطاب الديني في العصر الحديث، البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان. لقد كان الراحل الكبير ضميرًا حيًا للعالم، ودرعًا حاميًا للمستضعفين، وصوتًا جريئًا في وجه الظلم والعنف والتطرف، أينما كان ومهما كانت أسبابه. لم يتوانَ يومًا عن مناصرة قضايا الفقراء والمظلومين، ومد جسور الحوار بين الأديان والثقافات، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى مَنْ يدعون إلى المحبة والسلام.

إن البابا فرانسيس لم يكن مجرد قائد ديني، بل كان رمزًا إنسانيًا عالميًا حمل رسائل التسامح والتعايش والتواضع في كل تحركاته، واختار طريق البساطة على مظاهر السلطة، وأكد أن جوهر الإيمان يكمن في خدمة الآخر، لاسيما المهمشين والمنسيين.

رحل هذا القديس منذ أيام من على أرض البشر، لكنه ترك أثرًا لا يُمحى في ضمائر الملايين … بصوته الذي نادى بالفقراء، وبأعماله التي عكست وجه الكنيسة الحقيقي، كنيسة على مثال يسوع، متجسدة بين الناس.

مَنْ هو البابا فرنسيس؟

كان البابا فرنسيس أول بابا غير أوروبي خلال 1300 عام. هذه حقائق عن حياته قبل أن يتقلد البابوية.

وُلِدَ في 17 ديسمبر 1936 باسم خورخي ماريو بيرجوليو  لعائلة هاجرت من إيطاليا واستقرت في بوينس أيرس. والتحق بمدرسة ثانوية فنية، وعمل لفترة فنيًا في مختبر للأغذية. وبعد أن قرر أن يصبح كاهنًا درس في المعهد الإكليريكي ثم انضم إلى الرهبنة اليسوعية في 1958.

وفي الفترة نفسها تقريبًا حينما كان في الحادية والعشرين من عمره، أصيب بالتهاب رئوي أدى إلى استئصال الجزء العلوي من إحدى رئتيه.

وفي أثناء دراسته، واجه منعطفًا في رحلته عندما “أعجب” بشابة التقى بها في حفل زفاف عائلي. لكنه تمسك بخططه وبعد دراسات في الأرجنتين وإسبانيا وتشيلي أصبح كاهنًا في 1969، وترقى سريعًا ليصبح الرئيس الأعلى للرهبانية اليسوعية في الأرجنتين.

وتزامن ذلك مع صعود الدكتاتورية العسكرية في الأرجنتين في الفترة بين 1967 إلى 1983، والتي شهدت اختطاف وقتل ما يصل إلى 30 ألف شخص كان يُشتبه في انتمائهم إلى تيار اليسار.

وبصفته رئيس أساقفة بوينس أيرس من 2001 إلى 2013، اصطدم البابا فرنسيس مرارًا بالحكومة الأرجنتينية، مؤكدًا على ضرورة إيلاء المزيد من الاهتمام للاحتياجات الاجتماعية. وفي 2013، صار رأسا للكنيسة الكاثوليكية، بعمر 76 عامًا. وتوفي عن 88 عامًا.

البابا فرنسيس والكنيسة القبطية المصرية … مسيرة محبة وحوار وزيارات متبادلة

مع جلوس البابا تواضروس الثاني على السدة المرقسية في نوفمبر 2012، بدأت مرحلة جديدة من الانفتاح. وبعد دعوة رسمية من الفاتيكان، قام بزيارة تاريخية إلى روما في مايو 2013. ورغم قِصر المهلة الزمنية، إلا أن البابا فرنسيس استقبل البابا تواضروس بحرارة، ودام اللقاء أكثر من 90 دقيقة، في سابقة نادرة. وقد اقترح البابا تواضروس في هذا اللقاء أن يكون 10 مايو من كل عام “يوم المحبة الأخوية” بين الكنيستين.

وفي أبريل 2017، قام البابا فرنسيس بزيارة تاريخية إلى مصر، حيث التقى البابا تواضروس الثاني في الكاتدرائية المرقسية. وشهد اللقاء توقيع التزام مشترك بالسعي نحو الوحدة الكنسية. كما أقام البابا فرنسيس صلاة مسكونية في أرض الأنبا رويس، مكرِّمًا شهداء الكنيسة البطرسية، ومشيدًا بمبادرات المحبة التي تبنتها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تجاه شقيقتها الكاثوليكية.

وفي يوليو 2018، اجتمع الباباوان مجددًا في مدينة “بارى” الإيطالية للصلاة من أجل السلام في الشرق الأوسط. وقد وصف البابا تواضروس هذا اللقاء بأنه من اللحظات النادرة في التاريخ، حيث تلاقى قادة الكنائس في محبة مسيحية خالصة، عبَّروا فيها عن رغبتهم في تعزيز حضور المسيحية في الشرق المضطرب.

وفي مايو 2023، توجّه البابا تواضروس إلى الفاتيكان للمشاركة في احتفال مرور خمسين عامًا على بدء الحوار اللاهوتي الرسمي بين الكنيستين. بدأت الزيارة بالصلاة من مزار القديس بطرس، وتضمنت لقاءً عامًا مؤثرًا بساحة القديس بطرس، حيث أكد البابا تواضروس في كلمته على عمق الحوار، بينما أشار البابا فرنسيس إلى أن دماء الشهداء هي أساس وحدة الكنيسة.

الحوار مع الأزهر.. كسر جليد السنوات

شهدت علاقة الفاتيكان بالأزهر جمودًا دام سنوات، خاصةً بعد توترات أعقبت تصريحات سابقة للبابا بنديكتوس السادس عشر. إلا أن البابا فرنسيس أعاد الحياة لهذا الحوار التاريخي، بل وارتقى به إلى مستوى الشراكة الأخلاقية والدينية في مواجهة الكراهية والتطرف. ففي عام 2016، استقبل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب في الفاتيكان، في أول لقاء من نوعه منذ عقد.

تُوِّج هذا التقارب بحدث تاريخي في فبراير 2019، حين وقع البابا فرنسيس والإمام الطيب “وثيقة الأخوة الإنسانية” في أبو ظبي، والتي دعت إلى السلام العالمي والتعايش، ورفض استغلال الدين لتبرير العنف. وقد مثّلت الوثيقة علامة فارقة في العلاقات الإسلامية-المسيحية.

البابا فرنسيس: خدمة القراءة مفتوحة للنساء في القداس… ولا لكهنوت المرأة… وتعزيز دور العلمانيين

في خطوة أثارت جدلًا داخل الأوساط الكاثوليكية، أجرى البابا فرنسيس تعديلًا على القانون الكنسي، ليُضفي الشرعية القانونية على ممارسة كانت شائعة سابقًا في العديد من الكنائس حول العالم، وهي السماح للنساء العلمانيات بالمشاركة في خدمتي القراءة والمساعدة الليتورجية خلال القداس.

ورغم هذه التعديلات، أكد البابا فرنسيس تمسكه بموقف الكنيسة التقليدي الرافض لرسامة النساء ككهنة. واستشهد بكلمات البابا يوحنا بولس الثاني القاطعة: “ليست لدى الكنيسة القدرة بأي شكل من الأشكال لمنح الرسامة الكهنوتية للنساء.”

وقد ورد هذا التأكيد في الرسالة المرافقة للمرسوم البابوي Motu Proprio Spiritus Domini، والتي شدد فيها على أن التعديل لا يمهد الطريق لكهنوت النساء.

وفي رسالة موجهة إلى رئيس مجمع عقيدة الإيمان، الكاردينال لويس لاداريا، شدد البابا على أهمية تعزيز دور العلمانيين، رجالًا ونساءً، ضمن رؤية المجمع الفاتيكاني الثاني.

بابا السلام وتدخلات إنسانية … غزة وأوكرانيا وجنوب السودان والعراق

لم يتردد البابا فرنسيس في استخدام صوته ومنصبه للدعوة إلى إنهاء الحروب، لا سيما في غزة وأوكرانيا. خلال الحرب الأخيرة في غزة، وجَّه نداءات متكررة لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين، معبِّرًا عن “ألمه الشديد” لسقوط الضحايا، خصوصًا الأطفال. ودعا المجتمع الدولي إلى العمل من أجل حل سياسي عادل ودائم في الشرق الأوسط.

أما في أوكرانيا، فقد اتخذ البابا موقفًا واضحًا منذ بداية الغزو الروسي في فبراير 2022. وصف الحرب بأنها “غير مبررة ووحشية”، وأدان بشدة استهداف البنية التحتية والمدنيين. كما أرسل مبعوثين من الفاتيكان لتقديم المساعدات الإنسانية، وكان من القلائل الذين حافظوا على قناة حوار مفتوحة مع موسكو، في محاولة لاحتواء الصراع.

وفي مارس 2021، سجّل البابا فرنسيس سابقة تاريخية بزيارته إلى العراق، كأول بابا يزور البلاد التي مزّقتها الحروب. حملت الزيارة رسائل متعددة: دعم للمسيحيين الذين عانوا الاضطهاد، ودعوة للوحدة بين الطوائف، ونداء للسلام.

وزار البابا مدنًا من بينها النجف حيث التقى المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، والموصل التي كانت معقلًا لتنظيم داعش. مشاهد زيارته للكنائس المدمّرة، وصلاته وسط الأنقاض رسَّخت صورته كقائد روحي عالمي يقف بجانب الشعوب المتألمة.

 وفي دعوة إلى التسامح ووضع حد للنزاع المسلح، ركع بابا الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس، بعد خلوة روحية غير مسبوقة في الفاتيكان، لتقبيل أقدام زعماء جنوب السودان المتحاربين السابقين، وحثهم على عدم العودة للحرب الأهلية.

وفي عام 2023، زار البابا جمهورية الكونغو الديمقراطية في مهمة دعم للسلام في بلد مزقتها الحروب الداخلية. ودعا في خطبه إلى “كسر دوامة العنف” و”التحلي بالشجاعة لبناء المصالحة”.

بابا المحبة

غسل البابا أقدام مسلمين ويهود في طقس خميس العهد، وهو تقليد يُقام عادةً للمسيحيين فقط، لكنه كسر القاعدة ليرسل رسالة محبة عالمية.

زار المسجد الأزهر في القاهرة عام 2017 وقال: “السلام وحده مقدس، ولا يجوز تبرير العنف باسم الدين.”

دعا إلى عدم الحكم على المثليين، قائلًا عبارته الشهيرة: “إذا كان شخص مثلي الجنس يسعى إلى الله ويمتلك نية طيبة، فمن أكون لأحكم عليه؟”

في لقاء مؤثر عام 2018، قام طفل صغير يُدعى “إيمانويلي” بسؤال البابا سؤالًا باكيًا: “أبي كان ملحدًا، لكنه كان رجلًا طيبًا، هل هو في السماء؟”

رد البابا فرنسيس: قال للطفل أمام الجموع: “الله هو الذي يقرر مَنْ يدخل الجنة، وهو أب محب… إن والدك كان لديه قلب طيب، وكان يحبك، وكان يُعمّد أبناءه رغم كونه غير مؤمن. هذا يدل على قلب مؤمن بالله، حتى وإن لم يعبِّر عن ذلك بالكلمات.” ثم قال: “الله لا يتخلى عن أولاده الطيبين. الله لديه قلب الأب.”

الشماتة في موت البابا

بينما يجاهد الآخر جهاد الشماتة في الموت عبر مواقع التوصل، نقدم قراءة سريعة لتصريحات البابا فرنسيس حول الأديان الأخرى.

في عام 2019، وقّع البابا فرنسيس مع شيخ الأزهر أحمد الطيب وثيقة “الأخوة الإنسانية”، وجاء فيها: “إن التعددية وتنوع الأديان واللون والجنس والعرق واللغة شاءها الله في حكمته…”

أوضح البابا فرنسيس لاحقًا في مقابلته العامة بتاريخ 3 أبريل 2019 أن ما قصده هو الإرادة السماحية. قال: “أراد الله أن يسمح بذلك: هناك ديانات عديدة… ولكن ما يريده الله هو الأخوة بيننا…”

وعلى النقيض، تنسكب تعليقات الاستهزاء والضحك على الموت على أخبار وفاة البابا فرنسيس لتفضح علّة نفسية خطيرة في مجتمعنا اسمها “الشماتة … التعصب … البذاءة … التنمر … الاستعلاء الفارغ” وغيرها من مظاهر النقص في الذوق والعقل وفي الضمير. نحن نعيش في أزمة روحية، نضحك على الجنائز، ونستنكر الرحمة، ونستبيح الأعراض، ونتلذذ بنشر الكراهية.

الموت ليس عقابًا، الموت لا يهين أحدًا، وليس بعيدًا عن أحد، ما يهين هو التعليق عليه بــــ “هاها” أو السخرية من الفقيد أو الدعاء عليه أن يكون في الجحيم. أن يموت رجل عمره 88 عامًا قضاها يدعو للسلام لا يعني أن الشامت انتصر ولا يعني أن المائت انهزم!  السخرية والشماتة تدل على خواء وضعف وقلة يقين.

تعليق خالد منتصر عن الشماتة والتشفي في وفاة بابا الفاتيكان

قال المفكر والطبيب خالد منتصر: “كيف يمكنك أن تعرف أن عقل هذه الأمة يتجه نحو الهاوية؟ عندما ترى التعليقات على خبر وفاة شخصية متسامحة مثل بابا الفاتيكان، كلها تفيض بالضحك والتشفي والسفالة.”

مضيفًا عبر حسابه على فيسبوك: “عندما تجد أساتذة ودكاترة ورجال دين يحرضون ضد زميل لهم من نفس المؤسسة الدينية، وبرلماني يرفع ضده قضية ويرغب في سجنه، كل ذلك لمجرد أنه قدم رأيًا مختلفًا من الناحية الفقهية.”

مَنْ سيخلف البابا فرنسيس على كرسي القديس بطرس؟

خطوات اختيار خليفة جديد

يتم استدعاء الكرادلة من جميع أنحاء العالم للمشاركة في الكونكلاف. يُسمح فقط لمن هم دون سن الثمانين بالتصويت. يُعزل المشاركون في كنيسة السيستين، وتُمنع عنهم جميع وسائل الاتصال حتى يتم انتخاب البابا الجديد.

يبدأ الكونكلاف بعد مرور 15 يومًا على الأقل من وفاة البابا، ولا يتجاوز 20 يومًا. ويُشترط حصول المرشح على أغلبية ثلثي الأصوات للفوز. خلال التصويت، يُطلق دخان أسود من المدخنة إن لم يُنتخب أحد، ودخان أبيض عند انتخاب البابا الجديد.

بعد انتخابه، يُسأل الكاردينال المنتخب إن كان يقبل بالمهمة كخليفة للقديس بطرس. وفي حال الموافقة، يختار اسمه البابوي الجديد ويرتدي اللباس الأبيض لأول مرة كرمز لبداية خدمته.

يطل عميد الكرادلة من شرفة كنيسة القديس بطرس ليعلن العبارة التاريخية: Habemus Papam (لدينا بابا). ثم يبارك البابا الجديد العالم من الشرفة برسالته الأولى Urbi et Orbi (إلى المدينة والعالم).

مع إغلاق باب الترشح لخلافة البابا الراحل، أعلن الفاتيكان عن أسماء 7 كرادلة يُعتبرون الأبرز في السباق نحو قيادة الكنيسة، وسط تحليلات تشير إلى معركة بين تيارات الإصلاح والمحافظين. هناك 136 كاردينالًا من جميع أنحاء العالم (أعمارهم أقل من 80 سنة) وتنطبق عليهم شروط الناخبين والمرشحين سيلتقون في اجتماعات صلاة سرّية ولعدة أيام بعد الصلاة يصوِّت كل كاردينال ضميريًا لمن يراه بمستوى هذه المسئولية الجسيمة.

ومع أن 80 في المئة من الكرادلة تم تعيينهم من قِبل البابا فرنسيس نفسه، فإن هذه ستكون أول مرة يشاركون فيها في انتخاب بابا، وهو ما يمنح العملية منظورًا عالميًا واسعًا.

ولأول مرة في التاريخ، يشكّل الأوروبيون أقل من نصف عدد مَنْ يحق لهم التصويت.

ورغم أن الكرادلة المعيّنين من قِبل فرنسيس يتفوقون عدديًا، فإنهم لا ينتمون حصريًا إلى التيار “التقدمي” أو “التقليدي”.

لذلك، فإن التكهّن بمن سيكون البابا المقبل بات أصعب من أي وقت مضى.

وهذه أبرز المرشحين:

بيترو بارولين – إيطالي – 70 عامًا

الكاردينال الإيطالي بيترو بارولين، المعروف بصوته الهادئ، شغل منصب وزير خارجية الفاتيكان في عهد البابا فرنسيس، وهو ما جعله بمثابة المستشار الأول للبابا. ويترأس أيضًا الكوريا الرومانية، وهي الإدارة المركزية للكنيسة الكاثوليكية. وقد أدّى عمليًا دور “نائب البابا”، مما يجعله بنظر البعض من أبرز المرشحين لتولي المنصب الأعلى.

ينظر إليه بعض المراقبين على أنه يفضل التركيز على الدبلوماسية والرؤية العالمية أكثر من التمسك الصارم بعقيدة الكنيسة الكاثوليكية. منتقدوه يعتبرون ذلك نقطة ضعف، بينما يرى فيه مؤيدوه مصدر قوة.

ومع ذلك، فقد عبَّر بارولين عن مواقف متشددة تجاه قضايا اجتماعية مثيرة للجدل، إذ وصف تصويتًا تاريخيًا في جمهورية أيرلندا عام 2015 لصالح تقنين زواج المثليين بأنه “هزيمة للإنسانية”.

من أصل 266 بابا، كان 213 منهم إيطاليين، ورغم مرور أكثر من 40 عامًا على انتخاب آخر بابا إيطالي، فإن التراجع في النفوذ الأوروبي داخل القيادة العليا للكنيسة قد يعني أن عودة البابا الإيطالي لن تكون قريبة.

لويس أنطونيو جوكيم تاغلي – فلبيني – 67 عامًا

الكاردينال لويس أنطونيو تاغلي يتمتع بخبرة رعوية تمتد لعقود، ما يعني أنه خدم فعليًا بين الناس كراعٍ وموجّه، وليس فقط كدبلوماسي للفاتيكان أو خبير منغلق على قوانين الكنيسة.

تلعب الكنيسة الكاثوليكية دورًا بالغ التأثير في الفلبين، حيث يُشكّل الكاثوليك نحو 80 في المئة من السكان. وتضم البلاد حاليًا خمسة كرادلة في المجمع الكنسي، وهو رقم قياسي، ما قد يشكّل كتلة ضغط مهمة إذا قرروا دعم تاغلي.

يُنظر إليه كصوت معتدل في السياق الكاثوليكي، وقد لُقّب بـ”فرنسيس الآسيوي” نظرًا لاهتمامه بالقضايا الاجتماعية وتعاطفه مع المهاجرين، وهي سمات يشترك فيها مع البابا الراحل فرنسيس.

فيما يتعلق بالمواقف الأخلاقية، يعارض الكاردينال تاغلي الإجهاض، واصفًا إياه بـ”نوع من القتل”، وهو موقف يتماشى مع عقيدة الكنيسة بأن الحياة تبدأ منذ الحمل. كما عارض القتل الرحيم.

لكن في عام 2015، حين كان رئيس أساقفة مانيلا، دعا الكنيسة إلى إعادة النظر في مواقفها “القاسية” تجاه أفراد مجتمع الميم والمطلقين والأمهات العازبات، معتبرًا أن التشدد السابق ألحق أذىً دائمًا وترك الناس يشعرون بأنهم “موصومون”، وأن كل فرد يستحق التعاطف والاحترام.

فريدولين أمبونغو بيسونغو – كونغولي – 65 عامًا

من الممكن جدًا أن يأتي البابا القادم من إفريقيا، حيث تواصل الكنيسة الكاثوليكية توسّعها وتسجيل ملايين الأتباع الجدد. ويُعد الكاردينال فريدولين أمبونغو أحد أبرز المرشحين، وهو من جمهورية الكونغو الديمقراطية.

يشغل منصب رئيس أساقفة كينشاسا منذ سبع سنوات، وقد عيّنه البابا فرنسيس كاردينالًا، ما يعكس ثقته به ومكانته في هيكل الكنيسة.

من الناحية العقائدية، يُعتبر أمبونغو محافظًا ثقافيًا، وقد عارض بشدة منح البركة لعقود الزواج بين أفراد مجتمع الميم، قائلًا إن “اتحاد الأشخاص من نفس الجنس يُعتبر مناقضًا للأعراف الثقافية وشرًا متأصلًا”.

رغم أن المسيحية هي الديانة السائدة في الكونغو الديمقراطية، إلا أن المسيحيين هناك عانوا من الاضطهاد والقتل على يد جماعات مسلحة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وفي هذا السياق، يُنظر إلى الكاردينال أمبونغو كمدافع شرس عن الكنيسة ووجودها.

ومع ذلك، فقد دعا في مقابلة عام 2020 إلى احترام التعددية الدينية، قائلًًا: “ليكن البروتستانت بروتستانت، والمسلمون مسلمين. سنتعاون معهم، لكن على كل طرف أن يحافظ على هويته.”

مثل هذه التصريحات قد تدفع بعض الكرادلة إلى التساؤل عمّا إذا كان يتبنى بالكامل رؤية الفاتيكان التبشيرية التي تهدف إلى نشر رسالة الكنيسة الكاثوليكية في جميع أنحاء العالم.

بيتر كودوو أبياه توركسون – غاني – 76 عامًا

إذا تم اختياره من قِبل زملائه، فسيحمل الكاردينال المؤثر بيتر توركسون شرف أن يكون أول بابا إفريقي منذ أكثر من 1500 عام.

وعلى غرار الكاردينال أمبونغو، سبق له أن صرّح بعدم رغبته في تولي المنصب، قائلًا في مقابلة مع بي بي سي عام 2013: “لستُ متأكدًا ما إذا كان أحد يتطلع فعلًا لأن يصبح بابا.”

وعندما سُئل عمّا إذا كان لإفريقيا أحقية في أن تقدّم البابا المقبل نظرًا لنمو الكنيسة في القارة، أجاب بأن الاختيار لا يجب أن يُبنى على إحصائيات، لأن “مثل هذه الاعتبارات تعكّر صفو الأمور”.

يُعد توركسون أول غاني يُمنح لقب كاردينال، وقد حصل عليه في عام 2003 على يد البابا يوحنا بولس الثاني.

وعلى غرار العديد من الكرادلة الأفارقة، يميل إلى المحافظة في آرائه الدينية، لكنه يتبنى مواقف أكثر اعتدالًا بشأن قضايا أفراد مجتمع الميم. فقد عبَّر في مقابلة مع بي بي سي عام 2023 عن رفضه لتجريم العلاقات بين أفراد مجتمع الميم، قائلًا إنه لا ينبغي اعتبار “المثلية جريمة” في غانا أو غيرها.

ومع ذلك، يلاحقه جدل سابق من عام 2012، حين حذَّر في مؤتمر كنسي بالفاتيكان مما وصفه بـ”انتشار الإسلام في أوروبا”، وهي تصريحات اتُّهم بأنها تنطوي على تخويف، قبل أن يُقدّم لاحقًا اعتذارًا عنها.

وتشير لائحة المرشحين إلى تنافس ثلاثي المحاور:

– الاستمرارية الإصلاحية: تمثّلها أسماء مثل بارولين وإردو، المدعومين من كتلة البابا فرانسيس.

– المحافظة الدينية  يتزعمها إيك وبورك، الرافضين لتغييرات مثل تزويج المثليين.

– التوازن الجيوسياسي: مع صعود مرشحين من أفريقيا وآسيا، في إشارة لتحول مركز ثقل الكنيسة نحو الجنوب العالمي:

ومن المقرر أن ينعقد “المجمع المقدس” خلال الأيام القادمة في سيستين كابيلا بروما، حيث سيخضع الكرادلة الـ120 للعزلة السرية حتى يتم اختيار البابا الجديد بأغلبية ثلثي الأصوات. المراقبون يتوقعون مفاجآت، لا سيما مع ضغوط لتجنب انقسامات داخل الكنيسة.

إرث البابا فرنسيس … كنيسة جريحة تخرج إلى العالم

ترك البابا فرنسيس إرثًا من التناقضات: بابا محافظ في العقيدة، لكنه ثوري في النهج. أعاد الكنيسة إلى الشوارع عبر تبني قضايا الفقراء واللاجئين، وانتقد الرأسمالية المتوحشة، قائلًا: نعيش في أكثر مناطق العالم تفاوتًا.”

رغم الخلافات، حوَّل الفاتيكان إلى منصة للحوار العالمي، من كوبا إلى جنوب السودان. كما مثّل نموذجًا أخلاقيًا خلال جائحة كوفيد، داعيًا للتضامن العالمي.

في كلمته الأخيرة قال: “لو اخترتُ بين كنيسة جريحة تخرج إلى العالم وأخرى مريضة منغلقة، لاخترت الأولى.” فهل مَنْ سيخلفه سوف يكمل ما بدأه من خدمة إصلاحية تجديدية أم سيغلق على الكنيسة من جديد ويهدم من قد بناه فرنسيس؟!

رحل قداسة البابا فرنسيس، الذي وهب قلبه للبشر جميعًا، غادر عالمنا اليوم بصمت، لم يكن مجرد بابا الكنيسة الكاثوليكية، بل كان صوتًا للضعفاء، وضميرًا حيًا للعالم، وجسرًا من الرحمة بين الأديان.

آمن بأن المحبة لا تحتاج لجواز سفر، وأن الله لا يُحب بالصوت العالي بل بالفعل الصادق … منح عمره للإنسانية، فكان حيث الجوع، حيث الألم، حيث الفرقة … هناك كان صوته ناعمًا كالصلاة، لكنه جارح كالحقيقة.

في زمنٍ يُباع فيه كل شيء، ظلّ هو يؤمن أن الإنسان لا يزال يستحق من يُنصت إليه … ويحنو عليه.

نم بسلام يا قداسة البابا، نم كما يليق بمن زرع النور في قلوبٍ كثيرة ومضى … دون ضجيج، لكن بفراغٍ لا يُملأ.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا