تحت شعار «أتؤمنينَ بهذا؟» الكنائس المصرية تصلي من أجل الوحدة لعام 2025
ميشال عبس: النُخب المصرية من مختلف الانتماءات، يتبنون خيار الوطن كأولوية
تحقيق: إيهاب قزمان
تحت شعار «أتؤمنينَ بهذا؟»، وهو مستوحى من حوار يسوع ومرثا (أخت مريم ولعازر)، خلال زيارة الرب يسوع بيت عنيا عقب موت لعازر، والوارد في إنجيل يوحنا (يو 11: 17-27)، أقيم الاحتفال السنوي بأسبوع الصلاة من أجل الوحدة تحت رعاية مجلس كنائس الشرق الأوسط..
أتى أسبوع الصلاة هذا العام بالتزامن مع الذكرى الـ1700 للمجمع المسكوني المسيحي الأول الذي عُقد في نيقية، بالقرب من القسطنطينية عام 325. ويُعتبر إحياء هذه الذكرى فرصة فريدة للتأمل والاحتفال بالإيمان المشترك للمسيحيين، كما يعبِّر عنه قانون الإيمان الذي جرت صياغته خلال هذا المجمع.
الجدير بالذكر أن «أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين» يُعد إحدى أهم المبادرات المسكونية في العالم، والتي تلتئم سنويًا للصلاة من أجل توطيد الوحدة وتعزيز الحوار والتعاون بين مسيحيي العالم من مختلف الكنائس، فضلًا عن تجاوز الخلافات والانقسامات التاريخية واللاهوتية بين الكنائس، انطلاقًا من الإيمان والإرث المشترك.
ورغم أن أسبوع الصلاة من أجل الوحدة ليس تقليدًا جديدًا، فهو مستمر منذ عام 1938، إلا أنه منذ بداية عهد البابا تواضروس، سعت الكنيسة مسعى جديدًا نحو الوحدة والإصلاح والانفتاح على الآخر. وربما يبدو ذلك الصخب الكنسي أمرًا مقلقًا بالنسبة للبعض، لكن يمكننا أن نراه من منظور آخر؛ كظاهرة صحية، بل وبداية مبشرة للتغيير والاستنارة. فالغضب والمقاومة هما ما تفعله عقولنا بالطبيعة لأن التغيير ليس سهلًا، بل هو مؤلم كالمخاض. لذلك، لا يميل البشر إلى التغيير بطبيعتهم ويفضلون الاستقرار.
وبالرغم من ذلك، لا يمكننا أن نتوقع أن يحدث التغيير في عصرنا هذا بشكل حاسم، لكن من المؤكد أن الأجيال القادمة ستحصد ما يزرعه الآن من يدفعون ضريبة الإصلاح. وربما سيسجل التاريخ أسماءهم بحروف من نور إن آمنا بهم ومنحناهم الدعم.
كتيب أسبوع الصلاة
تضمن الكتيب نصوصًا مخصصة للصلاة الجماعية أو الشخصية على مدى ثمانية أيام، تسلط الضوء في كل يومٍ على أحد التعابير الرئيسة لقانون الإيمان النيقاوي. وشملت نصوصًا من الكتاب المقدس إلى جانب «قراءات آبائية قصيرة منتقاة من مناطق وتقاليد كنسية مختلفة (اليونانية والسريانية والأرمينية واللاتينية) يرجع تاريخ معظمها إلى الألفية الأولى»، عوض التأملات المكتوبة حديثًا.
يُشار إلى أن نصوص كتيب هذا العام أعدها إخوةٌ وأخواتٌ من جماعة بوزه الرهبانية، في شمال إيطاليا، بمشاركة دائرة تعزيز وحدة المسيحيين ولجنة إيمان ونظام التابعة لمجلس الكنائس العالمي، وتولى مجلس كنائس الشرق الأوسط إعداد النسخة العربية.
فعاليات أسبوع الصلاة
كانت بداية الفعاليات في الكنيسة الإنجيلية بروض الفرج. وبمحبة واحدة، أقيمت الصلاة بمشاركة رؤساء الكنائس في مصر، الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور ميشال عبس، والأمين العام لمجلس كنائس مصر القس يشوع يعقوب، والدكتور القس جورج شاكر نائب رئيس الطائفة الإنجيلية، ومطارنة وآباء كهنة وقساوسة وأخوات راهبات وجمهور كبير من المؤمنين.
وفي كنيسة مار مرقس بالمعادي، حضر الصلاة الأنبا دانيال، مطران المعادي وتوابعها وسكرتير المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وألقى كلمة د. بهيج رمزي رئيس اللجنة التنفيذية بمجلس كنائس مصر.
وفي كنيسة العائلة المقدسة للأقباط الكاثوليك في القاهرة، ترأس الصلاة القمص د. الأب أوغسطينوس موريس راعي الكنيسة، بمشاركة ممثلي رؤساء الكنائس في مصر. وتوالت اللقاءات في كنائس مختلفة.
وتم اختتام أسبوع الصلاة في كنيسة المغارة والشهيدين سرجيوس وواخس (أبو سرجة)، حيث تعانق الجدران التاريخية روح الإيمان، واجتمعت الكنائس المسيحية لإسدال الستار على أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين، في أجواء مفعمة بالمحبة والتقارب. وقدم مايكل فيكتور رئيس لجنة الإعلام بمجلس كنائس مصر فعاليات اليوم الختامي، الذي بدأ بكلمة القس روفائيل ثروت، ممثلًا عن الأنبا يوليوس أسقف عام كنائس مصر القديمة.
ميشال عبس: النخب المصرية من مختلف الانتماءات، يتبنون خيار الوطن كأولوية
قال الدكتور ميشال عبس، الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط، نحن هنا في مصر للمشاركة في أسبوع الصلاة المخصص لوحدة المسيحيين، وهو لقاء يحتفل به المسيحيون حول العالم منذ أكثر من مئة عام. ولكن يجدر بالذكر أن مواعيد هذا الأسبوع في مصر تختلف عن تلك المتبعة في منطقة المشرق الأنطاكي.”
وأضاف”عبس ” خلال الكلمة التي القاها في افتتاح “أسبوع الصلاة من أجل الوحدة” بمقر الكنيسة الإنجيلية بروض الفرج، بان ما يلفت نظرنا في مصر هو مشهد الوحدة المجتمعية والوطنية التي يعيشها الشعب المصري، حيث تتجاوز هذه الوحدة الفروق الدينية والطائفية، ونري الشعب المصري يُظهر إجماعًا واضحًا حول وحدة الثقافة والهوية الوطنية، وهم مصممون على بذل كل جهد للحفاظ على هذه الوحدة.
واقتبس “عبس” مقولة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، “وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن”، قائلاً: “إذا ضاع الوطن، ضاع كل شيء، لكن إذا بقي الوطن، فهو سيكون الحاضن للكنيسة والجميع.”
وأوضح عبس بانه أجرى العديد من النقاشات مع النخب المصرية من مختلف الانتماءات، وكان واضحًا أنهم يتبنون خيار الوطن كأولوية، ولا يساومون في ذلك، مؤكدًا على أن “المسيحية المصرية” جزء لا يتجزأ من الهوية المصرية، حيث لا يمكن التمييز بين المصريين المنتمين إلى ديانات مختلفة، مما يجعل مصر عصية على المؤامرات ومحاولات التلاعب بمصيرها.
وتحدث الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط، عن إعجابه بالشعب المصري قائلاً: “الهدوء واللطف الذي يتمتع به الشعب المصري لا يعادله إلا صلابته في تمسكه بهويته ووطنه. هذا البلد المنظم بقوة ويقوده أشخاص ذوو رؤية واضحة، يمكنه إدارة شؤون أكثر من مئة مليون شخص بكل كفاءة.”
وأضاف “عبس”: “إنه لأمر يبعث على الفخر والاطمئنان أن نرى أكبر دولة عربية في هذه الحالة من الاستقرار والأمن، على الرغم من التحديات الاقتصادية التي يمر بها العالم والمنطقة.”
واختتم الدكتور ميشال عبس، الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط، بتأكيده على أن “أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنيسة في مصر يجب أن يصبح تقليدًا ثابتًا في أجندة الحياة المسكونية، ويجب أن يُبنى حوله مجموعة من الأنشطة الهامة مثل اللقاءات الاستشارية مع القيادات والنخب الكنيسية والمصرية، إضافة إلى إلقاء المحاضرات والكلمات في المناسبات المختلفة خلال الأسبوع.”
محطات هامة في تاريخ أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين
1740: وُلِدَتْ في اسكتلندا حركة من الجماعة الخمسينية البروتستنتية وكان هدفها الدعوة إلى الصلاة وتجديد الإيمان بالمشاركة مع جميع الكنائس الأخرى، وكان القس الإنجيلي جوناثان إدوارد يدعو إلى يوم صلاة وصوم من أجل الوحدة، كي تجد الكنائس كلها الرغبة الرسولية.
1820: نشر القس هالداين ستيوارت “مقترحات” من أجل وحدة المسيحيين الشاملة بواسطة حلول الروح القدس.
1840: دعا القس إغناطيوس سبنسر، وهو قس أنجليكاني عاد لاحقًا إلى الكاثوليكية، إلى إنشاء “اتحاد الصلاة من أجل الوحدة”.
1867: في مقدمة مقرراتها، شددت الجمعية العامة لأساقفة الكنيسة الأنجليكانية في لامبث على أهمية الصلاة من أجل الوحدة، وأعادت التذكير بهذا في الاجتماعات اللاحقة.
1894: شجع البابا لاون الثالث عشر في كتابات مختلفة على أهمية تطبيق “ثُمانية” الصلاة من أجل الوحدة في زمن العنصرة.
1908: بدأ القس بول واطسن لأول مرة بالاحتفال بثُمانية الصلاة من أجل الوحدة في نيويورك آملًا أن تصبح شائعة في الكنائس كلها.
1926: بدأت حركة “إيمان وتنظيم” بنشر مقترحات من أجل ثُمانية الصلاة من أجل وحدة المسيحيين.
1935: بدأ الكاهن الكاثوليكي بول كوتورييه بالترويج بالأسبوع الشامل من أجل الصلاة من أجل وحدة المسيحيين، والتي ترتكز على “الوحدة التي أرادها المسيح، وبالوسائل التي يريدها هو”.
1958: بدأ المركز المسكوني “الوحدة المسيحية” في ليون، فرنسا، بتحضير أسبوع الصلاة بالتعاون مع جمعية “إيمان وتنظيم” المنبثقة عن المجلس المسكوني للكنائس.
1964: البابا بولس السادس والبطريرك إثيناغوراس الأول يصليان معًا في أورشليم صلاة يسوع “لكي ما يكونوا كلهم واحدًا” (يو 17: 21).
في السنة عينها، صدر القرار حول العمل المسكوني في إطار المجمع الفاتيكاني الثاني، وشدد على أن الصلاة هي روح الحركة المسكونية، مشجعًا على المحافظة على أسبوع الصلاة من أجل الوحدة.
1966: قررت هيئة “إيمان وتنظيم”، المنبثقة عن المجلس المسكوني للكنائس وأمانة سر المجلس الحبري من أجل وحدة المسيحيين إعداد النص الرسمي لأسبوع الصلاة من أجل الوحدة كل سنة.
1968: تم الاحتفال للمرة الأولى بأسبوع الصلاة من أجل الوحدة بحسب النص الموحد الذي أعدته هيئة “إيمان وتنظيم” وأمانة سر المجلس الحبري من أجل وحدة المسيحيين.
1988: استُخدمت صلاة أسبوع الوحدة في حفل افتتاح “الرابطة المسيحية في ماليزيا”، وهي منظمة تعمل على التنسيق والربط بين جميع الطوائف المسيحية في البلاد.
1996: انضمت إلى المؤسستين اللتين تُعنيان بتحضير النص السنوي لأسبوع الصلاة منظمتان أخريان علمانيتان: الجمعية المسيحية للشبان والجمعية المسيحية للشابات.
2004: تم الاتفاق بين الهيئات المعدة للنص على طبع نص الصلوات تحت شكل موحد يوضع في استعمال كل الكنائس والجماعات المسيحية وباللغتين الإنجليزية والفرنسية، وذلك بمجهود مشترك بين هيئة “إيمان وتنظيم” المنبثقة عن المجلس المسكوني للكنائس وأمانة سر المجلس الحبري البابوي من أجل وحدة المسيحيين.
2008: تم الاحتفال في كل العالم، وبمبادرات متعددة ومختلفة، باليوبيل المئوي الأول لولادة أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين تحت عنوان “صلوا باستمرار” (1 تس 5: 17)، وهو عنوان يعبِّر عن فرح الكنيسة ورجائها الوطيد بتحقيق وحدة أبنائها حول جسد المسيح.