راندي نيومان
نشأتُ في بيئة يغلب عليها الشك، خلال زمن مليء بالتساؤلات، وفي ثقافة تفضل السخرية اللاذعة على التفكير الجاد. كنا نحب الشعارات البسيطة أكثر من التأملات المعقدة. كنا نستمتع بكشف نفاق المتدينين، ولكن نادرًا ما سلّطنا الضوء على افتراضاتنا الشخصية.
وفوق كل ذلك، نشأتُ في عائلة يهودية كانت تؤمن بشدة بأن “اليهود لا يؤمنون بيسوع”. لذا، وبأقل تقدير، كانت لديّ الكثير من الشكوك حول الإيمان المسيحي الذي شجعني أصدقائي على التفكير فيه. في نهاية المطاف، كان من الصعب أن أُعطي اعتبارًا لدين يُفترض أنه سيطر على ألمانيا بينما كانت تحرق ستة ملايين من أبناء شعبي اليهود. أمة “مسيحية” ظنّت أنها وجدت “الحل النهائي” لمشاكل العالم: التخلص من أمثالي.
لهذا، أتعاطف مع المشككين الذين قد يشعرون بانجذاب إلى المسيحية، لكنهم يجدون الكثير من الاعتراضات التي تُبقيهم على مسافة. إذا كنتَ تشعر بانجذاب لرسالة يسوع، لكن لا تستطيع تجاوز شكوكك، ربما سيساعدك أن أشاركك كيف تعاملت مع شكوكي.
الخروج من العبثية
كما ذكرت، كانت هناك عدة عوامل أبعدتني عن قبول الإيمان المسيحي. بالإضافة إلى ما سبق، غمرت نفسي في الأدب العبثي والكوميديا لعدة سنوات مع بداية دراستي الجامعية. صنعت لنفسي “كوكتيلًا فكريًا” من أعمال صامويل بيكيت، وكورت فونيجت، ووودي آلن -مع كميات كبيرة من الكحول. كان هناك الكثير من الضحك، والمزيد من التهكم، وشعور كبير بالمتعة. لكن كانت هناك آثار جانبية أيضًا- ولم تكن كلها من الكحول. فعندما يزول سُكر الضحك، تترك العبثية الذهن والقلب في فراغ وجودي.
مغمورًا في هذا العبث، تابعت البحث عن شيء يسمو في عالم الموسيقى. حضرت حفلات موسيقية، وتمرنت، وعزفت، واستمعْتُ بيأس، على أمل أن أجد بوابة إلى عالم فوق طبيعي أو إلهي. لكن كل مقطوعة، وكل حفل، وكل تجربة، كانت تتركني خائبًا.
كنت أعيش نوعًا من الخيبة المزمنة التي وصفها سي. إس. لويس في كتابه المسيحية المجردة، في الفصل المسمى “الرجاء”. ورغم أنني لم أكن قرأت شيئًا للكاتب حينها، كانت حياتي تعكس صحة ما قاله. فبما أن حتى أفضل تجاربي كانت غير مشبعة، كان بإمكاني أن أختار واحدًا من ثلاثة ردود أفعال:
أن أتبنى المتعة الخالية من الله، وأواصل ملاحقة اللذات الوقتية المُسكرَة.
أن أتبنى السخرية، وأرفض أي أمل في أن تكون للحياة معنى نهائي.
أن أتبنى الاحتمال، كما قاله لويس ببراعة: “إذا وجدت في نفسي رغبة لا يمكن لأي تجربة في هذا العالم أن تُشبعها، فالتفسير الأرجح هو أنني خُلقت لعالم آخر.” (المسيحية المجردة، ص136–137)
وبما أن الخيار الثالث هو الوحيد الذي منحني رجاءً، فقد دفعني إلى قراءة نسخة من العهد الجديد كان أصدقائي قد أعطوني إياها قبل سنوات. وجدت يسوع فيها شخصية جذابة، عبقرية، مليئة بالتحدي، وتحمل القدرة على التغيير. ومع أن اعتراضاتي وشكوكي لم تختفِ ببساطة، فإن قوة رسالة يسوع وحياته بدأت تطغى على شكوكي. لقد رجّح -ولا يزال يُرجح- الكفة لديّ.
“إلى أين ستقودك معتقداتك الحالية في المستقبل، خاصة في نهاية حياتك الأرضية؟”
غمرت نفسي أيضًا في البحث عن إجابات لأسئلتي، وأصررت على إيجاد أقوى الحجج المتاحة. رغم أن بعض ما قرأته كان جافًا مقارنةً بعظمة إنجيل متى، إلا أنه كان ضروريًا. كنت بحاجة إلى التعامل بجدية مع شكوكي بشأن موثوقية الكتاب المقدس، وتاريخية القيامة، وصحة تفسير العهد الجديد لنبوءات العهد القديم، وعدة قضايا محورية أخرى. وفي النهاية، وجدت أن الحجج المؤيدة للمسيحية أقوى من تلك التي ضدها.
خمس مجموعات من الأسئلة
بينما كنت أبحث عن إجابات لأسئلتي حول المسيحية، وجدت نفسي أطرح أسئلة على شكوكي نفسها. بدلًا من أن أشك فقط في الإيمان، بدأت أشك في شكوكي. وفي هذه العملية، بدأت أركان عدم إيماني تشعر بالهشاشة.
إذا وجدت نفسك في وضع مشابه – منجذبًا ليسوع لكن تُبقيك الأسئلة على مسافة – أشجعك أن تشكك في شُكوكك، وتستكشف الإيمان بالمسيح بعقل منفتح. إليك خمس مجموعات من الأسئلة التي قد تساعدك:
المجموعة الأولى: ما هو الثابت؟
أين تقف على مقياس المعرفة بالإيمان المسيحي – هل تعرف الكثير أم القليل؟ ما الذي تؤمن به بالفعل في الإيمان المسيحي – ولماذا؟ ما الذي أقنعك بإمكانية صحته؟
المجموعة الثانية: ما الذي يتأرجح؟
أي أجزاء من الرسالة المسيحية تشك فيها؟ ما الذي أثار هذه الشكوك؟ هل هناك عوامل غير عقلية أدّت إلى هذه الشكوك؟ قد تشمل هذه العوامل خيبة الأمل من الله بسبب صلاة لم تُستجب، أو كارثة أو معاناة كانت “القشة الأخيرة”، أو نفاق بعض المسيحيين الذين تعرفهم، أو تقارير عن تصرفات غير مسيحية من مسيحيين.
المجموعة الثالثة: ما الذي يحتاج إلى انتباه؟
ما مدى قوة الحجج المؤيدة لشكوكك؟ هل تحدثت عنها مع شخص تثق بأنه سيعطيك رأيًا صادقًا؟ أم أنك غمست نفسك في “غرفة صدى” من الشكوك؟ هل بحثت عن أفضل الحجج المؤيدة للمسيحية – وليس مجرد “دفاعات” سطحية وسخيفة؟
المجموعة الرابعة: ما البدائل؟
هل منحت ثقتك لعقلك أكثر من اللازم وتجاهلت وفرة الحجج المؤيدة للإيمان؟ هل فكرت أنك قد تكون ضحية لـ “التحيّز الزمني” – الاعتقاد بأن الآراء الجديدة أفضل فقط لأنها حديثة؟ ما القناعات التي تشكل عماد فكرك الحالي؟ وإلى أين ستقودك معتقداتك الحالية، خاصة في نهاية حياتك الأرضية؟ هل ينتج عن شكوكك رجاء، هدف، معنى، وقوة؟
المجموعة الخامسة: ما الخطوة التالية؟
إذا آمنت (أو عدت للإيمان)، كيف سيبدو ذلك في حياتك؟ كيف قد يُغيّر ذلك حياتك؟ ما الأسئلة التي تحتاج إلى مواجهتها؟ ومع من يمكنك معالجة شكوكك؟
التغلب على عدم الإيمان
لا تزال الشكوك تظهر أحيانًا – خصوصًا عندما أسمع أخبار كوارث طبيعية مروّعة أو أرى نفاقًا في سلوك بعض المسيحيين. لكن أفضل الردود المسيحية – الجادة، والتأملية، والمبنية على الكتاب المقدس – ما زالت تتفوق على اعتراضي. أرتجف عند التفكير في كيف ستكون حياتي الآن لو لم أترك العبثية، والانحلال، والمبالغة في الملذات. ما زلت أتعجب كيف أن الله تدخّل برجائه، ومحبته، ونعمه.
آمل أن تُواجه شكوكك بأفضل ما تقدمه المسيحية. هل أنت مستعد لتردد كلمات الرجل الذي قال ليسوع ذات يوم:
“أنا أؤمن، فساعدني في عدم إيماني”؟ (مرقس 9 :24)