جلوريا حنا
تحدثت قبلًا عن إحدى القصص من سلسلة (سي. إس. لويس) للأسد أصلان وبلاد نارينا، وشرحتُ بشكل مختصر طبيعة هذه السلسلة، وأهم ما ذكرته هو أن أصلان رمز ليسوع المسيح. لكنني لم أهتم في المرة السابقة سوى بشخصية يسطاس، ولذا فلن ألقي الضوء هنا سوى على شخصية لم يُذكر عنها سوى اسمها وجملتين لا أكثر في القصة الأخيرة من السلسلة: شخصية سوزان.
نستطيع أن نجد سوزان في ثلاث قصص من السلسلة، بدايتها مع أخويها بطرس وإدمون وأختها لوسي في أول زيارة لهم إلى نارنيا، وقد أصبحت ملكة معهم عند نهاية قصة أول ظهور لهم (الأسد والساحرة وخزانة الملابس). أحبت سوزان نارينا مثل أخوتها، لكن في آخر قصة في السلسلة (المعركة الأخيرة) لم تظهر حينما ظهر كل مَنْ ذهب إلى نارنيا من عالم البشر، حيث سيبقون هناك، بل كل ما قيل عنها: «سوزان لم تعد صديقة لنارنيا»، فرغم بدايتها الموفقة، إلا أنها لم تستمر، بل جذبتها الموضة والحفلات والتزين.
نستطيع أن نجد بيننا سوزان كثيرين جدًا إذا نظرنا للواقع حولنا، وربما لأنفسنا أيضًا، فنحن نبدأ حياتنا مع المسيح ونؤمن به، لكن بعد ذلك تجذبنا مُتع العالم ولذاته من الشهرة والعلم والمال والسلطة وغيرها، فننسى الله، أو نتناساه. ولا يجب أن نقول: “لقد آمنتُ، ولن يحدث لي شيء”، فأي شخص منا مُعرَّض لأن يبتعد عن الله بالانجذاب لملذات العالم، فإيماننا لا يعني أننا لن نكون عرضة للتجربة، خاصةً إذا لم نأخذ حذرنا. وليس معنى كلامي أن الموضة أو العمل أو العلم أشياء سيئة، بل يمكن أن نتمتع بها كيفما نشاء، بشرط ألا تكون شغلنا الشاغل فنبتعد عن الله تدريجيًا.
عزيزي… تلك الجملة التي قيلت عن سوزان، تشبه ما قاله بولس عن ديماس في رسالته الثانية لتيموثاوس: “لأن ديماس قد تركني إذ أحب العالم الحاضر وذهب إلى تسالونيكي” (2تي4: 10)، بينما عندما أرسل رسالة إلى فليمون، ختمها بسلام من ديماس كأحد العاملين مع الرسول بولس. والجدير بالذكر أن رسالة تيموثاوس الثانية تاريخيًا كانت بعد رسالة فليمون، وربما كانت آخر رسالة على الإطلاق.
كلنا مُعرَّضون لهذا التغيير السيئ، فالعالم قادر بجدارة على أن يسحبنا نحوه إذا لم ننتبه، لكن كما أننا عُرضة للتجربة، فإيماننا بالله يساعدنا على النصرة. ولكي نقي أنفسنا من الوقوع فريسة لشهوات العالم، يجب أن نقضي وقتًا مع الله، سواء بشكل شخصي أو مع شركة المؤمنين، وأن ننظم وقتنا بحيث لا ينتهي يومنا دون أن نتحدث معه بالصلاة ونسمعه من خلال كلمته. ويحدثنا الرسول بولس في رسالة أفسس الإصحاح السادس عن سلاح الله الكامل والذي نستطيع من خلاله أن ننتصر. قد تكون الظروف الآن تجعلنا نلهث وراء العمل للعيش، أو نسعى لفعل أي شيء ليكون لنا شأن يساعدنا على الحياة بشكل أفضل، لكن بصلاتنا الصادقة فإن الله سيفتح لنا الأبواب، وعلينا حينها أن نستغل الفرصة، فالعلاقة مع الله هي أفضل حارس لنا من العالم.